الشركات الأهلية : الإنطلاق في تكوين لجان جهوية    التشكيلة المنتظرة لكلاسيكو النجم الساحلي و النادي الإفريقي    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    انقطاع التيار الكهربائي بعدد من مناطق سيدي بوزيد والمنستير    كيف سيكون طقس اليوم ؟    عاجل/ الرصد الجوي يحذر في نشرة خاصة..    فضيحة/ تحقيق يهز صناعة المياه.. قوارير شركة شهيرة ملوثة "بالبراز"..!!    عاجل/ مذكرات توقيف دولية تطال نتنياهو وقيادات إسرائيلية..نقاش وقلق كبير..    اكتشاف أحد أقدم النجوم خارج مجرة درب التبانة    يتضمن "تنازلات".. تفاصيل مقترح الإحتلال لوقف الحرب    ليبيا ضمن أخطر دول العالم لسنة 2024    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    كلوب يعلق على المشادة الكلامية مع محمد صلاح    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تتأهل الى الدور ثمن النهائي    زيادة ب 4.5 ٪ في إيرادات الخطوط التونسية    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية للمنتجات الغذائية    الترجي الرياضي يفوز على الزمالك المصري. 30-25 ويتوج باللقب القاري للمرة الرابعة    وزير الثقافة الإيطالي: "نريد بناء علاقات مثمرة مع تونس في مجال الثقافة والتراث    معرض تونس الدولي للكتاب : أمسية لتكريم ارواح شهداء غزة من الصحفيين    ''ربع سكان العالم'' يعانون من فقر الدم وتبعاته الخطيرة    بن عروس: انتفاع قرابة 200 شخص بالمحمدية بخدمات قافلة طبيّة متعددة الاختصاصات    سوسة: وزير السيّاحة يشرف على حملة تفقد لعدد من الوحدات الفندقية    رئيس البرلمان يحذّر من مخاطر الذكاء الاصطناعي    تخص الحديقة الأثرية بروما وقصر الجم.. إمضاء اتفاقية توأمة بين وزارتي الثقافة التونسية و الايطالية    عمار يطّلع على أنشطة شركتين تونسيتين في الكاميرون    توزر.. مطالبة بحماية المدينة العتيقة وتنقيح مجلة حماية التراث    سوسة: القبض على 5 أشخاص يشتبه في ارتكابهم جريمة قتل    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    بن عروس: حجز 214 كلغ من اللحوم الحمراء غير مطابقة لشروط النقل والحفظ والسلامة الصحية    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    اعتماد خطة عمل مشتركة تونسية بريطانية في مجال التعليم العالي    رئيس الجمهورية يستقبل وزير الثقافة الإيطالي    الإتحاد العام لطلبة تونس يدعو مناضليه إلى تنظيم تظاهرات تضامنا مع الشعب الفلسطيني    رئيس الاتحاد المحلي للفلاحة ببوعرقوب يوجه نداء عاجل بسبب الحشرة القرمزية..    القطب المالي ينظر في اكبر ملف تحيل على البنوك وهذه التفاصيل ..    اليوم..توقف وقتي لخدمات الوكالة الفنية للنقل البري عن بُعد    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    البطولة الوطنية: النقل التلفزي لمباريات الجولتين الخامسة و السادسة من مرحلة التتويج على قناة الكأس القطرية    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    طقس السبت: ضباب محلي ودواوير رملية بهذه المناطق    أخبار الملعب التونسي ..لا بديل عن الانتصار وتحذير للجمهور    مانشستر سيتي الانقليزي يهنّئ الترجي والأهلي    رئيس الجمهورية قيس سعيّد.. المفسدون... إمّا يعيدون الأموال أو يحاسبهم القضاء    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    الكاف: إصابة شخصيْن جرّاء انقلاب سيارة    وزير الفلاحة: "القطيع متاعنا تعب" [فيديو]    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    منوبة: تفكيك شبكة دعارة والإحتفاظ ب5 فتيات    قفصة: ضبط الاستعدادات لحماية المحاصيل الزراعية من الحرائق خلال الصّيف    تونس : أنس جابر تتعرّف على منافستها في الدّور السادس عشر لبطولة مدريد للتنس    مقتل 13 شخصا وإصابة 354 آخرين في حوادث مختلفة خلال ال 24 ساعة الأخيرة    عميرة يؤكّد تواصل نقص الأدوية في الصيدليات    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    انطلاق أشغال بعثة اقتصادية تقودها كونكت في معرض "اكسبو نواكشوط للبناء والأشغال العامة"    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الحلّ في حوار وطني وعلى الأطراف تعديل سلوكها وعلاقتها بالإتحاد
نوفل الزيادي:
نشر في الشعب يوم 05 - 06 - 2010

إلتحق نوفل الزيادي بالجامعة سنة 1984، إنخرط في النضال الطلابي صلب اليسار من أجل إنجاز المؤتمر 18 خارق، أُنتخب عضو مكتب تنفيذي في المؤتمرين 18 خارق للعادة و19 وأمينا عاما في المؤتمرين 20 و21، عرف نوفل بحركيته الكبيرة وإلتصاقه بالطلبة، اثر تخرّجه من الجامعة واصل الدراسة بفرنسا وهو اليوم باحث اقتصادي.
