إسبانيا تمنع السفن المحملة بأسلحة للكيان الصهيوني من الرسو في موانئها    مباراة الكرة الطائرة بين الترجي و الافريقي : متى و أين و بكم أسعار التذاكر؟    كاتب دولة سابق : تعلية السدود لرفع طاقة إستيعابها جزء من الحل    عاجل : ليفربول يعلن رحيل هذا اللاعب نهاية الموسم    كأس أوروبا 2024: كانتي يعود لتشكيلة المنتخب الفرنسي    عميد المهندسين: أكثر من 20 مهندس يغادرون تونس يوميا    طارق مهدي يفجرها: أفارقة جنوب الصحراء "احتلوا" الشريط الساحلي بين العامرة وجبنيانة    البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يدعم انتاج الطاقة الشمسية في تونس    اعزل الأذى عن طريق المسلمين    سنتكوم: تفريغ أول حمولة مساعدات على الميناء العائم في غزة    الجزائر تواجه الحرائق مجدّدا.. والسلطات تكافح لاحتوائها    منهم قيس سعيد : زعماء عرب غابوا عن قمة البحرين    عاجل : هزة أرضية تضرب ولاية بهذه الدولة العربية    دراسة عالمية: ارتفاع وتيرة الإساءة الأسرية للرجل    بطاقة إيداع بالسجن في حق مسؤولة بجمعية تُعنى بمهاجري دول جنوب الصحراء    اليوم : زياد الهاني أمام القضاء من جديد    بطولة العالم لألعاب القوى لذوي الاحتياجات الخاصة "كوبي "2024: التونسية روعة التليلي تتوج بطلة للعالم في دفع الجلة    محيط قرقنة اللجنة المالية تنشد الدعم ومنحة مُضاعفة لهزم «القناوية»    بطولة اسبانيا : برشلونة يتخطى ألميريا بثنائية وريال بيتيس يسقط في فخ التعادل أمام لاس بالماس    أخبار الترجي الرياضي ...فوضى في شبابيك التذاكر والهيئة تفتح النار على الرابطة    اليوم: طقس مغيم بأغلب الجهات وتواصل ارتفاع درجات الحرارة    نجاح الأسرة في الإسلام ..حب الأم عبادة... وحب الزوجة سعادة !    منبر الجمعة .. المفسدون في الانترنات؟    ملف الأسبوع...المثقفون في الإسلام.. عفوا يا حضرة المثقف... !    خطبة الجمعة...الميراث في الإسلام    التحدي القاتل.. رقاقة بطاطا حارة تقتل مراهقاً أميركياً    الشرطة الفرنسية تقتل مسلحا حاول إضرام النار في كنيس بشمال غرب البلاد    منها الشيا والبطيخ.. 5 بذور للتغلب على حرارة الطقس والوزن الزائد    التوقعات الجوية لهذا اليوم…    الاطاحة بمنحرف خطير بجهة المرسى..وهذه التفاصيل..    الصحة العالمية.. استهلاك الملح بكثرة يقتل 10 آلاف شخص يوميا في أوروبا    عُثِرَ عليه بالصدفة.. تطورات جديدة في قضية الرجل المفقود منذ حوالي 30 سنة بالجزائر    عاجل: لأول مرة: تونس تصل المرتبة الثانية ضمن التصنيف الدولي للبيزبول    المنستير .. المؤبّد لقاتلة صديقها السابق خنقا    ارتفاع عجز الميزان الطاقي    دخول مجاني للمتاحف والمواقع الأثرية    إمضاء اتّفاقية تعبئة قرض مجمع بالعملة لدى 16 مؤسسة بنكية محلية    باجة: باحثون في التراث يؤكدون ان التشريعات وحدها لا تكفي للمحافظة علي الموروث الاثري للجهة    توزر: تظاهرة احتفالية تستعرض إبداعات أطفال الكتاتيب في مختتم السنة التربوية للكتاتيب بالجهة    وزارة الثقافة تنعى المطربة سلمى سعادة    صفاقس تستعدّ للدورة 44 لمهرجانها الصيفي    الناطق باسم وزارة الداخلية: "سيتم تتبع كل من يقدم مغالطات حول عمل الوحدات الأمنية في ملف المحامي مهدي زقروبة"    وزارة الفلاحة توجه نداء هام الفلاحين..    وكالة (وات) في عرض "المتوسط" مع الحرس .. الموج هادر .. المهاجرون بالمئات .. و"الوضع تحت السيطرة" (ريبورتاج)    طقس الليلة    القيروان: إنقاذ طفل إثر سقوطه في بئر عمقها حوالي 18 مترا    تعزيز نسيج الشركات الصغرى والمتوسطة في مجال الطاقات المتجددة يساهم في تسريع تحقيق أهداف الاستراتيجية الوطنية للانتقال الطاقي قبل موفى 2030    جندوبة: وزير الفلاحة يُدشن مشروع تعلية سد بوهرتمة    عاجل: "قمة البحرين" تُطالب بنشر قوات حفظ السلام في فلسطين..    هل سيقاطعون التونسيون أضحية العيد هذه السنة ؟    سوسة: الإطاحة بوفاق إجرامي تعمّد التهجّم على مقهى بغاية السلب باستعمال أسلحة بيضاء    استشهد 3 فلسطينيين برصاص الجيش الصهيوني في الضفة الغربية..#خبر_عاجل    سيدي بوزيد: انطلاق الدورة 19 من مهرجان السياحة الثقافية والفنون التراثية ببئر الحفي    عاجل: متحوّر كورونا جديد يهدّد العالم وهؤلاء المستهدفون    ظهورالمتحور الجديد لكورونا ''فيلرت '' ما القصة ؟    الأيام الرومانية بالجم . .ورشات وفنون تشكيلة وندوات فكرية    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من أي منظور؟ ولصالح من؟
إعادة هيكلة الاتحاد العام التونسي للشغل ❊ جيلاني الهمامي الكاتب العام السابق لجامعة البريد
نشر في الشعب يوم 27 - 11 - 2010

نواصل نشر آراء المناضلين النقابيين في الهيكلة مساهمة منّا في اثراء النقاش حول الموضوع بإعتبار ان جريدة »الشعب« هي فضاء مثالي لتبادل الآراء والافكار وقد جاء اليوم دور الأخ جيلاني الهمامي الكاتب العام سابقا لجامعة البريد ليدلي بدلوه في المسألة وبطبيعة الحال نحن في انتظار المزيد من المساهمات.
