بيان للهيئة الوطنية للمحامين حول واقعة تعذيب تلميذ بسجن بنزرت    لاليغا الاسبانية.. سيناريوهات تتويج ريال مدريد باللقب على حساب برشلونة    معرض تونس الدولي للكتاب: الناشرون العرب يشيدون بثقافة الجمهور التونسي رغم التحديات الاقتصادية    كأس تونس لكرة اليد : الترجي يُقصي الإفريقي ويتأهل للنهائي    الاتحاد المنستيري يضمن التأهل إلى المرحلة الختامية من بطولة BAL بعد فوزه على نادي مدينة داكار    بورصة تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث الأداء بنسبة 10.25 بالمائة    الأنور المرزوقي ينقل كلمة بودربالة في اجتماع الاتحاد البرلماني العربي .. تنديد بجرائم الاحتلال ودعوة الى تحرّك عربي موحد    اليوم آخر أجل لخلاص معلوم الجولان    الإسناد اليمني لا يتخلّى عن فلسطين ... صاروخ بالستي يشلّ مطار بن غوريون    الرابطة الثانية (الجولة العاشرة إيابا)    البطولة العربية لألعاب القوى للأكابر والكبريات: 3 ذهبيات جديدة للمشاركة التونسية في اليوم الختامي    مع الشروق : كتبت لهم في المهد شهادة الأبطال !    رئيس اتحاد الناشرين التونسيين.. إقبال محترم على معرض الكتاب    حجز أجهزة إتصال تستعمل للغش في الإمتحانات بحوزة أجنبي حاول إجتياز الحدود البرية خلسة..    بايرن ميونيخ يتوج ببطولة المانيا بعد تعادل ليفركوزن مع فرايبورغ    متابعة للوضع الجوي لهذه الليلة: أمطار بهذه المناطق..#خبر_عاجل    عاجل/ بعد تداول صور تعرض سجين الى التعذيب: وزارة العدل تكشف وتوضح..    قطع زيارته لترامب.. نقل الرئيس الصربي لمستشفى عسكري    معرض تونس الدولي للكتاب يوضّح بخصوص إلزام الناشرين غير التونسيين بإرجاع الكتب عبر المسالك الديوانية    الملاسين وسيدي حسين.. إيقاف 3 مطلوبين في قضايا حق عام    إحباط هجوم بالمتفجرات على حفل ليدي غاغا'المليوني'    قابس.. حوالي 62 ألف رأس غنم لعيد الأضحى    أهم الأحداث الوطنية في تونس خلال شهر أفريل 2025    الكاف: انطلاق موسم حصاد الأعلاف مطلع الأسبوع القادم وسط توقّعات بتحقيق صابة وفيرة وذات جودة    نهاية عصر البن: قهوة اصطناعية تغزو الأسواق    حجز عملة أجنبية مدلسة بحوزة شخص ببن عروس    الصالون المتوسطي للبناء "ميديبات 2025": فرصة لدعم الشراكة والانفتاح على التكنولوجيات الحديثة والمستدامة    انتفاخ إصبع القدم الكبير...أسباب عديدة وبعضها خطير    هام/ بالأرقام..هذا عدد السيارات التي تم ترويجها في تونس خلال الثلاثي الأول من 2025..    إلى أواخر أفريل 2025: رفع أكثر من 36 ألف مخالفة اقتصادية وحجز 1575 طنا من المواد الغذائية..    الفول الأخضر: لن تتوقّع فوائده    مبادرة تشريعية تتعلق بإحداث صندوق رعاية كبار السن    تونس في معرض "سيال" كندا الدولي للإبتكار الغذائي: المنتوجات المحلية تغزو أمريكا الشمالية    إحباط عمليات تهريب بضاعة مجهولة المصدر قيمتها 120 ألف دينار في غار الماء وطبرقة.    تسجيل ثالث حالة وفاة لحادث عقارب    إذاعة المنستير تنعى الإذاعي الراحل البُخاري بن صالح    زلزالان بقوة 5.4 يضربان هذه المنطقة..#خبر_عاجل    النفيضة: حجز كميات من العلف الفاسد وإصدار 9 بطاقات إيداع بالسجن    تنبيه/ انقطاع التيار الكهربائي اليوم بهذه الولايات..