أكد رئيس الحكومة علي لعريّض في تصريح صحفي بمناسبة اختتام الندوة السنويّة للتونسيّين بالخارج بعد ظهر اليوم الأربعاء 21 أوت أنّ المشكلات التي تتعرّض لها تونس سواء كانت سياسيّة أو أمنيّة أو اقتصاديّة أو اجتماعيّة إذا ما قارنها مع أشقائنا في بلدان الرّبيع العربي تعدّ هي الأقل وأن الشعب التونسي يبقى في المقدّمة في منحاها الإيجابي حيث أمكن له تجاوز الصعوبات والمضي قدما في معالجة مشكلات المرحلة الانتقاليّة وأنّه لا مجال لننعت أنفسنا بالفشل ولكن نقرّ في مقابل ذلك بوجود نقائص كبرى وتحديّات عديدة لكن إذا قارنها أيضا مع الدول التي عرفت ثورات قبلنا وبالنظر إلى المدّة التي أخذتها للانتقال الديمقراطي والاستقرار الأمني والاجتماعي فإننا نجد أنفسنا اليوم بعيدين كل البعد عن كلّ ما يرد في التصريحات والمقالات التي تمسّ من عزائمنا باعتبار أنّنا في الطريق الصّحيح نحو الانتقال الديمقراطي. وتطرّق رئيس الحكومة إلى التحديّات الثلاثة الكبرى التي تعترض بلادنا اليوم مؤكدا أنّ أوّلها التحدّي الأمني والذي يمس تونس وأشقائها العرب في بلدان الرّبيع العربي ويشمل مقاومة الإرهاب والعنف والفوضى بما يعنيه من بسط الأمن ومكافحة الإرهاب وملاحقته وتفكيكه والتصدّي لكل التجاوزات والفوضى والتمرّد، موضّحا أنه في هذا المستوى يمكن أن نقول أنّنا في تونس نسيطر على الأوضاع الأمنيّة ونلاحق الإرهاب ونكافحه ونفكك خلاياه وقواعده وسننتصر عليه وأمّا أن نحمّل أيّ طرف المسؤولية أو أن نوجّه اتهاما للحكومة بالتقصير أو نعتبرها الوحيدة المسؤولة عن رفع هذا التحدّي فهو أمر يتضمّن كثيرا من المغالطة باعتبار أن ما يحدث في تونس مرتبط شديد الارتباط بما يحصل في محيطها الإقليمي. وأضاف رئيس الحكومة أنّه على الجميع أن يعي بأنّ التحدّي الأمني وحماية أمن كافة التونسيّين من كل التجاوزات ليست مسؤوليّة الحكومة فحسب رغم أنّها المسؤولة الأولى عن ذلك وهي تبذل قصارى جهدها من أجل بسط الأمن وإشاعة الاستقرار مؤكدا أن المسؤوليّة مشتركة وتتحمّلها كل الأطياف السياسيّة والمنظمات المهنيّة والاجتماعيّة. وذكر رئيس الحكومة أنه ليس من الصواب أن نستغلّ الأوضاع المأساويّة الناجمة عن ظروفنا الاجتماعيّة أو عن العمليّات الإرهابيّة في نشر الإحباط في صفوف الشعب أو عن طريق تبادل التهم أو تحديد المسؤوليّات، مشدّدا على أنّنا في مثل هذه الظروف التي تمرّ بها البلاد والتي كثرت فيها التحديّات الأمنيّة وأن تكون الوحدة الوطنيّة واجب أكثر من ذي قبل وأن ترتفع القضايا الأمنيّة فوق الاعتبارات الحزبيّة والشخصيّة وأن نتحلى بأعلى درجات المسؤوليّة الأمنيّة والسياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة. وأكد علي لعريّض أنّ الهدنة والهدوء والتوافق والتشارك وتحمّل المسؤوليّة هي مطلب ملحّ في هذه الفترة، معربا عن تحيّته لكافة وحدات الأمن والجيش الوطنيين لما تبذله من تضحيات جسام، مشيرا إلى أنها تحتاج إلى مساندة الشعب ودعمه ومؤازرته من أجل دحر الإرهاب وأن نتجنّب كل ما من شأنه أن يمسّ من عزائم الأمنييّن والعسكريّين أو يحبط معنويّاتهم ملاحظا في السياق نفسه أن يكون الإعلام حرّا وعلى درجة عالية من الحرفيّة والمهنيّة والمسؤوليّة باعتبار دقة الظرف التي تعيشه البلاد والتي تحتاج إلى كل ما ينشر لتجميع الفرقاء ويقوّي الوحدة حول أهداف الثورة ومؤسّسات الدولة ودعم القدرات الأمنيّة والعسكريّة مستحثا في الأثناء كافة الإعلاميّين على عدم نشر كلّ ما يمسّ من معنويات الأمنيّين والعسكريّين أو من شأنه أن يسيء لمجهوداتهم. ورأى