فنّان اقترن اسمه بالكوميديا » دي اللاّرتي« في تونس..تخرّج من المعهد العالي للفن المسرحي دفعة 87..تراوح تكوينه بين تونس و فرنسا.. يقوم بالعديد من التربّصات لتكوين الممثلين من مختلف الشرائح إلى جانب وظيفته الأساسية وهي تدريس مادة » التربية المسرحية« بالمعاهد الثانويّة والمدارس الإعداديّة.. انطلق مشواره الفنّي في الإخراج المسرحي مند سنة 1987 بمسرحيّة » ريحة الندى« ليكون رصيده 15 مسرحيّة.. من ضمنها 6 مسرحيّات اعتمد فيها على تقنيّة القناع ذي الأصل الإيطالي (الكوميديا دي اللاّرتي) الكوميديا الفنّية أو المرتجلة..و في هذا المجال يقول السيد الهاشمي العاتي الذي التقينا به إثر عرض مسرحيّته » يلعب حافي« بنجاح أمام لجنة التوجيه المسرحي المتكوّنة من السيد كمال اليعلاوي و السيد عليّة التونسي يوم3 جويلية 2010بالمركز الوطني للفن المسرحي بصفاقس:. لا بد للتجريب في المسرح من أن ينطلق من إرادة البحث المستمر عن مغامرة جديدة تخترق ثوابت الراهن الموضوعي، وثوابت الأشكال الفنية، تبدأ هذه المغامرة بالرغبة في التجديد،بفكرة،بحلم، بالكلمة المكتوبة وتمتد عبر لغة الجسد وسينوغرافيا العرض المسرحي. وبهذا فإن التجريب ليس عملاً »فانتازياً « يعمد فيه المؤلف والمخرج إلى القطع مع المألوف أو اختراق المجهول فحسب، وإنما هو في جوهره تعبير عن الجانب اللاّمعقول ضمن الوضع الإنساني والقلق الأزلي والانتظار، وعن هموم جادة مستقرة في أعماق الإنسان، وهو بالإضافة إلى ذلك وعي جديد بالجمال وبحث دائب في كنهه، وإن أكثر الأشياء معقولية تلك التي تبدو لا معقولة في ظاهرها لكنها تظهر ما نحاول إخفاؤه، مستكشفة أغوار الواقع المكنون. و هذه الأعمال قد تصدم المتلقّي المتفرج بغرائبيتها وإرهاصاتها وموضوعاتها وشكلها، والتجريب هو فعل الصدم، أما الإدهاش فيتوفر في المسرح التقليدي مثلما يتوفر في المسرح التجريبي، وإن التجربة التي عشناها في إنجاز العملين السّابقين ضمن المغامرة في تجربة » الكوميديا دي اللاّرتي « وهي: »التّر والفر« و » فرجة عربي« تدفعنا إلى التأكيد بأن التجربة لا تكرر نفسها. فعلى هذه الخشبة المحدودة الأبعاد واقعيّا و المبحرة في الخيال الإبداعي، يقف المسرحي ليخلق من الواقع الراهن والممكن عوالم غنية زاخرة في مغامرة تخترق المجهول، باحثاً باستمرار عن كوامن الحياة والنفس والفكر، وعما هو جديد في الفن المسرحي، معتمداً منطق الحقيقة في أشد تجلياتها صراحة وجرأة، وكثيراً ما يلجئه ذلك إلى مجانبة المنطق الواعي المؤطر بالتيمات الاجتماعية والفكرية والمكلل بالأقنعة. لماذا يلجأ مبدع ما كاتبا كان أم مخرجا للسخرية وسيلة للتعبير عن إبداعه؟ هل هي فن بحد ذاته أم أنها نكهة تضاف إلى الإبداع فتكسبه طعما يستسيغ تقبله لدى الناس؟ ربما هي الرغبة في التشويه للجميل الذي يولد الدهشة، الذي يعيد تقديم الواقع ،لكن بصورة تبعث على التأمل بقدر ما تبعث على الضحك أو السخرية من هذا الواقع، تشويه جميل و ينطوي على قواعد الجماليّة.ومن اجل هذا الغرض لابد من أن تتوفّر قوة الملاحظة والدقة، مثل ما قال تشيخوف أو بما معناه لا تقل اعطني موضوعا بل قل اعطني عينين، أي المراقبة من البداية.. المراقبة تؤدي إلى أنك تكتشف أشياء و الأحداث وتأخذ صورة عنها لا تنبغي لغيرك من النّاس العاديين فأول أساس هي الملاحظة ومن بعدها الجرأة فهي اعتداء على شيء حتى على اللغة أي أن الكتابة الساخرة لا تحترم حتى قواعد اللغة الصرفيّة و النحويّة ولا القوالب التقليدية فيها، فهي ثورة على كل شيء.و الجانب السخري في هذا الفن يجعله يتميّز عن باقي الفنون الأخرى بأنه فن أكثر اتصاليّة و تفاعليّة و أكثر جماهيريّة .ويعتبر فن الإضحاك مهم وهو يشكّل مكوّن أساسي من مادة السخرية، لكن دون أن يكون اعتباطيا أو مبتذلا و لا مجانيّا فالإضحاك وسيلة وليس هدفا..لانّ تبليغ أيّ فكرة جادّة وحاملة لمضمون ملحّ و مستعجل و فيه خطورة لا تقبل التأخير و على خشبة المسرح خاصّة لا يمكن أن تمرّ لمن هم في القاعة إذا اتسمت بالجدّية المجحفة أو في بعض الأحيان بالعويل والصراخ و الحزن و اللّطم..وهنا تتدخّل السخرية و الإضحاك لتساعد هذا المتلقّي أولا على استساغها ثمّ أخذ بعدا فكريّا و نقديّا منها وهو في راحة نفسانيّة لا في تشنّج..لأنّه جاء منه هاربا إليك ..فلا تنفّره منك أيضا..وفي المقابل لا تستهين بما جعله يلتجأ إليك بتقديم مادة ساذجة ومحشوّة بالضحك التافه الذي تكشف فيه عن سوء نيّة مسبقة مع إضمار و ترصّد لاستجداء ضحكه باحثا عن رضاه عنك..فرضاه ليس بان يضحك منك بل معك .. الإخراج في مسرحية » يلعب حافي « هل اعتمد على مقاييس قديمة قدم القناع المستمد من الكوميديا دي اللاّرتي أم هو متجدّد تجدّد التجربة؟ الإخراج في »يلعب حافي« يعتمد على فن الممثل ..و بالتالي فن إدارة الممثل .. الذي يتحتّم عليه أن يكوّن الشخصية ..و يخلق لها عالمها المحيط بها قبل الدخول في بناء الوضعيات النصية .. أي المعتمدة من النص ... و هذا يعني ان الممثل يشتغل على الارتجال مع الآخرين ..للتوصل إلى التحكم في القناع » الشخصية« إلاّ أنّه مع هذه الطريقة يمكن للممثل أن يجد العديد من الصعوبات في عملية البحث عن » القناع« من خلال الارتجال مع المجموعة..فهو في شبه قفص زجاجيّ من الصعب عليه أن يزيح أحد جوانبه ليلتحق بالآخرين..و هنا يكمن دور المخرج لمساعدته خلى تجاوز هذا المأزق.. أحداث مسرحيّة » يلعب حافي « هل هي من الواقع أم تتجاوزه؟ ياتي الدغباجي- و يقوم بتأديته الممثل القدير سفيان الدّاهش- ليستلم إرث أخيه باش حانبا..بعد قطيعة بينهما دامت أكثر من أربعين سنة.. يجلب معه غلام -و يتقمّص هذا القناع الممثل المحترف وهو استاذ مسرحي السيد رفيق واردة- غلام هذا تبنّاه الدغباجي الذي يجد نفسه وسط من كان يعيش معهم المرحوم..و هم الزّ الو و وراء هذا القناع نجد ممثلا محترفا هو المنصف الوكيل.. وهو حامل أسرار باش حانبا..و زوجته اهتزاز-هذا القناع الصعب تحييه الممثلة الأستاذة البارعة منيرة الزكراوي -واهتزاز كانت في ما مضى راقصة ..و الآن هي مديرة البيت..و كذلك يجد ابنيهما القبقاب- وهو قناع آرلوكان من أصعب الأقنعة..يقوم بأدائه بكلّ إتقان و مهارة الممثل سامي المزغنّي. إذن، الزّ الو بمعيّة زوجته اهتزاز ..يدلّسان الوصيّة ..التي أصبح فيها شرط على من سيرث باش حانبا..و الشرط هو ألاّ تصحّ له الورثة إلاّ إذا اعتنى بالجمعيّة الرّياضيّة التي كان ساهرا عليها باش حانبا و يصل بها إلى اعلى المراتب..لكن الدغباجي لا يفقه في كرة القدم شيء..و هذا يمكّن الزّ الو و زوجته من وضع الحيل و المكائد للدغباجي لعرقلة مسيرته الكرويّة..يدفعانه إلى بيع اللاّعبين ..و طرد المدرّب ..و جلب لاعبين غير أكفّاء.. مدرّب كان قد غادر الملعب منذ عشرين سنة..وهو جاليلي.. الذي يقوم بأداء قناعه الممثل القدير السيد الأزهر البوعزيزي يقترح المدرّب القيام بمعسكر للتحسين من مردودات اللاّعبين..و لكن الغريب في الأمر أنّه يريد أن يأخذهم إلى غزّة ..حيث الحرب و الحصار و الدّمار ليقوّي من جأش اللاّعبين..و البقيّة و التفاصيل ضمن العرض إن شاء الله.. إنّ مسرحيّة »يلعب حافي« سيتمّ عرضها عمّا قريب بالفضاءات المسرحيّة داخل القطر و هي جديرة بالمشاهدة لما يتميّز موضوعها (أجواء كرة القدم) التي ملأت الدنيا و شغلت النّاس هرجا و مرجا..مستحوذة على ألبابهم و محوّلة وجهة طاقاتهم الفكريّة و الحسّية .. ❊ حاوره مصدّق الشريف شكرا لكل مناضلي الاتحاد الجهوي ببن عروس، فقد أثبتوا أن بالإمكان دائما أحسن مما كان، وأن المداومة على العمل والابتعاد عن الارتجال كفيلان بغرس تقاليد ثقافية جديدة في عقول الناشئة رغم أنف الرداءة.