بمناديلهم البيضاء جاؤوا، من الأرياف والمدن، من المستشفيات ومراكز الصحّة الأساسية جاؤوا إنّهم الصيادلة وأطباء الأسنان وأطباء الصحّة العمومية بمنطقة تونس الكبرى الذين توافدوا جماعات وفرادى إلى دار الإتحاد العام التونسي للشغل بدعوة من النقابة العامة فغصّت بهم قاعة الإجتماع.بعد التّرحيب بالحاضرين وبالاخوة: المولدي الجندوبي الأمين العام المساعد المكلّف بالدواوين والمنشآت العموميّة والأخوة أعضاء المكتب التنفيذي للإتحاد الجهوي بتونس وأعضاء النقابة العامة، انطلق الأخ سامي السويحلي في تأطير الإجتماع مستعرضا جدول الأعمال، إذ أكّد في البداية أنّ النقابة العامة قد بدأت مارطونًا شاقا وصعبا من المفاوضات مع وزارة الصحة كلّل بمحاضر جلسات واتفاقات ممضاة بين الطرفين وذلك منذ ما يفوق السنة ولكن وزارة الإشراف انتهجت سياسة كسب الوقت وذلك في نقاط مهمّة كحصص الإستمرار ومناظرات الترقية والنظام الأساسي بالنسبة للصيادلة واحداث خطّة طبيب اختصاص رئيس وغيرها من النقاط التي بقيت حبرًا على ورق في قطاع يعتبر حيويّا بالنسبة للمجموعة الوطنية برّمتها إذ يعني مجمل أفراد الشعب التونسي اللذين اختاروا الإبقاء على المنظومة العمومية في التداوي والعلاج، لذلك فإنّ النهوض بأمر الوضعية المهنية للطبيب يعتبر مطلبا ملحًّا وعاجلا خصوصا والعناوين الكبرى للسياسة الصحّية للبلاد أكّدت على ضرورة تأهيل هذا القطاع والحفاظ عليه.ثمّ أعاد الأخ السويحلي التشديد على أنّ الهيئة الإدارية للقطاع المجتمعة منذ أشهر هي التي أقرّت الإضراب كحل أخير ودستوري للضغط على الإدارة من أجل تحقيق المطالب المتفق عليها والتي لا تعتبر تعجيزيّة بأي حال من الأحوال وقد كان هذا الأمر الإضطراري (الاضراب) مزمعًا خلال شهر جانفي الفارط ثمّ خلال شهر جوان ولكن النقابة العامة لأطباء الصحّة العموميّة كانت تستجيب دائما لمبدإ الحوار، وتتراجع عن الاضراب مع بوادر التسوية والحل إيمانا منها بضرورة تفهّم الإدارة ومنحها الوقت الكافي ولكن اليوم بات الاضراب خيارًا لا مفرّ منه أمام استنفاذ الوقت الذي منحته النقابة للوزارة خصوصا وأنّ طبيب الصحّة العمومية قد فقد ما يوازي 60٪ من قدرته الشرائية خلال العشرين سنة الأخيرة نتيجة الزيادات غير المتكافئة مع زيادات تكاليف المعيشة ممّا أجبر شريحة مهمّة من الأطباء على المغادرة نحو بلدان أخرى أملا في تحقيق بعض التوازن المالي... فالنيّة في البلاد باتت تتجّه نحو تصدير الخدمات الطبّية من خلال تركيز مستشفيات (الأوف شور) التي ستستنزف هي الأخرى المقدرات الوطنية من الإطارات الطبية الآملة في تحسين أوضاعها ليكون الخاسر الأساسي هو المواطن، الذي سيخسر امكانيات العلاج في بلاده انطلاقا من مبدأ الصحة للجميع، فاستقطاب القطاع الخاص للأطباء وهجرتهم سيصل بنا مرحلة التصحّر الذي بلغته بعض البلدان المتقدّمة لأنّ بعض الأطباء الذين يغادرون يستيحل تعويضهم بالإطارات الوطنية، خصوصا وأنّ قطاع الصحّة العموميّة بمثل هذا المسار سيفقد مرجعيته في البحث العلمي والتدريس وهنا المعضلة.نيل المطالب بالإصرار والتوحّدالأخ المولدي الجندوبي الذي عبّر عن سعادته بالمشاركة النضالية الواسعة أكّد أنّ أطباء الصحة العمومية هم في خطوط النضال الأمامية بإعتبارهم المسؤولون عن صحّة أبناء هذه البلاد، مذكّرا أنّ الاضراب هو خيار أخير لتلبية المطالب التي طالت كلّ مُهل الإستجابة لها وفي هذا ضرب لسياسة الحوار الإجتماعي التي تميّز بلادنا... ولكن مع هذا فالأطباء يسيرون إلى الاضراب بيَدٍ بها موعد الاضراب ويد أخرى تستجيب للتحاور فالمطالب لا تُنال بالتمنّي ولكن بالإصرار والتوحّد وقطاع أطباء الصحّة العموميّة قطاع حيوي ورئيسي في حياة المواطن التونسي بل أنّ أهميّته تتضاعف إذا نظرنا إلى أنّ بعض الأوبئة القديمة قد عادت للظهور (السل)، وأن كلفة العلاج في القطاع الخاص مرتفعة مقارنة بدخل الأجراء رغم تدخلات »الكنام«.بعد هذا تداول الأطباء والصيادلة الحاضرون على مناقشة عديد المسائل مؤكدين العزم على إنجاح الإضراب لتحسيس كلّ الزملاء وشرح التباطؤ الذي تعمد له الوزارة المشرفة وهو الأمر الذي ستؤطره النقابة العامة لأطباء وصيادلة الصحة العمومية من خلال ضبط رزنامة تنقل لكل جهات الجمهورية للتحسيس والإحاطة الإعلامية الفورية بالمستجدّات وتبليغها لكلّ الأطباء والصيادلة.