❊ السيد نوفل الزيادي، التحقتم بالجامعة التونسية في النصف الأول من الثمانينات وكنتم من جيل إنجاز المؤتمر 18 الخارق للعادة، كيف يمكنكم قراءة تلك المرحلة من تاريخ الحركة الطلابية؟
التحقت بالجامعة سنة 1984، وقد شهدت تلك السنة التحاق الشباب التلمذي الذي شارك بصورة فعالة في التحركات التلمذية لسنة 1981-1982 وطالب بنقابة تلمذية على غرار الإتحاد العام لطلبة تونس، وزيادة على ذلك فقد كان جيلنا جيلا منشغلا بالشأن العام وله مشاركة فعالة فيه، بحيث أنه لم يتخلّف عن التحركات الإحتجاجية التي شهدتها بلادنا وقتذاك.
دخلت الجامعة والإتجاه الإسلامي متواجدا بكثافته العددية وبالعنف الذي كان يسلّطه على الطلبة اليساريين الذين اضطر جزء منهم لردّ الصاع في ما يسمى ب"أحداث منوبة" 1981 . والجدير بالتأكيد أن الهوّة التي كانت تفصل الطرفين كانت سحيقة، زادها اتساعا إقدام الإتجاه الإسلامي على شق الصف الطلابي، في ما يتعلّق بالتمثيل الطلابي، إذ كفّ عن المطالبة بالمؤتمر 18 الخارق للعادة وتبنى مقولة "التأسيس"، أي تأسيس اتحاد جديد للطلبة يكون في قطيعة مع القديم، خلال شهر سبتمبر 1980. وقد ضمّن موقفه ذاك في وثيقة تحت عنوان "واقع الحركة الطلابية"، وأود أن أذكّر بأهم ما ورد فيها لتبرير تأسيس جديد، لعلّ الذكرى تنفع...:
"إن الإتحاد العام لطلبة تونس كان منذ تأسيسه شعبة من شعب الحزب وخلية من خلايا النظام"
"إن كل المؤتمرات التي عقدها الإتحاد منذ تأسيسه لاشرعية ولاغية بحكم سيرها في ركاب النظام وبحكم المهام التي كانت تطرحها".
وانتهت الوثيقة بالدعوة لمؤتمر تأسيسيّ تنبثق عنه "منظمة طلابية حرّة ذات مهام شاملة".
ولتأكيد مشروعية شقّه للصف الطلابي حاول ربط انشقاقه ذاك بالعودة إلى الإرث الزيتوني، أي إلى "صوت الطالب"، وفسخ مساهمة الإتحاد العام لطلبة تونس في النضال الوطني وفي الدفاع عن قيم الحداثة والعقلانية والتقدّم والحرّية. وليس هذا فحسب، بل عمد الإسلاميون إلى محاولة تصفية الهياكل النقابية المؤقتة والقوى اليسارية المتمسكة بالمؤتمر18 الخارق للعادة باعتماد التشويه وتزوير التاريخ وانتهاج العنف المنظم.
ونشير إلى أن الإسلاميين وجدوا في بعض الفترات مساندة من بعض النافذين في السلطة، حتى أن المشرف على التنظيم كان يعمل صحافيا بجريدة الصباح وغيرها من المنابر الإعلامية. وقد مكّنهم هذا الدعم من تنظيم أسابيع الجامعة التونسية بحضور بعض المسؤولين الإداريين ومن انجاز مؤتمرهم في شهر مارس سنة 1985، ولم يتمكنوا من جرّ سوى جزء ضئيل من اليسار ارتبك أمام شعار مموّه رفعوه وهو "مؤتمر عام للحسم" ثم تراجع قبل المؤتمر التأسيسي "(للإتحاد العام التونسي للطلبة بقليل اتحاد خاص بالإسلاميين).
أما فيما يتعلّق بالقوى اليسارية فقد اتخذت مسار التمسك بالمؤتمر 18 الخارق للعادة غير أنها اختلفت حول كيفية إنجازه وحول التمشي النقابي والسياسي المؤدي لعقده، وانقسمت منذ مطلع 1980 إلى تجمّعين يضم الأول النقابيون الثوريون ومجموعة البيان النقابي والمناضلون النقابيون والطلبة القاعديين، أما الثاني فهو مؤلف من الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة والوطنيين الديمقراطيين. وتركّز الخلاف في البداية حول مسألة "انتخاب الهياكل النقابية المؤقتة أو تعزيزها"، بحيث كان التجمّع الأول يدعو للإنتخاب باعتباره مصدر الشرعية بينما التجمّع الثاني كان مع "التعزيز" لأن الشرعية بالنسبة إليه هي شرعية النضالية والأطروحات السياسية الثورية. ثمّ أصبح الخلاف في السنة الجامعية 1985-1984 حول "خطة الإنجاز" التي اقترحها النقابيون الثوريون. فتشكّلت التقاءات وتحالفات في إطار التجمّع النقابي الديمقراطي ثم الجبهة النقابية. وفي ظل هذه الخلافات والصراعات الحزبية الخانقة وحملات القمع المتكررة ضد نشطاء الحركة الطلابية، تمّ إجراء بعض الإنتخابات في سوسة وبنزرت ولم تشمل بقيّة الأجزاء الجامعية.
