(1) ... سنذْبحُ بلا رحمة جميع الذين يتناولون السّلاح بأيديهم ليقاوموا الانضواء إلى مملكتنا... ... إنّ الطبيعة نفسها هي التي خطّت مصيرنا لقيادة العالم والسيادة عليه. ... أعددنا الحركات السرية المدمّرة، والأوكار، والاعشاش الخفيّة، والدّهاليز السّوداء... ... فكلّ ضحيّة منّا تُضاهي عند اللّه ألْفا من ضحايا »الغوييم« (غير اليهود). بروتوكولات حكماء صهيون (2)... »إنّ إرهاب الأوقياء يأتي أولا وإرهاب الضّعفاء نتيجة له وردّة فعل عليه...« / الإرهاب السياسي / ص 168. فعل الاغتيال السياسي أي قتل الآخر / الخصم / العدوّ غيلة في إعداد محكم وتخطيط دقيق وتنفيذ ناجح دون ترك أثر أو دليل هو في المحصّلة تصفية هذا الآخر جسديّا وإلغاؤه وجودا وشطْبُه فعلا سياسيّا مؤثّرا، لما يمثّله من صوت احتجاج ومعارضة ورفض، ووزن وموقع وقامة في حقل من حقول العمل السياسي ومجالاته وما يُشكّله من خطر على أمن الخصم الجمعيّ واستقراره المجتمعيّ وتحقيق مشروعه الاستراتيجي. وللاغتيال ضرورة طرفان: مؤسسة منظّمة، مهيكلة، لها عقل قياديّ وبرمجة محدّدة وأدوات تنفيذ وتقنيات وإمكانات لوجستيّة هائلة. وفي المقابل: فرد أو أفراد أبدوا رفضا مطلقا لسلطة هذه المؤسسة ونظمها وقوانينها ومشروعية وجودها، واختاروا التصدي لها والنّضال ضدّها، تدفعهم أخلاقيات المقهورين النّاقمين والثائرين. إنه سلوك إرهاب الأقوياء وردّ فعل الضّعفاء (الضعفاء بمفهوم ما يتوفر لديهم والذي غالبا ما يكون محدودا قياسا بما يمتلكه الطرف الأقوى). أمّا آليات التنفيذ فتختلف هي كذلك باختلاف الإمكانيات والغايات: العقاب لغاية الرّعب والترويع والترهيب والتخويف والردع، وردّ الفعل بالتضحية بالذات والشهادة إيمانا مطلقا بعدالة قضيّته والمنجز الذي يُؤطّر في الأغلب في خانة العنف الثوريّ، أي ممارسة عنف وعنف مضاد في ميزان تختلّ كفّتاه لصالح الأقوى وأجهزته تجهيزا وتدريبا وتمويلا وتنفيذا مما يشحن الضحيّة بإرادة حديدية وتصميم فولاذيّ يفسّرهما ويبرّرهما ما لاقته من قهر وظلم. النّموذج: الإرهاب الصهيوني / الفلسطيني المجتثّ من أرضه والمشرّد في أصقاع العالم أو الوضعية الصراعية الإرهابية / الوضعية النّضالية الثّورية: بدءا... »... عندما يجد الإنسان نفسه مجرّدا من هويّته، (مقتلعا من جذوره،، بقوّة خارجية، غاصبة وقاهرة،،) تتساوى عنده القضيّة والهويّة، وتتماثل الواحدة مع الأخرى، فالقضيّة تصبح الهوية المسلوبة والنضال من أجل استردادها، والهويّة تصبح القضيّة بالذات في فعل الصّراع السياسي... من هذا المنطلق يصبح لصاحب القضيّة / الهويّة ملء الحقّ في اختيار الوسيلة التي يراها هو ناجحة وفعّالة... لأنّ هناك حقّا أسمى وأشمل يدعوه الى الحرية المطلقة، إنّه حقّ القضيّة في النضال من أجل هويّة أصحابها.. / الارهاب السياسي ص 157«. و عليه يصبح فعله النّضالي مبرّرا ومسوّغا ومشروعا، مهما كانت أشكاله وأدواته وضحاياه، وتسقط عنه صفة الإرهاب مطلقا. والضحيّة حين تجبر على التّسليم فالإستسلام بالقهر والعسف والإذلال ومضاء سكّين الجلاد، لن تكون في حاجة لأن تُدانَ أو تُحاكم أو تُجرّم، كما هي ليست في حاجة لتعاليم إنجيليّة لاهوتية حتى تشعر بتأنيب ضمير، إنّها تمنح لنفسها، ولنفسها فقط، حق استعمال جميع ما يٌُناسب عملها ونشاطها لدرءِ عدوانيّة جلاّدها. يقول الرفيق الشهيد وديع حداد: »... من حق الضحيّة أن تختار أسلوب المواجهة بالطريقة التي تريدها هي، والتي تكون في مصلحتها هي، وأن تختار أسلوب مواجهتها وتحديد موقع ومكان وتوقيت المواجهة / لست إرهابيّا ص 13 وبعيدا عن انشداد لموقف تقليديّ أو انفعال وجدانيّ مشروع أصلا، وفي قراءة موضوعيّة عميقة ورصينة وعلميّة للصراع الصهيوني/ الفلسطيني العربي، وبعيدا عن حذلقة سياسية أو تنظير سياسويّ بائس نقول دون تحفّظ بمشروعيّة كلّ أشكال النّضال الفلسطيني المتاحة في صراعه ومواجهته امبراطورية الإرهاب والاغتيال السيّاسيّين بإمتياز: دولة »إسرائيل«. لقد أُرغم الفلسطيني على ترك وطنه بقوّة السلاح وإرهاب العصابات الصهيونية المعروفة التي أصبح بعض زعمائها رؤساء حكومة العدو: (شامير وبيغن ورابين وشارون وباراك وناتنياهو... و.. و..)