#خبر_عاجل    برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    هام/ توفر أكثر من 90 ألف خروف لعيد الاضحى بهذه الولاية..    خطير/كانا يعتزمان تهريبها إلى دولة مجاورة: إيقاف امرأة وابنها بحوزتهما أدوية مدعمة..    الدورة الاولى لصالون المرضى يومي 16 و17 ماي بقصر المؤتمرات بتونس العاصمة    أريانة: القبض على تلميذين يسرقان الأسلاك النحاسية من مؤسسة تربوية    بطولة فرنسا - باريس يخسر من ستراسبورغ مع استمرار احتفالات تتويجه باللقب    سوسة: الإعلامي البخاري بن صالح في ذمة الله    لبلبة تكشف تفاصيل الحالة الصحية للفنان عادل إمام    بعد هجومه العنيف والمفاجئ على حكومتها وكيله لها اتهامات خطيرة.. قطر ترد بقوة على نتنياهو    ترامب ينشر صورة له وهو يرتدي زي البابا ..    كارول سماحة تنعي زوجها بكلمات مؤثرة    هند صبري: ''أخيرا إنتهى شهر أفريل''    قبل عيد الأضحى: وزارة الفلاحة تحذّر من أمراض تهدد الأضاحي وتصدر هذه التوصيات    صُدفة.. اكتشاف أثري خلال أشغال بناء مستشفى بهذه الجهة    تونس: مواطنة أوروبية تعلن إسلامها بمكتب سماحة مفتي الجمهورية    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأعمال الشعرية الكاملة للشيخ صقر بن سلطان القاسمي
نشر في الفجر نيوز يوم 25 - 10 - 2009

أصدرت الشاعرة والفنانة التشكيلية ميسون صقر القاسمي الأعمال الشعرية الكاملة لوالدها الشاعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي.
الأعمال صدرت في 1700 صفحة من القطع الكبير مقسمة إلى أربعة أجزاء تضم دواوينه التي سبق نشرها والدواوين والقصائد التي لم تنشر من قبل، كما تضم دراسات ومقالات نقدية كتبت عن الشاعر بالإضافة لرسائله وصوره الشخصية والرسمية وطوابع البريد التي تحمل صورته عندما كان حاكما للشارقة.
وتقدم المجموعة مفاجأة وهي ديوان الشعر النبطي للشاعر، كما تقدم مخطوطات بخط يده لقصائد مجهولة تنشر لأول مرة. وتحتوي على أسطوانتين مدمجتين تتضمن إحداهما صور الشاعر وطوابع البريد والأخرى تسجيلا بصوت محققة الأعمال لبعض من قصائده النبطية.
* مقدمة أولى
بعد كل هذه السنوات، أبدأ نشر الأعمال المكتملة لديوان والدي الشيخ صقر بن سلطان القاسمي.
الشاعر الذي ظلمته السياسة وأطفأت عن موهبته الشعرية العميقة كل منفذ نور، فخرج من ساحة السياسة لاجئا، وخرج من الشعر مظلوما.
ها أنا أبدأ بنشر أعماله كلها بعد أن نضجتُ ثقافيّا بالقدر الذي يجعلني أستطيع الكتابة عنه، وبعد أن استعنت برفقة حسنة عاونتني في هذا العمل الضخم والمربك بشكل أرضى عنه ولو قليلا، فقد كان جهدا كبيرا أن أعيد كل قصيدة إلى مكانها في دواوينه السابقة، ثم أعاود الجهد في تشكيلها وضبطها وتوثيقها ومقابلتها على نسخ الدواوين المطبوعة، وإثبات الشروح والإضافات ومقارنتها بمجمل أعماله، وتواريخ طباعة كل قصيدة، والتغيرات التي حدثت لها، أي تقصِّي تاريخ كل قصيدة بما حدث لها من زيادات وتغيُّرات ما بين طباعة وأخرى، وما بين ديوان وآخر.
فقد كان الشاعر يغيِّر في القصيدة الواحدة من ديوان إلى آخر وكأنها – أي القصيدة – ما زالت حية ومستمرة، وكأنه كان يرى أن القصيدة نص قابل للتغيرات ولن يستقر أو يثبت إلا بموت شاعرها، لا بمجرد طباعتها. ولاحظت في كثير من المرات التي وقعت فيها التغيرات من نص إلى آخر وتم استبدال بعضها، أن ذلك كان لأسباب عديدة أهمها ضبط المعنى أو إقامة الوزن.
