الإعلاء    فرْصَةٌ ثَانِيَةٌ    ديوان «نجمة .. بعد حين» لحميد سعيد .. البنى العلائقية وبلاغتها لعلامات الترقيم    الإعلان عن المتوجين بالجائزة العربية مصطفى عزوز لأدب الطفل    سأغفو قليلا...    محمد بوحوش يكتب: عزلة الكاتب/ كتابة العزلة    معهد باستور: تراجع مبيعات لقاح السل وتوقف بيع الأمصال ضد لسعات العقارب ولدغات الأفاعي وداء الكلب    شركة "إيني" الإيطالية تعزز استثماراتها في قطاع المحروقات بتونس    كاس العالم للاندية 2025: مانشستر سيتي الانقليزي يفوز على الوداد المغربي بثنائية نظيفة    لقاء بوزارة الصناعة حول تعزيز التكامل الصناعي التونسي العماني    من جوان وحتّى سبتمبر 2025: الشركة التونسيّة للملاحة تبرمج 149 رحلة بحرية    الليلة: أمطار متفرقة محليا غزيرة بالشمال الشرقي والحرارة تتراوح بين 20 و29 درجة    مدير عام الامتحانات: استكمال إصلاح اختبارات البكالوريا    في الرشقة الأخيرة: إيران تستخدم صواريخ "أسرع من الصوت".. #خبر_عاجل    بنزرت: العثور على جثة طفل ملقاة على الطريق    "نهدف الى تطوير قاعدة ممارسي الرياضات البارالمبية في تونس" (رئيس اللجنة الدولية البارالمبية)    ترامب: لا أستطيع الجزم بشأن قصف إيران    وزارة الفلاحة تدعو كافّة شركات تجميع الحبوب إلى أخذ كلّ الإحتياطات اللاّزمة والإستعداد الأمثل للتّعامل مع التقلبات الجوية المرتقبة    صفارات الإنذار تدوي في إسرائيل بعد رصد إطلاق صواريخ من إيران    النادي الإفريقي: التركيبة الكاملة للقائمة المترشحة    مشاركة اكثر من 500 عارض في النسخة الاولى لمهرجان تونس للرياضة    نابل: مخاوف من تفشي مرض الجلد العقدي ببوعرقوب وإدارة الإنتاج الحيواني تؤكد تلقيح كافة القطيع مع الاستجابة المستمرة للتدخل في حالات الاشتباه    عاجل/ روسيا تحذّر من كارثة نووية وشيكة في الشرق الأوسط    مكتب نتنياهو يعلن حصيلة أضرار الصواريخ الإيرانية وأعداد النازحين حتى اليوم    هيونداي تونس تطلق النسخة الثانية من جولتها الوطنية المخصصة للنقل الجماعي    عاجل: ''الضمان الاجتماعي''يُكذّب منحة ال700 دينار ويُحذّر من روابط وهمية    وزارة الداخلية: تنفيذ 98 قرارا في مجال تراتيب البناء ببلدية تونس    عاجل/ وفاة أب وابنته غرقا والبحث جارٍ عن ابنته المفقودة    بداية من الغد/ أكثر من 33 ألف تلميذ يجتازون مناظرة "النوفيام"..    الموسيقى لغة العالم ، شعار الاحتفال بعيد الموسيقى    الكاف: اليوم انطلاق توزيع مادتي القمح الصلب والقمح اللين المجمّعة على المطاحن (المدير الجهوي لديوان الحبوب)    18 اعتداء ضد الصحفيين خلال شهر ماي..    عاجل: وزارة الشباب والرياضة تفتح باب الترشح لانتداب أساتذة ومعلمين لسنة 2025... تعرّف على الروابط وطريقة التسجيل    خامنئي: الكيان الصهيوني ارتكب خطأ فادحا وسيلقى جزاء عمله    عاجل/ تطورات جديدة في قضية مقتل المحامية منجية المناعي..    مونديال كرة اليد: المنتخب الوطني يستهل اليوم المشوار بمواجهة نظيره السويسري    عاجل : انتداب جديد في النادي الافريقي    عرفها التونسيون في قناة نسمة: كوثر بودرّاجة حيّة تُرزق    عجز ميزان الطاقة الاولية لتونس يرتفع بنسبة 10 بالمائة مع موفى أفريل 2025    عاجل - يهم التونسيين المقبلين على الزواج : وزارة الصحة تصدر بلاغا هاما    الحماية المدنية تتدخل لإخماد 198 حريقاً خلال 24 ساعة فقط    هام/ هذه أسعار السيارات الشعبية في تونس لسنة 2025..    