كان موضوع حديث الكثير من النساء في قطاع الوظيفية العمومية ان لم نقل كل النساء، انه «نظام العمل بنصف الوقت مع الانتفاع بثلثي الأجر» نساء رحبن بالاجراء ونساء رفضنه وأخريات لم يفهمنه. ومع بداية تسرّب الاخبار حول تفاصيله وشروط الانتفاع به وحدوده وامتيازاته ومزالقه بدأت آراء الامهات وهن الصنف من النساء المعنيات به تتبلور وبدأت مواقفهن تتحدّد فماهو هذا الاجراء. عرّف المنشور عدد 43 الصادر عن الوزير الاول والموجّه الى كافة الوزراء وكتّاب الدولة والولاّة ورؤساء البلديات ورؤساء المؤسسات والمنشآت العمومية، هذا النظام بأنه يتمثل في القيام بعمل اسبوعي تساوي مدته نصف المدّة المطلوبة من الاعوان القائمين بنفس الوظائف كامل الوقت وتباشر خلاله الأم المنتفعة عملها كامل أيام الاسبوع حيث لا يجوز تجميع ساعات العمل الاسبوعية وفي مجال التدريس تضبط ساعات العمل النظام المعتمد في المؤسسة التربوية. اما شروط الانتفاع به فهي: أن يكون للام المعنية طفل أو أكثر دون سن السادسة عشرة في تاريخ تقديم المطلب اول مرة او بمناسبة تجديده ولا ينطبق شرط السن على الاطفال المعوقين. وتوجه مطالب الانتفاع بهذا الاجراء وجوبا قبل 31 جانفي من كل سنة بواسطة مكتوب عن طريق التسلسل الاداري الى رئيس الادارة او المنشأة العمومية المعنية. حقوق الأمهات في هذا الاجراء تحتفظ الأم المنتفعة بهذا النظام بكامل حقوقها في التدرج والترقية والتغطية الاجتماعية وتتمتع بنفس العطل المخوّلة للأعوان العاملين كامل الوقت وقد ورد في الرائد الرسمي عدد 100 بتاريخ 15 ديسمبر 2006 أنه اضافة لما سبق يمكن ان تصرف للامهات عند الاقتضاء المنح العائلية كاملة طبقا للتراتيب الجاري بها العمل، ويتمّ الحجز بعنوان المساهمة في نظام التقاعد والحيطة الاجتماعية على أساس الاجر المخوّل لهن في إطار العمل كامل الوقت وتتم تصفية جراية التقاعد باعتبار نظام كامل الوقت. وسعيا لكيفية تقبل المجتمع التونسي لهذا الاجراء الجديد توجهنا في هذا الملف بسؤال مركزي لمختلف المتدخلات والمتدخلين فيه هو: كيف تنظرون الى هذا الاجراء؟ هل ترون فيه مكسبا فعليا للامهات أم ان فيه بعض الخلفيات والمنزلقات غير المعلنة..؟ الزمن الاسري أفادتنا الاخت «عائشة بن فضل» رئيسة لجنة الاسرة في الجمعية التونسية للامهات انهن في الجمعية قد رحبّن بهذا الاجراء لما فيه من سعي لمزيد تماسك الاسرة عبر تمكين الام من فرصة التواجد اكثر مع اطفالها الصغار لان «الزمن الاسري» شيء مهم جدا اضافة إلى ان العمل نصف الوقت يسمح للأمّ بإيجاد الوقت للترفيه وللعمل الجمعياتي وقضاء وقت أطول مع اطفالها وهذا اجراء يخدم الامهات برغم ان نسبة الاقبال عليه تبدو ضعيفة الى الآن. ليس حلاّ حقيقيا انتقلنا بالسؤال ذاته الى بعض الامهات العاملات في الوظيفة العمومية فاجابتنا السيدة آمال وهي رئيسة مصلحة بإحدى الوزارات قائلة انها لا تعتبرنفسها معنية بهذا الاجراء رغم توفّرها على الشروط وذلك بسبب التزاماتها المادية الكثيرة التي يندثر معها مرتبها في شكل اقتطاعات لفائدة البنوك لذلك فان حذف ثلث اجرها الذي سينضاف اقتطاعه لفائدة العمل نصف الوقت سيجعل الحياة صعبة فضلا عن امر آخر مهمّ هو مسألة الخطة الوظيفية فالسيدة آمال تقول انها تنتظر الترقية لخطة كاهية مدير منذ 5 سنوات، ولم تنلها فما بالك لو انها انخرطت في هذا الاجراء الذي سيقضي نهائيا على أملها في الترقية فالخطة الوظيفية تتبخّر والعودة اليها غير مضمونة. أمّا السيدة نجلاء وهي متصرفة إدارة ولديها 3 أطفال كلهم دون سن السادسة عشر فقد اعترضت على هذا الاجراء بإعتباره جاء متأخرا عن موعده بالنسبة إليها فمرتبها مرهون للبنك، ثم ان هذا الاجراء ليس حلاّ حقيقيا «لان الوقت الذي قيل اننا سنكون فيه مع اطفالنا غير موجود فعلا لانهم سيكونون في مدارسهم في الاماسي او الصباحات والامّ ستذهب لاعباء منزلية اضافية فضلا عن ان اقساط رياض الاطفال او المحاضن المدرسية ستكون دُفعت لنصف الوقت او لكل الوقت .