ورغم الظروف الصعبة التي كانت قد مرّت بها الحركة الطلابية فإنها خاضت تحرّكات ونضالات جديرة بالذكر في تاريخ نضال الشباب الطلابي نذكر من بينها مساندة الحركة النقابية العمالية، الممثلة في الإتحاد العام التونسي للشغل الذي تعرّض لعملية انقلابية عن هياكله الشرعية، والقضية الفلسطينية والدفاع عن العقلانية وعن حرّية المرأة اللذين تعرّضا لهجوم مركّز من قبل الحركة الإسلامية. فكان إضراب الجوع الذي خاضه طلبة كلّية الإقتصاد خلال شهر مارس سنة 1985 والذي مكّن اليسار في الجامعة من تعديل ميزان القوى بينه وبين طلبة الإتجاه الإسلامي، غير أنه تعرّض العديد من مناضليه لعملية التجنيد اثر إضراب الجوع مساندة للمخيمات الفلسطينية.
ومع افتتاح السنة الجامعية 1987-1986 شهد النضال الطلابي تراجعا كبيرا جرّاء القمع الذي تعرّض له مناضلو الحركة، لكنه لم يثن المناضلين الذين أفلتوا من قبضة الأمن من مواصلة الدفاع عن حرّية العمل النقابي والسياسي.
خلال السنة الجامعية 88/87 شهدت الجامعة انفراجا، إذ تمّ إنهاء تجنيد المجنّدين، ممّا يسّر إعادة طرح مسألة المؤتمر18 الخارق للعادة بأكثر قوّة، فاتحدت القوى اليسارية والديمقراطية من أجل "الإنجاز". وكان ذلك في ماي .1988 كان مهرجانا ديمقراطيا بحق. وللأمانة التاريخية ما كان للمؤتمر 18 الخارق للعادة لينجز لولا تشبث مناضلي الحركة الطلابية بحقهم في التمثيل النقابي وفي أن يكون لهم رأي مخالف للحزب الحاكم وللسلطة، ولولا تضحياتهم الجسام وبصورة خاصة أولائك الذين تعرّضوا للقمع والسجن والطرد من الدراسة في السبعينات والثمانينات، ولولا تصديهم بجرأة وتصميم منقطع النظير لمحاولة الإتجاه الإسلامي القضاء على المنظمة الطلابية و"أسلمة الجامعة" وتصفية كلّ نفس يساري وتقدّمي ونيّر فيها، ولولا الدعم الذي لقيه النضال الطلابي من قبل المجتمع المدني والسياسي الديمقراطي والتقدمي، من جهة ولولا القرار السياسي الإيجابي الذي اتخذه رئيس الجمهورية زين العابدين بن علي آنذاك من جهة أخرى.
السيد نوفل الزيادي كيف أمكن للوفاق أن يحصل في "المؤتمر 18 الخارق للعادة"؟
لقد أسهمت قوى عديدة في إنجاح هذا المهرجان بما فيها السلطة، من خلال تيسير ظروف عقد المؤتمر 18 خ ع في افريل 1988 وعدم التدخل في المضمون السياسي للمؤتمر أو في تركيبة المكتب التنفيذي، وكان النقابيون الثوريون والوطنيون الديمقراطيون بالجامعة يمثلون أهم كتلتين في المؤتمر متعادلتين تقريبا. زيادة على عدد من المجموعات التي كانت في تحالف مع أحد القطبين. فكان ولا بدّ من تمثيل أوسع ما يمكن من القوى في المكتب التنفيذي احتراما لتضحيات كل مكوّنات الحركة وضمانا لالتفافها حوله، مع اتفاق جميع الأطراف على أن يكون الأمين العام مستقلا، فكان سمير العبيدي، وللأمانة التاريخية فإنّ المؤتمر تعرّض لضغط كبير من قبل الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة الذين رفضوا التنازل لفائدة النقابيين الوطنيين الذين ينتمون لنفس التوجه السياسي تقريبا، وكاد المؤتمر ينتهي إلى المجهول لولا تنازل النقابيين الثوريين. وهكذا طوى المؤتمر 18 الخارق للعادة صفحة ال17 سنة من الوجود غير القانوني للمنظمة الطلابية لكنه لم يعالج في الأصل مسألة التمثيل الطلابي والشرعية داخل المنظمة، لأنه لم يدرج طلبة الحزب الحاكم وطلبة الإتجاه الإسلامي ضمن هيكلة الإتحاد ووضعهم في نفس الخانة لأن الأولين انقلبوا في مؤتمر قربة 1971 ولم يعلنوا عن انسحابهم من المنظمة، بينما الثانين شقّوا الصف الطلابي وأصبحوا يدعون إلى تأسيس تنظيم جديد خاص بهم من مطلع ثمانينات القرن الماضي وحققوا مطلبهم في مارس 1985.
وأقولها بصراحة أننا لم ندرك وقتها أن وضع الإتحاد هش للغاية جراء أربعة عوامل أساسية:
الأول يتمثل في أن أغلب القوى اليسارية تتعامل معه وكأنه منظمة ثورية لمعارضة النظام وليس منظمة نقابية شبابية تدافع عن مصالح عموم الطلبة المادية والمعنوية والبيداغوجية،
والثاني هو المحاصصة بين القوى السياسية التي لها حضور في الساحة الجامعية ومن ثمّة فإن الشرعية داخله لا تضمنها قوانينه ومقرارات هيئاته العليا وإرادة عموم المنخرطين بل الإتفاقات السياسية الحاصلة،
وثالثا عدم الوعي وبالتالي خوض معركة استرجاع مقرات الاتحاد ووثائقه وحقه في التمويل وضبط وتوضيح أسس وقواعد واليات تعامله المؤسساتي مع وزارة التربية والعلوم لأداء واجبه النضالي النقابي.
أما رابعا فيتعلق بعدم التطرّق ومعالجة علاقة طلبة التجمع بالاتحاد من حيث الانخراط والتمثيلية في مختلف هياكل المنظمة خصوصا بعد إعلانهم التمسك بالاتحاد ورفضهم لانقلاب قربة 71.
