الوضع الثقافي بالحوض المنجمي يستحق الدعم السخي    المسرحيون يودعون انور الشعافي    أولا وأخيرا: أم القضايا    بنزرت: إيقاف شبان من بينهم 3 قصّر نفذوا 'براكاج' لحافلة نقل مدرسي    إدارة ترامب تبحث ترحيل مهاجرين إلى ليبيا ورواندا    المهدية: سجن شاب سكب البنزين على والدته وهدّد بحرقها    نابل.. وفاة طالب غرقا    مدنين: انطلاق نشاط شركتين اهليتين ستوفران اكثر من 100 موطن شغل    كاس امم افريقيا تحت 20 عاما: المنتخب ينهزم امام نظيره النيجيري    الجلسة العامة للبنك الوطني الفلاحي: القروض الفلاحية تمثل 2ر7 بالمائة من القروض الممنوحة للحرفاء    الكورتيزول: ماذا تعرف عن هرمون التوتر؟    انتخاب رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة رئيسا للاتحاد الافريقي للصيادلة    لماذا يصاب الشباب وغير المدخنين بسرطان الرئة؟    وزير الإقتصاد وكاتب الدولة البافاري للإقتصاد يستعرضان فرص تعزيز التعاون الثنائي    عاجل/ تفاصيل جديدة ومعطيات صادمة في قضية منتحل صفة مدير برئاسة الحكومة..هكذا تحيل على ضحاياه..    الطب الشرعي يكشف جريمة مروعة في مصر    تونس العاصمة وقفة لعدد من أنصار مسار 25 جويلية رفضا لأي تدخل أجنبي في تونس    منتخب أقل من 20 سنة: تونس تواجه نيجيريا في مستهل مشوارها بكأس أمم إفريقيا    إقبال جماهيري كبير على معرض تونس الدولي للكتاب تزامنا مع عيد الشغل    ارتفاع طفيف في رقم معاملات الخطوط التونسية خلال الثلاثي الأول من 2025    بالأرقام/ ودائع حرفاء بنك تونس والامارات تسجل ارتفاعا ب33 بالمائة سنة 2024..(تقرير)    الطبوبي: المفاوضات الاجتماعية حقّ وليست منّة ويجب فتحها في أقرب الآجال    مصدر قضائي يكشف تفاصيل الإطاحة بمرتكب جريمة قتل الشاب عمر بمدينة أكودة    وزير الصحة: لا يوجد نقص في الأدوية... بل هناك اضطراب في التوزيع    الطبوبي: انطلاق المفاوضات الاجتماعية في القطاع الخاص يوم 7 ماي    عاجل/ مجزرة جديدة للكيان الصهيوني في غزة..وهذه حصيلة الشهداء..    البطولة العربية لالعاب القوى للاكابر والكبريات : التونسية اسلام الكثيري تحرز برونزية مسابقة رمي الرمح    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    يوم دراسي حول 'الموسيقى الاندلسية ... ذاكرة ثقافية وابداع' بمنتزه بئر بلحسن بأريانة    عيد الشغل.. مجلس نواب الشعب يؤكد "ما توليه تونس من أهمية للطبقة الشغيلة وللعمل"..    توقيع عدد من الإصدارات الشعرية الجديدة ضمن فعاليات معرض تونس الدولي للكتاب    تونس العاصمة مسيرة للمطالبة بإطلاق سراح أحمد صواب    عاجل/ المُقاومة اليمنية تستهدف مواقع إسرائيلية وحاملة طائرات أمريكية..    صادم: أسعار الأضاحي تلتهب..رئيس الغرفة الوطنية للقصابين يفجرها ويكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..طقس حار..    