سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
استفحال إنتهاكات حقوق الانسان في العالم غطى على فداحة الانتهاكات في البلاد العربية الدكتور الطيب البكوش رئيس مجلس إدارة المعهد العربي لحقوق الانسان ل «الشعب»:
تنامي دور المجتمع المدني في كثير من البلاد العربية وتزايد عدد المنظمات غير الحكومية
تأسس المعهد العربي لحقوق الانسان سنة 1989 بمبادرة من ثلاث منظمات عربية هي المنظمة العربية لحقوق الانسان واتحاد المحامين العرب والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان. وقد جاء تأسيس المعهد استجابة لظرف دولي واقليمي اتسم بتحولات سياسية عميقة من ابرز سماتها ان تبلورت من بداية الثمانينات من القرن الماضي حركة عالمية وعربية تطالب بإرساء الديمقراطية وإحترام حقوق الإنسان ودعم دور المجتمع المدني ومشاركته في صنع التحوّلات الديمقراطية. نشأ المعهد العربي لحقوق الانسان في هذا الإطار الخاص الذي تميز عربيا، ببداية تفتّح بعض الأنظمة على قضايا الديمقراطية وحقوق الانسان. ومن خصائص تلك الظرفية ان برزت حركة حقوقية اهم ما يميّزها انها بالاساس حركة دفاعية ترصد الانتهاكات وتوثقها وتتصدى لها، ولكن هذه الحركة رغم دورها الريادي في الدفاع عن حقوق الانسان وحمايتها، ظلّت حركة نخبوية مما اوجد شعورا بالحاجة الى مؤسسات تثقيفية وتربوية يتجه نشاطها إلى مختلف الفئات وتعمل على جعل ثقافة حقوق الإنسان شأنا عاما يتعدى الطابع النخبوي وينفذ إلى أعماق المجتمع ويوسع مجال النسيج الجمعياتي لدى المجتمع المدني الناشئ. عن هذه المسائل حدّثنا الدكتور الطيب البكوش رئيس مجلس ادارة المعهد العربي لحقوق الانسان وهو شخصية متعدّدة الابعاد ومعروفة على الصعيدين الوطني والعربي. فالاوساط النقابية تعرفه من خلال مسؤولياته السابقة في الاتحاد العام التونسي للشغل (أمين عام الاتحاد 1981 1985) حيث واكب من موقع المسؤولية أبرز المحطات التي شهدتها الحركة النقابية منذ مطلع السبعينات كما تعرفه الساحة الجامعية بإعتباره أحد الاساتذة المختصين في مجال اللسانيات وتعرفه الساحة الثقافية ككاتب له عديد المنشورات كما تعرفه أيضا حركة حقوق الانسان التونسية والعربية حيث ان المعهد العربي لحقوق الانسان الذي يتولى ادارته منذ 1998 يعتبر احد المنشطين لهذه الحركة والفاعلين في اعداد وتدريب اطاراتها. كيف تقيمون أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي بعد أن انتشر الخطاب الحقوقي على نطاق واسع وتعددت منظمات حقوق الإنسان العربية ؟ أوضاع حقوق الإنسان في العالم العربي لا يمكن الحكم عليها بصفة مجملة لأنها معقّدة جدا ولا يمكن فصلها عن أوضاع المنطقة العربية في الظروف الدولية الراهنة ويمكن تلخيص التقييم انطلاقا من المؤشرات التالية الإيجابية والسلبية: ما هو إيجابي إجمالا: * انتشار الوعي بحقوق الإنسان وأهميتها في النهوض بالمجتمع وفي عملية التحول الديمقراطي. * . * توسع رقعة تعليم حقوق الإنسان والتربية عليها ونشر ثقافتها في عديد البلدان العربية مغربا وشرقا. أما فيما هو سلبي نذكر بالخصوص: * التناقض البارز بين الخطاب والممارسة في كثير من الحالات. * التردد المتمثل في تقديم رجل وتأخير أخرى في مجال مكاسب حقوق الإنسان مما يعوق كل عملية تجذّر ومراكمة. * استفحال انتهاكات حقوق الإنسان في العالم نتيجة السياسة الدولية المختلة غطى على فداحة الانتهاكات في كثير من البلاد العربية. * إذا كانت هناك عوائق تحول دون التجسيد الكامل لحقوق الإنسان في البلاد العربية، فكيف ترتبون الأولويات في هذا المجال؟ التجسيد الكامل مثل أعلى لا يوجد في أي مكان من العالم ومهما يكن أمر العوائق، فإن الرد لا يكون بالمفاضلة بين الحقوق. وإنما بالسعي إلى تنميتها في شمولها بصفة متوازنة فكل إخلال لأحد الحقوق ينعكس سلبا على سائر الحقوق إن عاجلا أم آجلا. * يؤكد الكثيرون على أن العلاقة بين التنمية وحقوق الإنسان أصبحت قوّية وعضويّة، كيف يمكن شرح هذه العلاقة بشكل واضح وملموس؟ العلاقة جاءت من تطور مفهوم التنمية. فقد كان منذ بضعة عقود مرادفا للنمو في العربية الحديثة. إلا أن تجارب عديد البلدان بينت أنه يمكن أن يحصل نمو اقتصادي دون أن ينعكس بالإيجاب اجتماعيا نتيجة سياسات لا شعبية ونتيجة الفساد وسوء التوزيع لثمار النمو. لذلك وقع توسيع مفهوم التنمية ليشمل الاقتصادي والاجتماعي ثم سائر الظواهر المصاحبة الثقافية والديمقراطية وحقوق الإنسان، فأصبح للتنمية مؤشراتها المختلفة عن مؤشرات النمو وذلك منذ بداية التسعينات، خاصة بظهور تقارير التنمية البشرية. معنى ذلك أن السياسة الجيّدة هي توازن بين النمو والتنمية. * هناك من ينتقد منظمة الأممالمتحدة التي يفترض أن تسهر على تنفيذ التزام الحكومات بما ورد في المواثيق الدولية لحقوق الإنسان ويعتبر هؤلاء أن الأممالمتحدة فشلت في تحقيق هذه المهمة، كيف ترون ذلك؟ اللوّم لا يوجه إلى المنظمة بقدر ما يوجه إلى الدول المؤثرة في توجهاتها وبالخصوص الدول التي منحت نفسها إثر انتهاء الحرب العالمية الثانية امتيازات هائلة في صلبها مثل العضوية الدائمة وحق النقض في مجلس الأمن. هذه الدول هي المسؤولة في المقام الأوّل. ولكن الدول الأخرى تتحمل أيضا جزءا من المسؤولية نتيجة فرقتها وعدم الإجماع حول المواقف المبدئية. فإذا كانت الدول التي تعتبر نفسها رائدة في مجال الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان تعطي المثل السيئ في تعاملها مع شعوبها وبالخصوص مع الشعوب الأخرى، فإن ذلك لا يساعد على تنمية حقوق الإنسان عالميا ولا يمكّن المنظمة الأممية من احترام التزاماتها، لأنها تبقى قبل كل شيء منظمة دول لا منظمة شعوب رغم أن ديباجة ميثاقها تنطق باسم الشعوب * يعتبر البعض أن دور النقابات في هذه المرحلة التي سيطر فيها الاقتصاد الحر محكوم بالتراجع والضعف. كما يرى هؤلاء بأن المنظمات النقابية أصبحت غير قادرة على تحقيق التوازن بين الدور المتزايد لرأس المال وضمان الحقوق الأساسية للعمال، كيف تنظرون للدور الجديد للنقابات ؟ المسألة معقدة ولا تحسم في سطور. فالنظام العالمي الحالي والعولمة كما تمارس اليوم ليسا في صالح البلدان الضعيفة وشعوبها وبالخصوص الحلقة الأضعف وهم العمال بالفكر والساعد، في الشغل وفي البطالة من باب أولى وأحرى. فمعالجة الأمر، أي كيفية التعامل مع هذا الواقع الراهن تفترض وجود منظمات تتميز باستقلالية القرار وكفاءة القيادة وتوفر مكاتب دراسات من نوع راق، كما تفترض توفر درجة كافية من التضامن النقابي العالمي. كل ذلك لا يبدو لي متوفرا اليوم بما فيه الكفاية في جلّ البلدان ولاسيما بلدان الجنوب. * بحكم مسؤولياتكم النقابية السابقة كيف تبدو العلاقة والتعاون بين الاتحاد والمعهد العربي لحقوق الإنسان؟ المعهد العربي لحقوق الإنسان يهتم بنشر ثقافة حقوق الإنسان عربيا بمفهومها الشامل. فهو يركز أيضا على الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تندرج ضمنها الحقوق النقابية. ومن خلال تجربتنا العربية، تبيّن لنا أنه لا يوجد وعي كاف في النقابات العربية بالعلاقة المتينة بين الحقوق النقابية وحقوق الإنسان عامة لذلك فإنه بالإمكان تطوير العلاقة في هذا الاتجاه. * هناك من يرى أن الولاياتالمتحدةالأمريكية التي طرحت مشروع الشرق الأوسط الكبير لنشر الديمقراطية في العالم العربي قد لعبت دورا في اتجاه معاكس من خلال حربها على الإرهاب كيف تقيمون الدور الأمريكي؟ الدور الأمريكي كان سلبيا للغاية نتيجة الجهل من جهة والطغيان من جهة أخرى، تحليل هذا يطول جدا لأن القضية متشعبة. المهم هو أنني لا أعتقد أن الإدارة الأمريكية كانت جادة في نشر الديمقراطية في العالم العربي، فلا يهمها منها إلا بعض الشكليات لا الجوهر، ومشروع الشرق الأوسط الكبير الهدف الأساسي منه فرض الوجود الصهيوني في المنطقة، ولو كانت تريد ذلك فعلا لبادرت بإيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية حيث كانت الظروف ملائمة لحلها، لكن أهدافها كانت مختلفة وحساباتها كانت خاطئة، فأضرت بالمنطقة ضررا بالغ الخطورة، وأضرت بشعبها وبشعوب العالم، وما قامت به هذه الإدارة السيئة جريمة في حق البشرية يجب أن تحاسب عليه. ترتبط بعض البلدان العربية باتفاقات شراكة مع الاتحاد الأوروبي وهي اتفاقات تشترط احترام حقوق الإنسان واعتماد المسار الديمقراطي. أوّلا: كيف تنظرون لمثل هذه الشروط؟ ثانيا: ما العمل إذا ما لم تستجب الدول العربية؟ البلدان الأوروبية لها تصور شامل للتنمية، تسعى لتطبيقه على شعوبها من خلال تجميع قواها في اتحاد أوروبي يبنى شيئا فشيئا منذ نصف قرن ويتوسع تدريجيا. وهي لا تجد أمامها في جنوب المتوسط إلا دولا صغيرة مفرقة ضعيفة. وبحكم ترابط المصالح ، فإن جنوب المتوسط فضاء حيوي بالنسبة إلى شماله. فمن الطبيعي أن تشرط أوروبا شروطا قد لا ترضي الدول ولكنها قد ترضي الشعوب في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان. وعلى الدول الممضية على هذه الاتفاقات أن تحترم التزاماتها أما إذا لم تفعل فإن شعوبها هي المسؤولة عنها قبل الغير.