كثر الحديث في المدة الأخيرة عن »إعادة هيكلة« الاتحاد العام التونسي للشغل. وقد تزامن ذلك مع الجدل الذي اندلع حول مسألة »الفصل العاشر« من القانون الأساسي للمنظمة الذي يحدد مدة العضوية في المكتب التنفيذي بدورتين متتاليتين فقط.
وقد أثيرت المسالة في العلن، أول ما أثيرت) منذ مؤتمر المنستير( 2006 ، على لسان الأخ رضا بوزريبة عضو المكتب التنفيذي في معرض حديث أدلى به لإحدى الصحف قبل أن يجعل منها الأخ علي رمضان الأمين العام المساعد، المكلف بالنظام الداخلي موضوع حواراته الصحفية خلال الصائفة الماضية فحوّلها إلى ما يمثل »طرحا بديلا« لمواجهة الداعين إلى التمسك بالفصل العاشر، وشكلت موضوع لوائح صادرة عن هيئات نقابية رسمية مثلما حصل في الهيئة الإدارية الجهوية للاتحاد الجهوي للشغل ببن عروس التي ضمنت لائحتها الداخلية موقفا من »إعادة الهيكلة« في سياق الإعداد للتخلص من الفصل العاشر، وخلافا لما تنصّ عليه القوانين الداخلية ومناشير قسم النظام الداخلي وتقاليد العمل في الاتحاد، في سابقة هي الأولى من نوعها، نشرت تلك اللائحة للعموم، على صفحات جريدة »الشعب«
وكان من الممكن أن تتوسّع الحملة الداعية إلى هذا »البديل« في المنابر والهياكل النقابية الرسمية لولا ردة الفعل القوية التي أبداها الكثير من النقابيين.
إن كل ما في الأمر هو أن أنصار الاتجاه البيروقراطي، المنافي لمبادئ الديمقراطية النقابية، يحاولون، وإن كان دون جدوى إلى حد الآن على الأقل، اختلاق تضارب بين الدعوة إلى »إعادة هيكلة الاتحاد« وبين الدعوة إلى التمسك بالفصل العاشر وهم يوهمون الرأي العام النقابي بأن هذا التضارب الذي يختلقونه يقابل بين نقابيين يفكرون في »المصلحة العامة« للاتحاد) إعادة الهيكلة (وآخرين لا يفكرون إلا في »مصالحهم الشخصية«، ويتشبثون بمسائل »جزئية« و»ثانوية« (التمسك بالفصل العاشر) ويتخذون من البيانات حصريا وسيلة للمعارضة للتغطية على » فشلهم« وانهزامهم في مؤتمرات هياكلهم على حد قول الأخ علي رمضان (أنظر الشروق بتاريخ 25 أوت 2010).
وسنحاول في هذا المقال الوقوف بالتفصيل عند هذه المسألة لنبين ما تنطوي عليه اليوم دعوة القيادة و حلفاؤها إلى »إعادة الهيكلة« لمواجهة دعاة التمسك بالفصل العاشر من أغراض ومرام، ونكشف من هو الذي يدافع بحق عن مصلحة الاتحاد ومن الذي يدافع عن مصالحه الشخصية، أهو الذي يريد استعمال »إعادة الهيكلة« غطاء لتحوير الفصل العاشر ليبقى عضوا بالمكتب التنفيذي مدى الحياة، أم هو الذي يتمسك بالفصل العاشر ويطرح إعادة الهيكلة في سياق ترسيخ الديمقراطية الداخلية.
❊ 1 »إعادة هيكلة الاتحاد«: مطلب القواعد والهياكل النقابية
إن مسألة »إعادة هيكلة« الاتحاد، وهو أمر نسوقه من باب التذكير، لم تكن من القضايا الملحة في نظر القيادة ولا هاجسا من هواجسها بل إنها كانت من المسائل التي لا تحبذ إثارتها لما تنطوي عليه من مخاطر على مصالحها. وحتى عندما تناولتها في مرات سابقة فقد كان ذلك على سبيل بعض الإجراءات الجزئية والشكلية منها ما وضعته موضع تنفيذ ومنها ما بقي حبرا على ورق مثل التمطيط في المدة النيابية من سنتين إلى ثلاث سنوات بالنسبة إلى النقابات الأساسية ومن 3 إلى 4 سنوات بالنسبة إلى الجامعات والنقابات العامة والاتحادات الجهوية ومن 4 سنوات إلى 5 بالنسبة إلى المكتب التنفيذي الوطني وكان ذلك خلال المجلس الوطني الأول بعد مؤتمر سوسة (1991) ويذكر الأخ علي رمضان أننا كنا وقتها معا في جبهة رفض لهذا التحوير الذي مررّه السحباني بمساعدة الأخ عبد السلام جراد (الأمين العام الحالي) وصوت ضده عضوا المكتب التنفيذي آنذاك (السيدان علي رمضان وعبد النور المداحي) وعدد لا يستهان به من أعضاء المجلس الوطني. ومن الإجراءات الشكلية المتخذة من قبل القيادة في إطار إعادة الهيكلة والتي لم تجد طريقها إلى التنفيذ بعد) وأذكر أن الأخ عبد السلام كان يزين بها جدران مكتبه عندما كان مكلفا بالنظام الداخلي (هو نظام النسبية في التصويت داخل الهيئة الإدارية وكان من المفترض أن يعمل به منذ أكثر من 15 سنة مراعاة لتفاوت وزن القطاعات والجهات من حيث نسبة الانخراطات وحاجيات التمويل. وليس خافيا على أحد أسباب تعطيل العمل بهذا النظام الذي دفن حالما تمت المصادقة عليه من قبل الهيئة الإدارية الوطنية منذ بداية التسعينات. وهو ما يعكس عدم حماس القيادة لإعادة هيكلة المنظمة وعدم التزامها حتى ببعض الإجراءات القليلة والشكلية التي اتخذتها هي بنفسها.
ولعل المرة الوحيدة التي كانت فيها القيادة »جادة« للقيام بعمل مقبول نسبيا في هذا المضمار هو المشروع الذي أعدته قبيل مؤتمر المنستير وكان الأخ محمد الطرابلسي اقترح عليها مشروعا تضمّن مقترحات جديرة بالاهتمام ولكنها تغاضت عنها ولم تعمل بها . وقد كانت مبادرة القيادة آنذاك مرتبطة بنية استغلال المؤتمر للتخلص من الفصل 10 للقانون الأساسي بعد أن وجدت صدّا في الهيئة الإدارية وفي المجلس الوطني اللذين سبقاه (طبرقة 2006).
إن مراجعة الأوضاع الداخلية للمنظمة كان واحدا من أبرز مطالب »المعارضة النقابية« طوال أواخر عهد السحباني وكانت في نظر الداعين إلى »التصحيح« في مؤتمر جربة واحدة من مرتكزات الحركة »التصحيحية« المزعومة ومن آلياتها الأساسية التي عول عليها أصحابها لإعطاء حركتهم المصداقية المطلوبة. ففي إطار الحركية التي عرفتها تلك الفترة اشتغل الكثير من النقابيين على هذه المسألة وبرزت مقترحات وأفكار متعددة وكنت شخصيا من بين الذين شاركوا في الجدل حول إعادة هيكلة المنظمة وساهمت فيه بمقال مطول نشر بصحيفة »الطريق الجديد« وسأحاول إعادة نشره في القادم من الأيام بعد تحيينه.
وفي كلمة فإن الدعوات المتكررة والمختلفة إلى »إعادة هيكلة الاتحاد« قديمة، وهي نابعة من أن المركزية المشطة ونمط الهيكلة التنظيمية العمودي وطرق التسيير الفوقية وسوء التصرف الإداري والمالي كانت من العوامل الأساسية لتدعيم التكتل البيروقراطي واستقراره وتمكنه من المنظمة التي يجثم عليها ويخنق أنفاسها. وقد ازداد الأمر فظاعة مع بروز تقاليد »التصرف الفردي المطلق« في الاتحاد عندما تضخمت »مؤسسة« الأمانة في عهد السحباني خاصة ثم في عهد خلفه الأمين العام الحالي السيد عبد السلام جراد، ولم يكن للقيادة من دور على الدوام سوى »رعاية« هذا الوضع والحفاظ عليه باعتباره الضامن لمصالحها كهيكل وكمجموعة وكأفراد أيضا. وبطبيعة الحال لا يمكن اليوم لأي نقابي ديمقراطي متماسك إلا أن يقول: »نعم لإعادة الهيكلة« التي طال تجاهلها من القيادة وانتظرها النقابيون الديمقراطيون والقواعد بفارغ الصبر. وأكثر من ذلك فإن هؤلاء لا يمكنهم إلا أن يطالبوا بأن تصبح »إعادة الهيكلة« مهمة للإنجاز »الآن وهنا«، خصوصا ونحن نرى بعض أعضاء تلك القيادة ومن بينهم الأخ علي رمضان، يبدون »حماسا منقطع النظير« لها ويرون فيها »أولوية الأولويات« ولكن دعونا نتفق أولا وقبل كل شيء على معنى »إعادة الهيكلة« وعلى مضمونها، فرفع الشعار لا يكفي وحده ولا يعبر عن أكثر، من نوايا، وهي نوايا قد لا تكون دائما حسنة!! فقد يختبئ إبليس أحيانا في التفاصيل.
❊ 2 ما معنى »إعادة الهيكلة«؟؟
تكمن أهمية »إعادة الهيكلة«، في ما ستدخله من تغييرات جذرية وجدية على »المثال التنظيمي« للمنظمة وعلى دور كل هيكل من هياكلها وعلى علاقة هذه الهياكل بعضها ببعض وبالقواعد أيضا، وعلى طرق التسيير واتخاذ القرار في كافة المستويات. كما تكمن أهميتها في ما ستأتي به من ضمانات لممارسة حرية التعبير داخل المنظمة وحق المحاسبة والمراقبة وسحب الثقة من الهياكل والأشخاص الذين يتنكرون للأرضية التي انتخبوا على أساسها ولمبادئ الاتحاد، وأهدافه إلخ.. وفي كلمة فإن »إعادة الهيكلة« تستمد مشروعيتها مما ستدخله من ديمقراطية على الحياة الداخلية للاتحاد وما ستضعه بين أيدي النقابيين، هياكل وقواعد من آليات لمقاومة النزعة البيروقراطية والانفراد بالرأي وتوظيف المنظمة لخدمة الخيارات والمصالح الفئوية الضيقة لهذا الشخص أو ذاك أو لهذه المجموعة أو تلك على حساب مصالح العمال والشغالين عامة.
إذا كان المقصود ب »إعادة الهيكلة« هو إجراء مثل هذا التغيير الملح، فمن من النقابيين الديمقراطيين والنزهاء بمقدوره أن لا يدعمها وأن لا يباركها وينخرط فيها ويعمل على إنجاحها؟ أما إذا كان المقصود بها، وهنا بيت القصيد، استعمالها مطية لإجراء عملية تجميلية شكلية للمثال التنظيمي البيروقراطي للاتحاد وإعادة توزيع الأدوار داخله ومراجعة الصلاحيات ووظائف الهياكل بغرض تعزيز سلطة هياكل التسيير القيادية وتشديد المركزة المشطة أصلا، والتقليص من إمكانيات المراقبة والمحاسبة التي تكاد تكون منعدمة في الواقع الحالي، فإن العملية ستكون في هذه الحالة ذات طابع إجرائي تقني، لا تفيد الاتحاد في شيء وستتحول إلى أداة لتعزيز البقرطة، والتسلط الفوقي وهما سبب الداء الذي ينخر المنظمة، بهدف كبح التيار الديمقراطي المنادي بتخليصها من ذلك الداء. وبعابرة أخرى فإن »إعادة الهيكلة« ستصبح »كلمة حق يراد بها باطل«.
إن ما يتوجس منه النقابيون حقا هو أن يكون المقصود بإعادة »الهيكلة« استخدامها غطاء لضرب المكاسب الديمقراطية على محدوديتها وأساسا تحوير الفصل العاشر من القانون الأساسي!! وهو بالطبع أمر مرفوض لا يمكن أن يمر وإن مر فإنه سيضع القيادة الحالية خارج أية شرعية لأنها ستكون قيادة منقلبة، وستضع الاتحاد في وضع خطير إذ ستفتح الباب أمام كل الاحتمالات بما فيها احتمال »التفرقع« والتشتت. وفي الحقيقة فإنه يوجد في الواقع ما يبرر توجس النقابيين ومخاوفهم. فما هو المضمون الذي تلوح به إلى حد الآن القيادة أو بعض أعضائها ل»إعادة الهيكلة«؟
❊ 3 القيادة و»إعادة الهيكلة«
إن ما جاء على لسان بعض الوجوه من القيادة، ومن بينهم المسؤول عن النظام الداخلي يبين أنها لا تريد السير ب»إعادة الهيكلة« إذا ما أنجرت نحو الهدف الذي يرومه معظم النقابيين، بل أن نظرتها ل»إعادة الهيكلة« هذه تندرج ضمن السياق الثاني الذي تحدثنا عنه وليس ضمن السياق الأول الرامي إلى دمقرطة الحياة الداخلية للاتحاد، وبصورة ملموسة فإن ما يستنتج من التصريحات التي صدرت إلى حد الآن هو أن القيادة الحالية تريد، من خلال »إعادة الهيكلة« تحقيق أمرين اثنين:
1 تتفيه مطلب التمسك بالفصل 10 وتشويهه ومحاولة تقديمه على أنه مطلب جزئي وثانوي لا أهمية له أمام المطلب »الكبير الحقيقي« ألا وهو »إعادة الهيكلة« وكأن المطلبين متضاربان ومتناقضان، كما سبق أن أشرنا إلى ذلك. ومن جهة ثانية محاولة تقديم المتمسكين بذلك الفصل على أنهم لا غاية لهم سوى »التمسك بالكراسي« و»استعمال المواقع« ل»مآرب« خاصة وكأن »الكراسي« هي الآن بين أيدي المطالبين بالاحتفاظ بالفصل العاشر وليس بين أيدي الأخ علي رمضان وزملائه، وكأن الذي يطالب بالتداول على المسؤولية هو »اللاهث« وراء »الكرسي« وليس من قضى بالمكتب التنفيذي 17 أو 22 سنة وهو يعمل كل ما في وسعه على إلغاء الفصل 10 لمزيد البقاء به!!
2 جرّ النقابيين إلى موضوع »إعادة الهيكلة« وتلهيتهم ببعض الأمور الجزئية التي لا تشمل الجوهر البيروقراطي للهيكلة القديمة والنفخ فيها وتقديمها على أنها »إصلاحات جوهرية« و»جريئة« و»تاريخية«، وفي خضم ذلك يقع تنقيح الفصل العاشر باسم »المراجعة العامة والشاملة« للهيكلة ولمجمل فصول القانون الأساسي والنظام الداخلي مع تقديم هذا التنقيح على أنه مسالة »بسيطة« لا علاقة لها بالتسيير الديمقراطي للاتحاد. وبهذه الصورة يتم تشريع الانقلاب على الفصل العاشر أي على قرار من أهم القرارات التي اتخذها مؤتمر جربة وأكدها مؤتمر المنستير.
تلك هي الغاية، إذن من كثرة الضجيج الذي تقيمه القيادة حول إعادة الهيكلة لذر الرماد في العيون ولصرف الأنظار عن مسعاها الحقيقي ألا وهو الانقلاب على الفصل العاشر. ومن الملاحظ أنه يتداول اليوم في الحلقات الضيقة للقيادة حول جملة من السيناريوهات الممكنة لتمرير الطبخة الجديدة، لم يقع الاستقرار بعد على أحدها، وتتلخص تفاصيل أكثر هذه السيناريوهات رواجا في ما يلي:
❊ عقد مجلس وطني في غضون شهر جانفي القادم، سيقع الهروب به مرة أخرى إلى أقاصي جنوب البلاد وبالتحديد إلى مدينة توزر حسب الأقاويل الرائجة (أنظر مشروع قرار المكتب التنفيذي الوطني بتاريخ 28 سبتمبر 2010) على أن يدعو هذا المجلس إلى عقد »مؤتمر استثنائي« غير انتخابي مهمته النظر في »إعادة الهيكلة«. ولكي تمرر »الحربوشة« سيرفق النظر في هذه المسالة بالنظر في ملفات أخرى مثل المفاوضات الاجتماعية ونظام التقاعد والتشغيل والتربية والتعليم... إلخ لإعطاء الانطباع بأن الاتحاد يعد بدائله وبرنامجه النقابي للمرحلة القادمة وسيكون ملخص أشغال المؤتمر بمثابة »البرنامج الاقتصادي الاجتماعي« الجديد للمنظمة والحال أنه لا يعدو أن يكون غلافا لتمرير الملف الأساسي الذي يشغل بال القيادة أكثر من أي ملف آخر وهو ملف »إعادة الهيكلة« قصد تنقيح الفصل العاشر والتخلص إلى الأبد من »سقف الدورتين«.
❊ تأخير المؤتمر العادي المقرر في ديسمبر 2011 إلى تاريخ لاحق (في حدود سنة (على أن يخصص هذا المؤتمر حصريا لانتخاب المكتب التنفيذي الجديد على قاعدة شروط الترشح التي تغيرت في القانون الأساسي الناجم عن »إعادة الهيكلة« وهكذا يجد أعضاء المكتب التنفيذي الحالي) (9) المدعوون في الأصل إلى الانسحاب وعدم تجديد ترشحهم بمقتضى الفصل العاشر) الباب مفتوحا أمامهم، بعد تنقيح هذا الفصل، ليعودوا إلى المسؤولية على رأس المنظمة وإلى الممات.
❊ عقد مؤتمر استثنائي قبل الموعد القانوني) ديسمبر 2011) يصادق على المشاريع التي سيوصي بها المجلس الوطني حول الملفات المذكورة ويتولى كذلك انتخاب مكتب تنفيذي وطني جديد يسمح فيه لأعضاء القيادة الحالية بالترشح بتعلة أنهم لم يستوفوا المدة النيابية الثانية وبالتالي يحق لهم الترشح لأن الفصل العاشر لا ينطبق عليهم. لكن سيكون على القيادة أن تقدّم ما يبرر عقد هذا المؤتمر بصورة استثنائية عدا أنها ممعنة في لي عنق القانون والواقع من أجل البقاء في دفة القيادة.
إن ما يظهر من خلال ملامح »إعادة الهيكلة« التي تسعى القيادة الحالية إلى إنجازها هو أنه علاوة على مراجعة الفصل العاشر) حتى وإن تجنبت التصريح بذلك علنا خوفا من ردود الفعل)، ستقع مراجعة تركيبة الهياكل التقريرية كالمجلس الوطني والمؤتمر الوطني لتقوية حظوظ البيروقراطية في تأبيد هيمنتها على مصائر المنظمة واجتناب أية مفاجآت غير سارة بالنسبة إليها، فقد جاء في كلام الأخ علي رمضان في تصريح لجريدة الشروق بتاريخ 25 أوت 2010 أنه عاين، بحكم مسؤولياته على رأس »النظام الداخلي«، »مفارقات عجيبة« منها طريقة التمثيل في سلطات القرار الوطني والجهوي (هيئة إدارية، مجلس وطني، جهوي، قطاعي، مؤتمر وطني... إلخ) وهو يطلق في هذا الصدد صيحة احتجاج مصرحا بما يلي: »تصوّر أن أكثر من ثلث أعضاء الهيئة الإدارية لقطاع ما (وحال لسانه يقول ثلث أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية) إذا تعلق الأمر بالمؤتمر الوطني لا يمكنهم المشاركة في أشغال المؤتمر الوطني لقطاعهم بسبب طريقة إسناد النيابات وهم المؤهلون والأكثر قدرة على محاسبة المكتب التنفيذي...« و يتضح من خلال هذه الفكرة أن الأخ علي رمضان ينوي تنقيح القانون باتجاه أن يكون أعضاء الهيئة الإدارية القطاعية) وبالتالي أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية) آليا نوابا في المؤتمر الوطني لقطاعهم. ولا نخال الأخ علي رمضان يريد التوقف عند هذا الحد، فالواضح أنه يقدمه كعينه على الهيئة الإدارية الوطنية والمؤتمر الوطني، لأنه إذا أصبح أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية، بمقتضى هذا التنقيح، نوابا بشكل آلي فإنه يكون ضمن حوالي ربع المؤتمر تقريبا لأنه يعلم أن كسب ولاء أعضاء الهياكل المركزية مثل الهيئة الإدارية الوطنية، أسهل من كسب ولاء النواب المنتخبين مباشرة من النقابات الأساسية هذا علاوة على ما يتضمن هذا الاقتراح من »تطميع« لأعضاء الهيئة الإدارية لحشرهم وتفعيل دورهم في الصراع حول الفصل العاشر من القانون الأساسي، وهنا يجدر التساؤل: ما معنى أن يكون أعضاء الهيئة الإدارية الوطنية آليا نوابا في المؤتمر؟
إن ما يميز المؤتمر عن سائر الهيئات القيادية الأخرى، سواء تعلق الأمر بمؤتمر الاتحاد العام أو مؤتمر هيكل قيادي قطاعي (جامعة أو نقابة عامة) أو جهوي) اتحاد جهوي (، هو القوة السيادية والسلطة التقريرية التي يتمتع بها. ويستمد هذه السلطة أساسا من تركيبته التي تعكس كأوسع ما يكون الإرادة الجمعية للمنخرطين وتمثلهم كأقرب وأفضل ما يكون التمثيل عبر نقاباتهم الأساسية.
ومعلوم انه لأسباب عملية بحتة لا يمكن أن تتجلى هذه الإرادة الجمعية بواسطة الحضور المباشر لكل المنخرطين (الديمقراطية المباشرة) لذلك تقتضي الظروف العملية أن يقع اللجوء إلى إيجاد صيغة للتمثيل النيابي أي عن طريق اختيار نواب ممثلين، حسب نظام يقع الاتفاق في شأنه، للقواعد من أقرب تشكيلة نقابية ذات صلة مباشرة بالمنخرطين وهي النقابة الأساسية. وبناء على ذلك فإن هؤلاء النواب يحملون صفة مخصوصة فهم مندوبون للحضور في المؤتمر (Ils sont mandatés) ويضفي حضورهم بهذه الصفة على المؤتمر قوة سيادية وتقريرية ممثلة وشرعية.
أما ما اقترحه السيد علي رمضان بسحب هذه الصفة آليا على أعضاء المكاتب التنفيذية للجامعات والاتحادات الجهوية، بتعلة أنهم »أكثر الناس احتكاكا بالقيادة« و»لكونهم اشتغلوا معها على ملفات وهم بالتالي أكثر الناس أهلية للحكم على مردودها وقدرة على تقدير مجهودها والحكم لها بالتصويت لفائدتها أو عليها بالتصويت ضدها«، فإن هذا السحب الآلي يخالف روح المبدأ القانوني ويبتعد عن معنى التمثيل النيابي الديمقراطي ويقلص من صدق ترجمة المؤتمر لمواقف وتطلعات المنخرطين والإرادة الجمعية للقواعد.
لا شك أن هذه النقطة ليست غير تفصيل صغير من مشروع القيادة لإعادة هيكلة الاتحاد الذي نرجو بل نعتقد انه لا بد أن يكون موضوع نقاش قاعدي حقيقي واستشارة موسعة تشرك جميع الهياكل النقابية وعموم المنخرطين لا استشارة شكلية في مجالس مغلقة وحوارات فوقية بعيدة عن المعنيين الحقيقيين بهذه المسألة لتكون إعادة الهيكلة ديمقراطية بحق ومستجيبة لمطمح القواعد والهياكل في حياة نقابية متطورة داخل منظمتهم الاتحاد العام التونسي للشغل.
وكما سبق أن قلنا فإن »إعادة هيكلة« الاتحاد باتجاه دمقرطته لا ينبغي أن تقتصر على مجموعة من الإجراءات التنظيمية بالمعنى الضيق للكلمة بل لا بد أن تتأسس على رؤية ومبادئ ديمقراطية تضع بالإضافة إلى آليات التنظيم والتسيير الديمقراطي ضوابط حمايتها من كل محاولات الارتداد عليها ودوسها من جديد.
❊ 4 مبادئ عامة لهيكلة الاتحاد
إن أي تصوّر لإعادة هيكلة الاتحاد يعكس المنظور العام للعمل النقابي ولطبيعة الإطار الذي يجسده وكذلك طرق وأساليب عمله الداخلي ومع جماهير المنخرطين والعمال عموما. ولقد أثبتت الحركة النقابية في تونس وخاصة في فترة التأسيس وطوال الفترة التي سبقت وتلت 26 جانفي 1978 ترابط بل تلازم استقلالية المنظمة بديمقراطيتها الداخلية ونضاليتها حيال مطالب منخرطيها. فمنظمة منغلقة ومتكلسة لا يمكن أن تكون مستقلة ولا منحازة بحق لحقوق ومطالب قواعدها والعكس بالعكس صحيح.
فلا يخطئ إذن من يعتبر أن حل المعضلة الديمقراطية الداخلية هو المفتاح الأساسي للنهوض بالمنظمة على بقية الواجهات الأخرى ذلك انه لا يمكن أن نتصوّر منظمة مناضلة ومستقلة وهي خاضعة داخليا لنمط تسيير بيروقراطي متحجّر.
لذلك ونحن نناقش مشروع إعادة هيكلة الاتحاد، لا بد من الاتفاق أولا على المبادئ التي سينقاد بها هذا المشروع إذ بالاتفاق على هذه المبادئ تتضح معالم الطريق لوضع الصيغة التنظيمية المثلى . وتتلخص هذه المبادئ في رأيي في المحاور التالية التي ينبغي العودة إليها بالتفصيل والتدقيق:
1 العودة إلى مفهوم »اتحاد النقابات« الذي تأسس عليه الاتحاد العام التونسي للشغل على يد فرحات حشاد ورفاقه هذا المفهوم الذي انقلب مع تسرّب وتشدد النهج البيروقراطي، إلى نظام أصبحت فيه النقابات خاضعة وتابعة للمركزية فاقدة لأي هامش من هوامش الاستقلالية التي كانت تتمتع بها في بداية تجربة الاتحاد في وضع خياراتها المطلبية والنضالية وفي تسييرها الإداري والمالي.
و للتذكير فإن النقابات القطاعية التي تتحد تحت سقف قانون أساسي جامع للاتحاد كانت تنفرد بقوانينها الأساسية الخاصة بضبط نظام سيرها وفق خصوصياتها وأحتفظ شخصيا بالقانون الأساسي للجامعة العامة للبريد الذي بقي نافذ المفعول حتى منتصف الستينات من القرن الماضي.
2 مراجعة نظام التسيير المالي بحيث تصبح النقابات العامة والجامعات هي التي تموّل، بمقادير يقع ضبطها المركزية النقابية لا العكس كما هو معمول به الآن علاوة على تطوير نظام التصرف المالي بضبط ميزانيات التصرف ورصد الاعتمادات في ضوء المداخيل وتوزيع الحصص بين حاجيات القطاع ونسب المساهمة في مداخيل المركزية والهياكل الجهوية والهياكل المختصة التابعة للقطاعات) الشباب والمرأة...) أو التابعة للمركزية ) لجنة النظام ومكتب الدراسات والمكتبة النقابية...) واعتماد آليات المراقبة العصرية المستقلة والخاضعة لقوانين وإجراءات التصرف المالي التي لا تخضع لسلطة الهياكل النقابية المنتخبة (commissaires aux comptes professionnels) .
3 إعادة تنظيم القطاعات في جامعات ونقابات عامة في ضوء التحولات التي طرأت على نسيج مؤسسات وقطاعات الإنتاج) اضمحلال أو تراجع قطاعات نتيجة الخوصصة والتسريح ومحدودية الانتداب والإحالات على التقاعد المبكر وظهور قطاعات جديدة...) وفي ضوء التوزيع الجديد لتمركز قوى العمل وانعكاساته على نسب الانتساب النقابي.
4 إعادة النظر في صلاحيات الهياكل القيادية التقريرية (المؤتمرات والمجالس الوطنية والهيئات الإدارية) والتنفيذية) المركزية والوطنية القطاعية والجهوية) وتدقيق صلاحياتها وعلاقاتها وآليات وضوابط المراقبة والمحاسبة والمساءلة وسحب الثقة.
5 فصل التسيير الإداري والمالي فصلا كليا عن المسؤولية النقابية وتعصير طرق التسيير وتطوير منظومة المراقبة والمحاسبة وفق أساليب التصرف المؤسساتي العصرية.
6 فصل منظومة التأديب وفض النزاعات النقابية الداخلية عن المسؤوليات النقابية المركزية.
7 مراجعة شروط الترشح باتجاه تيسيرها والتخفيف منها لتشجيع الشباب والنساء والفئات المهنية الأخرى من اجل مقاومة ظاهرة تهرّم الإطارات النقابية ونزعة استدامة »الموقع« (le carriérisme)
8 مراجعة المدة النيابية لكل التشكيلات النقابية) الأساسية والجهوية والوطنية والمركزية) لتنشيط ديناميكية التجدد والعودة إلى نظام ما قبل المجلس الوطني 1991.
9 تدعيم مبدأ التداول على المسؤوليات النقابية وسحبه على التشكيلات الجهوية والهياكل القطاعية الوطنية على غرار الفصل 10 الخاص بالترشح لعضوية المكتب التنفيذي الوطني.
10 مراجعة الطابع الاستشاري لهياكل المرأة العاملة والشباب العامل وتوسيع مجال التدخل في فئات اجتماعية من اليد العاملة النشيطة والاحتياطية (العاطلون عن العمل).
11 وبناء على هذه المبادئ تقع صياغة المثال الهيكلي للاتحاد (Organigramme) ويقع تنقيح القانون الأساسي والنظام الداخلي وهو ما سأعود إليه في مقترح لاحق.
❊ خاتمة:
إن التناقض الرئيسي اليوم داخل الاتحاد وداخل الحركة النقابية عامة هو بين أنصار النهج البيروقراطي الجاثم بكلكله على المنظمة النقابية منذ عقود وبين أنصار النهج الديمقراطي الذي يطمح إلى تحقيق تحول نوعي داخل المنظمة لفائدة العمال والشغالين، وإذا كان الطرف الأول، أي البيروقراطي يريد توظيف شعار »إعادة الهيكلة« لتأبيد سيطرته على مصائر الاتحاد وهو ما يفسر فزعه وتبرمه من تخصيص الفصل العاشر بالحديث وإبرازه، كما يفسر اختلاقه لتناقض وهمي بين »إعادة الهيكلة« وبين التمسك بهذا الفصل، فإن الطرف الثاني يريد أن يجعل منها لحظة لإحداث تحوّل جوهري داخل الاتحاد، لأنه يربط »إعادة الهيكلة« بالتأسيس لحياة ديمقراطية جديدة، يكون من مبادئها التداول على المسؤولية النقابية لدرء هذه البقرطة والوصولية والزبونية، وهو ما ينص عليه الفصل العاشر الذي أقره مؤتمر جربة 2002 وثبته مؤتمر المنستير 2006 بعد استخلاص الدرس المر من الانفراد بالقرار داخل المنظمة ومن العواقب الوخيمة للبيروقراطية.
ومن البديهي أن تركز الجدال اليوم حول الفصل العاشر لا يعني أنه يمثل أو يختزل كافة جوانب الصراع بين النهجين المتضاربين داخل الاتحاد، كما أنه لا يمثل ولا يختزل كافة جوانب »إعادة الهيكلة« التي يطالب بها كلا الطرفين.
إن الطرف البيروقراطي يربط إلغاء الفصل العاشر بجملة من الإجراءات الأخرى التي تهدف إلى تشديد قبضة البيروقراطية على الاتحاد حتى وإن تظاهر بالاستعداد للقيام ببعض الإصلاحات للمناورة، أما الطرف الديمقراطي فهو يربط التمسك بذلك الفصل بجملة من الإجراءات التي تضفي على هيكلة المنظمة وعلى طرق تسييرها وأساليب اتخاذ القرار فيها طابعا ديمقراطي ولكن، كما هو الحال في كل الصراعات، لا بد أن تبرز مسألة من المسائل وتطغى على البقية وتتحول إلى عنوان للصراع بأسره. وإن ما جعل الفصل العاشر يكتسي كل هذه الأهمية ويصبح »مسألة المسائل« فلكونه يمس عصبا رئيسيا من أعصاب البيروقراطية النقابية، فإذا ما قطع، ماتت معه أعصابٌ أخرى وتوقفت عن الحياة لذلك ليس من الغريب أن يتخذ الفصل العاشر كل هذا البعد وتتكثف حوله الصراعات بين الخطين النقابيين المتناقضين في الاتحاد إن الذين يريدون إلغاءه هم عامة أنصار البيروقراطية المتسلطة والذين يتمسكون به هم عامة أنصار الديمقراطية النقابية.
وبطبيعة الحال فإن وراء كل خط من هذين الخطين مصالح تحرك أنصاره وتحدد مواقفهم وأهواءهم. إن الخط الأول، البيروقراطي يرتبط بمصالح فئوية ضيقة لمجموعات صغيرة ومتنفذة، لا يربطها رابط بمصالح العمال والأجراء وطموحاتهم بالنظر إلى مداخليها وامتيازاتها ونمط عيشها وتفكيرها (وهنا ندعو المسؤولين النقابيين إن كانوا لا يخشون حقا الشفافية وإن أرادوا حقا دحض ما يروج حولهم من ادعاءات أن يكشفوا للقواعد النقابية والعمالية حقيقة مداخيلهم ومصادرها قائمة أملاكهم وامتيازاتهم المتنوعة وكيف حصلوا عليها). وقد بينت عقود من التجربة أن هذه الفئة البيروقراطية تربط نفسها بعجلة السلطة وأصحاب رأس المال للحفاظ على مصالحها وامتيازاتها التي تكافأ بها على الدور السلبي الذي تقوم به ضد العمال والأجراء، وهو ما يفسر حاجتها إلى الأساليب والوسائل غير الديمقراطية لتحقيق سيطرتها على القواعد النقابية والعمالية. وهو ما يفسر أيضا رغبتها الجامحة اليوم وفي التخلص من الفصل العاشر ولجوءها إلى العديد من الأساليب.
أما الخط الديمقراطي، فإنه يجعل من تحقيق الديمقراطية داخل الاتحاد وسيلة لتحقيق استقلاليته عبر إرجاع سلطة القرار فيه إلى أصحابها الشرعيين أي القواعد النقابية والعمالية وتحويله إلى إطار حقيقي للدفاع عن مصالح العمال والأجراء، لأن الاتحاد متى أصبح فعلا ديمقراطيا حرا، ومستقلا، إلا وذاد عن تلك المصالح وقام بدور تقدمي داخل المجتمع ووقف إلى جانب الفئات الشعبية الأخرى ومطالبها المشروعة وإلى جانب الحريات والديمقراطية والقضايا العادلة في الوطن العربي وفي العالم، وهو ما برهنت عليه الحياة في الفترات القليلة التي خرج فيها الاتحاد نسبيا من تحت مظلة السلطة.
لقد عرف الاتحاد في تاريخه الطويل منذ عام 1956 إرهاصات ومحاولات عديدة لتحريره من قبضة البيروقراطية وبالتالي من قبضة السلطة التي تدعمها وتمرر توجهاتها واختياراتها بواسطتها. وقد أجهضت في كل مرة تلك الإرهاصات والمحاولات وفشلت في تحقيق التغيير المنشود، لا لقوة القمع الذي سلط على الحركة النقابية فحسب ولكن أيضا لهشاشة حركات التغيير ذاتها. فهل يمكننا اليوم أن نأمل أن لا يكون مآل الإرهاصات الحالية كمآل الإرهاصات السابقة؟ إن في الواقع ما يجعل هذا الأمل جائزا. فالديمقراطية في تونس أصبحت مطلبا عاما تنادي به جل الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني وفئات واسعة من الشعب، ويصعب الاستمرار في تجاهله إلى ما لا نهاية. وما من شك في أن هذا المناخ العام يمثل الإطار الأنسب لطرح مسألة الديمقراطية النقابية.
ومهما يكن من أمر فإن أمام القوى النقابية الديمقراطية تحديا كبيرا عليها مجابهته بكثير من العمل الجاد وباستعداد للتضحية لا يقل جدية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.