محمد علي كمون ل"الشروق" : الجمهور على مع العرض الحدث في أواخر شهر جوان    قيس سعيد: ''عدد من باعثي الشركات الأهلية يتمّ تعطيلهم عمدا''    كأس أمم إفريقيا لكرة القدم داخل القاعة للسيدات: المنتخب المغربي يحرز لقب النسخة الاولى بفوزه على نظيره التنزاني 3-2    كأس أمم افريقيا لكرة لقدم تحت 20 عاما: فوز سيراليون وجنوب إفريقيا على مصر وتنزانيا    توجيه تهمة 'إساءة استخدام السلطة' لرئيس كوريا الجنوبية السابق    منذ سنة 1950: شهر مارس 2025 يصنف ثاني شهر الأشد حرارة    ترامب يرد على "السؤال الأصعب" ويعد ب"انتصارات اقتصادية ضخمة"    وفاة أكبر معمرة في العالم عن عمر يناهز 116 عاما    منظمة الأغذية والزراعة تدعو دول شمال غرب إفريقيا إلى تعزيز المراقبة على الجراد الصحراوي    معز زغدان: أضاحي العيد متوفرة والأسعار ستكون مقبولة    يظلُّ «عليًّا» وإن لم ينجُ، فقد كان «حنظلة»...    زراعة الحبوب صابة قياسية منتظرة والفلاحون ينتظرون مزيدا من التشجيعات    كرة اليد: الافريقي ينهي البطولة في المركز الثالث    Bâtisseurs – دولة و بناوها: فيلم وثائقي يخلّد رموزًا وطنية    مباراة برشلونة ضد الإنتر فى دورى أبطال أوروبا : التوقيت و القناة الناقلة    عاجل/ اندلاع حريق ضخم بجبال القدس وحكومة الاحتلال تستنجد    في تونس: بلاطو العظم ب 4 دينارات...شنوّا الحكاية؟    اتحاد الفلاحة: أضاحي العيد متوفرة ولن يتم اللجوء إلى التوريد    رابطة ابطال اوروبا : باريس سان جيرمان يتغلب على أرسنال بهدف دون رد في ذهاب نصف النهائي    سؤال إلى أصدقائي في هذا الفضاء : هل تعتقدون أني أحرث في البحر؟مصطفى عطيّة    أذكار المساء وفضائلها    تعرف على المشروب الأول للقضاء على الكرش..    غرة ذي القعدة تُطلق العد التنازلي لعيد الأضحى: 39 يومًا فقط    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



القتل الرمزي أشد وطأة من التصفية الجسدية
قراءات في كتاب «هذا الرجل ينبغي أن يموت» :
نشر في الشعب يوم 10 - 04 - 2010

يرى بعضهم أن الكتاب يقرأ من عنوانه في حين يذهب البعض الآخر إلى أن العنوان حمال لأوجه عديدة تنكشف أسرارها عند قراءة الأثر، و ربما إعادة قراءته أكثر من مرةأما البعض الثاث فيعتقد بأن القراءات تتعدد بتعدد القراء. لذلك ارتأينا أن نتوجه ببعض الأسئلة - حول هذا المؤلف الذي أحدث ضجة حيث شغل الكثيرين وأثار الساحة الثقافية - و التي حامت حول عنوانه و أهميته كوثيقة تاريخية تضاف إلى المكتبة الوطنية و مدى قدرة المؤلف على صياغة أحداث تاريخية في أسلوب روائي شيق و ممتع.
و كانت إجابة السيد إبراهيم بن صالح المتفقد العام في مادة العربية على النحو التالي:
أوّلا: في العنوان
العنوان في هذا الكتاب هو اللافتة الكبرى الدّالّة على الرّحم المولّد للأحداث وهو علّة وجوده .هو عبارة وردت على لسان الزعيم المرحوم الهادي شاكر ثمّ رددها مناضلون آخرون وهي عبارة حبلى بالمعاني :
فهي تدلّ على أنّ قرارا اتّخذ وينبغي أن ينفّذ
وتدلّ على أنّ في هذا القرار نصيبا وافيا من الحزم والحسم ليس فيهما إمكانية التراجع
وتؤشّر على وجود تقييمات أفضت إلى اتّخاذ مثل هذا القرار
فالقرار هو المسوّغ لبناء الخطط النضالية وتصميم استراتيجيات المقاومة
وبالتالي يكون العنوان هو البوصلة الموجهة في تأليف الكتاب وتصميم أركانه.لذلك نقول إنّ المؤلّف أحسن اختيار العنوان.
