أوربان.. انتخابات البرلمان الأوروبي نجحت في إبطاء القطار الذي يقود أوروبا إلى الحرب    توقيع اتفاقية شراكة بين الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة و"الصوناد"    حماس ترحّب بقرار مجلس الأمن بشأن وقف إطلاق النار في غزة    الثلاثاء.. درجات الحرارة تصل إلى 45 درجة    المنتخب الهولندي.. دي يونغ عن يورو 2024    صفاقس جلسة بمقر الولاية لمتابعة اضطراب تزود المواطنين بالماء    أوروبية تعلن إسلامها في تونس ...    أولا وأخيرا.. العام صابة    عاجل/ الحوثيون يعلنون إلقاء القبض على شبكة تجسس أمريكية صهيونية..    وزيرة التجهيز تتباحث مع البنك الإفريقي للتنمية برامج تمويل المشاريع الجديدة لسنة 2025    نابل: حريق يأتي على 21 هكتار من ضيعات القوارص بمنزل بوزلفة    الإبقاء على مهدي زقروبة تحت مفعول بطاقة الإيداع بالسجن    اثر زيارة رئيس الجمهورية.. انطلاق اشغال تهيئة شاطئ الياسمينة بالحمامات    فيلم Furiosa في قاعات السينما التونسية: إعادة تعريف للبطلات النسائيات في صناعة السينما"    الجبل الأحمر: ينزلون تلميذا عنوة من المترو.. يعنّفونه.. ويسلبونه هاتفه    انطلاقا من يوم العيد في القاعات: فيلم يروي تفاصيل "اخفاء صدام حسين"    دار الافتاء المصرية : رأس الأضحية لا تقسم ولا تباع    تطاوين: وفاة امرأة إثر تعرضها لصعقة كهربائية    إشادة بالمشاركة "القيّمة" لتونس في مختلف البعثات الأمميّة لحفظ السلام    مونديال الأندية : ريال مدريد ينفي و يوضح    نقابة الصحفيين تطالب بالإطلاق الفوري وغير المشروط لكل الصحفيين المودعين بالسجن    العاصمة: عرض للموسيقى الكلاسيكية بشارع الحبيب بورقيبة في هذا الموعد    عاجل/ إختفاء طائرة تُقل نائب رئيس هذه الدولة    نابل: تسجيل 27 حالة غش منذ إنطلاق امتحان الباكالوريا 2024    السن الواجب مراعاته في الأضحية    نصائح لمطبخ صحي ونظيف في عيد الإضحى    عاجل/ مجلس وزاري يتخذ هذه القرارات..    للحدّ من الهجرة غير النطامية.. توقيع اتفاقية بين تونس وإيطاليا    نحو تعيين مباراة الكاس الممتازة للموسم الرياضي 2021-2022 بين الترجي الرياضي و النادي الصفاقسي    عاجل/ حادث اصطدام سيارة بعربة مترو بهذه الجهة..وهذه حصيلة الجرحى..    الكشف عن مذبح عشوائي للدواجن في أريانة    الخطوط التونسية تستعدّ: خط مباشر بين تونس والصين ابتداء من 2025    وزير الفلاحة: التغيرات المناخية خطر وعلى الدول الصناعية الكبرى تحمّل مسوؤلياتها    مطار قرطاج : ضبط أكثر من 1.5 كغ من المعدن الأصفر لدى مسافرتين    عيد الاضحى : ما هي أضرار شواء اللحوم ؟    الداخلية تعلن عن الاستعدادات الخاصة بعودة التونسيين بالخارج    لقاح للقضاء على السرطان ماالقصة ؟    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة في يوم واحد    قفصة: موظّف متورّط في ترويج أقراص المخدّرات    عاجل : رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو يستقيل    في حادثة صادمة: سيجارة إلكترونية تتسبب في انفجار رئة مراهقة..!!    