سجلت جمعية القضاة التونسيين جملة من المؤشرات والتراجعات الخطيرة بالنسبة إلى وضع السلطة القضائية بعد دراستها مشروع الدستور في صيغته الصادرة بتاريخ 22 أفريل 2013 بخصوص السلطة القضائية، ومن أهم هذه الملاحظات الفصل في التوطئة بين التوازن بين السلط ومبدأ استقلالية القضاء الذي ذكر بعيدا عن مبدأ الفصل بين السلط. وقد أشارت الجمعية، في بيان صدر اليوم الخميس 30 ماي، إلى إقصاء مفهوم القضاء كسلطة مستقلة في الفصل 97 من المشروع الأخير من خلال تفكيك الفصل 100 من المشروع السابق وتفخيخه بالتفريق بين الموصوف وهو القضاء والصفة وهي السلطة المستقلة والتمسك بعدم اعتماد المعايير الدولية كمرجعية أساسية لاستقلال السلطة القضائية. وقد لفتت الجمعية الإنتباه إلى إلغاء تسمية المجلس الأعلى للسلطة القضائية كأثر قانوني لإلغاء مفهوم القضاء كسلطة مستقلة في باب السلطة القضائية. وأكّدت جمعية القضاة التونسيين أنّه تم إحياء المجلس الأعلى للقضاء كموروث من النظام القضائي البائد بتركيبة مختلة التوازن مخالفة للمعايير الدولية التي تقتضي أن تتركب المجالس العليا للقضاء من أغلبية جوهرية من قضاة منتخبين فإذا بنا أمام تركيبة يغلب عليها التعيين ولم ترتق حتى إلى ما تم إقراره بالنسبة إلى تركيبة الهيئة الوقتية للإشراف على القضاء العدلي. وقالت الجمعية إنّ هذا الأمر ينذر بتسييس المجلس الأعلى للقضاء ويهدد بإفراغ دوره في تحييد المسارات المهنية للقضاة عن التدخل السياسي من محتواه بل ويجعله أداة لذلك التدخل ولضرب استقلال القضاء. وأضافت جمعية القضاة التونسيين أنّ المشروع الأخير للدستور خال من أي تنصيص يتعلق بالنيابة العمومية إذ أسقط منه الفصل 114 الوارد في مشروع 14/12/2012 بالرغم من الجدل الذي ثار بعد الثورة بشأن استقلالية النيابة العمومية وإصلاحها كجهاز وظّف في السابق لخدمة أغراض النظام السياسي الدكتاتوري، وبعد النقاشات التي قامت حول الأداء الحالي للنيابة العمومية في هذه المرحلة من الانتقال الديمقراطي. وأكّدت الجمعية في نفس البلاغ أنّه كان من المفروض إبقاء وتطوير صياغة الفصل 114 بالتنصيص الواضح على استقلال النيابة العمومية عن السلطة التنفيذية وتحديد تصوّر لها من خلال تعريفها وضبط اختصاصاتها وتنظيمها وإسناد صلاحية الإشراف عليها إلى جهة قضائية. وأشار البلاغ إلى أنّه تم التراجع صلب الفصل 103 عن تجريم كل تدخل في القضاء من النسخة الأخيرة للدستور رغم إقرار ذلك المبدأ بالمسودة الأولى والمسودة الثانية للدستور والتوجه نحو التمييز صلب ذلك الفصل بين التدخل القانوني في القضاء والتدخل غير القانوني مما يؤسس للتدخل القانوني في القضاء ويشرّع لاستمرار تدخل السلطة التنفيذية ممثلة في وزارة العدل فيه عبر رئاستها للنيابة العمومية وعن طريق إشرافها على إدارة القضاء. وأكد البلاغ أنّ مشروع الدستور يبيّن في نسخته الأخيرة التمييز في الفصل 105 بين الامتناع عن تنفيذ الأحكام أو تعطيل تنفيذها بصفة غير قانونية والامتناع عن تنفيذ الأحكام أو تعطيل تنفيذها بصفة قانونية بما يؤول إلى التوسع في توقيف تنفيذ الأحكام من خلال إعطائه قوة دستورية في مس خطير باستقلال القضاء من خلال المساس من مبدأ اطلاقية وجوبية نفاذ الأحكام وخضوع الجميع إليها. واعتبرت أنّه تم التقليص في مشروع الدستور من دور القضاء والحط من موقعه كسلطة من خلال التقليص في عدد الأعضاء الذين يرشحهم المجلس الأعلى للقضاء لعضوية المحكمة الدستورية من ثمانية أعضاء على أربعة أعضاء فقط ليسوا وجوبا من القضاة وهو ما يؤسس لتسييس هذه المحكمة بغية الترشيح لأعضائها من السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية مع إمكانية إلغاء وجود القضاة بها على أهمية ما يمثلونه من ضمان الحيادية والاستقلالية والكفاءة القضائية. ونبّه المكتب التنفيذى لجمعية القضاة التونسيين كل المجتمع المدني والسياسي والمجلس الوطني التأسيسي إلى أن توازن النظام السياسي لا يتحقق فقط من خلال التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بل بالتوازن بين السلط الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية. وطالب مكتب الجمعية بأن يسعى الجميع إلى تعديل مشروع الدستور لتحقيق هذا التوازن بمراجعة مواطن الخلل بخصوص السلطة القضائية وإدخال كل التعديلات اللازمة حسب مجمل النقاط التي تمت الإشارة إليها وليس بالتركيز على تركيبة المجلس الأعلى للقضاء فقط والذى جرد من عنوان السلطة القضائية ومضامينه.