إعتادت البشرية على إعتبار أن كل ما تأخذه من الطبيعة هو مجاني وبدون مقابل وأن هذا هو أمر مفروغ منه، ربما دون التفكير في أن الحياة قد تزول بتلاشي العناصر الطبيعية الأساسية وتنوعها الحيوي. والآن تكمن مهمة قمة التنوع البيولوجي الجارية في اليابان في وقف هذا الإندفاع نحو الهاوية، فهل تنجح؟. في هذا الإتجاه، يسعى المؤتمر العاشر لاتفاقية التنوع البيولوجي خلال الفترة من 18 الى 29 أكتوبر في مدينة »ناغويا«، إلى وضع مجموعة من الاتفاقيات الدولية الهادفة لتخفيض معدل ضياع الموائل الطبيعية، وإنهاء الصيد الجائر، ووقف إزالة الغابات، وإلغاء الإعانات الضارة، والتأكد من إستدامة الممارسات الزراعية، ضمن أهداف أخري، وكل ذلك بحلول عام 2020. فالمعروف أن »التنوع البيولوجي« هو مصطلح يستخدم لوصف طائفة واسعة من الكائنات الحية التي تشكل البنية البيولوجية التحتية للكوكب وتوفر للبشرية الصحة والثروة والغذاء والماء والوقود والخدمات الحيوية الأخرى. ومع ذلك، لا يدرك الكثيرون مدى إعتماد البشرية على الخدمات العديدة التي تقدمها الطبيعة، وفقا لعالم الأحياء البيئية في جامعة »ستانفورد« / »كاليفورنيا«، »هال موني«، الذي صرح أن »هذه الخدمات عادة ما يتم إعتبارها علي أنها »مجانية« وغير ذات قيمة في إطار الهياكل الاقتصادية الراهنة«. وأضاف أن الغابات التي تمتص أكسيد الكربون، وتنظف الهواء، وتمنع الفيضانات، وتوفر الغذاء والوقود، لا توضع لها أي قيمة إقتصادية إلا عندما يتعلق الأمر بقطع الأخشاب .»من المحتم تغيير هذا الوضع، وهذه ستكون واحدة من أقوى الرسائل التي سوف تصدر عن قمة ناغويا«. وشدد موني، الفائز بجائزة فولفو البيئية، علي حتمية أن »يتفهم وزراء المالية والتجارة هذا الأمر«. لكن الواقع هو أن مثل هذا »التفهم« الحتمي لم يتحقق قبل ثماني سنوات رغم تعهد الدول الأعضاء في إتفاقية التنوع الحيوي بخفض إنقراض الأنواع الحية »وبقدر كبير« بحلول عام 2010 ، أي بمناسبة السنة الدولية للتنوع البيولوجي. فبإستثناءات طفيفة، إزدادات معدلات الإنقراض بدلا من تناقصها. وبهذا أصبح ما يقرب من ربع الأنواع النباتية مهددا بالزوال، وسجلت الشعاب المرجانية والبرمائيات إنخفاضا حادا، وتقلصت جميع الفقاريات بمقدار الثلث في السنوات ال 30 الماضية، وفقا لتقديرات تقرير التنوع البيولوجي العالمي. هذا وعلي الرغم من الإجماع علي أهمية الإتفاقيات التي من المنتظر أن تتوصل لها قمة التنوع البيولوجي في اليابان، إلا هناك سلسلة من العوائق الهامة في مجال تنفيذها، وعلي رأسها قضية التمويل، وهو الذي يقدر أن يتضاعف بمعدل عشرة أضعاف أو حتي 100 ضعفا، لتحقيق الغايات المحددة لعام 2020. ففي الوقت الحاضر، تذهب نحو ثلاثة مليارات دولار من المعونات الإنمائية الخارجية، سنويا، لمساعدة البلدان النامية التي هي غنية في النباتات والحيوانات ولكنها فقيرة في الموارد المالية والتقنية. وعلي هذا الأساس، سيتطلب تحقيق الأهداف الجديدة بحلول عام 2020، طفرة قوية في مساعدات الدول المتقدمة إلى ما لا يقل عن 30 مليار دولار، بل وربما إلى 300 مليار دولار، سنويا. وفي هذا الشأن صرح أحمد جوغلاف، الأمين التنفيذي لإتفاقية التنوع البيولوجي، »لن نتمكن من ضمان الحفاظ علي التنوع البيولوجي وإستخدامه المستدام دون مشاركة كاملة من جانب قطاع الأعمال«. وأضاف أن الفكرة السائدة بأن الحكومات والمنظمات غير الحكومية قادرة وحدها على النجاح في حماية التنوع البيولوجي، قد برهنت على محدوديتها. وأفاد »جوغلاف« أن »مؤتمر ناغويا« سيشمل تنظيم حوار رفيع المستوى بين قادة الشركات و 150 وزراء بيئة، وأن ممثلي قطاع الأعمال عن أكثر من 500 شركة قد أكدوا على مشاركتهم. وتوقع أن يتم إعتماد مبادرة للأعمال والتنوع البيولوجي. لكن »تحالف اتفاقية التنوع البيولوجي« وهو ائتلاف من المنظمات غير الحكومية ومنظمات المجتمع المدني، أكد في بيان أن نهج التمويل »المبتكرة« هذه، ما هي إلا »الهاء دول الشمال عن إلتزاماتها المالية«. وأكد التحالف أن الدول الصناعية قادرة علي زيادة التزامها المالية بمعدل 10 أضعاف، نظرا لأنها تنفق أكثر من 500 مليار دولار سنويا علي دعم صناعة الوقود الأحفوري، ولأنها حشدت 6 ،9 تريليون دولار لإنقاذ البنوك وغيرها من المؤسسات المالية الخاصة خلال الأزمة الاقتصادية في عام2008 .