ثانيا: في الإضافة التي حققها الكتاب
لئن كان الأمر في هذا الشأن يختلف من قارئ إلى آخر بحسب درجة ثقافته ونوع اهتماماته فإنّي أرى الكتاب مفيدا للجميع من عدّة جهات:
فهو يقدّم معلومات غزيرة جدّا أدركت تفاصيل يعسر على الكثيرين الوصول إليها بحكم ما استند إليها الكاتب من وثائق وتحقيقات أنفق من أجلها سنوات بحثا وتقييما وتمحيصا .
وهو يقدّم توضيحات لما غمض وتصحيحات للكثير من التّزيّدات الرّائجة.
وهو يطلع القارئ على تجربة نضالية فريدة لها مميزاتها .فقد تشدّك وقائع اغتيال الشيخ أحمد بلقروي ولكنّ الذي يشدّك أكثر هو شخص الرجل الذي اغتاله وهو محمد بن رمضان .فهذا الرّجل يعلّمك معنى المغامرة في نفس الوقت الذي يعلمك فيه معنى الانضباط ومعنى الصّبر ومعنى مغالبة الشهوات في عزّة نفس وإباء عظيمين فهو المنضبط ولكنه الذي يأبى الاستبلاه حتى من أقرب الناس إليه وهو المستعد للمخاطر ولكنه يرفض الاستغفال من قبل من يخطط له المغامرات . يحب أن يكون له قول ورأي ويحبّ أن ألاّ ينسى باسم التضحية والنضال ، يحب أن يعيش على وجه الأرض مثل غيره من المناضلين ، يأبى أن يعيش فأرا في دهاليز الأصدقاء ، يريد أن يكون جوادا حرّا .
هذا الكتاب بحث في المعادلات النضالية الصعبة ، الجانب السياسي فيها مقابل الجانب الإنساني منها ، فيعلّمك أنّ الالتزام الأخلاقي بين المناضلين أهمّ وأقوى من الالتزام السياسي وأنّ الثّقة بين الأصدقاء خير ألف مرّة من الضّوابط الحزبية والكلف الايديولوجية ، لذلك إذا داخل الشك أحد المناضلين عدّ ذلك جرثومة الفشل الأولى لكل مشروع نضالي.
ثالثا: في كون الكتاب وثيقة تاريخية
الكتاب وثيقة في الوطنية والتضحية والعطاء من دون حساب وفي عفوية ورضى النفس وفي حماس ضد الظلم والقهر واغتصاب الحقوق ، هو دروس في إباء الضيم والدفاع عن الكرامة ضد المستعمر وأعوانه.
في هذا الكتاب من الحوادث والوقائع ما يحفزك على الاكتشاف والتعرّف إلى شيء من تاريخك ففيه ما فيه من معاني الالتزام في النضال وفيه ما فيه من أخلاق الإيثار والغيريّة التي لاتضاهى ومميزات البطولات الفردية وشروط الزعامة السياسية والقيادات النضالية ، كلّ هذا جاء في أسلوب شفيف وقصّ مشوّق ذكيّ ومجازات طريفة وصور بليغة وعبارات أنيقة ومعجم غنيّ يلائم الموضوع ويناسب القارئ المختصّ وغير المختص، يقرّب إليك المادة التاريخية سائغة تلتقفها من دون كدّ أو عناء بل تتابعها بشغف حتى كأنّك في عالم قصصي عجيب.
رابعا: في مقاضاة الكتاب
ينبغي أن يفهم الجميع اليوم أنّ حرّية التعبير صارت حقّا مقدسا وأنّ قراءة التاريخ من زوايا نظر متعددة أمر مندوب لأن الحقائق لاتنكشف إلا بالاختلاف والمماحكات والمقارعات لذا على كل من وجد في الكتاب ما لا يرضيه أن يردّ على المؤلف بالحجج التي تفحمه والأسانيد التي تبكّته.