بطولة برلين للتنس: "أنس جابر" تواجه اليوم المصنفة الخامسة عالميا    المنستير تتقدم: زيادة في الإقبال السياحي وتطوير مستمر للخدمات    بعد تعرضها للهجوم .. نجوم الفن المصري يدعمون هند صبري بأزمة "قافلة الصمود"    علاء بن عمارة يصل إلى تونس    9 فواكه تناولها يوميًا لطرد السموم من الكبد والكلى..تعرف عليها..    عاجل/ آخر مستجدات أخبار قافلة الصمود..    طقس الاربعاء: الحرارة في انخفاض مع أمطار بهذه الجهات    خامنئي يعلن بداية المعركة.. ويدعو للرد بقوة على إسرائيل    كأس العالم للأندية 2025 : صن داونز الجنوب أفريقي يهزم أولسان هيونداي الكوري 1-صفر    تونس تتسلم دفعة تضم 111 حافلة جديدة مصنعة في الصين    3'' حاجات'' لا تخرج من المنزل بدونها فى الطقس الحار    عاجل/ اضراب بيوم في "الستاغ"..    كأس العالم للأندية 2025 : فوز ريفر بلايت الأرجنتيني على أوراوا ريدز الياباني 3-1    نسبة امتلاء السدود بلغت حاليا 55 بالمائة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الدروس المستفادة من الأزمة المالية العالمية الأخيرة
بقلم: عز الدين مبارك
نشر في الشعب يوم 13 - 02 - 2010

أصبح العالم اليوم قرية كبيرة تتشابك فيها المصالح والمنافع والتدفقات المالية والسلعية على نطاق واسع بعد ان اصبح اقتصاد السوق المعولم وحرية التجارة السمة الاساسية لهذا العصر.
فلم يعد الانغلاق على الذات نافعا لأن الحاجيات تعددت وتنوعت والمبادلات التجارية مع الآخر تطورت وكل بلد لوحدة لا يستطيع تلبية متطلبات اقتصاده وساكنيه.
لكن الانفتاح على العالم الخارجي بوابة مفتوحة احيانا لرياح الازمات العاتية والمدمرة اذا لم نتبع الاحتياطات اللازمة ونقرأ حسابا للمحاذير ولا نفرط في التحرر غير المحسوب العواقب.
وكثير من البلدان ربطت اقتصادياتها الهشة اساسا ببلدان متقدمة ذات هيكلية قوية ومتماسكة ومتطورة فأصبحت بين ليلة وضحاها تابعة بالكامل ومرهونة لقرارات الآخرين وهذا يعدّ ارتهانا لمقدرات شعوبها وعرضة للهزات المالية والاقتصادية.
فالاقتصاديات التي تعتمد على نفسها اولا واساسا مع انفتاح مدروس يمكن لها ان تواجه الازمات الوافدة من الخارج وتنجح في كبح اثارها السلبية دون ضرر كبير.
اما الاقتصاديات التابعة بالكامل فهي الاكثر تضررا من غيرها لأنها لا تستطيع مواجهة الازمات باقتصادها الضعيف وبنيتها الهشة.
وهكذا فأن الترابط المعولم في دنيا الاقتصاد والمال والتكنولوجيا يجعل من الازمات الناشئة في الاقتصاديات الكبيرة بؤرة زلزالية «سونامية» يسمع ترددها في جميع بلدان العالم وذلك حسب تبعية كل بلد وعلاقاته الاقتصادية والتجارية والمالية.
وخير دليل على ذلك ما نتج عن الازمة المالية الاخيرة التي ضربت الاقتصاد الامريكي وانتشرت كالنار في الهشيم لجميع اصقاع الدنيا مخلفة الدمار والافلاس.
وهذا يعدّ درسا بليغا خاصة لدول العالم الثالث بالخصوص ليأخذ العبرة مما حدث ويعيد تفكيره واستراتيجيته الاقتصادية والمالية حتى لا يقع من جديد في مطبات الازمات التي هي من سمات عصر العولمة والانفتاح الاقتصادي والرأسمالية عموما.