كان الشاعر حرّا، يكتب قصائد ثم يعيد كتابة قصائد أخرى مستخدما المعجم اللغوي نفسه، مثل قصيدتيه "الفدائي في المعركة" و"لا تسد الطريق"، بل يجمعهما في ديوان واحد هو ديوان "صحوة المارد"، كما كان يكتب قصائد عديدة بعنوان واحد، فهناك قصيدتان مختلفتان بعنوان "عمان" وأخريان عنوانهما "عتاب"، فضلا عن قصيدتين أخريين بعنوان "سائلة"، ويضمها جميعها في ديوانه الأخير "لهب الحنين" "طبعة الأعمال الكاملة" دون تغيير. كان يتعامل بأريحية وسهولة دون تعقيد وإن لم ينتبه إلى ذلك.*
قد يُتعب المقتفي أثره في الشعر، لأنه أغلب الظن لم يكن يعنيه سوى لحظة الكتابة وإعادتها وتغييرها واستعادتها، فلا ينظر إليها ضمن التجربة العامة له، ولا يزنها داخل هذه التجربة؛ لأنه يراها – كما اعتقد خلال هذه الفترة من الانسجام والتواصل مع قصائده – تجربة ليست مغلقة أو محدودة؛ ولهذا أيضا حاول التعامل مع كثير من مضامين الشعر وأدواته وفروعه، فقد عارَضَ قصائد لآخرين، ومَارَسَ التشطير والتخميس، فهو شاعر يتعامل مع الشعر باعتباره شاعرا هاويا ومحترفا، قادرا ومجرِّبا، محبّا وعميقا ونزقا في آن.
كان الشاعر الشيخ صقر القاسمي يكتب القصيدة إذن بالفطرة. فكان صائد قصائد لا صانعا محترفا متقنا دون روح؛ لهذا نجد قصائده متوهجة أخّاذة، لكن بعضها قد يُفلت وهذا نادر فتختل عروضيّا؛ ولهذا وهو استنتاج مني كان يغيِّر فيها، حاملا لآلئه من ديوان إلى ديوان ينثرها فيه بعد أن يُحْدِثَ هذه التغييرات التي ربما كان يستنصح فيها أصدقاءه المقربين. أقول ربما لأنني لست واثقة، وذلك لأنه شاعر بالفطرة لا دارس عروض وقواف ونحو، فهو يحس بموسيقى الشعر بالسليقة وبما استوعبه من القراءات والاستماع؛ لذا جاءت قصائده حية وهاجة، وربما كان وراء ذلك قلق الشاعر الدائم من كتابته، أو تطور أدواته الشعرية، حيث نلاحظ ذلك من ديوان إلى ديوان.
كان لا بد من أن تختلف الطبعة الجديدة عما سبقها، ولكن في إطار الحفاظ على السياق المكاني والزماني، وهذا هو الحق الواجب لشاعر له دور وقيمة كبيرة، لا حسب رأي ابنة في أبيها، ولكن حسب رأي كثير من النقاد والكتَّاب وكثير من المثقفين، الذين تجاهلوا الحديث عنه وعن قيمته الشعرية لسنوات عديدة، نظرا لوضعه السياسي ومأزق الكتابة عن شاعر مهم ومؤثِّر وسياسي محذوف من الخريطة، مع أنه صاحب دور مؤثر في مرحلة تاريخية معينة. وكأن من يذكره بالشعر سوف يذكره في الواقع الصامت في الحياة، لذا كان الصمت والتجاهل أفضل الطرق وأسلمها لعدم الخوض في منزلق قد يسبب كثيرا من المشكلات للمهتمين به. وهكذا ظل شعره مهملا في الظل حتى وإن كان في بؤرة الاهتمام الحقيقي، إذ يشكِّل ومعه بعض شعراء بعدد الأصابع في منطقة الخليج العربي، منعطفا أساسيّا في حركة الشعر هناك؛ لكنني كابنة وشاعرة تعرف قيمة الشعر وكاتبيه، وبعد كل هذه السنوات من التغيرات التي طرأت على الواقع، وبعد وفاته بأكثر من خمسة عشر عاما "1993"، أراني أتساءل: أليس من الحق أن نعيد بعض الاعتبار لشاعر مهم ومؤثر تجاوز حدود المكان، وتأثر وتفاعل مع شعراء وأوطان وحالات خارج دائرته الصغيرة، واتسعت عيناه على الفكر والأدب وشارك في منتديات، ونشر في مجلات عديدة، في فترة كان من الصعب فيها حدوث ذلك، وكان - مع أعضاء جماعة صغيرة هي "جماعة الحيرة" - مؤرَّقا بهاجس الشعر والتنوير والثقافة، يحاول التواصل والنهوض بالشعر حينها؛ أليس من حقه علينا أن نشير إليه بالبنان ونقول: إن شاعرا هنا؟.