وأصبحت هذه العناصر الأربعة تقف حائلا أمام كل محاولات مأسسة العمل النقابي الطلابي.
❊ السيد نوفل الزيادي تحمّلتم المسؤولية في المكتب التنفيذي في المؤتمر18 الخارق للعادة وفي المؤتمر19، كما تحمّلتم مسؤولية الأمانة العامّة في المؤتمرين 20 و21 ما هي أبرز الأحداث وأهم الإستخلاصات؟
كما ذكرت سابقا فقد كان المكتب التنفيذي بمثابة جبهة سياسية، وهو أمر طبيعي في وضع "تأسيسي" إذا شئنا القول، غير أننا لم نكن على وعي به وبضرورة التدرّج للخروج من التمثيل النخبوي إلى التمثيل الجماهيري القاعدي، الطلابي أو للمنخرطين. نحن لم ندرك، ولم تدرك كل الأطراف، أن الحركة الطلابية عاشت 17 عاما في وضع غير قانوني، حرم خلالها الشباب الطلابي من الدربة على العمل الجمعياتي وعلى العمل المؤسساتي وعلى احترام القوانين الداخلية والعضوية للمنظمة ومقررات هيئاتها وهياكلها العليا، يعسر عليها الخروج بسهولة من دائرة المنطق الثوري والفوضوية ودخول دائرة العمل النقابي والجمعياتي الممأسس.
والجدير بالتأكيد أننا لم نجد طريق العمل القانوني يسيرة أمامنا فقد بقينا طيلة 5 أشهر بدون تأشيرة قانونية ليس لنا مقرّ ولا تمويل. فعقدنا أولى اجتماعاتنا بمقر مجلّة أطروحات وفي المقاهي. وكنّا أجرينا نقاشات حادة وعنيدة مع وزير التعليم العالي آنذاك الأستاذ عبد السلام المسدي، الذي اعتبر أننا جزء من الإتحاد ولسنا الإتحاد العام لطلبة تونس. ولم تشهد أوضاعنا استقرارا نسبيا إلا بعد حصولنا على التأشيرة القانونية يوم 17 سبتمبر .1988 والحالة تلك، فقد طغت على الحياة الداخلية للمنظمة نقاشات سياسية عامة عنيفة تجلّت بوضوح في ندوة صفاقس. وبالرغم من ذلك فقد طوّرنا علاقاتنا بالمجتمع المدني وكان لنا حضور إعلامي متميّز.
لم تدم فترة المؤتمر 18 الخارق للعادة طويلا، فقد شرعنا منذ مارس 1989 في الإنتخابات القاعدية للمؤتمر19، الذي انعقد في شهر نوفمبر 1989. وشهد هذا المؤتمر صراعا بين مجموعتين أساسيتين شكلتا الأغلبية الساحقة للمؤتمرين، كانت الأولى تحالفا بين النقابيين الثوريين والنقابيين القاعديين وبعض طلبة الحزب الشيوعي آنذاك والنقابيون الوطنيون والشبيبة الشيوعية ومجموعة من البعثيين وتجمّع الثانية الوطنيين الديمقراطيين بالجامعة والوطنيين الديمقراطيين. ولمّا تجلّت الغلبة في المصادقة على اللائحة السياسية التي تقدّم بها التحالف الأول، عندها هددت المجموعة الثانية بالإنسحاب من المؤتمر رافضة المشاركة في المكتب التنفيذي بدعوى عدم القبول بالعمل بلائحة إصلاحية تطالب بالحرّية السياسية، ممّا وضع المؤتمر في حرج وأجبرنا على تحمّل أعباء المكتب التنفيذي بمعيّة عنصر من طلبة الحزب الشيوعي وطالب من الشبيبة الشيوعية وطالب بعثي، وممّا زاد الوضع صعوبة هو اعتذار الأمين العام المتخلّي سمير العبيدي على تجديد ترشحه ورفض حمادي العش الترشّح لهذه المسؤولية، حينها وجدنا أنفسنا مجبرين على اختيار تركيبة المكتب التنفيذي وسمير حمودة كأمين عام، دون إعداد مسبق.
وهكذا وجدنا أنفسنا في وضع داخلي صعب حيث أن بعض المكاتب الفدرالية أصبحت تعارض المكتب التنفيذي، وعملت على الإطاحة به، فانعكس ذلك سلبا على الأداء الموحّد للإتحاد في تحمّل مسؤولياته النقابية وفي صراعه المرير ضد الإسلاميين الذين اتبعوا خطة تصعيدية قوامها إضرابات الجوع والإعتصامات والإضرابات المفروضة بالقوّة وبصورة خاصة لمّا استهدفوا الوزير الراحل محمّد الشرفي ونادوا بإقالته من الحكومة لمسؤوليته في سياسة إصلاح التعليم التي اعتبروها "سياسة تجفيف المنابع". فوجدنا أنفسنا نواجه بمفردنا الأحزمة البشرية للإسلاميين ونتعرّض للعنف الهمجي والإضرابات المسقطة المفتوحة.
