اعتبارا للترابط الوثيق بين الطلبة وأساتذتهم ونظرا لمعرفة المدرسين بمشاكل طلبتهم أكثر من أي جهة أخرى التقينا الأستاذ سامي العوادي الكاتب العام للجامعة العامة للتعليم العالي والبحث العلمي في الاتحاد العام التونسي للشغل ليبرز لنا رؤية الأساتذة الجامعيين وهيكلهم النقابي لواقع المنظمة الطلابية ولنستأنس برأيهم في واقع الاتحاد باعتبار أن الحلول لأزمة خصوصا وللواقع الجامعي عموما تمر عبر رؤية الجامعيين دون سواهم. ❊ السيد سامي العوادي كيف تقيمون الواقع الحالي للاتحاد العام لطلبة تونس؟ وضع مؤسف إلى أبعد الحدود، إن ما آلت إليه هذه المنظمة العريقة يثير الانشغال الشديد ويتسبب في عواقب وخيمة على الحياة الطلابية والجامعية عموما. الجميع يعرف الأسباب التاريخية والحالية لحالة التشرذم والتهميش التي أصبح عليها اتحاد الطلبة انطلاقا من انقلاب السلطة عليه في بداية السبعينات وصولا إلى هيمنة التيارات السياسية في السنوات الأخيرة. وخلاصة القول فالوضع الحالي لإتحاد الطلبة أنه أصبح لا يمثل أحدا، لا التيارات السياسية المتنازعة على قيادته ولا الطلبة على وجه الخصوص. لم نعد نرى من اتحاد الطلبة إلا بعض الشعارات السياسية الممجوجة تعلق أحيانا على الجدران وبعض الخطباء يتوجهون إلى جمهور من "الرفاق" لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة ومظاهر العنف الجسدي الشديد وتكسير صناديق الاقتراع والملاحقات خارج الفضاءات الجامعية... سلوكيات لشباب متشنج متقلب الأفكار لا يؤمن إطلاقا بقيم التسامح وحق الاختلاف ... أما مشاغل الطلبة فهي مهملة. فلا ظروف السكن والنقل والدراسة ترقى إلى اهتمام هذه الزعامات ولا جودة التكوين والتأطير ولا آفاق التشغيل تعنيها. إن المسؤولية مشتركة وكل التيارات السياسية الموجودة في الجامعة من يسارية وإسلامية ودستورية منخرطة في هذا السلوك ومسؤولة عن هذا البؤس. إلا أن مسؤولية السلطة أثقل وأخطر فهي التي زرعت تاريخيا الأشواك، والجامعة التونسية تجني اليوم الجراح وهي تقف اليوم متفرجة على هذا الوضع كأنه لا يعنيها، بل تزيد في تعفينه بالتدخل في شؤون الاتحاد ومضايقة مناضليه بشتى السبل. ❊ ما هي الحلول التي تقترحونها للخروج بالاتحاد من واقعه الحالي؟ الحل الذي يتبادر إلى ذهني مباشرة كنقابي تعرضت نقابته إلى محاولات انقلابية هو أن يقع الاعتراف والتعامل مع الهيكل الشرعي والقانوني الموجود حاليا وتمكينه من كل الوسائل والضمانات الكفيلة بعقد مؤتمر يوحد صفوف الطلبة ويفضي إلى انتخاب هيكل ممثل ومسؤول. إلا أن هذه الرؤية يمكن أن تبدو للبعض مثالية أو طوباوية لا تقرأ بدقة تعقيدات الواقع، لذا لا بدّ من الإقرار بأن الحلول صعبة وشائكة. إني أرى ضرورة أن تخلق ديناميكية تصالحية يلعب فيها أشخاص (وليس تيارات) محايدون ومتعاطفون مع الحركة الطلابية دورا أساسيا في رفع قبضة الأحزاب والتيارات عن الطلبة الناشطين وأرى ضرورة أن يلتقي هؤلاء على أرضية تمثل الحدّ الأدنى لا مجال للمحاصصة الحزبية فيها. هذه الأرضية تبنى على الالتزام بالدفاع عن المصالح المادية والمعنوية التي تهمّ مباشرة الطلبة مثل الظروف الحياتية للطلبة (منح، سكن، تنقل).. والحق في ظروف دراسية لائقة (تجهيزات بيداغوجية، إحاطة، تأطير)... إضافة إلى الالتزام باحترام حرية التعبير والاختلاف ونبذ العنف. وذلك يمر عبر حوار هادئ ومسؤول لا تتدخل فيه الأطراف الخارجية عن الحياة الطلابية سواء كانت سلطة أو تيارات سياسية، وذلك يستدعي أولا إجراءات فورية من طرف سلطة الإشراف بغاية تنقية الأجواء وغلق الملفات العالقة مثل القضايا المرفوعة ضد بعض الطلبة والطالبات ورفض تسجيل للبعض الآخر رغم حصولهم على أحكام إدارية ومثل تحسين الظروف الحياتية للطلبة وظروف الدراسة. فهل هذا كثير على السلطة إذا آمنت بأن الوضع الحالي لا يسمح إطلاقا ببلوغ أهداف وطنية هامة من ضمنها الارتقاء بأداء المؤسسات الجامعية وبجودة التكوين والإشعاع العالمي للمؤسسات الجامعية. ❊ رغم اختلاف المواقع والأدوار داخل الجامعة فان البعض يعتبر أن الطلبة والأساتذة في خانة واحدة فما هو تعليقكم ؟ وهل هناك أرضية للعمل المشترك بين الأساتذة وطلبتهم من أجل تحسين الحياة الجامعية؟ إن الطلبة جزء لا يتجزأ من المجموعة الجامعية إلى جانب الأساتذة والسلك الإداري، وإن الأساتذة يتأثرون كثيرا للظروف البائسة لأغلبية الطلبة المنحدرين من فئات ضعيفة الدخل، ومجالات العمل المشترك كثيرة غير أن المناخ الحالي لا يسمح باستغلالها. فللأساتذة دور هام في الإحاطة بالطلبة خارج حصص التدريس والتأطير وذلك في مجال الإرشاد والتوجيه والتكوين الثقافي والفكري في إطار نوادي الطلبة مثلا. بل أن هنالك مشاكل منجرة عن بعض البرامج والإصلاحات يعيش انعكاساتها الطلبة والأساتذة على حدّ سواء، ولقد دعت الجامعة العامة اتحاد الطلبة إلى المشاركة في الندوة التي نظمتها في ديسمبر 2009 حول تقييم منظومة امد، والطلبة والأساتذة يشتركون في عضوية المجالس العلمية وإمكانية التنسيق حول بعض المسائل متوفرة وممكنة. فقط يحتاج الأساتذة إلى طرف طلابي لا يتحرك إلا على قاعدة تمثيل مشاغل جمهور الطلبة لا غير. ❊ شهدت العلاقة بين الأساتذة والطلبة فتورا وصل حد تعنيف الطلبة للأساتذة فما هي الأسباب في تقديركم؟ وكيف ترون مستقبل هذه العلاقة؟ لا وجود إطلاقا لفتور للعلاقة بين الطلبة والأساتذة. ورغم تعدد حالات العنف ضد الأساتذة خلال السنتين الأخيرتين فما زلت أنفي صفة الظاهرة المتفشية على هذه المسألة واعتبر هذه الحالات نادرة ومعزولة ولا تعكس علاقة الأساتذة بالطلبة التي تتميز عادة بالاحترام والتقدير. ومع ذلك فحالات العنف تستدعي التطويق العاجل، لا فقط بالإجراءات التأديبية وهي ضرورية وإنما بالإنكباب على الأسباب الكامنة، وفي مقدمتها نفسية الإحباط التي يعيشها الطلبة عموما والتي أفقدتهم تدريجيا الإيمان بقيمة تحصيل العلم والشهادات في تبوأ منزلة اجتماعية محترمة. إن الأعداد الهائلة لخريجي التعليم العالي العاطلين عن العمل ترسل إشارات سيئة للطلبة المسجلين، ولا أدل على ذلك من ظاهرة الغياب عن قاعات الدرس بل عن الامتحانات وهذا جديد. أريد أن أضيف أن تهميش إطار التدريس من طرف سلطات الإشراف خاصة خلال العشرية الفارطة وعدم احترامهم وتجاهلهم لم يغب عن أنظار الطلبة ولعل ذلك انعكس نوعا ما على علاقة البعض منهم بأساتذتهم. وإني لا أرى مستقبلا مشرقا للعلاقة بين الأساتذة وطلبتهم في غياب أطر تمثيلية للحوار مثل مجالس علمية واتحاد طلبة ولجان أحياء وغيرها. ❊ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه الجامعة العامة للتعليم العالي في إيجاد الحلول والمخارج للمنظمة الطلابية باعتبارها مكسبا وطنيا لا بد من صونه؟ الجامعة العامة على ذمة اتحاد الطلبة في كل وقت ونحن جاهزون لمدّ يد المساعدة وللقيام بأي دور وساطة أو تسهيل على شرط أن يتم ذلك مع طلبة يدرسون بالجامعة وليس مع أبناء فلان وجماعة فلان... إني أرى أنه في صورة تكوين لجنة من القدماء المحايدين والمتعاطفين مع الحركة الطلابية تتولى إقناع زعماء التيارات السياسية بأن ترفع أيديها على اتحاد الطلبة وأن تتركه ينشط على أساس ديناميكية طلابية داخلية (dynamique endogène) ، فإن الجامعة العامة تستطيع أن تجنّد نقاباتها الأساسية للإشراف على المؤتمرات النقابية القاعدية لإتحاد الطلبة وأن تلعب دور وسيط مع سلطة الإشراف لتتحمل هي الأخرى مسؤولياتها وتحجم عن التدخل في شؤون الاتحاد وتعطيل نشاطه وتتخذ بعض الإجراءات الإيجابية لفائدة الطلبة كما تستطيع الجامعة العامة أن تلعب دورا تسهيليا فيما بين المجموعات الطلابية بأن تنظم الحوار بينهم حتى يهتدوا إلى التمشي الكفيل بعقد مؤتمر اتحادهم في أقرب الآجال وأفضل الظروف. وعلى أي حال، فإننا نجدد تعبيرنا على تعاطفنا مع الاتحاد العام لطلبة تونس ومناضليه واستعدادنا للقيام بأي دور يفضي الى تجاوز الأزمة الحالية