الجريمة الإرهابية النكراء التي تعرض لها جيشنا الوطني وذهب ضحيتها نخبة من جنوده، ستبقى ملحمة وطنية بارزة في تاريخ تونس، تكتب فيها بأحرف من ذهب أسماء الشهداء الذي راحوا ضحية الغدر الإرهابي الجبان، وأسماء قيادات وضباط وجنود جيشنا الذي حمى الثورة، واصبح بذلك اول جيش في المنطقة بل في العالم، يتصدى لحماية ثورة شعبه، ويحمي انتقاله الديمقراطي. الثورات تقوم عادة ضد أنظمة مستبدة، او عسكرية من اجل الديمقراطية، ولكن الثورة التونسية قامت تحت حماية الجيش الذي صمد في وجه المؤامرات والدعوات لإجهاضها وإيقاف مسارها. الجيش التونسي ليس جيش انقلابات ولا جيش اغتيالات ومؤامرات، بل هو جيش جمهوري يحترم المؤسسات، ويدفع ابهظ الأثمان دفاعا عنها في مواجهة الأخطار الداخلية والخارجية. الجيش التونسي لم يتأثر بالخسائر الفادحة التي تعرض لها في جبل الشعانبي منذ أسابيع، ولم ينكسر، ولم يتمرد على الشرعية، ولم ينخرط في المخططات الانقلابية. ولا شك ان هذه الجريمة النكراء ستزيده، شراسة في الدفاع عن الديمقراطية، والثورة وحق الشعب في الامن والاستقرار. ستزيد قيادته تعلقا بأداء الواجب الوطني، والحفاظ على صورة الجيش التونسي الذي اصبح بعد الثورة نموذجا للجيوش المدافعة عن الحرية والديمقراطية. الجيش التونسي مدرك لحجم المؤامرات التي تحاك للبلاد، والرهان الخائب لدى البعض لتوريطه في التجاذبات الداخلية والصراعات الحزبية، والأطماع الخارجية في ان تكون تونس مجرد مخبر للتحولات الديمقراطية. وفي مواجهة كل ذلك أثبت انه جيش محترف ومحترم ووطني وجمهوري. وأثبت للأسف انه قد يكون أكثر وعيا بالمخاطر التي تتهدد الثورة والانتقال الديمقراطي، من عديد النخب السياسية التي لم تحترم حرمة الدماء الزكية الطاهرة التي سالت في الشعانبي، ولم يرتق أداؤها السياسي بعد المذبحة الشنيعة إلى مستوى المسؤولية الوطنية الملقاة على عاتق الفاعل السياسي. قد يكون خطاب رئيس الحكومة علي لعريض خيّب الآمال في معالجته للازمة الراهنة وفي الطريقة التي طرح بها مبادرة الترويكا لتجاوزها وإنهاء المرحلة الانتقالية في اسرع وقت واقل كلفة، ولكن الخيبة كانت أكبر بعد مشاهدة وسماع التعاليق على الخطاب، والجدل حول آفاق التحول الديمقراطي في تونس. النخبة السياسية هي الخاسر الأكبر في مواجهة جيش عظيم، لأنها لم تكن في مستوى اللحظة. كان من الممكن ان يخرج ديكة السياسة بإعلان هدنة، بأن يقولوا بان ما حدث في الشعانبي جريمة في حق تونس تخفي وراءها الكثير من الشر والمكائد، والإجابة عنها يجب ان تكون في الوحدة لا الفرقة، والمصارحة لا المزايدة، والتهدئة لا صب الزيت على النار. ولكن النخبة السياسية بيمينها وشمالها غرقت في الصراعات الجانبية، هذا يتصور انه يدافع عن سلطة دائمة وآخر يتصور ان السلطة القائمة هشة يمكن الإطاحة بها بنفخة واحدة، ليعطي الجميع صورة خاطئة عن الثورة وعن الديمقراطية، التي مات جنودنا البواسل دفاعا عنها. النخبة السياسية أصبحت للأسف عبئا على الامن القومي التونسي، غير واعية بالمخاطر المحدقة بالبلاد جراء مشاحناتها، وصراعاتها، وحساباتها الضيقة. والسؤال المطروح هو متى ستستفيق من غيبوبة السلطة؟ متى ستدرك ان دماء الجنود الذين استشهدوا دفاعا عن الثورة والديمقراطية في أعناقها ورقابها؟ تحية لجيشنا الوطني ولشهدائه الأبرار. وحمى المولى عزّ وجل تونس من المكائد والشرور وانغماس نخبتها في لعبة السلطة وغنائمها.