اIBLAب من لا يعرف تلك الحروف الأربعة التي اختارها باحثون لتأسيس مركز بحوث ومجلّة ومكتبة اL'institut des belles lettres Arabesب معهد الآداب الجميلة العربية. وذلك منذ أكثر من 70 سنة. »إبلا« مجلة ومركز بحوث ومكتبة وكذلك نظرة وجهد وتواصل. مَن مِن الباحثين التونسيين والأجانب (مغاربة وأفارقة) لم يقض العديد من السنوات في رحاب هذا »المعبد العلمي الجميل«. أقولها وللصراحة لم أشعر بنفسي في راحة بال وسهولة في اقتناء المعلومة والحصول على المرجع وتسلّم الوثائق في بساطة وابتسامة ورفق ومساعدة كالتي أحاطتني أثناء القيام ببحوثي امّا لأعداد رسائل البحث أو لتأليف الكتب إلاّ في هذا المكان. كلّ الباحثين والدّارسين يقولون لك عند الشروع في البحث ابدأ »بإبلا« ثمّ »معهد بحوث المغرب العربي« التابع لسفارة فرنسا، ثمّ مكتبة العطّارين فالمكتبات الأخرى. أوّلا لطبيعة الوثائق منها النادرة التي تغطّي المخطوطات حتى منشورات »آفاق« والمناشير الطلابية مرورًا بالدّوريات التي لا تقدم كأكداس الورق بل مفهرسة في جذاذات حسب المواضيع والمؤلفين، وهاهي اليوم في متناول الباحث في أحد أجمل المواقع البحثية على شبكة »الأنترنات«. معهد »إبلا« هو ثمرة جهود »الاباء البيض« وهي جمعية مبشرين مسيحيين أسست عام 1869 بالجزائر، كما انبرت عزيمتهم عام 1926 لبعث معهد بحوث ودراسات فكانت البوابة في ضيعة بوخريص بالمرسى ثمّ نهج »فابريكات الثلج« عام 1931. وتحوّلت عام 1932 إلى موقعها الحالي بنهج »جامع الهواء« قبالة المسجد الممهور بنفس الاسم غير بعيد عن منزل المناضل الحبيب بوريبة الذي التجأ للمعهد مع زوجته وابنه لما كان الاستعمار يريد القبض عليه في أحد أيّام النضال. وتأسست المكتبة عام 1935 وهي مكتبتان الأولى للتلاميذ، تمكن لهم المراجعة في هدوء في ذلك الحي الشعبي المتوسط بين سوق العصر وباب منارة وحي السيدة ثمّ مكتبة للبحوث تعجّ بالكتب والوثائق والدوريات والمخطوطات وخاصّة مخطوطات الباحثين الذين مرّوا من هنا وهي مكتبة تحتوي على أكثر من 34000 كتابا والعديد من المخطوطات والوثائق والدوريات. وصدرت عام 1937 مجلة »ابلا« باللّغتين العربية والفرنسية لتنشر البحوث الجادّة حول جلّ المواضيع في الادب والتاريخ والاقتصاد وخاصة »الأنتربولوجيا« التي كان أوّل مؤسسيها «الأب لويس ببهرسمان« والدراسات الأدبية ومتابعة الادب التونسي الذي أبدع فيه الصديق الباحث الصامت الجدّي الاب »جان فونتان« الذي خصّ الادب التونسي بالعديد من الدراسات والاحصائيات والتحاليل وأعماله تعتبر أهم مرجع لدراسة الادب التونسي الحديث والقديم. »المعهد« والجملة هي مفخرة الدّراسات التونسية ولكن ولعنة الله على كلمة لكن حلّ الخطب الجلل منذ أيّام حين نسبت حريق بالطابق السفلى للمكتبة ليأتي على نصف المصنفات حرقا وبللا بالماء لإطفاء الحريق. ماهي ردّة الفعل لواحد مثل كاتب هذه السطور. الدّهش، الغضب، الحيرة، ماذا نفعل؟ ندائي اليوم إلى كلّ الذين كرعوا من مناهل هذه المؤسسة وكلّ من كرع من حليب علومها والذي آوته قاعتها أن يقفوا صفّا واحدًا. لا لتعزية الصديق »جان فونتان« وزملائه بل أن يقوموا بعمل واقعي وحقيقي. وقد اقترحت على الأخ سامي العوّادي الأمين العام لنقابة التعليم العالي والبحث العلمي وأتوجّه إلى العمداء والباحثين ومديري المكتبات لتنظيم تظاهرة لمساندة »إبلا« وبعث لجنة متابعة ودعم على غرار التي ننظمها لفلسطين والعراق لأنّ تلف الكتب هو تلف جزء من الذاكرة والتاريخ والفكر. واقتراحي بسيط. أن يقوم كلّ الباحثين وعلى الأقل 1000 منهم بالقيام باشتراك شرفي في المكتبة مقابل 100 دينارًا عوضا عن 20 دينارًا. مساعدة »ابلا« على حصر ما أتلف وأن نتعهّد بتجديد ماهو منشور والعمل على رقمنة ماهو غير موجود. أن يقدم كلّ باحث أعدادًا من المجلات أو نسخا من الكتب من مكتباتهم للمعهد. لنستنتج درسًا من هذه الحادثة ونفكّر في مصير كلّ مكتباتنا وأرشيفنا وذلك ببعث برنامج وطني للرقمنة والمحافظة على أرشيف مكتوب وصوتي وبصري. عزائي للأب الصديق »جون فونتان« وزملائه الذين أفنوا العمر حبّا في ثقافتنا التونسية ودعما للعلوم والاداب العربية دون تعصّب أو تحيّز وأن تكون تونس البلد الذي يُحتذى في التعايش والتسامح. فعندما قال الشيخ السينغالي »أنتا ديوب« عندما تفقد شيخا فإنّ مكتبة تحرق فلنا أن نقول أنّ في حريق كلّ مكتبة يتوقّف عدّة علماء عن العمل.