وأود التأكيد على أن علاقتنا بالوزارة في تلك المرحلة كانت محكومة بالموقف التعادلي بيننا وبين نقابة الإسلاميين، مع الإشارة إلى أن الوزير الراحل محمد الشرفي كان يشجعنا على تنمية النشاط الثقافي، وكنا على خلاف معه حول إنجاز المؤتمر20 حيث رفض تمكيننا من عقد المؤتمر 20 وطلب تأجيله. لكن رئيس الجمهورية أذن بتمكيننا من عقد المؤتمر. وكلف المستشار السياسي السيد صلاح الدين معاوية بالتحاور معنا حول الحياة الجامعية وحول دور الإتحاد في الجامعة والبلاد. وانبثقت عن هذه النقاشات اتفاقات أعلناها في إبانها ولقينا تسهيلات لعقد المؤتمر 20 على جميع الأصعدة.
لقد كان من الطبيعي أن يثمر نضال كل مناضلات ومناضلي الاتحاد نتائج مشرّفة ساهمت في حصولنا على أغلبية مريحة في المؤتمر20 الذي انعقد في أوت1991، إثر مرور الجامعة بصدامات عنيفة بيننا وبين الإسلاميين، ثمّ بينهم وبين قوات الأمن، وإثر بعث لجنة وطنية لحماية الجامعة.
ولا بدّ من كلمة حقّ في علاقة بالمؤتمر20، واعتبارا لانسحاب بعض التيارات واستنكافها عن المشاركة في الإنتخابات القاعدية في ظل الظروف الإستثنائية التي مرّت بها الجامعة التونسية، فوضنا للمؤتمر معالجة مسألة النيابات والترشح للمكتب التنفيذي، فقد تمّ القبول بالنيابات التي أجريت خارج المواعيد وقبلنا بتمثلية بعض الأجزاء، التي لم تجر فيها انتخابات، بصفة ملاحظ. وتمّ تحوير القانون بشكل يسمح لكل مناضل بالترشّح من خارج قاعة المؤتمر، وذلك سعيا منّا لتشريك كل القوى في المسؤولية. وعلى هذا الأساس أجرينا نقاشات مع كل التيارات انتهت باتفاق مع أغلبها، وانسحب البعثيون من الإتفاق تمسكا بطلبهم أن يكونوا ممثلين بعنصرين. وتمّ تحوير القانون بإدخال مبدأ التمثيلية النسبية في الهياكل الوسطى والعليا للمنظمة.
انطلقنا في العمل مباشرة بعد المؤتمر في ظل أوضاع محفوفة بالتوترات السياسية، وأهمها الإيقافات والتتبعات التي شملت عديد المناضلين التابعين ل"حزب العمال الشيوعي التونسي" في الجهات وفي العاصمة. ورغم أن أغلبية أعضاء المكتب التنفيذي كانت تنتمي إلى هذا الحزب، حافظنا على التوازن الرفيع بين مسؤولياتنا النقابية وانتماءاتنا الحزبية، ولم نجعل من الجامعة ومن الإتحاد "رهينة" سياسية نضغط بها لمعالجة وضعية "حزب العمال".
لكن ظهرت خلافات داخل قيادة "حزب العمال" جعلت الإعداد للمؤتمر 21 يجري بصورة ليست موحّدة، بحيث كان الإتجاه الغالب هو أن تجرى التمثيلية على أساس النضالية وثورية الأطروحات والمواقف، خاصة وأن بعض الفطاحلة كانوا يتابعون تصريحاتي وخاصّة الحوار الذي أجريته مع رئيس تحرير جريدة »الصحافة« النقيب الحالي صديقي جمال الكرماوي وتصريحات بعض أعضاء المكتب التنفيذي ليسجلوا يمينيتها ومهادنتها للسلطة وتغطية ذلك بمعارضتها الراديكالية للإسلاميين. والحال أن "رفاق الأمس" لم يكونوا هم الذين اكتووا بالعنف الهمجي للإسلاميين ولم يكونوا من واجهوا الأحزمة البشرية ولم يكونوا هم المهددين في حياتهم مباشرة. نحن نعرفهم لمّا يتحمّلون مسؤوليات نقابية أو غيرها يخضعون ويصبحون أسودا كلما تعلّق الأمر بتقييم مجهودات ونضالات رفاقهم بنقد غيرهم. إنهم يصنعون بطولاتهم على كواهل غيرهم بينما نصنعها نحن بأنفسنا وفي صمت. وقد كنّا قدّمنا الردود اللازمة سياسيا ونضاليا، حتى لا نترك مظلمة أمام التاريخ. لقد أعددنا المؤتمر 21 في هذا الجوّ المشحون على أكثر من صعيد. ونزّلت علينا قرارات علوية من قيادة "حزب العمال" بشأن تمثيلية بقيّة الأطراف الطلابية، اضطررنا لتنفيذها. فكان المكتب التنفيذي المنبثق عن المؤتمر21 بمثابة "قيادة مواجهة." وكان أوّل »عمل بطولي« قام به ثنائي من أعضاء المكتب التنفيذي ثم الإعداد له خارج أطر الاتحاد هي أحداث القيروان التي أتت على الأخضر واليابس وجمّدت الجهة لما يزيد عن الخمس سنوات ورمت بالعديد من مناضلي الإتحاد في السجون. وممّا زاد وضعنا تعقيدا ;توقفت العلاقة بسلطة الإشراف فيما تبقى من فترة الشرفي. لكن فترة الإنفراج التي بدأت مع الوزير أحمد فريعة بالعودة للتحاور على أساس الوثيقة النقابية للمؤتمر20، حيث عبّرت الوزارة على استعدادها لتمكين الإتحاد من حقوقه على أساس تحمّل مسؤولياته كاملة تجاه منظوريه والمساهمة الواعية والمستقلة في تطوير الأوضاع الجامعية، لم تعمّر طويلا فقد انتهت بمغادرته، لأنه خلفه الراحل الوزير الدالي جازي أغلق باب التفاوض أمام الاتحاد. ولم يستأنفه إلا بعد المؤتمر 22.