فالاقتصاد الرأسمالي هو اقتصاد توسعي بالاساس ولا يعترف بالحدود القطرية والخصوصيات، وعابر للقارات ومتعد للجنسيات وهو اقتصاد المضاربة ايضا والمخاطرة المفرطة في احيان كثيرة وذلك بحثا عن تعظيم الربح والكسب حتى وان كان ذلك على حساب الآخرين.
وهذا التوجه الذي يذكرنا بالليبرالية الجشعة والنهمة والقاهرة للآخر باستعمال المنافسة غير النزيهة والقوة العسكرية للاستحواذ على الثروات، والانتاج المفرط للسلع والتبادل غير المتكافئ يجعل من بعض هذه الدول مصدرة للأزمات للبلدان الأخرى وذلك للابتزاز من ناحية والتخلص من مشاكلها الداخلية من ناحية اخرى.
وتأتي الولايات المتحدة الامريكية على رأس هذه الدول المصدرة للأزمات المالية والاقتصادية للدول الاخرى لأنها بكل بساطة لا تلتزم بالمعايير والمحاذير المتبعة في هذا المجال وتملي ارادتها وفقا لمصالحها الخاصة على الآخرين طوعا أو غصبا.
وتأثيرها الواضح على المنظمات الدولية ومن اهمها البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة يعطيها المرونة اللازمة لتفعل ما تشاء وتقرر ما تريد.
ان العجز الداخلي الذي تعيشه الولايات المتحدة وغير المسبوق في العالم يعد دليلا قاطعا على انها البلد الوحيد الذي يعيش على اكتاف العالم دون رقابة وضوابط، وهكذا فان اغلب الازمات بأنواعها المالية والاقتصادية والعسكرية والبيئية تأتي من هناك.
اسباب الازمة المالية الاخيرة
لقد بدأت بوادر الازمة المالية العالمية الاخيرة تظهر للعيان بداية من سنة 2000 وتفاقمت بعد احداث 11 سبتمبر 2001 حيث انخفضت اسعار الفائدة في السوق المالية الى مستويات جد منخفضة الى حدود 1 في عام 2003 وفي نفس الفترة ارتفعت اسهم الشركات العقارية بصفة كبيرة متزامنة مع تدهور مردودية القطاعات الاقتصادية الاخرى وعلى رأسها قطاع تكنولوجيا الاتصالات مما أدى الى التهافت على شراء المساكن والاستثمار في القيم العقارية عن طريق قروض ميسرة وانتفع بذلك حتى ضعيفي الدخل غير القادرين على السداد ودون اخذ الاحتياطات الضرورية والضمانات اللازمة.
وفي سنة 2006 اصابت هذا القطاع التخمة فارتفعت نتيجة لذلك اسعار الفائدة بعد انتهاء فترة الاستقرار والثبات مما أدى بدوره الى ارتفاع خدمة الدين فأصبح اصحاب المداخيل الضعيفة غير قادرين على الايفاء بالتزاماتهم وسداد ديونهم المستحقة فانفجرت الازمة العقارية محدثة دويا هائلا في صيف سنة 2007.
وهكذا بات الملايين مرهونين للبنوك وغير قادرين على السداد حتى بعد بيع مساكنهم لأن ثمنها اصبح في الحضيض.
والكثير من المتضررين باعوا جميع مدخراتهم واصبحوا بلا مأوى ودون مداخيل تذكر حتى لمواجهة استهلاكهم اليومي وهكذا انتقلت الازمة المالية الى عالم الاقتصاد.
وبما ان الاقتصاد الامريكي مفتوح على الاقتصاديات الاخرى ومرتبط بقطاعات كبيرة خارجيا وداخليا انتقلت الازمة التي بدأت في القطاع العقاري الى قطاع المصارف ثم الاقتصاد الكلي فالعالمي واصبح الامر كونيا.
ومن الاسباب المساهمة في الازمة المالية العالمية نذكر بالخصوص:
سياسة مالية متهورة تفتقد للرقابة والحيطة والتدبير بحيث تم السماح بالإقراض دون ضمانات كافية.
العجز الكبير في الميزانية وتحمل اعباء اضافية لتمويل الحرب في العراق وافغانستان.
تدهور الثقة في الاسواق المالية بعد الازمة في القطاع العقاري.