أنا سأقول: إن هذا الشاعر كان أبي.
هذا إذن هو أبي الذي أحب الشعر؛ فأحب الحياة وجعل مقاليد سعادته في يده وفي يد الحب: حب الوطن وحب الشعر. أبي الذي لم يعرف الكذب أو الممالأة لكنه دفع ثمن صراحته ومواجهته، لجوءا سياسيّا بعيدا عن وطنه، وإبعادا عن خارطة الشعر والحياة وكُتب التاريخ وجحودا لما فعله "وهو كثير" في فترة زمنية كان القليل فيها مؤثرا وصعبا. أقول: إن هذا الشاعر هو أبي بكل عالمه الشعري وحياته التي كانت شعرا منثورا لا واقعا مَعِيشا، فأصبح أميرا ثائرا وشاعرا، وثائرا شاعرا وأميرا، وشاعرا أميرا وثائرا، لا يتقدم وصف منها على الآخر؛ لأنه فهم الإمارة بعدم تناقضها مع الحكم والشعر، وفهم السياسة بعدم تناقضها مع الثورة والشعر والوطنية، وفهم الشعر كإمارة وسلاح سياسي.
ولذلك كتب أجمل قصائد الحب والغزل، وكتب عن المطربتيْن فيروز، ونجاة الصغيرة، وعن نورجهان "الممثلة الهندية"، كما لو أنه عاشق للمرأة والوطن والحياة حتى الثمالة، واحتفى بأصدقاء كثيرين فكتب لهم قصائده أو أهداها إليهم، كما احتفى بالمرأة وكتب عنها، وكتب عن أهله: الأب والابن وبناته اللاتي خص منهن عائشة، وهند، وميسون بقصائد منفردة، كما كتب لأولاده جميعا قصيدة شاملة في دواوينه، كما كتب لأخته، وخص زوجته بقصائد عديدة أجملها قصيدته فيها حين زارته في السجن وقد أكملت الخمسين من عمرها، فسمّاها "مرحبا بالصبا بعد الخمسين"، وكان لم يرها منذ ثماني سنوات تقريبا قضاها مسجونا، كما كتب لأخويه سالم ومحمد قصيدتين لم تنشرا في دواوينه.
عرف الشاعرُ الإمارة والسجن؛ فعاش الحياة بشقيها، وكان راضيا مقبلا عليها.
شارك في أكثر من مؤتمر شعري، وكتب في كثير من القضايا الوطنية التي شغلته كما شغلت كل وطنيٍّ في ذلك الوقت "الجزائر، فلسطين، مصر، الصومال، سوريا، وغيرها"، وكان من أوائل الشعراء في الخليج العربي الذين طبعوا قصائدهم في دواوين شعرية.
أحب المدن وكتب عنها، وأجمل ما كتبه كان في دمشق ولبنان ومصر وغيرها، وكتب عن موطنه الأكبر عُمَان، وعن ثوارها.
وقد لاحظت مدى تأثُّره ببعض الشعراء، أو إعجابه بهم، الأمر الذي شجعه على قول الشعر على منهاجهم، أو معارضتهم، أو تشطير بعض قصائدهم أو تخميسها، أو تضمين قصائده بعض الأشطر أو الأبيات التي راقت له، أو التي رأى أنها تناسب مضمون القصيدة، أو تدعم موقفه الفني أو الفكري فيها، ومن الشعراء الذين تأثر بهم الشاعر: امرؤ القيس والمتنبي وعمر بن أبي ربيعة وأبو تمام والبحتري وجميل بن معمر وابن زيدون وأبو نواس وأبو فراس الحمداني وأبو العلاء المعري والمعتمد بن عباد والطغرائي وأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وأبو القاسم الشابي وإيليا أبو ماضي وعمر أبو ريشة وعبد الله الفيصل، فضلا عن تأثره بوالده الشاعر الشيخ سلطان القاسمي.
