منذ مدة غير بعيدة كانت مؤسسة »شاتكس« للخياطة محلّ متابعتنا لأطوار أحداثها التي توجت بتولّي كلاب متوحشة تصفية حساب المدير الاجنبي مع بنات البلد اللاّتي هجرن الأهل والاحبة في مختلف مناطقنا الداخليّة (القيروان، القصرين، قفصة، قبلي...) من أجل رغيف قد يسند أسرهن على مجابهة صعاب الحياة في تلك الوهاد... بنات جئن المنستير وسائر مدن الساحل بحقائب ملؤها الأدباش والذخيرة من بسيسة وكسكسي ومحمّص وبركوكش وبرؤوس وقلوب طافحة أملا في غدّ يتراءى أجمل وأحلى، وأحلام هذا إنْ نمْن تفوق حجم تلك المغارات التي يتكدسن فيها على مرأى من ملاّك صادي المزاج (sadique) لا يعنيه وضع المتسوغات ولا ظروفهن فتراه فاغر الفاه مع اطلالة كل شهر مدعيا الإفلاس والاحتياج في مرحلة أولى وفي مرحلة ثانية »اخرج عْليّ وفي مرحلة ثالثة« * حديثنا.. قياس هذه الصورة المرسومة آنفا هي لواقع البعض أو لأغلب بنات المعامل و»المهاجرات« منهن بالخصوص، ومنهنّ بنات مؤسسة »شاتكس« (في حدود 60 عاملة) اللاتي عانين الامرّين، بل مرارات عديدة من مستثمر »رومي« انكر عليهنّ حقوقهن وأوصلهن الى حافة الافلاس المطلق لينتهي به الامر الى اطلاق كلاب من فصيلة شرسة جدا ترعب أعتى الرجال فما بالك ببعض الصبايا أو النساء الحوامل اللاتي حدث لبعضهن ما حدث حسب تصريحات زميلاتهن... وكادت الامور تتطور الى الاسوأ لوْلا تدخل الاتحاد الجهوي للشغل الذي توصل بعد عناء الى حلول خففت من وطأة المعضلة ورغم ذلك أغلقت المؤسسة بصفة فجئية من قبل المستثمر الاجنبي لتبقى كذلك طيلة أربعة أشهر (من سبتمبر 2009 الى جانفي 2010) حيث أعيد بعدها فتحها وأحيلت الى مستثمر تونسي. * شدْ.. مشُومكُ!! عندها عمّت العاملات بعض الفرحة بالقادم الجديد عساه يكون أرحم وأصدق وأعقل وأحن من »الرومي« وهو العارف بأحوال البلاد وأهلها والقطاع وذويه، فرحة كذاك الحارث في البحر أو»الكاتب« على الحوت... وكان »التقديف« من المرسى حيث بدأ التلكؤ منذ أول شهرية واستمر ذلك الى غاية شهر أوت الماضي حيث انقطعت الاجور تماما وسوّفت بقية المطالب (زي الشغل، جراية الاجازة...إلخ) وطوال هذه الفترة سجل ماراطون مفاوضات مضنية بين سائر الاطراف ذات الصلة (الادارة، النقابة، اللجنة الاستشارية، الاتحاد الجهوي، الولاية وتفقدية الشغل..) لتنعقد آخر جلسة يوم 14 سبتمبر 2010 تعهدت فيها الادارة بالايفاء بالتزاماتها تجاه العمال ماضيا وحاضرا ومستقبلا وقد تمّ التأكيد الفوري لاحد هذه الالتزامات وهو خلاص أجرة شهر سبتمبر وحدّد يوم 5 أكتوبر الجاري كموعد لذلك. * رائحة جريمة !! يومها أي 5 أكتوبر حصل المنعرج الخطير فبدل ان تفتح »الكاسة« فوجئ العمّال بغلق المؤسسة ومن ثمّ أبْدين تخوفا من أن تكون الادارة قد أخلت المؤسسة من معدّاتها وتمّ الاتصال بالاطراف المعنية من تفقدية شغل ومصالح الديوانة قصد التحرّي في هذه المسألة باعتبار وجود مؤشرات لنقلة الالات خارج المؤسسة.. فقامت مصالح الديوانة بغلقها في ظل متابعة إدارية وموطنية من السلط الجهوية والاطراف المعنيّة التي هدأت من روع العمّال بالتوصل الى حلّ لخلاص جزء من الاجرة من عائدات البضاعة الموجودة بالداخل لصاحبها (أحد الحرفاء من صفاقس)... وفي موعد تنفيذ هذا »الحُلَيلْ« (تصغير حلْ) يوم الجمعة الماضي وبحضور كل الاطراف المذكورة آنفا.. عند ذلك كانت الصدمة حيث كان المشهد حالكا وإذ بالمصنع وقاعة الإنتاج بالخصوص في حالة تفحم تام بعد أن أتت النيران على الحديد والحجر.. فكانت الصدمة لكل الحضور وهربت كل لغات المواساة لتلك البنات اللاتي صرخت منهنّ من صرخت، وبكت من بكت. و»خبّطَت« من خبّطت، و»جهلت« من »جهلت« وكل ذاك في وادي غير ذي زرع ولمستثمر غير ذي سمع حيث تمّ اغلاق كل وسائل الاتصال بما فيها الهواتف المحمولة والارضية لكل افراد العائلة المالكة لهذه المؤسسة مما خلق تأويلات عدة أذكت الحرص من كل الجهات بمن فيهم رجال القضاء مما يجعل الامر مفتوحا بل مشرعا على كل الاحتمالات. * متابعة... ونداء المركزية النقابية أبدت حرصا شديدا على متابعة هذه القضية وقد توصل الامين العام الاخ عبد السلام جراد بتقرير مفصل عن الحالة بعد متابعتها لحظة بلحظة منذ »اندلاعها« بتنسيق مع الأخ سعيد يوسف الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بالمنستير مع سائر الاطراف والجهات ذات الصلة مركزيا وجهويا وخاصة صديقنا الاستاذ خليفة الجبنياني والي المنستير . ان متابعتنا لوضع هذه المؤسسة من أيام »الرومي« ومعايشتنا لاوضاع العمال والعاملات هناك يؤكد ان حال هؤلاء تدعو الى الشفقة خاصة لما نعلم ان بعضهن تعذرت عليهنّ العودة الى الاهل يوم العيد (عيد الفطر) ومن المرجح انّ لا يعدن في عيد الاضحى والامل معقود على أن يقع التعجيل في البتّ في القضايا التي بدأت الفتيات في رفعها بشأن الغلق الفجئي للمؤسسة والاسراع بالاستجابة لملفات الحصول على مساعدات إجتماعية في انتظار ما ستؤول اليه تحريات القضاء..