هكذا اخترت عنوانا لمقالي، قد يستغرب البعض من هذا العنوان، الهجرة الاحتيالية على وزن الهجرة السرية، إلا وهي التحيل على أناس ذنبهم الوحيد أنهم أرادوا ضمان عيش كريم و راتب محترم في ظل الأوضاع الصعبة التي تعيشها البلاد التونسية وخاصة على المستوى الاقتصادي وتزايد إعداد البطالة. عندما تذهب إلى مقهى كوستا بشارع السد أو مقهى البنياري، ستجد أعدادا محترمة من التونسيين يتبادلون فيما بينهم الطرق التي تم التحيّل بها عليهم للقدوم إلى دولة قطر بغاية العمل. طرق تحيل متعددة، هدف الضحية الخروج من تونس للعمل، وهدف المتحيل المكسب السريع والغير شرعي. شهادات وحكايات يقول محدثنا أحمد ( 25 سنة ) وهو قادم من الساحل، أنه سئم البقاء في تونس بدون عمل، وعن طريق احد أصدقائه تعرف على وسيط مكتب للهجرة إلى الخليج بمدينة سوسة، قدم أوراقه كاملة وكذلك نصف معلوم عقد العمل والمتمثل في دفع 4 آلاف دينار. وعندما يتسلم العقد يكمل المبلغ المتبقي وهو 3 آلاف دينار، يعني ما مجموعه 7 آلاف دينار لعقد العمل. ويواصل أحمد في هذا الصدد "اضطررت لبيع مصوغ الوالدة وبعض المقتنيات الثمينة حتى أسدد المبلغ المطلوب.." ويضيف "عند وصولي إلى مطار الدوحة وجدت في انتظاري احد المتعاونين مع الشركة وهو مصري الجنسية، يعطيني رقم هاتفه ويقول لي حرفيا : آهلا و سهلا بيك في الدوحة، إذا احتجت أي حاجة كلمني، و يذهب في حال سبيله.." يواصل محدثنا وفي حلقه غصة لما حدث له "اضطررت للمبيت بمأوى السيارات التابع للمطار، في بادئ الأمر لم استوعب أي شيء، لأن مكتب الهجرة في تونس أعلمني أن المسكن والأكل والعمل تابع لشركة ملابس معروفة وبراتب محترم جدا، و لكن في نهاية الأمر بدأت أدرك أنني تعرضت إلى عملية تحيل.." أحمد ينصح بقية الشباب الحالمين بالعمل في دول الخليج، بالتثبت جيدا من إي عقد عمل آو تأشيرة حتى لا يعاني القادمون ما يعاينه كثير من الشباب التونسي هنا. وفي الحقيقة أحمد عيّنة من العينات الكثيرة الموجودة في دولة قطر، والمجال لا يسمح طبعا لذكرها كلها. أتفهم رغبة الشباب في البحث عن عمل، ورغبتهم في ضمان مستقبل جيد يضمن لهم الحياة و العيش الكريم، و لكن "100 خطوة و لا تنقيزة" كما يقول المثل الشعبي التونسي، يعني من المستحسن أن تكون الأمور قانونية وشرعية أفضل من هذه الطرق التي لا يجني صاحبها سوى الضرر المعنوي وخاصة المادي نظير تأشيرة لا يتجاوز سعرها الحقيقي 92 دينار (200ريال قطري). وعلى المتحيّلين أن يتقوا الله، فعمليات التحيل هذه ترقى إلى تهمة الاتجار بالبشر و عقوبتها شديدة وصارمة لما نصت عليه المواثيق والأعراف الدولية في هذا المجال. يتاجرون بأبناء البلد حتى يغنموا الأموال، كما انهم بذلك يساهمون في تصدير وجه سيء عن تونس، وإهانة متعمد للجنسية التونسية وسط الجاليات المقيمة في قطر، نظرا لأن القادمين الجدد اغلبهم من أصحاب المستوى التعليمي المتوسط و المتدني الذي يضطرهم للعمل في مجالات كانت حكرا على الهنود والفلبيينيين والنيباليين ولا يتقاضون رواتب عالية نظرا لمستوى معيشتهم المتدني في بلدانهم . سنعود إلى هذا الموضوع، ولكن من زاوية أخرى وهي أن طريقة التحيّل هذه، تحط إلى أدنى المستويات من قيمة ومستوى الجالية التونسيةبالدوحة التي تعرف إلى المدى القريب بمستواها العالي في التعليم واحترام و التعايش مع الجنسيات الأخرى.كما سنتحدث في مقال آخر عن تملص السفارة التونسية في الدوحة من واجبها تجاه أبناء تونس الذين وقعوا في براثن المتحيلين.