محاولة جادة في التوثيق
أما السيد صالح الفريخة أستاذ الفلسفة فقد أفادنا مشكورا:
» هذا الرجل ينبغي أن يقتل « أثر إبداعي استحضر الواقع لتنشئته من جديد، كلمات تنطلق من الواقع لتنفصل عنه و لكنها تجد سندها فيه. محاولة جادة في التوثيق و التأليف و التأويل. إن الكتاب ليس أبدا تجسيدا آليا لإنجازات واقعية و ليس عملا انتقائيا أو مجرد عودة إلى الماضي أو محاولة إحيائية ميتة أو محاكاة ساذجة لوقائع عابرة إنما حركة تأويل تخترق الصمت لتستنطق المسكوت عنه، لتعيد الأمور إلى نصابها. سعى المؤلف إلى ترصد هذا الذي سقط في النسيان فتسلل إلى منطقة كانت تعد محرمة فاقتحم الدروب الموصودة و أسقط الأقنعة و هم إلى تعرية المتخفي فالتحم بالأحداث ليصنفها من جديد و يضفي عليها الكثير من ذاته. لقد عانق الجرأة في فضح التخاذل و الخيانة و العمالة و الكشف عن مظاهر الفساد و الجبن و الهروب و التخاذل مقاومة للقبح و فضحا للعار و لكل ما لا يطاق ففي مرحلة زمنية ترجمت الكثير من المعاناة و ميزها العنف و الإنهاك و التخويف و الإرهاب و الإساءة و منطق التذيل للآخرين و لكنها عبرت في نفس الآن عن الالتزام و المبادرة و المقاومة و عصيان الأوامر. لقد عبر هذا الأثر عن فكر ملتزم أيقض الذاكرة و اخترق الوجدان فاستقطبنا داخل ضجيج الأحداث فابتلعتنا الكلمات و استوعبتنا المشاهد فنقلنا الكاتب إلى الزمان و المكان. تلك هي حقيقة الكتابة في عمقها و جدتها و فاعليتها و قدرتها المتفردة على النقد و جرأة المحاكمة لعلنا نعود إلى ذواتنا من جديد فنحاكم أنفسنا دون تجميل أو تلفيق و دون استحضار زمن البطولة و الإشادة بالفتوحات و التنويه بالانتصارات فنحن كما قال نيتشة: في حاجة إلى التاريخ من أجل أن نحيا و أن نفعل و ليس من أجل أن نتخلى كسلا عن الحياة و الفعل أو أن نجمل الحياة الأنانية و الفعل الخسيس و الفاسد. إن قراءتي للكاتب استهلكتني في ظرف وجيز و علمتني متى ينبغي للرجل أن يقتل.
شريعة تحرير الشعوب
و كانت لنا وقفة مع الدكتور الأسعد الجموسي نجل المناضل النوري الجموسي الذي أدلى هو الآخر بدلوه:
يجب أن يقتل هذا الرجل... نعم هكذا يتعامل الوطنيون الأحرار ضد الخونة الذين يبيعون الضمائر برخيص المتاع مقابل شيء من المنّة. تلك هي شريعة تحرير الشعوب من ربقة الذل والمهانة. ولا فرق بين المستعمر الغاشم وبين من تهون به النفس إلى المساهمة في ابتزاز بني شعبه واستثمار مكانة رديف الغاصب، لنهب الخيرات واستباحة أموال الناس وأعراضهم وأرواحهم. بل ينبغي القول إن مكانة الخائن عميل الاستعمار، أحط منزلة وأوضع مرتبة من المستعمر نفسه. لذلك فإن واجب الذّود عن الوطن يستدعي قتل الخونة لان ذلك يدخل ضمن قانون حرب التحرير الوطني. وفضلا عن ذلك فإنه من الواجب أيضا أن يتم القتل الرّمزي للخونة أي أن يقع التعريف بهم وبما اقترفته أياديهم من جرائم في حق الأمة وهو ضرب من ضروب التشهير يراد من وراءه تنمية الحس القيمي لدى أبناء الشعب الواحد من خلال إعلاء قيمة الدفاع عن الوطن مقابل تحقير الخيانة والتسفّل والاصطفاف وراء الأعداء.