، وشُرّد (الفلسطيني) دون هوية، وسُلب حق الحياة في وطن، متسكّعا على أبواب العالم، فسدّ العالم أذنيه أمام مأساته، فصار مايأتيه دافعا نضاليا لأجل استرداد حقوقه وإجبار هذا العالم التكفير عن انحيازه الأعمى والاعتراف به وبحقه في استعادة ما سُلب منه. يقول الرفيق الحكيم جورج حبش: »... كان ذلك في نهاية حزيران / يونيو 1948.. كانت »اللّدّ« كغيرها من المدن والقرى الفلسطينية، تعيش حالة من الارتباك الشديد والقلق، الطّائرات تُغير وتروّع الناس.. كان الهلع والخوف يعمّان البلدة، كان الوضع رهيبا وقاسيا.. كنت في المستشفى أٌساعد الدكتور مصطفى زحلان عندما جاءت خالة أمّي الى المستشفى تسأل عني، وعندما التقيتُها طلبتْ مني أن أعود الى البيت لأنّ أمّي خائفة عليّ، رفضتُ العودة، وأصرّتْ، فأصْررْتُ بدوري، عند ذاك قالت لي: أختُك توفّيت، أختي الكبيرة التي أحبّها كثيرا (الحكيم يتذكر ويُغالب الدموع كأن ذلك حدث في الأمس يسود الصمت لحظات قبل أن يُكمل).. وفي الطريق الى البيت شاهدت النّاس في الطرقات في حالة من الذّعر الشديد، وكان القتلى والجرحى الذين أعرف بعضهم ممدّدين على جوانب الطرق، قمنا بدفْن أختي قرب البيت، إذ تعذّر الخروج الى المقبرة. ولم يكد يمرّ أكثر من ثلاث ساعات حتى داهم المقاتلون اليهود المنزل وراحوا يصرخون بنا.. »برّه.. برّه.. أخرجوا..« خرجت وأمّي وأولاد أختي وبينهم طفلة صغيرة حملناها وأقارب وجيران، لم نكن نعرف أين نذهب.. كان الجنود اليهود يقولون لنا: امشوا.. وكنّا نمشي.. كان يومًا حارّا من أيّام شهر رمضان.. وصلنا الى آخر البلدة حيث أُقيم مركز يهوديّ كبير لتفْتيش المغادرين، لم يكن معنا أيّ سلاح، ويبدو أنّ ابن جارنا، وإسمهُ أمين حنْحنْ، كان يخبّئُ بعض المال، فلم يقبل أن يفتّشوه، عندها أطلق جنديّ صهيوني النار عليه أمامنا فقتله.. ... تسألني لماذا اخترت هذا الطريق؟ هذه هي الصهيونيّة، وبعد ذلك يتحدّثون عن السّلام.. هذه هي الصهيونية التي عرفتها ورأيتها / حوار شامل مع جورج حبش ص 5 ... ص 7« ذلك هو الإرهاب الصهيوني وظروف النّكبة وآثارها العنيفة، جميعها دوافع لانتهاج الفلسطينيّ كلّ الاشكال النضالية للردّ على هذا الوضع الشاذ واللاّ معقول، وكم دفع الشعب الفلسطيني من قوافل الشهداء بالجملة والتفصيل، من القتل الجماعي والإبادة ومحو القرى والبلدات الى الاغتيالات والتصفيات حدّا نعجز معه عن حصر عدد الشهداء ضحايا الغطرسة الصهيونية وأداتها العسكرية الهائلة ومؤسستها الاستخباراتية الرهيبة: الموساد وأعوانها وعملائها. إرهاب إمبراطورية الإرهاب: »قائمة غولدا« وتشكيل فرقة اغتيالات بأمر حكوميّ رسميّ أدلى »أهارون ياريف« مدير مركز الابحاث الاستراتيجية في جامعة »تل أبيب« والذي شغل منصب رئيس الاستخبارات العسكرية الصهيونية بحديث لشبكة (B.B.C) اللندنية في سبتمبر 1993 روى فيه قصّة الاغتيالات التي نفّذتها »إسرائيل« وطالت عددا من القادة الفلسطينيين في عواصم عالميّة مختلفة بطلب وموافقة »غولدا مائير« رئيسة وزراء الكيان الصهيوني حينها في مطلع السبعينات والتي استمرّت لسنوات