»هذا النص لا ينطبق على تجربتي ولكنه ينطبق على تجربة شاعر آخر أعرفه وبما أنه آخر و أعرفه فهو ليس أنا بالتأكيد« 1
الذين يكتبون بالعربية الفصحى، من اليسار إلى اليمين، هم شعراء الأمة الفاشلون وهم، بحذاء ذلك، فشل الأمة الشعري
يُحددون القوافي، سلفا، ثم يكلفونها بجلب الصدور، مغلولة، والأعجاز مُسلسلة، مثلما يُجلبُ السفاحون وكبار المجرمين إلى ساحات الإعدام
هذا في العمودي والحر أما في قصيدة النثر فالغالبُ على الظن أن أغلب الكتابات تتمّ، إلى حدّ الساعة، من أعلى إلى أسفل، و من تحت إلى فوق، ومن هنا إلى هناك دون أن تتجاوز تلعثمها إلى ما يسمحُ لنا بالقول هذه قصيدةُ تتضمّنُ قدرا لا بأس به من الشعر أو هذا شعر بإمكانه أن يكون قصيدة أو هذا شيء ما يستأهل أن نتوقف عنده حتى وان كان الضوءُ أخضر وكان شرطيُ المرور يحثّ المارة على العبور
يتفننُ الشعراء العرب في مقاومة الأطروحات السّبحانية بأطروحات لا تقلّ انخفاضا عن منازل الملائكة وذلك بتقديم الشعر كوصفة خلاص مؤكدا للبشرية البشرية المشغولة بمقاومة نوع آخر من القريض ظل،على امتداد قرون ، يجتهدُ في إضفاء جماليات مخاتلة على جميع أنواع السفلة سواء أكانوا بشرا أم محكيات أم بهائم
إنهم بذلك لا يدفنون اله فريدريك نيتشه الذي مات بل يقودونه إلى الحياة بالسلاسل مقابل أن يرثوهُ إذا رضي أن يموت ثانية وعلى الفور؟
2
بعد تفشي التعليم في هذه المجتمعات الزراعية المهيأة لأن تُخدع دائما بشرط أن تُخدع بالطريقة ذاتها انتبه كمّ هائل من مستعملي اللغة العربية إلى فضائل اللبس والى مزايا الخيال الملتبس، ثم إلى فوائد التاتأة ومنافع التكتم عما يراد قوله، فكانت النتيجة أن صار للعرب نقد مجازي ودساتير استعارية وقوانين بلاغية وطُرُقُ حديت شبه سرية ومحاورات أقرب إلى الهلوسات منها إلى ما يتطلبه النحوُ من معقولية بمعنى آخر لقد تحوّلت حياتُهم الاقتصادية ومعاملاتهم الاجتماعية و ممارساتهم الثقافية ومناسكهم السياسية إلى ما يُشبهُ الشعر الذي يُبشّرُ به شعراؤها المعتكفون بعيدا عن تاء الحياة تأسيا بالكهوف التي كانت تعتكفُ فيها الأشباحُ الأفاعي خوفا من الجهر بأي معنى مفيد فضلا عن عدم القدرة على دخول المعاني من أبوابها الى جانب انعدام المصلحة في التصريح والتلميح تحول الخيالُ إلى واقع مرئي، والمجازُ إلى ممارسة لا تستعصي على أحد من الخاصة ولا تعسُر على فرد من العامة، وتحولت الاستعارةُ إلى واقعة تُجمعُ،لكثرتها،على وقائع بحيثُ لم يعُد أمام الشعر سوى الرجوع إلى الواقع الواقع كما هو.الواقعُ باعتباره إيقاعا للحياة..حتى يكون الشعرُ تخييلا عمليا وخلقا فعليا ومن ثمّ وبذلك يكون إبداعا حقيقيا
يدّعي هؤلاء أن الواقع معلومة إخبارية يطلع عليها ملايين البشر كلّ صباح والحقيقة أن الواقع غير معروف بالقدر الذي يدعيه هؤلاء الشعراء الذين يعرفون سابقا ما سيكتبون لاحقا ويستنكفون لاحقا مما كتبوه سابقا ويُبدّدون اللحظات إما في الذكر والقدامة وإما في التبشير بما سيكون مقدمة للندامة متناسين أن زمن الشعر هو الواقعُ مكثفا في لحظاته
3
لا يقدر الشعر العربي الحديثُ، في معظمه، أن يتواضع مثل رابندرادات طاغور ليصغي إلى ما يصغي إليه الصمت أو أن يتكبّر مثل أبي الطيب المتنبي ليحوّل النبوءة إلى مجرد جنحة يُعاقبُ عليها القانون بأيام معدودة من السجن الرحيم
أمر واحد يقدر عليه هذا الحديثُ / المُسمّى عربيا / المكنّى شعرا هو الكذب جهارا وذلك بإلقاء اللوم على الكراسي الفارغة كونها صُمّمت لغايات أخرى غير أن تظلّ فارغة أثناء الإنصات إلى كلمات لا رباط بينها سوى صراخ أصحابها
لكأنّ ما أنجزه أصحاب المعلقات ومن بعدهم شعراء الخلافة ثمّ بعض الروادُ ومن تلاهم من الذين استكثرت عليهم بلدانهم أن يكونوا شعراءها،، سوف يشفع لهم تحميل الشعر ما لا يتحمله الشعر
وما لا يتحمله الشعر هو نفي الجسد المخصوص من فضاء الكتابة وتحويل الحسي إلى نظري والثقافي إلى اقتصادي والكذب الحقيقي إلى حقائق كاذبة وهكذا دواليك إلى أن تتحوّل كل المعاني، وهي رابضة في أمكنتها، إلى نقيضها ثم إلى ما كانت عليه من قبل في شكل لعبة سمجة بلا ضوابط لا خسارة فيها ولا غنيمة فتصير الحياة، تبعا لذلك، شهادة زور على الحياة ذاتها
4
من الجائز أن ظلما فادحا لحق،جرّاء هذا التعميم، بعدة شعراء عرب صادقين مع تجاربهم ومع أنفسهم ولكن الذي يجب أن يقال يجب أن يقال حتى وان لم يصدّقه احد من الذين لا يهمهم مقدار