تحكم المشهد النقابي الداخلي منذ مدة تجاذبات كثيرة هيمنت خلالها ملفات وعناصر كثيرة منها ما يتعلق بالهيكلة الحالية اضافة الى موضوع الفصل 10 من القانون الأساسي الخاص بتمديد المدة النيابية لاعضاء المركزية النقابية. وقد أثارت تصريحات السيد علي رمضان مسؤول النظام الداخلي ردود فعل كثيرة ومتباينة داخل وخارج الساحة النقابية. «الشروق» حاورت علي رمضان المسؤول عن أهم الاقسام «السيادية» في الاتحاد في كل المواضيع والملفات التي تشغل بال الساحة النقابية وعن حقيقة موقفه من الهيكلة ومن الفصل 10 ومن المعارضة النقابية أثارت تصريحاتكم مؤخرا حول الفصل 10 رد ود فعل متباينة ومعارضة لتوجهكم. ما هي قراءتكم الحقيقية حول هذا الموضوع؟ لعلك تقصد ما ورد بجريدة «الصباح» فقد جاء ذلك التوضيح متأخرا ولقد كانت الغاية منه وضع المسألة في اطارها فالقضية الاساسية والمطروحة بالحاح هي تطوير هيكلة المنظمة التي باتت أكيدة في ظل ما تشهده الحركة النقابية من متغيرات وتحولات. ان النقد الذي ابديته كان موجها للذين يختزلون هيكلة المنظمة وما تطرحه من اشكاليات في الفصل العاشر بل في نقطة منه. وحتى اضع الامور في نصابها استطيع ان اجزم ان اعضاء المكتب التنفيذي لم يطرحوا في أي هيكل من الهياكل الدعوة الى الغاء الفصل العاشر وخاصة النقطة المتعلقة بتحديد عضوية المكتب التنفيذي بدورتين وهو فصل لا يختزل في هذه النقطة وينبغي ان اوضح لك ان الفصل العاشر يضبط اضافة الى الدورتين تركيبة المكتب التنفيذي وعدد اعضائه ومهامه والمشمولات والعلاقة بالهياكل. ولابد ان اشير في هذا السياق ان تنقيح الفصل العاشر يندرج ضمن رؤية شمولية لاعادة الهيكلة التي كانت احدى قرارات مؤتمر جربة الاستثنائي وكذلك المجلس الوطني بطبرقة وتم عرضها في مؤتمر المنستير لغاية مراجعة هيكلة الاتحاد ككل غير ان المزايدة الانتخابية والجو العام المشحون الذي ساد المؤتمر لم يسمحا بنقاش هادئ ورصين للمسألة. أضف الى ذلك أن بعض العناصر واصلت في أسلوب المزايدة واتخذت من الفصل 10 «حصان طروادة» لتنسج الشائعات والادعاءات حتى تلهي القيادة والمنظمة بصفة عامة عن اداء دورها في معالجة الملفات الجوهرية والعمل على ارباكها والتشكيك في ما تحقق من مكاسب. وانني بصفتي المسؤول عن النظام الداخلي للمنظمة مدعو الى اعداد مقترحات عملية ترفع الى المكتب التنفيذي للنظر فيها وتعديلها ثم عرضها لاحقا على سلطات القرار للبت فيها فهذا موكول الى قواعد المنظمة وهياكلها ومن الطبيعي ان تخلق مثل هذه المواضيع ردود افعال متباينة ومتداخلة، بعضها هادئة وبعضها متشنجة وهي في كل الحالات تعد ظاهرة صحية تعمق الممارسة الديمقراطية داخل الاتحاد ولا يمكن بأي حال من الاحوال ان تكون عامل تفرقة أو شقاق، واعتبر هذا النقاش قوة دفع للمنظمة ومراكمة للخيار الديمقراطي وهذا محل اعتزاز النقابيين وافتخارهم. بوضوح هل انتم مع الفصل 10 أو ضد الفصل 10؟ أولا ان مهمتي ومهمة اعضاء المكتب التنفيذي هو العمل على احترام القانون الاساسي والنظام الداخلي ولست من الذين يتعاملون بانتقائية وانتهازية مع فصول القانون الاساسي واحكامه ولا هي مسألة شخصية او ذاتية فأنا حريص على تطبيق القانون الأساسي والنظام الداخلي دون تجزئة، ومن المفروض ان يقع الحديث عن الفصل 10 في كليته ومن جميع عناصره ليشمل كل الجوانب خاصة وان الانتقادات والاحتجاجات تتجه غالبا الى المكتب التنفيذي مشيرين الى المركزية المشطة والعلاقات البيروقراطية في التعامل مع بقية الهياكل. أما اذا كنت تشير الى هذا الفصل من جانب عدد الدورات النيابية لعضوية المكتب التنفيذي فأنا مع مبدأ التداول على المسؤولية وضرورة تقنينها وانني لا اتعامل مع هذا الموضوع من منطلق ذاتي محكوم بالصراع على المواقع. ما حقيقة وصفك بما يعرف بالمعارضة النقابية خارج هياكل الاتحاد بأنهم فاشلون خاصة وانك كنت سابقا وجها من وجوه المعارضة النقابية وكنت خارج هياكل الاتحاد الى حين عودتك في مؤتمر جربة الاستثنائي؟ لابد ان نبتعد بداية عن المقارنة السطحية بين المعارضة في اطار المنظمات الجماهيرية وفي الاتحاد بالخصوص والمعارضة للسلطة السياسية والاختلاف واضح في طبيعة الصراع داخل مكونات المجتمع المدني والاتحاد جزء منها وبين احزاب المجتمع السياسي فلكل جزء منهما منطلقاته وآليات ادارة الصراع داخله واهدافه. فالاتحاد العام التونسي للشغل باعتباره منظمة نقابية جماهيرية تمثل بالاساس طرفا اجتماعيا نشأت للدفاع عن مصالح العمال الوطنية والاجتماعية فمن الطبيعي ان تشهد خلال سيرورة النضال المعقدة تنوع الحساسيات المختلفة والمواقف المتعددة بسبب اختلاف المنطلقات وطرق التناول ولئن ظهر ذلك في البداية فقد تجلى بأكثر حدة بعيد الاستقلال وتواصل في الستينات والسبعينات والثمانينات والى الآن. واننا نعتبر ان الاختلاف والتنوع مثلا على الدوام عاملي اثراء لمسيرة الاتحاد النقابية وتطويرا لمواقفه وبرغم ذلك فإن القاعدة الاساسية في التعامل كما بينها التاريخ وأكدها الواقع المعيش تقوم اساسا على الوفاق والتضامن لبناء المواقف الاجتماعية الضرورية لتحقيق المكاسب الملموسة والحفاظ عليها وتدعيمها من خلال النضالات والمفاوضات غير أن ما شهده الاتحاد من ازمات حادة (خاصة 78 و85) سببها خرق المبادئ النقابية والانقلاب الامر الذي شرع للنقابيين النزهاء الخروج عن القاعدة وتشكيل معارضة نقابية تعمل بعيدا عن الهياكل المنصبة من قبل السلطة فيما عرف بالشرفاء. فقد اجمع النقابيون المخلصون في فترة 78 على التمسك بالقيادات الشرعية وبمقررات المؤتمر الرابع عشر وباستقلالية المنظمة وقاطعوا الهياكل المنصبة في الداخل والخارج باستثناء جماعة الافتكاك، وتشكلت المعارضة خارج الهياكل المنصبة. أما في 1985 فقد تمسك النقابيون المخلصون مرة أخرى بهياكلهم الشرعية ضد الشرفاء وواصلوا عملهم بشكل مواز دفاعا عن استقلالية المنظمة ولم تمنعهم السجون ومطاردات البوليس والبطالة والتضييقات من مواصلة المشوار النقابي دون كلل أو تباك أو استجداء لاحد مما شكل معارضة نقابية بعيدا عن التوظيف الفئوي الضيق. وقد تمكنت من رد الاعتبار للمنظمة الشغيلة واستقلالية قرارها رغم ما شاب ذلك من محاولات التأثير على نتائج مؤتمر سوسة من خلال المناورات التي لجأ البعض اليها سعيا الى ضرب استقلالية المنظمة. ان خط التبعية لضرب استقلالية الاتحاد وديمقراطيته نتجت عنه خاصة مؤتمر الكرم 93 ممارسات غير نقابية لضرب الخط النضالي ونهج الاستقلالية والديمقراطية من خلال تزكية السحباني امينا عاما للمؤتمر وتنصيب نفسه رئيسا له وقد كنت بمعية مجموعة من المناضلين النقابيين النزهاء ضحية لذلك وقد شكل اغلبنا معارضة نقابية خارج الهياكل تفاعلت مع المواقف النضالية لبعض الهياكل النقابية داخل الاتحاد لخلق الظروف المواتية لمسار التصحيح النقابي لاحقا وانجاز مؤتمر جربة الاستثنائي على قاعدة الوفاق النقابي لانقاذ المنظمة. من هنا ينبغي التأكيد على الفرق الشاسع بين خط المعارضة النقابية التي عرفها تاريخ الاتحاد طوال مسيرته ومايزال باعتبار المعارضة والاختلاف في الرأي عامل قوة ودفع للمنظمة وبين هؤلاء الذين لفظتهم المنظمة لاختلاسات مالية وتجاوزات اخلاقية نظرت فيه لجنتا المراقب المالية والنظام وبت فيها المكتب التنفيذي فأولائك اذن لا يمكن اعتبارهم معارضة بل همهم الوحيد هو ارباك المنظمة لا تصحيح مسارها واللهاث وراء استرجاع المواقع والامتيازات. هل من المنطقي بالنسبة اليك التحدث عن امكانية ترشحكم في المؤتمر القادم في حين ان القانون الاساسي لا يسمح لك بذلك؟ أولا اني مطالب بصفتي الامين العام المساعد المسؤول عن النظام الداخلي باحترام القانون وانني لا أقبل لنفسي اي سلوك غير قانوني عن قصد او عن غير قصد ومسألة الترشح لا ترتبط برغبة شخصية أو خاصة، وان ما ورد في تصريحي مؤخرا لم يكن صياغة دقيقة لما قلته حيث اعتبرت اني الى الآن لا أعيش على وقع فكرة تجديد الترشح سواء بقى الفصل 10 أم نقح، وبالتالي لا مجال لطرحها والمزايدة بها أو عليها. هل ترى أن الوقت حان فعلا لاعادة النظر في هيكلة الاتحاد العام التونسي للشغل؟ أولا ان مسألة الهيكلة ولئن طرحت خلال مؤتمر جربة الاستثنائي فإن الفكرة ظلت تراوح مكانها دون تفكير جدي ومعمق في صياغة مشروع بديل لتطوير هيكلة الاتحاد وهو ما ضيع علينا كثيرا من الوقت للبحث في هذه المسألة نتيجة الفهم الخاطئ وغياب الارادة الفعلية لتطوير المنظمة وعلينا ان نتدارك ما فاتنا من الوقت الثمين وبكثير من الجرأة والشجاعة لبلورة مشروع تحديث المنظمة على اسس عصرية تتماشى والمتغيرات والمستجدات التي تشهدها الحركة النقابية وطنيا وعالميا. واليوم ولكي لا نحشر في زاوية عدم الفعل خشية اتهامنا بمناسبة كل خطوة نخطوها باتجاه تطوير هيكلة المنظمة باننا سنرتكب المحظور علينا التقدم عمليا بمشروع تطوير هيكلة الاتحاد لأن الهيكلة الحالية تشكو عديد النقائص والثغرات وقد عاينت بحكم مسؤوليتي مفارقات عجيبة لابد ان الفت الانتباه اليها هنا وهي تحتاج الى ضبط تشريعي يؤدي الى حل هيكلي من ذلك: 1) التمثيلية النقابية في سلطات القرار الوطني والجهوي (هيئة ادارية/ مجلس قطاعي/ مجلس جهوي/ مجلس وطني/ مؤتمر). فتصور أن أكثر من ثلث اعضاء الهيئة الادارية لقطاع ما لا يمكنهم المشاركة في اشغال المؤتمر الوطني لقطاعهم لا بصفتهم نوابا ولا ملاحظين بسبب طريقة اسناد النيابات وهم المؤهلون والاكثر قدرة على محاسبة المكتب التنفيذي القطاعي المتخلي. 2) الهيآت الادارية كلها غير مخولة قانونا لمحاسبة المكاتب التنفيذية اذ كل ما لها من صلاحيات هو الدعوة لعقد مجلس قطاعي أو جهوي أو وطني لمحاسبة المكتب بشرط توفير الثلثين اظف الى ذلك ان تركيبة المجلس الوطني للاتحاد لا تسمح بمشاركة اعضاء الاتحادات الجهوية والجامعات والنقابات العامة في اشغاله وهم الذين يعملون بشكل مباشر مع اعضاء المكتب التنفيذي الوطني ويحضرون اشغال الندوات السنوية للاقسام ويعدون مشاريعها وبرامجها. 3) تمثيلية المرأة والشباب في الهياكل حيث لم تسمح الهيكلة الحالية بتمكين هاتين الفئتين من التواجد في الهياكل بما يتناسب وتطور حجمهما في الاتحاد 4) وضع القطاع الخاص ورغم تناميه المتسارع فان تمثيليته في الهياكل المسيرة وغيرها من التشكيلات ضعيفة خاصة وان شروط الاقدمية في غياب استمرار الشغل لابد ان تراجع في اقرب الاجال لضمان التوازن والعدل في التمثيلية ضمن هياكل الاتحاد. واعتمادا على هذه العينات وغيرها كثير نقيم الدليل على الحاجة الملحة لاتخاذ تدابير عملية لاصلاح هيكلي حقيقي بعيدا عن الحسابات الضيقة والصراع على المواقع حتى نضمن شروط استمرارية المنظمة وتطورها وتجويد ادائها.