تالية والتي لم تتوقف الى الآن... وتلقى »زدامير« (مدير الموساد آنذاك) »لائحة غولدا ليعمل على اغتيال الفلسطينيين المدوّنين في اللاّئحة واحدا تلو الآخر، وكان إسم غسان كنغاني على رأس تلك القائمة التي ضمّت وديع حداد، كمال عدوان، كمال ناصر، أبو يوسف النجار، بسام أبو شريف، باسل الكبيسي ود. أنيس الصايغ.. قال »أهارون ياريف«: ».. كان هدفنا توصيل رسالة للفلسطينيين ولغيرهم، بأنّ من يقتل »إسرائيليا« سيظلّ مطاردا حتى في فراشه / لست إرهابيا ص 145. وبدأت التنفيذ بالاقتحام والاغتيال كما حصل من قادة فتح في شارع فردان ببيروت، أو بالطرود البريدية كالذي حصل مع بسّام ووديع ود. أنيس صايغ، أو بكواتم الصوت على جادّة شوارع عواصم أوروبية كالذي حصل مع الرفيق الشهيد باسل الكبيسي.. وتذهب غولدا.. ويأتي غيرها ويستمرّ الاسلوب ذاته مع خالد مشعل، والرئيس أبو عمار، والشيخ ياسين، وأبو علي مصطفى وأبو جهاد و... و.. وسوف تعترف »إسرائيل« رسميّا بعد إثنين وثلاثين سنة بأنّ عملاء جهاز الاستخبارات الإسرائيلي هم الذين اغتالوا عام 1972 الكاتب الفلسطيني غسّان كنغاني بزرع عبوّة ناسفة في سيّارته في بيروت، وكما ستعترف لاحقا باغتيال الشهيد وديع حداد بواسطة شكولاطة زرع في داخلها السّم وتمّ توصيلها له بواسطة عميل جنّدته الموساد. تعدّدت أشكال الاغتيالات والغاية واحدة: تصفية رموز نضاليةكبيرة طريقا لتصفية القضية وشطب الشعب. عملية اغتيال الرفيق الشهيد غسّان كنغاني بشهادةرفيقه عدنان بدر حلو: ... بعد عملية مطار »اللّد« قررت حكومة »إسرائيل« الردّ بتصفية إعلام »الجبهة الشعبية« وعلى رأسه غسان كنغاني، وكان الدكتور وديع حدّاد أوّل من شعر بوجود هذا الخطر.. وقد لاحظنا في تلك الفترة »تدفّقا« ملفتا للصحافيات الأجنبيّات و»السائحات الثوريات« اللّواتي أخذن يزرن »الهدف« و»الجبهة« بنسبة أكبر من أيّ فترة سابقة.. عندما وصلت قرابة الحادية عشرة من صباح السبت 8 جويلية 1972 الى مدخل زاروب »الهدف« ولم أجد سيّارة غسّان هناك خلافا للعادة.. ولم أكن أقدّر أن ثمّة مفاجأة مذهلة حتى فوجئت بالرفيق أبو العبد يونس هابطا من درج البناية بسرعة شديدة وهو يصيح بي: غسّان جريح.. جريح وحالته مخطرة!! ماذا؟؟ لقد فجّروا سيّارته. الآن أخبرونا من بيته وقالوا إنّه في حال خطرة. وأخيرا وصلنا الى مدخل الحديقة التي يطلّ عليها بيت غسّان من الطابق الأوّل من تلك البناية الرابضة على منحدر من الأراضي الزراعيّة. كان الطابق الأرضيّ عبارة عن »كاراج« مفتوح يضع غسّان سيارته فيه.. كان هناك سيارات وأناس كثيرون محتشدون قرب البوّابة.. وما إن أوقفت السيارة وهممت بعبور ذلك الباب حتى فوجئت بالرفيق »زكي هلّلو« صاعدا من مدرجات البستان وهو يصرخ كالملدوغ: عدنان.. عدنان.. هذا غسّان!! وتقدّم نحوي رافعا بيديه الجزء المتبقّي من جسد أبي فائز: الرأس وجزء من الصدر.. أما باقي الجسد فقد تمزق منتشرا في تلك الأرض.../ ص 183... ذلك هو نهج الإرهاب والاغتيالات الذي مازالت تسير عليه إمبراطورية القتل وأجهزتها... وذلك ما جاء في »بروتوكولات حكماء صهيون«: »سنذبح بلا رحمة جميع الذين يتناولون السّلاح بأيديهم ليقاوموا الانضواء الى مملكتنا..« تونس 08 / 01 / 2010 الإحالات: د. أنيس العكره: الإرهاب السياسي. دار الطليعة بيروت 1983 عدنان بدر حلو: مطار الثورة في ظل غسان كنفاني دمشق 2008 التجربة النضالية الفلسطينية سلسلة مرجعيات 3 / حوار شامل مع جورج حبش مؤسسة الدراسات الفلسطينية بيروت 1998. الحكيم النّعيمي: ود يع حدّاد / لست إرهابيا دمشق ط 1 2010. عجاج نويهض: »بروتوكولات حكماء صهيون« دمشق ط 1 1984.