إلى الرّاقصين لاقتران أمّهم بقاتل أبيهم: »إذا زلزلت الأرض زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها؟« ومن النّاس من تُزلزل الأرض تحت أقدامهم كلّ يوم، ولا يقولون »مالها؟« فأولئك ليسوا من »الإنسان« في شيء. وسميّ غيثك في العادات هطّالُ يهمي، فتدنو محجّات، وآمالُ تحيا به الأرض، والأحياء قاطبة زرع، وضرع، تفاصيلٌّ وإجمالٌ تلقى الطبيعةُ فيه عِزَّ منتصر للنّصر عنده تقديسٌ وإجلالٌ فتحتفي بكريم، جاء يمنحها ثوب الرّبيع، به تزهو وتختالُ كلّ الفصول تحيّي الشّمس باسمة وترسل اليُمْن بين النّاس ينثالُ ذي سنّة الكون، ما انفكّت تُجدّدها عبْر المدارات آبادٌ وآزالُ... لكن تبدّلت العاداتُ وانقطعت والأرض بدّلها قحْط وإمحالُ حالت ملامحها، فاستوحشتْ وغدتْ مثل السّقيم، تمادى فيه إعلالُ أرضٌ مواتٌ، وقد شحّتْ مواردُها وجْهُ الأديم بها صخْرٌ وصلصالُ للريح فيها على الآفاق أغشيةٌ فالتّرْبُ يعلو، وربْع الأهل أطلالُ هامُ الأعالي رمادُ الوهْد طوّقها حتّى اختفت قممٌ كبرى وأجبالُ وفي الحقول على طول المدى جثمت رموزُ موت، لها كالموت أشكالُ ما كان بالأمس في غاباته شجرا فاليوم للقطْع عيدان وأجذالُ كلّ الجذور إذا جفّ الثرى يبستْ والقحْط داء بكلّ النّبْت نكّالُ تذوي الغصونُ، وتهْوي في بلاقعها مثل الشّهيد، وللأغصان آجالُ كم دوحة برياح الغرب قد قُصفتْ واهتاج طائرها وجدٌ وبلْبالُ كم نخلة عبثُ الأقدار جنْدلها كما يخرِ بساح الحرب أبطالُ يمضي جمالُ... ويُبْقي حرقة وجوى كما يزول من الميدان تمثالُ ضنّت سماءٌ ليجتاح الدّنى يبسٌ للنّبْت فيه، وللإنسان أهوالُ أين السّيولُ؟ أفي الأسباخ دفقتُها؟ أم في فجاج رمال نبْتُها الضّالُ؟ (1) أم خُلّبٌ سحبُ الإمطار في وطني؟ رعدٌ كذوبٌ كنكْثِ العهد جوّالُ جهامُ نزْو سريعا ما تفرّقُه ريحٌ، كما فرّق القطعان إجفالُ لا بْرق أرّق عيْن الشّيْم خافقُه إلاّ شحيحٌ، نزورُ القطْر مقْلالُ يهفو، ويمضي، كأنّ الريح تشربُه وفي الأنام يشبُّ اليأس إشعالُ كطالع اليُمْنِ في حُسْبان منتظر يستطلع الغيْب إذ يبدو له الفالُ أو نجمة برقت فاغترّ ناظرها وكلّ نجم على الآفاق أفّالُ ويمعن البؤس في إحراق يابسة حربا ضروسا على الإنسان تنهالُ مثل انتشار غزاة في حمى وطن بالحمق أسلمه للغزو جمّال عُشّاقُ مغتصب، والخزيُ شرعتهم كلّ المخازي لهم فعل وأقوال يستعذبون صراخا في مقاصرهم من عرض قاصرة يفريه أرذالُ ويطربون على أصداء نكبتهم ويركعون لمن ينفي ويغتالُ ما شذّ قطر بهذا الجدْب منفردا بل أوجُهُ الجدْب في الأوطان أمثال كسطو شرذمة باعت هويتها فابتزّ حرمتها لصّ ومحتال لا زاد إلاّ نفاقا في ثقافتهم مكروهُ فعْل، وكذّابٌ إذا قالوا أصواتُ بوم إذا ما طاف طائفهم غربان شومٍ(2) إذا في محفل جالُوا حُماة أسْوار شوك، للردى نصبتْ في كلّ مصْر، وللسادات أذيالُ قد وظّفوهم لحجب الحقّ منبلجا كما يحجّب نور الشّمس غربالُ وروّضوهم، ككلب الصّيد ليس له الا النّباح على المرتاب دلالُ.. أشْهاد زور على المأساة في وطني إيمانهم أبدا يُمليه دجّالُ حُرّاسُ مملكة، جُلاّبُ مهلكة شُذّاذ مسْلكة، حمْقى وأنذالُ رُكبانُ أحصنة الاخشاب من لُعبِ فيها براكبها ركْضٌ وتصْهالُ... همْ في الطّريق نُعوش ترْتجي دفنًا أكفانُهم لقديم الموت أسْمالُ قد استقرّوا على سمْت الرّؤى شبحا كيْ تستكين لذلّ القهْر أجْيالُ وكيْ يظلّ صحيحٌ الفكر مغتربا يكابدُ المقْتَ ممّا تزدري الحالُ يمشي وئيدا، زهيدا في مواطنه مشْيَ الكسيح، عليه الحزنُ أثقالُ وأنْ تغوص نفوسٌ في كآبتها حسْبُ الحيارى كآباتٌ وتسآلُ ترنو الى مشهد التّدمير ساهمة والعجزُ فيها عراقيلٌ وأكبالُ... وفي المدائن يعلو الشّوك منتصبا كالتّاج تخرسه في القصْر أغْوالُ شوْكٌ يمدّ على الأسوار أذرُعه تلتفٌ منه على الاعناق أغلالُ ذا مشهدُ الجدْب في أيام محنتنا كأنّما الكوْنُ قدْ أرداهُ (3) إخلالُ وذي الشعوبُ إذا خانتْ ريادتها أفنت قوافلها في الطّرْق أوحالُ وذي الجبالُ على الصّحراء واقفةٌ فرسانُها رُسُلا كانوا ومازالُوا وذي السّماءُ إذا صنّتْ بصيّبها فقدْ يعيدُ حياة الأرض زلزالُ. ألقيت بدار الاتحاد الجهويّ للشغل بقفصة يوم عيد العمّال 1 ماي 2010 ❊ أبو القاسم الثّليجاني (1) الضّال: شجر صحراويّ شوكيّ تألفه الحيّات والثّعابين (2) شوم: هي شؤم بتخفيف الهمزة (3) أرداه: يرديه إرداء أي قتله، وأرداه أيضا جعله يردي في السّير لكسر إحدى السّوق أو القوائم أو لعقال للبعير.