تونس: إقبال كثيف على أضاحي العيد بالميزان    عاجل : ارسين فينغر في تونس و هذه التفاصيل    قطاع التامين: أقساط صافية ب 1148.2 مليون دينار في الربع الأول من العام    خبر غير سار لأحباء لاعبة التنس أنس جابر    إيطاليا تهزم البوسنة 1-صفر في المباراة الودية الأخيرة لها قبل بطولة أوروبا    حالة الطقس: الحرارة بين 25 و45 درجة مع ظهور الشهيلي بالجنوب    فرنسا تتعادل سلبيّا مع كندا في اختبارها الأخير لكأس أوروبا    بعد انسلاخ غانتس عن نتنياهو...حكومة الدم تنهار    دليل الأسبوع    فضيحة مدوية بعد انتحار 12 جنديا بسبب أهوال الحرب ..لعنة غزّة تفتك بجيش الاحتلال    معرض صفاقس الدولي الدورة 58 من 21 جوان الى 7 جويلية    الفلبين: تحظر واردات الدواجن من أستراليا لهذه الأسباب    مريم بن مامي: ''المهزلة الّي صارت في دبي اتكشفت''    موعد عيد الاضحى: 9 دول تخالف السعودية..!!    تطاوين : بدء الاستعدادات لتنظيم الدورة السابعة للمهرجان الدولي للمونودراما وإسبانيا ضيف شرف    هند صبري تلفت الأنظار في النسخة العربية لمسلسل عالمي    مُفتي الجمهورية : عيد الإضحى يوم الأحد 16 جوان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوم من بطالة عمّال مصنع «أكسيم» لصناعة الأحذية

6 أشهر كاملة قضّاها حوالي 300 عاملة وعامل، أغلبهم شباب، اعتصاما بمقر مؤسسة »أكسيم« لصناعة الأحذية واحتجاجا على بطالة فنية فُرضت عليهم في الوقت الذي كان فيه المصنع مُحافظا على أجود المصنوعات وعديد الحرفاء من كافة أرجاء المعمورة كان شعارهم خلال تلك المدة الطويلة التمسّك بموطن شغلهم وحماية تجهيزات مصنعهم، ورغم خصاصتهم وفقرهم فقد تمكنوابفضل لحمتهم وتضامنهم وتواجد الاتحاد الى جانبهم من الصمود أمام محنتهم وظهور بصيص أمل يؤشر الى امكانية عودة »أكسيم« الى نشاطه مرة أخرى.
»شخصيا عانيت عن قرب معاناتهم وتضحياتهم«، هكذا لم يُنكر الوكيل الإيطالي الجديد للمؤسسة، الذي تسلّم دفّة المعمل بعد أن فرّ صاحبه الأصلي تاركا ديونا تقارب 2 مليار، لم ينكر ما عاشه العمال خلال بطالتهم الفنية واعتصامهم من ضنك وخصاصة.
فالمعمل الذي كان في وقت مضى من أكبر المؤسسات المتخصصة في أجود الماركات العالمية في الجلود والاحذية، وأعطى فيه عماله جهدهم وحياتهم، تخلّى عنه مالكه وتركه يتخبّط في الديون، متحايلا على القانون ومتهرّبا من مستحقات العمال ليجعلهم يعيشون مع عائلاتهم أحلك الفترات وأمرّها وأكثرها احتياجا. »إنّه مورد رزقنا الوحيد الذي قدّمنا له أيّما تضحيات وأفنينا فيه أعمارنا وصحّتنا« صاحت الشابة عواطف المعتوقي التي قضّت 9 سنوات في المصنع، متسائلة عن »الذنب الذي اقترفناه لنجد أنفسنا في الشارع، وكيف سنُطعم عائلاتنا؟؟«
❊ معاناة وصمود
في الساحة الخارجية للمعمل، كلّ العلامات توحي بالقفر و»اللاحياة« التي عمّقها صفير الرياح الباردة الضاربة في جنبات الجدران بقوة وكأنها تُريد تأكيد موت المكان وانتهاء قصته الطويلة مع الشغل والكدّ والإنتاج وكل الأيام الجميلة، لكن هذه المشاهد تنتفي مع الولوج الى الداخل والاحساس بالدفء... دفء من نوع خاص.
آلات المصنع المنظمة في صفوف متوازية تشكو الصمت المطبق بعد أن كانت تتفنن في صنع أرقى المنتوجات المعدة للتصدير بأنامل العمال الذهبية وكان أزيزها يلطم الجدران، أما الآن فهي ساكنة، خاشعة، نائمة تحت عيون المعتصمين الذين يحافظون عليها من التلف والصدإ بلفّها بأغطية من البلاستيك أو القماش وبتنظيفها من وقت لآخر في انتظار اليوم »الموعود« لتنشط من جديد.