ومن بين ما لاحظته في ديوان الشاعر صقر بن سلطان القاسمي، أُورد فيما يلي أمثلة للتناص وللتضمين، ولتأثر الشاعر بشعراء عصره والشعراء السابقين:
يقول المتنبي:
كفى بجسمي نحولا أنني رجلٌ
لولا مخاطبتي إياك لم ترني
ويقول الشاعر صقر بن سلطان القاسمي:
وخلفتني نضوا أكاد من الأسى
ونار الجوى أخفى على من يرانيا
ويقول أحمد شوقي:
بلادي وإن جارت علي عزيزة
وأهلي وإن ضنوا عليّ كرام
فقال الشاعر صقر بن سلطان القاسمي:
بلادي وإن جار العدو بلادي
أكافح عنها مؤمنا بجهادي
أما قول ابن زيدون:
لا تدع حبي وردا
إن حبي لك آس
فقد قال الشاعر صقر بن سلطان القاسمي:
أظن أنك تدري
فليس حبي وردا
كما تأثر الشاعر بقول جميل بن معمر: يقولون جاهد يا جميل بغزوة،
فجعل الشاعر منها قصيدة جديدة اعتمد فيها على فن التشطير.
كما شطر قصيدة أبي نواس التي يقول في مطلعها:
يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
ومطلع التشطير عند الشاعر صقر بن سلطان القاسمي:
يا رب إن عظمت ذنوبي جمة
واستقبلتني بالعذاب جهنم
كما شطر قصيدة أحمد شوقي التي يقول في مطلعها:
خدعوها بقولهم حسناء
والغواني يغرهن الثناء
ومطلع التشطير عند الشاعر صقر بن سلطان القاسمي:
خدعوها بقولهم حسناء
والتغالي من شأنه الغلواء
وكذا قصيدة أحمد شوقي التي يقول في مطلعها:
روعوه فتولى مغضبا
أعلمتم كيف ترتاع الظبا؟
ويبدأ الشاعر صقر بن سلطان القاسمي تشطيره لها بقوله:
روعوه فتولى مغضبا
ما الذي أوحوا إليه فنبا
كما جارى الشاعر أبا القاسم الشابي في قصيدته المشهورة "إرادة الحياة" وكتب قصيدة تفعيلية يقول مطلعها:
لأنكِ مشهورةٌ جُنّ فيكِ الرجال
وطاف الخيال
وَجُنَّ بكِ البحرُ دفئا
وعمَّ الضلال
* مقدمة أخرى "شخصية"
بعد وفاة والدي قدمت لي أمي بعض أوراقه. كانت بعض قصاصات ورقية أشبه ببقايا أوراق، لا الأوراق ذاتها... فتحتها فكانت أجزاء من قصائد لم تكتمل، وبعضها مكتمل على الورقة ذاتها أو في أوراق أخرى، بعضها باللغة العربية، وأكثرها بالشعر النبطي. هي إذن قصائد له.
تذكرت قصتها. جمعها والدي في حياته وكانت "كما كانت أمي تردد دائما" قصائد على أوراق علب السجائر وقصاصات من أوراق جرائد وأظرف خلت من رسائلها، أو بعض قصاصات من أوراق أخرى جمعها والدي، وذهب بها إلى لبنان كي تطبع هناك، واجتمع بعض أصدقائه لها على مدى يوم كامل يعملون فيها، وعند انتهائهم منها في أواخر الليل تركوها على المنضدة كي يواصلوا في اليوم التالي، ومن ثم ترسل للطباعة بعد ذلك.
في الصباح لم يجد والدي أثرا لتلك الأوراق المجموعة من أوقات شتى عبر مسيرة حياته؛ فسأل والدتي، التي سألت بدورها الخادمة "التي انتبهت مبكرا جدّا" فكانت تلك الأوراق ملكا لها، وأخبرت والدتي أنها لم تجد قصائد أو أوراقا، وأن كل ما رأته قصاصات ورقية قديمة وبقايا علب سجائر ومظاريف، ظنتها ما تبقى من الورق؛ فأخذتها وأحرقتها كلها!.
هكذا فقد والدي مجمل قصائده النبطية وبعض قصائده الفصحى التي جمعها طوال عمره، ومن ثم ظل طوال حياته الباقية يتذكرها ويكتبها ثم يعيد كتابتها مرة أخرى، وهكذا. كانت هذه القصائد النبطية والفصيحة جزءا من القصاصات التي أعطتني والدتي إياها أمانة في عنقي؛ فظللت أبحث فيها وأراجعها وأجمع بقيتها مرة من الأوراق، ومرة شفاهيّا كما حفظها رواة الشعر النبطي، وظللت أتتبعها، حتى استطعت أخيرا أن أضمها في كتاب خاص بالشعر النبطي سيطبع قريبا.
هكذا إذن خافت والدتي على أوراقه المتبقية من يد تحرقها أو تضيِّعها مرة أخرى؛ فقدمتها لي كي تظل في عنقي أمانة لا بد لها أن تظهر إلى الوجود.
كنت في البداية أتعامل مع هذه القصاصات على أنها ذكرى لوالدي. تعاملت معها كما تعامل ابنة بعض ذكريات والدها المتوفَّى. أنظر إلى خطه.. إلى تغييراته في القصائد.. إلى طريقة كتابته، وكثير من ذلك يشبهني، ولهذا كنت أبحث عما أشبهه فيه. في اللغة، الكتابة، الشعر، الشخصية وهكذا.. لكنني ظللت أرى أهمية أن أستخلص من هذه الأوراق ما هو ذو قيمة وما هو جديد، خصوصا بعد أن بدأت أكتشف أن بعض هذه القصاصات ليست بالنبطية بل بالفصحى، وهي قصائد جديدة لم تنشر في جل أعماله السابقة المطبوعة في حياته.
بعد ذلك أهدتني والدتي كراستين من أعماله أيضا وجدتهما في درج مكتبه مع بعض شرائط قليلة من تسجيلات الندوات التي كانت تقام في بيتنا. لم تكن مكتملة ولا جامعة. أعلم أنه سجل الكثير، ولا أعلم إن كانت التسجيلات بحوزة أخي أم أنها ضاعت عند بعض أصدقائه. حاولت الحصول عليها والبحث عنها دون جدوى. ومع ذلك سأحاول أن أقدم بعد هذا الديوان والديوان النبطي موقعا إليكترونيا له "Web Site" على شبكة المعلومات الدولية "الإنترنت" يحوي بعض هذه التسجيلات والقصائد والصور، راجية أن يساعدني مَنْ يستطيع ذلك بإرسال ما لديه من رسائل وصور وقصائد له على ذلك الموقع، كي تضاف إليه إكراما لشاعر كبير لم يوف حقه، ومناضل ورجل يستحق أن يخلَّد اسمُه في كثير من المواقف.
* * *
في يوم من الأيام حدّثتُ أخي سلطان في زيارته إلى القاهرة عن رغبتي في طباعة أعمال والدي، فاستغرب وجودها لديَّ وطلب مني أن يراها ويأخذها؛ فوعدته بذلك بعد أن أصوّر صورة ضوئية منها، ثم أعطيها له في زيارته التالية، وكنت أنوي ذلك لأنه الأقرب إلى والدي والأخ الأكبر والوحيد لي من أمي، وله مكانته الكبيرة لدينا، وهو أخي الذي شاطر والدي سجنه، ورفض الخروج منه إلا بصحبته؛ فظل أكثر من ثلاثة أعوام، وهو الذي لم يحكم عليه بالسجن، لكنه سافر ولم يعد؛ حيث وافته المنية "رحمة الله عليه" في حادث سيارة بعد زيارته لنا بفترة قصيرة؛ فظللت أحتفظ بالقصاصات أحملها أينما ذهبت ولا أعرف ماذا سأفعل بها.
وفي هذه الطبعة أقدم الجانب الأعظم منها، إلا في بعض ما لم يكتمل أو ما كان غير واضح المعالم، وبخاصة أن والدي "رحمة الله عليه" كان قد أصيب في يده؛ فلم يستطع في أواخر عمره الكتابة بشكل واضح؛ ولذا فقد كان يستعين بمن ينسخ له قصائده، وفي لحظات أخرى كان يكتبها كيفما اتفق، ولهذا ربما لم أستطع قراءتها، وذلك في مرات قليلة جدّا.