تلك هي الظروف التي أعددنا فيها المؤتمر22 . كانت الصعوبات بالجملة في الإنتخابات القاعدية، وقد تحملنا مسؤوليتنا في شحذ الهمم والمعنويات لكافة المناضلين ورغم سعينا إلى تشريك كل القوى بتمكينها من مواقع في المكاتب الفدرالية ومن مؤتمرين والحال أنه ليس لها أي تمثيلية. وبعد أن منعتنا الوزارة من عقد المؤتمر بكلية 9 افريل، تمكنا من الحصول على المركز الثقافي الحسين بوزيان لعقد المؤتمر. ودارت الأشغال في ظروف عادية. ولمّا شارف المؤتمر على نهايته وبدأ الحديث عن تركيبة المكتب التنفيذي قاطع طلبة "حزب العمال" الجلسة الإنتخابية وعقدوا اجتماعا أعلنوا فيه انسحابهم من المؤتمر، وانهى المؤتمر أشغاله بانتخاب المكتب التنفيذي الجديد الذي انتخب عاصف اليحياوي أمينا عاما للإتحاد.
ورغم هذه الأوضاع المعقدة والقاسية فقد عملنا مناضلات ومناضلي الاتحاد في المكتب التنفيذي وكافة الهياكل بمعنية الطلبة على تطوير أدائنا وتواجدنا، فخضنا تحركات ونظمنا اجتماعات وإضرابات فرعية وقطاعية ووطنية من أجل إصلاح تعليم في خدمة الجامعة والبلاد ودفاعا على حرمة الجامعة وحرية العمل النقابي والسياسي وطالبنا بإخلاء الجامعة من الأمن الجامعي حتى تكون الجامعة منارة للعلم والمعرفة وفضاءا للديمقراطية وطورنا في هذا الاتجاه علاقتنا النضالية مع النقابة العامة للتعليم العالي، فنوّعنا تدخلنا ليشمل التنشيط الثقافي والتأطير النقابي والفكري والسياسي. فأصدرنا نشريات ونظمنا ندوات وأقمنا حفلات وبعثنا نوادي حقوق الإنسان وللدفاع عن العقلانية وأخرى للشعر والأدب ونشطنا الأحياء الجامعية. وطوّرنا الديمقراطية الداخلية للإتحاد بحيث احترمنا دورية اجتماعات المكتب التنفيذي والهيئة الإدارية والمجلس الوطني وأرسينا تقليد الجلسات العامة مع المنخرطين في المقرّ المركزي للمنظمة وفي الكليات والمعاهد العليا يكون فيها النقاش مفتوحا ودون قيود حول كل ما يهمّ الإتحاد وركّزنا اللجان القطاعية في مدارس المعلّمين والمدارس والمعاهد العليا للفلاحة ومعاهد الرياضة وبعثنا هياكل جهوية تمركز العمل الطلابي في الجهات وتنسق بين المكاتب الفدرالية.
وأعدنا تركيز فروع الهجرة بكل من باريس وبلغاريا وسوريا والعراق كما كان الإعلام متواصلا حول برامج الإتحاد وأنشطته وعلاقته بوزارة الإشراف ومع السلط المسؤولة. ودافعنا أيضا عن مصالح الطلبة وحققنا العديد من المطالب نذكر إمضاء اتفاقيتين واحدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية حول التغطية الاجتماعية للطلبة وأخرى مع وزارة النقل حول التخفيضات للطلبة أثناء العطل الجامعية، والعدد الأقصى بين الدورتين ومعالجة ملفات السكن والمنحة وإعادة التوجيه...إلخ. وكانت علاقتنا بسلطة الإشراف منتظمة وجلسات العمل كانت تدور حول ملفات يتمّ إعدادها بصورة مسبقة وبمشاركة المسؤولين النقابيين في الكليات. ومتّنا روابطنا بالمجتمع المدني والسياسي ومن ضمنها التنسيقية مع الجمعيات دعمنا روابطنا بالإتحاد العام التونسي للشغل الذي وجدنا من قبله الدعم اللازم. وتحمّلنا مسؤولياتنا كاملة في التحركات المناصرة للشعب العراقي والمنددة بالحرب عليه وفي مناصرة القضية الفلسطينية. وكان لنا دور نشيط في علاقة بالإتحاد العام للطلبة العرب والإتحاد العالمي للطلاب، ففوّض المكتب التنفيذي الأمين العام السابق والرئيس الشرفي سمير العبيدي لتمثيل الإتحاد في الهيئة الدستورية للإتحاد العالمي للطلاب. وطورنا علاقتنا بالاتحادات الصديقة بكل من الجزائر وليبيا والمغرب وسوريا والعراق وفرنسا وبلغاريا، كما نظمنا العديد من الندوات النقابية التكوينية لتعميق التملك العملي والميداني للاستقلالية النقابية في مفهومها وأبعادها السياسية والتنظيمية والمالية.
لقد تحمل مُناضلو الاتحاد واجباتهم النضالية في ظروف قاسية وتعرض العديد منا إلى الإيقافات المتعددة والسجن والطرد من الدراسة وعرفنا قسوة الاحتياج والإقصاء والتهميش وتاريخ الاتحاد والجامعة والبلاد سيحفظ بكل أمانة كل الحقائق ولن تصمد أو تفلح كل محاولات التشويه في إعادة تركيب الأحداث والقراة التآمرية التي يقدمها بعض من "رفاق الأمس".