علي لعريّض أنّنا نحتاج اليوم إلى أن نتحرّك وفق أساليب ومناهج ديمقراطية وأن نحتجّ بذات الأساليب والمناهج ملاحظا أنّه "إذا كان منذ بداية أوّل انتخابات ديمقراطية وشفافة شهد التونسيّون والعالم على نزاهتها نلغي نتائجها ولا نترك لها الفرصة لنجني ثمارها نكون بطبيعة الحال قد كرّسنا في فلسفتنا الديمقراطية تحطيم نتائج الصندوق" مؤكدا أنّ "الديمقراطية الحقيقيّة هي العودة للشعب وتعبئته بالطرق الديمقراطيّة والتحرّك بالطرق السلميّة وأن يكون ذلك داخل المؤسّسات الدستوريّة مع الإصرار على احترام مؤسّسات الدولة وصندوق الاقتراع" مضيفا أنّه "لا ديمقراطية بدون مؤسّسات" و"لا ديمقراطية بدون احترام نتائج الصندوق" و"لا ديمقراطية دون حريّات أو دون تحرّكات سلميّة مضمونة للجميع دون استثناء". ولدى تطرّقه إلى التحدّي الاقتصادي أكد رئيس الحكومة تفهّمه لكافة مطالب الشعب وخاصّة ما يتعلق منها بالشأن الاقتصادي باعتباره تحديّا ذا أولية كبرى والمتمثل في جانب منه في تشغيل شبابنا وأن "هذه اللحظة هي لحظة لمصارحة شعبنا في الدّاخل والخارج بأنّنا حققنا نسبة من النموّ تعادل 3 بالمائة ونحن نجتهد من أجل تطوير هذه النسبة كما تمّ تحقيق تراجع في نسبة التضخّم والنزول بها من 6.4 إلى 6.2 بالمائة إضافة إلى تقليص نسبة البطالة ب 02 نقطتين في ظرف تشهد فيه البلاد ظرفا صعبا" مؤكدا أن آخر إحصائيّات الصّادرة عن المعهد الوطني للإحصاء كشفت انخفاض مؤشر البطالة بنسبة 0.6 بالمائة ممّا جعلها تضاهي 15.6 بالمائة بعد أن كانت منذ بداية الثورة في حدود 18 بالمائة. وأفاد رئيس الحكومة أنّه تمّ تحقيق نموّ في مجال الصناعة والصّادرات بالتوازي مع تقلّص منسوب الواردات في مقابل وجود تحديّات ماليّة كبرى تتمثل أساسا في مواجهة النفقات المتعدّدة ذات البعد الاجتماعي باعتبارها موجّهة لدعم المحروقات والمواد الأساسيّة من أجل المحافظة على القدرة الشرائية للمواطن حيث تمثل 3 أرباع النفقات الإضافيّة من النفقات الموجّهة للدّعم ككل لافتا النظر إلى التأثيرات السلبيّة للإضرابات والتي من شأنها أن تضرّ بميزانيّة الدولة. وأرجع علي لعريّض حساسيّة التحدّي الاقتصادي إلى فقدان بلادنا للثروات الباطنيّة واعتماد اقتصادها على الرّأسمال البشري مؤكدا أن رفع التحدّي المالي والاقتصادي يقتضي بذل مزيدا من التضحيّات والانخراط الجادّ في العمل ومراعاة إمكانيّات البلاد. أمّا بشأن التحدّي السياسي، فقد دعا رئيس الحكومة الجميع من أجل الالتفاف لتأمين انتقال ديمقراطي دون توجيه التّهم باعتبار أن البلاد تشهد تحديّات أمنيّة كبرى وهناك حوار مفتوح وموسّع سوف يفضي إلى نتائج مقبولة مؤكدا أنه لا بدّ من تجاوز التجاذبات السياسيّة والاعتبارات الحزبيّة من أجل الاهتمام أكثر بالتحديّات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وأنّ الحكومة منفتحة على كل المبادرات ومستعدّة للحوار مع كلّ الأطراف. وأكد علي لعريّض أنه يمكن للأطراف السياسية أن تتحاور فيما بينها وأن تعمل الحكومة من أجل مقاومة الإرهاب والتصدّي لكلّ الإخلالات الأمنيّة والاجتماعيّة، مشيرا إلى أنّ استهداف الحكومة أو رئيسها ليس هو المسألة الأساسيّة بل أن تضع الأحزاب مصلحة البلاد فوق كل الاعتبارات نافيا أن تكون حركة النهضة قد طرحت مسألة الترشّح للرئاسة ضمن أولويّاتها أو صلب برامجها الانتخابيّة. وجدّد رئيس الحكومة دعوة جميع التونسيّين إلى التوحّد والالتفاف من أجل تحقيق أهداف الثورة ومكافحة الإرهاب وأولويّة العمل من أجل تحقيق النماء الاقتصادي والرّفاه الاجتماعي.