استعنت بدواوينه السابقة التي كانت قد نفدت جميعها، إلا ديواني "صحوة المارد" و"لهب الحنين". وهنا يجدر بي توجيه الشكر لعائلة الأستاذ عبد الله الطائي، خصوصا ابنته عزيزة التي قدمت لي من مكتبة والدها نسخة مصوّرة من دواوينه: "وحي الحق" و"الفواغي" و"في جنة الحب"، وهي جميعا مُدْرجة في ديوان "لهب الحنين"، حيث كانت تعدّ دراسة ماجستير عن شعره، وقد نالت درجة الماجستير بالفعل من جامعة السلطان قابوس في سلطنة عمان، وهى الدراسة التي أعد العدة لطباعتها أيضا بعد هذا الديوان.
هذه المجموعات الشعرية جميعها، وضعها والدي في ديوانه الأشمل "لهب الحنين"، وسماه "ديوان صقر بن سلطان القاسمي". ثم كتب داخله "بعد المقدمة" عنوان: "لهب الحنين"، وهو مجمل أعماله التي أنجزها في حياته حتى عام 1990.
أما بعد ذلك فقد كرر ما يقرب من أربعين قصيدة، خمسة من ديوان "وحي الحق" من مجمل مائة وسبع عشرة قصيدة نقلها إلى ديوان "الفواغي"، ثم نقل ثلاث قصائد من ديوان "وحي الحق" إلى ديوان "في جنة الحب"، ثم نقل ثماني عشرة قصيدة منه إلى ديوان "صحوة المارد"، وأخيرا وضعها جميعها في ديوان "لهب الحنين". ومن أمثلة تكرار نشر قصائده في الدواوين التالية أنه كرر قصيدة "ضلال" في ديوان "صحوة المارد" بعنوان "خداع"، وفي ديوان "الفواغي" بعنوان "ضلال" ، وسميت بعد ذلك في ديوان "لهب الحنين" بعنوان "خداع وظلم" وهو العنوان الذي تركناه عنوانا لها، مع الإشارة إلى ذلك.
كما كرر قصيدة "نجوى الليل" أيضا في ديوان "صحوة المارد" بالعنوان نفسه، وفي ديوان "الفواغي" باسم "يا ليل"، ثم في ديوان "لهب الحنين" بعنوان "يا ليل".
كما كرر قصيدة "نفثات الذكرى" في ديوان "الفواغي" بعنوان "أيام هل تعود" ثم في ديوان "في جنة الحب" بعنوان "في جنة الحب"، وبالعنوان نفسه في ديوان "لهب الحنين".
كما نجد مثلا في ديوان "الفواغي"، الذي يتكون من أربع وستين قصيدة، أن كل قصائد الديوان أعيدت في ديوان "لهب الحنين"، وأن قصيدتين منها أضيفتا إلى الديوان اللاحق له وهو ديوان "في جنة الحب"، وثلاثا منه في ديوان "صحوة المارد". "وهي قصائد: دنياي، أنا لا أبتغي الحياة، نجوى الليل" وكلها قصائد من ديوان "وحي الحق".
أما ديوان "في جنة الحب" فهناك قصيدة "أغنية إلى دمشق" التي نشرت بعنوان "أيام هل تعود" في ديوان "الفواغي"، كما نشرت من قبل بعنوان "نفثات الذكرى" في ديوان "وحي الحق".
في ديوان "في جنة الحب" هناك تسع وثلاثون قصيدة، أخذ هذا الديوان ثلاث قصائد من ديوان "وحي الحق" وأربع قصائد من ديوان "الفواغي" ووضع كله في ديوان "لهب الحنين"، وأخذ منه إلى ديوان "صحوة المارد" ثماني عشرة قصيدة، والقصيدة الوحيدة المكررة هي قصيدة "في جنة الحب"، وقد وردت في دواوين: "وحي الحق"، و"الفواغي"، و"في جنة الحب"، و"لهب الحنين".*
*هذه المقدمة تصدرت الجزء الأول من الأعمال الكاملة للشاعر الشيخ صقر بن سلطان القاسمي بقلم المحققة الشاعرة ميسون صقر القاسمي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.