❊ السيد نوفل الزيادي كيف تقرؤون واقع الأزمة الراهنة للاتحاد العام لطلبة تونس؟
اعتقد انه قبل البحث في مخارج للازمة الحالية التي يعيشها الاتحاد العام لطلبة تونس، من المهم تشخيص هذه الأزمة وتحديد عناصرها المفصلية وخاصة مسؤولية كل طرف من الأطراف المتدخلة في الشأن الجامعي.
إن أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس هي حلقة من سلسلة ولا يمكن التعاطي معها إلا من هذا المنظور.
من خلال متابعتي للشأن الطلابي والجامعي عموما، أستطيع أن أقول إن الجامعة التونسية تعيش فعلا أزمة تأطير طلابي متعدد الأبعاد، بعضها قيمي وثقافي وفكري وبعضها الآخر مرتبط بعدم المسك بحقيقة دور ووظيفة الجامعة خاصة في ظل التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها بلادنا ويعرفها المشهد الاقتصادي والاجتماعي العالمي وسيطرة العولمة الرأسمالية المتوحشة.
وقد أدى هذا الخيار إلى سيطرة التوجه الاقتصادي (Economiste) والمقاولاتي (Entreprenariste) إلى حصر وظائف الجامعة في دور اقتصادي ضيق الأفق يتلخص فقط في الاستجابة لحاجيات المؤسسة الاقتصادية وما تحتاجه من كفاءات بشرية ولا يتردد هذا التوجه في تحميل الجامعة مسؤولية امتداد ظاهرة البطالة.
ومن ضمن مظاهر أزمة الجامعة التونسية اليوم أيضا تراجع قيم الالتزام والمواطنة وهذا أمر تؤكده دراسات المختصين وبحوث الأكاديميين، واعتقد انه يتطلب اليوم وقفة حقيقة ودراسة أعمق.
إن الإعداد والدربة على الالتزام المدني والوطني والتربية على المواطنة في كافة مجالاتها (الثقافية والسياسية والحضارية والفكرية) خاصة في ظل تزايد عدد الطلبة (نحو 400 ألف طالب) وانتشار المؤسسات الجامعية في كافة أنحاء.
وهناك معضلة أخرى لا تقل أهمية وهي أن أزمة التمثيل الطلابي لها أبعاد أخرى غير أزمة المنظمة الطلابية فمثلا تم التخلي على لجان الأحياء الجامعية والمجالس العلمية أصبحت لا قيمة لها ولا تمت للطلبة بصلة وتحولت إلى معارك سياسية عنيفة إذ بالرغم من مراجعة أنظمة التعليم فان مجالس الكليات بقيت على حالها في وقت كان من المفروض تطويرها وإصلاحها وملاءمتها للتغيرات الحاصلة على جميع الأصعدة حتى تكون في المستوى. هذا إلى جانب أن مواعيد تنظيم الانتخابات تتخللها إشكالات كبيرة من ناحية توقيتها ونسبة مشاركة الطلبة فيها.
كما لا يمكن تجاهل التحولات العالمية وما حملته من ثقافة استهلاكية وآثارها الفكرية والسياسية والاجتماعية وانعكاساتها على هذه الشريحة الشبابية في مستوى اهتماماتها ووعيها وتطلعاتها وهي مسالة لا نعتقد أنها حظيت بالاهتمام والمتابعة اللازمتين رغم خطورتها.
وهو ما انعكس سلبا على الأوضاع البيداغوجية وما يسببه الإسراع بتطبيق نظام إمد (LMD) دون مراعاة خصوصية البعض من المؤسسات الجامعية من حيث البنية التحتية وإطار التدريس والتأطير وفهم واستيعاب الجيد من قبل الطلبة.
كما عرفت الخدمات الجامعية تراجعا من حيث توفرها وجودتها وأضحت معضلة بطالة خريجي الجامعة تمثل كابوسا وعنصر توتر اثر سلبا على الحالة المعنوية والذهنية لشريحة هامة من الشباب الطالبي.
وأعتقد أن الزيارة الميدانية التي قام بها وزير التعليم العلي والبحث العلمي الأستاذ البشير التكاري تمثل خطوة وبادرة ايجابية يمكنها أن تتطور في اتجاه وضع مرصد للحياة الجامعية يكون له دور الانصات ورصد التحولات السلوكية والسوسيولوجية والصعوبات التي يعيشها الشباب الطلابي وبالتالي المساهمة في تحديد البرامج والحلول الكفيلة بالاستجابة لتطلعاتهم وانتظاراتهم.
وحتى أكون دقيقا في تشخيص أزمة الاتحاد العام لطلبة تونس، أستطيع أن أقول إنها من أخطر الأزمات واعقدها، وان العمل على تجاوزها يتطلب مجهودات جبارة من قبل كافة أطراف المعنية بواقع الجامعة والاتحاد، مجهودات قائمة على قراءة موضوعية لأسباب الأزمة ودوافعها وعلى حلول للتجاوز.
