ثورة حظيت -في نفس اللحظة- بدعم الرجعية والصهيونية والامبريالية، هل تعتبر ثورة؟ لا يهمنا هنا رأي من يؤمنون "بالأمة المصرية" الذين قد يستغربون السؤال، وربما يرون في التقاء ذلك الثالوث علامة نجاح وطالع خير لثورة 30 يونيو المجيدة؛ كما لا يعنينا رأي الليبراليين الذين ارتبطوا بعلاقات وثيقة مع تلك الأطراف الثلاثة منفردة ومجتمعة، وسبق أن آكلوها وقدموا لها الخدمات الجليلة، والعراق يشهد على البعض منها. وإنما يهمنا رأي غيرهم ممن هم بين ظهرانينا والذين هللوا -منذ اللحظات الأولى- لما اعتبروه نمطا جديدا من "الديمقراطية الشعبية". وفيهم ماركسيون قرؤوا كتاب "الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية" ودرسوا كتاب "الدولة والثورة"، ونشؤوا على العداوة للولايات المتحدة باعتبارها أعلى سنام الامبريالية، كذلك فيهم قوميون أو عروبيون يحبون -وأكثر- جمال عبد الناصر وصدام حسين، وللتذكير هنا فكلا القائدين واجه الامبريالية ولم ينحن، وحارب الرجعية وحاربته، مثلما فعل مع الكيان الصهيوني. هل هؤلاء وأولئك مازالوا على رأيهم وموقفهم مما حدث في مصر على أنه "ثورة"؟ رغم ما تواتر من تضييق على الحريات، ورغم الاعتقالات السياسية، والتعذيب، وهم "الحقوقيون" بامتياز، ورغم عشرات القتلى ومئات الجرحى، ورغم هدم الأنفاق وغلق المعبر وشيطنة الفلسطينيين. ورغم الزغاريد السعودية والإماراتية، والحبور الصهيوني والأمريكي. لقد تعلمنا منذ سني التلمذة أن ثالوث الرجعية والصهيونية والامبريالية يشكل العدو الأكبر للأمة. ولكن ها هو هذا الثالوث يلتقي -كما لم يلتق سابقا- حول دعم "ثورة 30 يونيو". نعم لقد ضخّت مملكة آل سعود والإمارات مليارات الدولارات، دون أن يثير ذلك تعليقا أو سؤالا: أنى لأنظمة على قدر كبير من الرجعية أن تمد أيديها للربيع العربي، وهي التي لا يتوفر فيها الحد الأدنى من مطالب الثورات، من حرية وديمقراطية ومساواة، ولا توجد فيها مؤسسات منتخبة، وتستحوذ فيها أسرة واحدة على مقدرات البلاد الطائلة؟ ألا يهدف تدخلها إلى اقتناص فرصة للهيمنة على "أم الدنيا" أم للحيلولة دون العدوى الثورية؟ أم أن تدخلها كان لمجرد الاستجابة لطلب السيد الأمريكي تماما مثلما طلب منها سابقا تمويل احتلاله للعراق أو مساندة العدوان الصهيوني في حرب تموز؟ بمعنى أن الامبريالية الأمريكية تتآمر على الربيع العربي من خلال دعمها للانقلاب العسكري في مصر، ولا يهمها إن أدى ذلك إلى الدكتاتورية والاستبداد، أو العودة إلى حالة "الاستثناء العربي"، أو كان ذلك على حساب الديمقراطية التي طالما كانت تتشدق بها، ويتبين اليوم أن ذلك لم يكن يهدف إلا إلى ابتزاز أنظمة لا شرعية لها. وفي الأثناء لا بأس أن تبقى "إسرائيل" هي "الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط". وهنا لا يوجد أبلغ مما ورد في صحيفة هآريتس بتاريخ 11/7/2013 من اعتبار قائد الانقلاب في مصر "بطل إسرائيل الجديد". وبالفعل فالرجل سارع إلى هدم الأنفاق وغلق معبر رفح، في حين انصب مجهود الإعلام المصري على أن يجعل من الفلسطينيين هم العدو الخارجي. فهل يستحق ما وقع يوم 30 يونيو أن يسمى ثورة؟ أم أنه انقلاب عسكري ودموي أيضا؟