تداعيات الازمة على الاقتصاد العالمي
الترابط بين اقتصاديات العالم في ظل العولمة والاقتصاد الامريكي جعل من السهولة بمكان تصدير الازمات من المركز الى الاطراف وهكذا فلم تنج اي دولة كبيرة او صغيرة من تداعيات الازمة المالية العالمية وذلك حسب نسبة الانفتاح والارتباط بالاقتصاد العالمي.
فهناك الآثار المباشرة والتي تتعلق اساسا بالاستثمار في القطاع العقاري الامريكي واصول البنوك التجارية الامريكية الممولة للقروض ويهم هذا الامر الدول الخليجية خاصة.
ونجد كذلك الآثار غير المباشرة والمتعلقة اساسا بالركود الاقتصادي العالمي وتداعياته على الاستثمار الدولي والمعونات الاقتصادية والسياحة وقطاع التصدير.
ونتيجة لانهيار الفقاعة العقارية في الولايات المتحدة الامريكية أفلست العديد من البنوك مما حدا ببعض الدول للتدخل العاجل وضخ اموال ضخمة لاعادة الثقة للأسواق المالية ووقف الانحدار.
كما ان السيولة في العالم تراجعت، وتباطأت وتيرة التطور لجميع اقتصاديات العالم فتراجعت اسعار السلع الاولية وأصاب الاقتصاد العالمي الانكماش بعد فترة من التوسع والانتعاش.
وهذه الازمة نتج عنها تدخل الدولة مباشرة في البعد الاقتصادي وهو امر غير مطروح في العالم الرأسمالي وذلك للحد من مخاطر الازمة وتداعياتها.
وأعادت هذه الازمة نظرية تدخل الدولة في النشاط الاقتصادي على منوال الاقتصاد الاشتراكي، لكن هل يستمر الامر على هذا النحو أم لا؟
الدروس المستفادة
كما قال احد المفكرين مازحا : عندما تعطس امريكا نصاب بالزكام، وهذا هو حال الاقتصاد المعولم، وما دامت الولايات المتحدة في المدى المنظور هي القاطرة الاقتصادية من ناحية الانتاج والبحث العلمي والتكنولوجيا فان العالم عرضة للهزات كلما اصاب الاقتصاد الامريكي توعك او حمى او اسهال.
فهي التي تحارب بجيوشها الجرارة والعالم يدفع في النهاية الفاتورة، وهي التي تلوث المحيط فنمرض وتصنع الدواء وتجرب فينا ما تشاء، وهناك من يعتقد ان «انفلونزا الخنازير» هي من التداعيات اللاحقة للأزمة المالية العالمية والله أعلم .
وبات من الواضح ان الدخول الى العولمة كمغارة «علي بابا» مليئة بالثعابين والجرذان القارضة والمفاجآت المفجعة وان الخروج من المطبات في غاية التعقيد والمخاطرة.
ولابد لاتقاء الآثار السلبية من الازمات الوافدة من الخارج تحصين الاقتصاد الداخلي بالاعتماد على الذات والموارد المتاحة والاستعانة بالموارد الخارجية للضرورة فقط وفي حدود معينة.
واستعمال الديون الخارجية في قطاعات انتاجية تمكن من توفير السلع بكلفة متحكم فيها وقابلة للمنافسة وتساعد على توفير مواطن الشغل اما على الصعيد الخارجي فلابد من النظر من جديد في النظام النقدي والمالي واعتماد مثلا سلّة من العملات عوضا عن الدولار وذلك باتفاق جميع الدول للمحافظة على الاستقرار زيادة على ما قامت به الكثير من الدول بضخ الاموال اللازمة لتوفير السيولة وضبط سياسات واضحة في عالم الاقتراض ومعالجة المخاطر المترتبة عن ذلك.
وهذه الازمة المالية التي لن تكون الاخيرة في ظل رأسمالية جشعة ومتسلطة ولا تعرف حدودا لإرادتها القاهرة، اصبحت بعد ان خفت غبارها نوعا ما هاجسا يقض نوم الشعوب والحكومات التي تنتمي الى العالم الثالث.
فهل يمكن بعث قطب جديد يجمع الدول النامية، له نظامه الاقتصادي الخاص به وآلياته بعيدا عن التبعية التي لم تجن منها هذه الدول الا الازمات والخيبات؟ كما يمكن الرجوع الى أدبيات النظرية الاقتصادية «العالمثالثية» والتي ابتدعها الاقتصادي المعروف سمير أمين (نظرية المركز والاطراف والخروج من رابطة التبعية).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.