كانت كافية لتنطلق الزغاريد في البيت والأهازيج في الحي، كانت كافية لتهطل دموع الغصة المحبوسة منذ أن أستسلم »نور« للموت منذ أن أظلم البيت وأصبح الحي مواتا ومقبرة لا تكاد تسمع فيه إلا عواء الكلاب الجائعة وبكاء الأطفال بعد إهمال، فالاتصال همس أو وشوشة والسير على الأرض كالسير على الحبال أو في ممر أشواك وأوحال، لقد كان الحي مغمورا بالظلال منذ ان احتجب نور في فراشه بعد أن وجدوه على مشارف الحي ملقى على وجهه والدم الأسود يغطي المكان. باءت كل محاولات إفاقته بالفشل، ليس فيه الا نبض خفيف لا يكاد يقدح نورالأمل في استفاقته. شعلة النشاط والحياة انطفأت، لم يعد نور يدق باب الخالة رتيبة ليسأل عن أحوالها ويتذوق أكلها ليتأكد أن طعامها متوفر والا أسرع الى بيوت الحي ليؤمن لها المؤونة وكل ما تحتاجه قدر الإمكان. لم يعد نور يدعو شباب الحي لتنظيف الحي يوم الأحد والاهتمام بحديقة الحي التي فرضها نور مكان تجمع القمامة وافتدى الأرض بالإنضباط وتزامن إلقاء الفضلات مع مرور عربة البلدية. كان نور في الايام الاولى لهذا المشروع يسبق عربة القمامة مهرولا يدق على كل باب لكي لا تفوته اللحظة الصفر وكان لا يغضب من كل من تسول له نفسه ان يتأفف او يتثاقل بل يعده بطرق الباب في الغد ويفعل، حتى اصبح سكان الحي وصاحب عربة القمامة الأكثر حرصا على نظافة الحي ونمو الزهور والنباتات الجميلة والمجملة للحي على الشرفات او في حديقة الحي. لم يعد نور يجمع شباب الحي في الاعياد والمناسبات لتفقد فقراء الحي وجمع التبرعات والمساعدات لهم وإلزام الكل بمد يد المساعدة بالمال او البضاعة من الخضار والغلال الى اللحم والخبز والزيت الى الملابس والأغطية الى الكتب والأقلام. والمحافظ وغيرها، يجمع نور وشباب الحي في كل مرة حسب حاجتهم منها لا يخجلون من مدى احتياجهم ولا يجمعون أكثر من الحاجة ويعرف نور المحتاجين وحاجتهم ويعرف بيوت المقتدرين القادرين على المساعدة ولا غنى عن الحاجة فمن لا يحتاج للمال يحتاج للجهد يحتاج للأعمال يحتاج للحميّة وللحماية للمواساة للسلوى »مولى التاج يحتاج« كما كان يقول نور قبل ان يصمت لم يكن احد يختلف مع نور لأنه كان بسيطا واقعيا ومقنعا ومثابرا. فمن تجرأ على قتله؟ معقد مريض أم مثالي جبان أم فوضوي مفلس أم كسول بخيل؟ سؤال أجاب عليه نور ب واحدة واحدة أطلقت مارد الحقيقة من عقاله واحدة اطلقت البحث في نقد التجربة من اجل الوقوف على أخطاء الحب وأخطاء القلب وأخطاء العقل وأخطاء العلم وأخطاء الصواب فإذا به لا يصيب. واحدة أطلقت كل هذه الأسئلة وأعلنت الربيع الجديد. ❊ أبو شادي الحادي