ولعل ذلك هو السياق الذي صدر فيه كتاب يجب أن يقتل هذا الرجل أو اشتعال نار المقاومة في صفاقس عن دار محمد علي للنشر بقلم السيد التوفيق عبد المولى. وفي هذا السياق أيضا ينبغي أن نضع ردود الفعل المؤيدة والرافضة الغاضبة. فإذا كان تقبل صدور هذا الكتاب كجرعة ماء في الصحراء من طرف أبناء المناضلين الأشاوس الذين خاضوا معركة التحرير وحرب العصابات في مدينة صفاقس وأريافها إذ أن الكتاب انطلق من شهادتهم على التاريخ ومن سيرهم الذاتية وأعاد لهم الاعتبار ورفع عنهم مظلمة التناسي، فإن نفس الكتاب نزل مثل الصاعقة على أبناء الشيخ بلقروي وأحفاده فرأوه تجنيا على أسرتهم وتعديا على سمعتهم فذهب البعض منهم الى تقديم شكوى ضد الكتاب ومؤلفه وناشره.
إزاء ذلك أريد أولا، أصالة عن نفسي وباسم والدتي المناضلة النسائية مجيدة أرملة المناضل النوري الجموسي الذي ساهم في الحركة السياسية والمسلحة لتحرير بلادنا العزيزة وباسم أخواتي منجية ونجاح وهاجر واخوتي الدكتور بلال والدكتور محمد، أن أعبر عن أسفي لأبناء الشيخ بلقروي إذا شعروا بأن في هذه الصفحات التاريخية إساءة لهم بشخصهم. وأريد أن التأكيد على أن هذا الكتاب لا يروم التشفي من الأبرياء بل هو واجب الذاكرة علينا جميعا أن نقوم بكتابة تاريخنا إذ أن شعبا بدون ذاكرة هو شعب بدون مناعة.
ثانيا أليس من البديهي أيضا أن نقول للجميع إن حق التقاضي حق مشروع مضمون بالدستور. وأضيف في السياق الخاص بكل اعتزاز أن هذا الدستور بالذات الذي يضمن الحقوق الأساسية، قد أنجز بفضل من ساهم، حتى ولو بقلبه ولسانه، في حركة التحرير الوطني. وأضيف أن المحكمة التي توجه إليها من استنكر هذا الكتاب محكمة تونسية يرفرف عليها علم تونس المفدى وما كان ذلك ليتحقق لو بقي الأحرار مكتوفي الأيدي أمام الاستعمار وأذياله. وبهذا الصدد فإني واثق تماما من أن العدالة سوف تأخذ مجراها، فإذا ثبت أن الشيخ بلقروي بريء مما نسب إليه في الكتاب من شنيع جرائم الخيانة والعمالة والسطو والنهب، يصبح من المشروع اعتبار الكتاب مسيء للشيخ وأسرته. أما إذا ثبتت إدانة الشيخ ومن معه من الأتباع فليس هناك أي وجه من وجوه الإساءة لأفراد عائلة بلقروي الذين لم يقترفوا أي ذنب في حق الشعب. فلا يقبل أن يجرّم الأبناء بأفعال آبائهم. لذلك فإني أرى لزاما أن أقول بكل وضوح أن مبدأ المصالحة التامة هو الذي ينبغي أن يسود الموقف بين جميع أبناء وطننا العزيز مع التأكيد على أن المصالحة لا تكون إلا بالمكاشفة والتثبت من صدقية الأحداث التاريخية واحترام قيم الوطنية باعتبارها القاسم المشترك بين جميع أبناء الوطن.
عاشت نضالات الشعوب من أجل التحرر
عاشت تونس العزيزة حرة كريمة أبد الدهر
الترغيب في القراءة
نأتي إلى أجوبة الأستاذ الجامعي حافظ قويعة التي استهلها بالتعريف بالعنوان:
هل العنوان مصيدة؟
للعنوان في كل نص وظيفة أو وظائف منها جلب انتباه القارئ. قصد ترغيبه في الإقدام على القراءة لكن ينبغي التمييز بين العنوان الذي يختاره المبدع كما هو الشأن في هذا الكتاب و العنوان الذي يضعه الكاتب المقلد أو الصحفي المهرج دون أية مصداقية قصد الإثارة الرخيصة و الإيقاع بالقارئ البسيط.
