تونس - الاسبوعي: الهجرة..هذه الكلمة المفتاح تسللت كالعدوى في صفوف فئة الشباب خاصة حتى أضحت هاجسا بل محركا خفيا لطموحات وآمال يرونها مشروعة هناك.. بين أحضان «الجنة الموعودة» التي ترتسم شاسعة يانعة في أذهانهم.. قد تختلف الطرق والوسائل لكن الهدف واحد.. بين مجازف بحياته عبر قوارب الموت.. وبين «مقامر» بأمواله عبر شركات الخدمات المختصة في الهجرة.. هذه الشركات التي ما انفكت تعترضنا اعلاناتها تحت مسميات متعددة تناسخت وتكاثرت كالقطر مبشرة بوعود مغرية وعازفة على أوتار أحلام السفر وعقود العمل بأجور منتفخة في دول أوروبية أو خليجية لكنها غالبا ما تنتهي بعمليات تحيّل وابتزاز.. فما هي حقيقة هذه الشركات؟ وما مدى قانونيتها؟ الوقوع في الفخ! لعله من المفيد بداية أن ننطلق من شهادة أحد الشبان الذين وقعوا في فخ شركة خدمات يقول «عمار» وهو طالب مرحلة ثالثة في التاريخ «طالعت اعلان انتداب أساتذة للعمل في دولة عربية خليجية عن طريق إحدى شركات الخدمات بالعاصمة، وعلى الفور اتصلت هاتفيا بالشركة التي طالبتني بتكوين ملف يضم نسخة من شهادة الاستاذية ونسخة من بطاقة التعريف الوطنية ومبلغا قدره 250 دينارا كمعلوم تسجيل وبعد أن سلمتهم الملف والمبلغ المالي طالبوني بالعودة خلال أيام قصد ابرام عقد اتفاق في خمسة نظائر مع مدهم بمبلغ مالي آخر قدره 300 دينار وهو ما تم بالفعل بعد ان حصلت عليه في شكل سلفة من شقيقي على أن يتصلوا بي في ظرف شهرين لاستلم التأشيرة وأضيف إليهم مبلغ 1200 دينار وبحلول الاجل المحدد بادرت بمهاتفتهم فأكدوا لي أن التأشيرة لم تجهز بعد نتيجة الاكتظاظك الكبير وعليّ الانتظار مدة أخرى. ثم أعدت الكرّة مرة ثانية وثالثة دون جدوى.. فها هو السيد المدير غير موجود أو أن المكلف بالتأشيرات بصدد آداء مناسك الحج وغيرها من التعلات الواهية التي أدخلتني في دوامة الحيرة والشك.. وها أني منذ أن أمضيت عقد الاتفاق يوم 20 أوت 2008 وأنا أنتظر الى يوم الناس هذا». مكتب وهاتف وسكرتيرة! ولمزيد تسليط الضوء على حقيقة شركات الخدمات التي تنشط في مجال الهجرة اتصلنا بالسيد لطفي الخالدي نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك فأفادنا بأن هذه الشركات تتكون في معظمها بمقتضى القانون التجاري وهي على الورق تقدم خدمات لتشغيل العاطلين عن العمل خارج حدود الوطن وقد تقدم خدمات أخرى إضافية تتعلق بالسوق الداخلية للتغطية على تجاوزاتها القانونية، حيث يتم فتح مكتب مجهز بهاتف تعمل به سكرتيرة يليه الشروع في نشر إعلانات الفرص «الذهبية» للعمل بالخارج التي تشمل في بعض الاحيان عقد العمل والتأشيرة وتذكرة الطائرة لتنطلق عملية اصطياد الحرفاء مستغلين لهفة الشباب تخصيصا الحالم بالهجرة والعمل بالدول الاوروبية أو الخليجية. * خروقات قانونية وفيما يخص الوضعية القانونية لهذه الشركات أضاف السيد لطفي الخالدي أن عددا منها وضعها القانوني يبدو سليما (مقر، معرّف جبائي، سجل تجاري) وهذا لا ينفي وجود شركات وهمية تظهر وتختفي فجأة بعد الايقاع بعدد كبير من الضحايا مثلما حصل مع أحد المتحيلين في جهة توزر الذي وقع القبض عليه مؤخرا لكن الاخلالات والخروقات القانونية تتجلى على مستوى التطبيق التي تزداد حدّة في غياب المتابعة إذ أن أغلبها لا تتقيد على سبيل المثال بعدد فرص العمل المعروضة وتتجاوزها بكثير من حيث قبول الملفات بغية الربح المادي السريع، كما أن بعض العقود لها مدة صلوحية معينة تصبح لاغية بعدها يحررها أصحاب هذه الشركات بصفة فردية دون أن تخضع للتأشير من قبل السلطات المختصة وهي تحوي جملة من الفصول الضبابية وتمضى من طرف واحد مقابل مبالغ مالية متفاوتة (أنظر الوثيقة). وحذّر نائب رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك في الأخير من السقوط في فخ التحيل والابتزاز نتيجة الانسياق وراء الاوهام إذ من المستحسن أن تكون الهجرة الى الخارج عن طريق المسالك المنظمة المرتبطة بمكاتب التشغيل والعمل المستقل أو بالسفارات الاجنبية.. فهل يعقل أن يدفع المواطن مئات الدنانير يقتطعها من قوته وقوت عائلته مقابل الإمضاء على حفنة أوراق غير قانونية لا تغني ولا تسمن من جوع؟ أنور.غ للتعليق على هذا الموضوع: