أكثر من خمسين عيدا خلى وأكثر من خمسين زهرة قطفنا وأكثر من حلم وأكثر من محطة وأكثر من سؤال.. انه عيد المرأة الوطني 13 أوت التي دأبت بلادنا على الاحتفال به نساء ورجالا احياء لذكرى يوم مشهود تمّ خلاله سنّ مدوّنة قانونية تنظم وجود النساء في هذا البلد المنفتح على مستقبله الراكب صهوة ماضيه والمثقل بالآمال... أكثر من نصف قرن إذن مرّت منذ إقرار مجلة الاحوال الشخصية التي أثارت حين صدورها حفيظة البعض ورحّب بها البعض الآخر عن مضض ولم تفهمها النساء في حينها... ولكنها بدأت تنضج خلال السنون وتظهر مفاتن أنوثتها مع العقود، وكم راهن بعض السواد على زوالها بزوال الذهن المتقد للزعيم الراحل الحبيب بورقيبة حاميها ومهندسها، متناسين أن المجلّة إنما هي نتاج حتمي لتطوّر العقل التونسي في مراكمة تاريخه منذ عليسة والكاهنة وصولاً الى عزيزة عثمانية ومرورا بأروى القيروانية وفاطمة الفهرية... ولكن مع بداية التسعينات لم يكن على أحفاد وحفيدات الطاهر الحدّاد أكثر من الاستجابة لمقتضيات وجودهم بحوافّه التاريخية والشعرية والقانونية ليواصلوا مسيرة احترام كيان المرأة باعتبارها نصف المجتمع العاقل وليس الناقص وبإعتبارها الشريكة في الحاضر والمستقبل فسقطت أوهام صيّادي المياه العكرة في النسيان وواصلت نساء تونس مسيرة الإنسان الكامل الحقوق والواجبات فقد صارت المجلة بفصولها وبنودها وتنقيحاتها حليّة تُزين جيد كل النساء في كل المناطق... وباتت كل النساء يعرفن أن تاج القانون يظلّل رؤوسهن وأنهنّ محميات متى كنّ تونسيات... ولكن هل حقّآ مازالت نساء تونس اليوم يعين جيدا المكاسب المتوفرة لديهن؟ هل مازلن يعتقدن في مجلة الاحوال الشخصية تلك المجلة الريادية التي منحتهن حقوقا ما تزال الاخريات حتى في مناطق الجوار بصدد الحلم ولو بجزء منها؟.. هل تعي النساء التونسيات أهمية المحافظة على هذا المكسب أم أن بعض الخفافيش قد بدأت تحجب الرؤية لدى بعضهن فبتن يرين في المجلّة مرُوقا وخروجا عن تعاليم الاجماع؟... هل ينعكس تطور القوانين على المجتمع، وهل مازالت المرأة ترى في المجلة بابا مفتوحا على المستقبل الباهر والنجاح الاستثنائي والضمانة الخالصة أم أن ذهنيّة المجتمع قد بدأت تفقد ملامح حداثتها وتنجذب الى الأقاصي حيث العتمة والحجب...؟ أية مكانة للمرأة التونسية اليوم، بعد كل هذه السنوات على صدور المجلّة؟... سؤال انتقلنا بحرقته بين أروقة الخوف والاطمئنان وتوجهنا به الى الحقوقيات ونساء القانون والباحثات في الحضارة والباحثين في علم الاجتماع، طرحناه على الإداريات والسياسيات والنقابيات، وتوصلنا إلى اجابته لدى المختصّات في تدريس الشريعة والمشرّعات فكانت حصيلة الاجابات هذا الجدل الفكري الذي تأمل أن يتدعّم ويتواصل لنضع الاصبع حيث الداء لو كان هناك داء، أو لنواصل البناء إذا ما اقتضى البنيان هذا... اننا اخترنا طريق السؤال بداية وإليه أيضا سيكون المنتهى.