بالطبع قد يرى البعض في هذا العنوان نوعا من المحاكاة لما هو سائد في الرواية البوليسية و الحق أن الكتاب في بعض وجوه شبيه بهذا الجنس الروائي مع فارق أساسي هو كون الأحداث فيه قائمة على معطيات تاريخية موثقة.
2 هل من إضافة بخصوص قتل الهادي شاكر؟
الجواب عن هذا السؤال موكول إلى أهل الاختصاص من المؤرخين أما بالنسبة لي كقارئ عادي فأتصور أن الكتاب يقدم العديد من المعطيات التاريخية المساعدة على تمثل جيد لسياق الحادثة بقطع النظر عن الفاعل الحقيقي للجريمة أو عن الذين خططوا لها
3 هل الكتاب وثيقة تاريخية؟
اعتمد الكاتب في رواية الأحداث على مجموعة من التساجيل الصوتية لأناس معينين بعضهم مازال على قيد الحياة فبديهي أننا إزاء وثيقة تاريخية يبقى لأهل الإختصاص تبيان مدى مطابقتها بالأحداث كما جرت فعلا. و نحن نعلم أن الكاتب حول المسجل المسموع إلى مكتوب و الأرجح أنه لم ينقله بحذافره بل أكثر من هذا حوله إلى نص روائي و لا شك أن هذه العملية ذاتها تقتضي من المؤلف مسافة نقدية معينة كي يقيم البعد الوثائقي في الكتاب. و مهما يكن من أمر فليس ثمة ا وثيقة تاريخية ا مطابقة للأحداث لأنها بالضرورة تقدم الخبر من زاوية نظر و عبر نسق علامي لا يمكن أن يستغرق جميع المعطيات السياقية.
من جهة أخرى أتصور أن الكتاب كشف عن الكثير من المعطيات و الحقائق المجهولة أو على الأقل التي كان يجهلها أغلب الناس لاسيما فيما يتعلق بتفاصيل قتل الشيخ بلقروي و دور الذين خططوا للعملية و ساهموا في تنفيذها بدرجات متفاوتة. و من هذه الزاوية يمكن اعتبار الكتاب مساهمة ابداعية في مجال االتاريخ المحليب « lشhistoire locale » الذي نحن في حاجة كبيرة له اليوم لاسيما أن درس التاريخ في المؤسسة التعليمية تاريخ الحركة الوطنية في برنامج الباكالوريا مثلا يكاد يهمل هذا الجانب.
على صعيد آخر أعتقد أن اختزال قيمة هذا الكتاب في بعده الوثائقي فيه بعض التجني على الكاتب فنحن إزاء عمل إبداعي أساسا فيه من حبكة السرد و قوة التخييل و بلاغة التعبير ما يكفي لمنافسة الكثير من الأعمال الروائية المثمنة في الأوساط النقدية و يبقى للمتنصصين في مجال الرواية تأييد هذا الرأي أو نقضه. و مهما قيل عن القيمة الإبداعية لهذا الكتاب فلا مناص من الاعتراف بطرافة هذا النهج إستعادة التاريخ أعني استعادته روائيا ( = إبداعيا ) شرط عدم تزييفه بطبيعة الحال و أظن أن التوفيق عبد المولى كان على وعي كبير بأهمية الوعي التاريخي و في الشاهد المنقول عن المفكر محمود أركون قرينة على ذلك.
أحد العقول المدبرة
و بينما كنا نتصل بالأخوة الأساتذة حاولنا أن نعقد لقاء مع السيد محمد كون فتم لنا ذلك بعد التعاون مع أحد أبنائه. و الحاج محمد كمون هو أحد المناضلين بمدينة صفاقس و من بين العقول المدبرة التي أحاطت بمحمد بن رمضان و أطرته و اتفقت معه على تطبيق قرار الزعيم الهادي شاكر و المتمثل في التخلص من الشيخ أحمد بلقروي و حافظت على حياته خوفا من ردة فعل الاستعمار و آل القتيل فكان يتنقل به من جنان إلى آخر و من برج إلى برج مدة شهور طويلة تعكرت فيها الحالة النفسية لمحمد بن رمضان منفذ العملية عمل سي محمد كمون على علاجها بكل صبر و حذر شديد.