يقول الكاتب العام للنقابة الأساسية الاخ عبد الله الزعيبي أن »من أولويات هذا الاعتصام هو حماية الآلات والمحافظة عليها من النهب والتلف، كما كنا نتعاون في كل مصاريفنا خلال مدة البطالة، وخلقنا لٌحمة لا توصف بالتضامن والتآزر في مشكلتنا هذه، حتى أننا نقتسم الخبزة وعلب السجائر والفراش«، فعلى إثر إعلان البطالة الفنية، نظم العمال أنفسهم وقسّموا المهام فيما بينهم، لتأتي مجموعة بالأغطية والمفروشات وآخرون بالزيت والخضراوات وكل ما يمكن ان تجود به أيديهم الضعيفة رغم »موت الشهرية« والتأخر غير المبرّر للإعانة الاجتماعية البسيطة (200د للمرسمين و100د للمتعاقدين!).
كما أصبحت المغازة مثلا، التي كانت في السابق تعجّ بلفائف الجلد والمواد الأولية، موقعا لنوم عشرات المعتصمين الذين افترشوا الأرض بالورق المقوّى أو بقايا من الجلد الذين كان يُستخدم في العصر الذهبي للمصنع أو صنعوا من الاعمدة المعدنية أسرّة يقضّون عليها الليالي الطوال التي لا تنتهي وهم منشغلون ببكاء أطفالهم المحرومين من الفرح بالثياب الجديدة وكبش الإضحى طيلة عيدين كاملين.
وفي إحدى الزوايا من المعمل الفسيح، يشكّل العمال حلقات ومجالس لتبادل الآراء حول ظاهرة الغلق الفجئي غير القانوني التي استفحلت في القطاع وتحيّل الأعراف وما تم تأكيده مؤخرا حول إمكانية عودة »أكسيم« الى النشاط، هذه الحلقات تؤثثها إما أباريق الشاي أو أواني »الشكشوكة« و»المحمّصة« والتي رغم مكوناتهما البسيطة فإنهما يمتلكان مذاقا خاصا لكأنّّه يلخّص مأساة كل عاملة وعامل من المؤسسة.
هذه الأكلات يتم طهيها في إحدى المكاتب التي تمّ إفراغها وتحويلها الى مطبخ، أين يتعاون فيه الجميع لإعداد »الماء والملح« الذي يفعمهم »بروح التآزر والحب والبقاء على العهد من أجل حماية المعمل ومكاسب عماله« على حدّ تعبير الأخ عبد الله، وهذه الروح زادتهم قوة لمجابهة فقرهم وضيق ذات اليد والمآسي العائلية والاجتماعية المتراكمة التي أحدثّتها بطالتهم الفنية وخاصة إذا كان العامل والعاملة متزوجين ويشتغلان في نفس المصنع، وهي نفس حالة محمد العربي بن مسعود الذي يبلغ من العمر 33 سنة وله صغير جاء الى الحياة مع انطلاق البطالة، أي مع بداية مأساة أبيه »كنت أتحمل الإهانات التي امتزجت بإحساس بالحرج تجاه إبني وزوجتي وكنت أهرب الى أي خلوة حتى أبكي« أخرج الأب الشاب هذه العبارات من حلقه بشكل متقطّع وهو يجاهد ليحبس البعض من عبراته التي حاولت أن تتسرّب من بين جفونه ثم انطلق في سرد تفاصيل حياته مع »أكسيم« التي تواصلت 16 سنة وانتهت مع بطالة لم يكن متسببا فيها وقلبت حياته ووجدانه، إنه جحيم بحق...
رغم كل هذه الظروف القاسية، يؤكد العمال تمسكهم بمصنعهم وواجب حمايته والذود عنه، فحموا أنفسهم، بتأطير من نقابتهم وجامعتهم العامة، من التفكير في أي شكل من أشكال الفوضى أو التنازل عن حقوقهم، ذلك أن »كل شبر من هذا المعمل بتجهيزاته وكل حبّة عرق تصبّبت فيه، هي ملك لنا« مثلما أشار الشاب لطفي بن يوسف، وهذه العقلية والإحساس بالمسؤولية والنضال المستميت جعلهم ينمّون في أذهانهم آمل أن يعود »أكسيم« إلى النشاط في يوم قد يأتي، فاعتصموا في شركتهم وكانوا خير »شرطة« عليها متحملين جوعهم والبرد أحيانا وقروضهم و»كمبيالاتهم« وحرمان عائلاتهم وإحساسهم بالحيف والظلم أحيانا كثيرة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.