كما وجب علينا التأكيد على ما يلي:
أولا: إن سبعة عشرة سنة من الوجود غير القانوني للهياكل النقابية المؤقتة، باعتباره من تداعيات مؤتمر قربة قد ربت أجيالا متعاقبة من الشباب الطلابي على العمل غير المؤسساتي بما يعنيه من عدم التقيد بالقانون وعدم احترام الشرعية وعدم الالتزام بمقررات الهياكل والهيئات القانونية للمنظمة الطلابية فالشباب الطلابي، الذي من المفروض أن يتلقى دربته الأولى على العمل ضمن مكونات المجتمع المدني في إطار الاتحاد العام لطلبة تونس ومختلف اطر التمثيل والنشاط الطلابي الأخرى ظل في أغلبه مهمشا ووعيه المدني عرضة للتشويه وقد لمسنا تبعات تلك العوائق في حياة ونشاط مختلف مكونات المجتمع المدني، لأن الدربة لم تكن سوية في مهدها الطبيعي. وهو وضع من شأنه أن يفقد المجتمع إمكانية كسب حصانة ومناعة ذاتية تنشأ وتتعزز من خلال وجود مجتمع مدني قوي ومتعدد.
ثانيا: إن الثقافة الديمقراطية وقيمها ضعيفة في مجتمعنا إذ انه من الطبيعي والمنطقي أن تتربى الناشئة على صورة مجتمعنا أي أن تأخذ منه ما هو سائد وتعمل في نفس الوقت على بناء مستقبلنا من خلال إدخال بعض التعديلات وتقديم بعض الإضافات على ما ورثه لذلك فان مختلف التيارات السياسية والنقابية تتعامل مع المنظمة الطلابية بروح الافتكاك والإقصاء ولا غرابة والحال تلك أن تكون هي نفسها مولدة للازمات ومفاقمة لها.
ثالثا: إن الأطراف السياسية وغيرها تدخل باستمرار في الحياة الداخلية للمنظمة الطلابية وتأجج الخلافات داخلها ولا اعتقد أن تيارا واحدا في عصمة من الخطأ. وأكاد اجزم أن ما أتاه رفاق لنا بالأمس بإقدامهم على شق الصفوف عن طريق »مؤتمر التصحيح« والإقدام على الدعوة إلى «مؤتمر موحد» خارج إطار قوانين الاتحاد والشرعية داخله، يدخل في إطار السعي للمساس بهويته الديمقراطية والتقدمية وضرب وحدته وتغيير وجهته.
وبما أن الوضع على ما هو عليه فان جميع الأطراف مطالبة بتعديل سلوكها وعلاقاتها بالاتحاد والإقرار بأخطائها على رؤوس الملا، تيسيرا للحوار والتفاعل والتواصل.
❊ السيد نوفل الزيادي ما الحلول الممكنة حسب رأيكم؟
أن الأزمة عميقة وتتطلب حوارا وطنيا تشارك فيه كل القوى المعنية بالاتحاد وتتناول بكل المسؤولية اللازمة مسألة علاقة المجتمع السياسي بالمجتمع المدني باعتبارها تمثل إحدى المعضلات في تونس ثم تتدرج إلى ضبط التوجهات العامة الكفيلة باعادة الاعتبار لوظيفة الجامعة وتجاوز الرؤية الاقتصادية والاختزالية والتاكيد على تعدّد ابعادها ووظائفها التكوينية والثقافية والقيمية والسوسيو اقتصادية والحضارية المتكاملة وهي مسؤولية كل الفاعلين السياسيين والاجتماعيين والاقتصاديين المؤدية لمعالجة أزمة اتحاد الطلبة والتمثيل والتأطير الطلابي بصورة عامة والإعداد لمؤتمر موحد فعلا. وتضع المنظمة النقابية الطلابية على سكة النضال النقابي المشروع من خلال تمكين الاتحاد من كافة حقوقه الجدير بها: مقر لائق، تمويل قار، مشاركة فعالة في ما يهم الشأن الطلابي والجامعي كغيره من المنظمات الوطنية وعلى سبيل الذكر فان الاتحاد العام التونسي للشغل يقوم ببناء مقر جديد بحوالي 15 مليار وكذلك على الاتحاد أن يحترم ويلتزم بتطبيق واجباته الكاملة تجاه منظوريه المتمسكين والمدافعين على المنظمة وأساسا حق المشاركة والانخراط والتداول الديمقراطي على المسؤوليات والاحترام المتبادل للاتفاقات بينه وبين سلطة الإشراف بعيدا عن كافة أشكال الانغلاق والهيمنة والتسلط.
كما انه من حق ومن واجب كافة الطلبة المتمسكين بالاتحاد العام لطلبة تونس الانخراط وعلى الجميع احترام قوانين وتوجهات المنظمة واستقلالية وديمقراطية ونضالية قراراتها وعدم الانخراط في منظمات موازية تحت أي غطاء سياسي تقوم مقام المنظمة النقابية وهذا ما يفترض إعادة صياغة ميثاق طلابي جديد يضبط أسس وقواعد واليات الالتزام المشترك لحماية المنظمة وتدعيم نضاليتها وجماهيريتها.
إن تجربة الاتحاد يمكنها أن تكون حقيقة مدرسة ومحكًا للمواطنة فكرا وممارسة. وبالتأكيد فان لسلطة الإشراف مسؤولية مركزية في توفير المناخ الايجابي لوضع إستراتيجية جديدة للتمثيل والتأطير القيمي للشباب الطلابي باعتباره قلب تونس النابض حاضرا ومستقبلا.
وختاما اعتقد انه من المنهجي والمفيد أن يتناول الحوار الوطني أهم القضايا العامة المرتبطة بالجامعة والتدرج نحو التخصيص على واقع المنظمة الطلابية وآفاقها المستقبلية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.