ولجت الشعب باب منزله الكائن بطريق العين كلم 1 فاستقبلنا و عائلته أحسن استقبال و شعرنا منهم بتقدير خاص لجريدة الشعب و للاتحاد العام التونسي للشغل.
المناضل محمد كمون الذي تعدى عتبة الثمانين قضينا معه أكثر من ساعة مرت كأنها بعض الدقائق لما تميزت به شخصيته من سرعة البديهة و الملح و الطرافة و الظرافة التي لم تفارق حديثه فكان خفيف الروح و الظل و رجل بأس و تصميم في نفس الوقت. هو أب لأربعة أبناء عمل على تدريسهم فمنيت مجهوداته بالنجاح و احتلوا مناصب وظيفية مرموقة بفضل تفوقهم و لم يفكر الرجل أبدا في يوم من الأيام رغم صعوبة الحياة و عراقيلها في استغلال أو حرص على توظيف دوره الكبير الذي قام به في سبيل تحرر البلاد من براثين الاستعمار و هو إلى اليوم و حينما طلبنا منه أن يروي لنا مسيرته النضالية نكر ذاته و اعتبر أن ما قام به هو واجب وطني مقدس هو الأولى للقيام به و مما شجعه على ذلك و أوقد نار الوطنية في صدره أن أباه قد رباه و إخوته على حب الوطن و ضرورة طرد الاستعمار شد طردة و يضيف سي محمد: و قد أقدمت على خدمة وطني و التضحية من أجله دون خوف أو هلع من العواقب خاصة و أني كنت مطمئنا على والدي فأنا رابع إخوتي... و حينما تحصلت على الوسام الرابع للاستقلال الذي لم أسع للحصول عليه لأن ما قمت به نحو وطني هو واجب و لكني حينما تسلمته فرحت لأن ذلك يعبر عن الاعتراف بالجميل. كما أني لم أفكر في يوم من الأيام أن أكون في الاجتماعات الحزبية أو غيرها في الصفوف الأمامية متباهيا بما قمت به نحو بلادي.
لم أعرف القصة
و في الأثناء تدخلت زوجته لتضيف: لقد تزوجت سي محمد سنة 7591 و لم أعرف قصته النضالية و علاقته بسي محمد بن رمضان و سي محمد بو ليلة و سي النوري الجموسي و سي يوسف الجبالي و سي أحمد بن عياد... إلا حينما زارنا مؤلف الكتاب سي التوفيق عبد المولى بل بالعكس حينما اطلعنا على ما قام به و رفاقه المناضلون في معركة التحرير و طلبت منه و أبنائي بأن يقص علينا ذلك كان لا يجيبنا عن شيء و يقول إنها فترة من حياتي و انتهت و لا داعي للتباهي فقد صممت على أن لا أعيش ا فلوسا تحت الاستعمارب و لا أريد أن أكون اليوم طاووسا بين أبناء بلادي.
و كان لا بد أن نتوقف عند ناشر الكتاب السيد النوري عبيد مدير دار محمد علي للنشر الذي جاءت كلمته و كأنها خلاصة لكل ما قيل حول هذا الأثر :
الأساس لبناء الوعي الوطني المتجدد أن يبقى الشهيد شهيدا و العميل عميلا... أما تبعات ذلك في بناء مجتمع متحرر من عقده فلا سبيل إلى غير الاعتراف بالتاريخ كما هو و العمل على المصالحة معه:
من أذنب جده و أجداده يعترف و يدعو إلى المصالحة و يتبرأ من أفعالهم، و من استشهد جده و قاوم أجداده يعتز بهم دون أن يعتبر ذلك شهادة تطاول على الآخرين أو حقا آخر يجعله يحتقرهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.