هذه ليست قراءة في لوحات المعرض الاول للفنانة التشكيلية التونسية الشابة إكرام مهني في فضاء الحبيب بوعبانة الذي يديره الهاشمي غشام، وذلك خلال النصف الثاني من نهاية عام 2006، وهي نهاية صارت مشرقة بفعل توقيع فنانة شابة (29 سنة). وكم هو رائع حين يلتقي الفن مع الشباب في لحظات نادرة وفي توديع زمن مغلق مشرف على نهايته، نصطلح على تسميته سنة مثلا. هذه تأملات او تفاعلات لغوية مع لوحات ورسومات غير مهادنة ولا ساذجة، رسومات لها سطوة ولها صدى عميق بحيث جعلت الثعابين والافاعي والسماسرة والغاوين يخرجون من جحورهم ومن بيتهم الشتوي ومن مؤامراتهم الصغيرة ومن عطالتهم ومن ريْبتهم، دون ان يخرجوا من عدوانيتهم وحقدهم الازلي على الحياة ومقترحاتها. هل ثمة حياة بلا عري؟ بلا غواية؟ بلا ورقة توت؟ أين ورقة التوت؟ لعلها غابت في النتوءات والتشققات والفجوات والتعرجات والتلوينات رسومات لا تعترف بشيء لدى إكرام مهني، حتى بورقة التوت. ماتت ورقة التوت. اكلها اللون. أكلها الحجم أكلها الاصرار اكلتها الحركة الثابة الباسلة، حركة فيها التهوّر وفيها الاندفاع والحكمة، كما لو انها ابدية في ثباتها اكلها الفضاء، ولم يأكلها الوقت الذي يشتاق كل فن ان يكون في مطلق زمانه. الموت أكل ورقة التوت. حين حضرت الفنانة الشابة جعلت الموت شيئا مشيئا، جعلت الموت يموت حتى لا يتمكن من أكل التوت، اكل الورقة ورقة فقط لكن لم تسمح له ان يأكل ثمرة واحدة من ثمار التوت وكان سرّها في ذلك التعرية، ابتكرت رسومات عارية فزع منها الموت، مرة عرت الرسومات الانثوية ومرة عرت اللوحة من الرسومات وابقت بعض اللطخات والتكوينات العارية من المعنى والمليئة بالحيرة. تعرّت الرسومات لتكون هي التوت واوراق التوت رسومات في حياة؟ بل هي الحياة. هذا عراء حقيقي. عراء اول ليس فيه ادنى عورة لادنس، لا بذاءة، لا ابتذال، لا سفاهة ولا قبح كما ليس فيه طهر ولا تقوى ولا قداسة ولا تبتّل عراء مثل العراء تشبيه الماء بالماء فيه الشهوة، نعم وفيه الاغواء ووعود بالروعة والرعب. حين يتعرّى الجسد البشري، في الواقع، يتذكر الماء او يتذكر الفراش يحنّ الى النظافة والطهر او يكون حنينه للجنس اما حين يُعرّى من قبل الاخرين فغالبا ما تكون التعرية اما معالجة أو تعطيبا للجسد وانتهاكا له، سواء بتعذيبه المادي او الرمزي، بالاعتداء عليه او بالمتاجرة به. لا جمال للعري إنما له وظيفة. العري اخرس لا يتكلم، يتحرك نعم، ويصدر اصواتا وكلمات دون نسق لغوي. العري يلغي وظيفة اللغة، لانه يستحوذ على الوظائف كلها، ولا يرضى الا بان تتم معاملته مباشرة ودون وسيط. لم يكن العري يوما طفولة بل هو تنهيدة وصراخ. العري يستحي من الحياة مثلما يستحي من الموت ثمة القماطة منذ البداية وثمة في النهاية الكفن قماطات الثقافة في البداية وفي النهاية. هل ثمةرسومات ترتدي ملابس؟ طبعا. طبعا. بل ثمة الكثير من القماطات، الكثير من الرسومات ترتدي الحجاب ومنها من يرتدي النقاب واغلبها يهدد بالموت والعقاب، او من يعدنا منها بحسن العاقبة وبالثواب كلها من عمل من كان لهم عمل في الحياة دون ان يوفوه حقه. لكن الفن كان دائما عمل من لا عمل له. كان دائما هو العمل مطلق العمل مسألة مجانية شأنه شأن الحياة وشأن الموت ايضا، لكن بلا ورقة توت، انما بقماط او كفن بمشيئة الثقافة التي يرغمها الفن الحقيقي ان تتقبل عراءه. وتذكرنا اكرام مهني على يفاعتها و»صغر سنها» بالفن جامحا ومجانيا وعاريا. ذكاؤها الفني يعود الى شباب عمرها الذي وضعها في مواجهة نفسها وليس في مواجهة احد لتتعرف على بديهتها الصائبة والصعبة التي بقدر ما تثير الدهشة تثير الشفقة من هذه الموهبة التي المت بالرسامة إلتفتت الى ما يخصها بصفتها صاحبة جسد وتحررت من كل الاوهام، متسلحة بالدهشة وبالبراءة والاحتفاء والشباب. رسوماتها تحلم بامرأة عارية وقدماها الصغيرتان في حذاء جلدي كبير، برغم الفائض الكبير في مخيلتها لتكويرات الانثى وفجواتها. في رسوماتها ثمة الكثير من تفاصيل المرأة لكن ليس ثمة امرأة ولا رجل كمصطلحين جنسيين او اجتماعيين، ولا كالتقاء. ثمة خصوبة الانثى بصفتها الانثوية المنزهة من الشهوات والنزوات والمراودات والمرضعات، واكاد اقول من الحياة. يا لحظّها الابداعي يا لملاكها الملهم يا للعذاب الذي لا يعرف عقابا ولا ثوابا. ثقافة العين تخاف العري لماذا؟ هل لان العري يسفّه الثقافة ويلغيها. العري ليس بحاجة الى الثقافة، الى اي نوع من انواع الثقافة، هل ان العري هو الطبيعة في عنفوانها حيث لا ترغب في ان يسترها شيء في ان لا يشوّهها شيء في أن لا يلتصق بها وفيها شيء الا ماهو من جنسها ومن نوعها. العري لا يطلب ولا يمكن ان يتفاهم الا مع العري؟ العري ليس فنا وليس طبيعة، بل لعله اسلوب مسلوب من الحياة. اسلوب!