اعتقد ان الحلّ هو اقرار نظام الحصة الواحدة المسترسلة للجميع نساء ورجالا وأطفالا وهكذا نحقق فعلا الوقت الاسري». الاشاعات والاحجام السيدة العبيدي وهي موظفة بإحدى الوزارات أكدت انها كانت متحمّسة جدا للانخراط في هذا الإجراء خاصة وأن اطفالها صغار وأمورها المادية تسمح بإقتطاع ثلث مرتبها ولكنها تراجعت عن تقديم مطلبها في آخر الوقت لان كلاما كثيرا قيل ويقال عن صعوبة عودة الامهات لعملهن بشكل طبيعي بعد التمتع بنظام نصف الوقت فسيطر عليها خوف من ان تفقد وظيفتها نهائيا. قوس في المسيرة المهنية وعلى نفس السؤال اجابتنا السيدة نزيهة الزوابي مديرة المرأة بوزارة المرأة والاسرة والطفولة والمسنين فقالت: 1) هذا الاجراء مطلب نادت به الأسر التونسية وجاء القانون إستجابة لمطالب المجتمع والأسرة ثم ان تونس تحترم كل المواثيق الدولية التي تصادق عليها وهذا الاجراء ورد في أحد بنود اتفاقية «السيد او الاتفاقية الدولية للقضاء على كل اشكال التمييز ضد المرأة» واقرار هذا الاجراء جمع بين مطالب الاسر التونسية وما ورد في الاتفاقيات العالمية، وسيكرس هذا الاجراء التوازن داخل الاسرة وهو اجراء من ضمن الاجراءات المعتمدة للحفاظ على توازنها والاهتمام بها، ووزارة المرأة والاسرة والطفولة والمسنين تسهم على وضع خطة للنهوض بالاسرة التونسية في مختلف تفاصيلها ومكوّناتها ثم ان مسألة الانخراط في هذا الاجراء تبقى اختبارية وحجم إقبال الأمهات علية سيحدد مدى نجاحه ومثل هذه الاجراءات لا تضرب مفهوم مبدأ المساواة والشراكة بين الجنسين بل ان المساواة تبقى في مواقع العمل هي نفسها فالاجراء اختياري ولا يمس مبدأ المساواة مطلقا لاننا نحن في تونس اليوم نبحث عن الشراكة بعد المساواة . والانخراط في هذا الاجراء يمثل فقط قوسا يفتح في المسيرة المهنية للامهات ويبقى طموحنا هو الوصول الى المساواة في النظرة الى المسؤولية المهنية مع مسؤولية الامومة وهي وظيفة مقدسة ويبقى للمرأة حرية الاختيار بين اثبات الذات بواسطة الأمومة او بواسطة المسيرة المهنية في العمل والوزارة مقتنعة ان الامهات التونسيات يتمتعن بالنضج الكافي لتحديد مصلحتهن وكما ان هذا الاجراء كان استجابة لمطالب الامهات ستكون هناك خطوات اخرى تتعزز بها مكانة الأم في بلادنا كأن نسعى لان تكون وظيفة الامومة مثبتة على بطاقة تعريف الامهات اللاتي لا يعملن. معاناة وتفقير الخبيرة الدكتورة في علم الاجتماع درّة محفوظ في اجابتها عن سؤال تقييمها لهذا الاجراء وماذا ترى فيه قالت: ان ما يروّج له اليوم ان الغاية الاساسية من هذا الاجراء الجديد هي التوفيق بين الحياة الاسرية والمهنية ولكن علينا ان نكون منتبهين للفرق بين الخطاب الجميل والواقع غير الجميل، فالفوارق الاجتماعية والهوّة بين الطبقات واللاّعدالة في ازدياد مما يقود ضرورة لمزيد التمييز ضد النساء في ظل قوانين العولمة المجحفة التي تكرس التقسيم الجنسي للعمل وتفاقم معاناة النساء فضغوطات سوق الشغل تتطلب المرونة والمؤسسة تطلب من العامل التفرغ الكامل لعمله وهو امر بطبعه يقلّص الوقت المخصص للرفاه الاسري ليكون ظاهر هذا الاجراء الجديد مراعاة ظروف الامهات والاسر ولكن المؤسسة ستتجه في طريق اخذ (سلب) جهد العامل الذي كان يبذله كامل الوقت ليبذله في نصف الوقت، وسيتشجع القطاع الخاص لاحقا لإقرار نظام نصف الوقت ونصف الاجر وهو ما تمارسه بعض الشركات اليوم في بلادنا بشكل مقنع أي ان العمل المخصص لشخص واحد سينجزه اثنان وهذا لا يعتبر حلا فعليا لمشكلة البطالة المتفاقمة. أمّا المرأة فهي الضحية الاولى التي ستتحمّل كل شيء، مضاعفة الجهد في العمل، مقاسمة اجرتها مع غيرها، تضاعف اعبائها المنزلية فالدراسات اثبتت ان المرأة العاملة في بلادنا تقضي في العمل المنزلي سبع مرات اكثر من زوجها وهذا الاجراء سيزيد عدد ساعات المشقة المنزلية ثم ان البلدان التي سبقتنا في تطبيق هذا الاجراء كفرنسا وكندا اكتشفت انه يقع على كاهل النساء رغم أن ظروف التشغيل هناك في تلك البلدان أحسن بكثير من بلدان العالم الثالث من جهة توفير المحاضن والضغط على كلفة ووقت التنقل للعمل وذلك داخل منظومة يتكامل فيها محيط العمل مع الاسرة. إن الوقت الاسري شأن مشترك بين المرأة والرجل فلماذا لا يكون هذا الاجراء اختياريا للاباء أيضا. واذا وصلنا الى النقطة المالية من الموضوع فالاستاذة درّة محفوظ ترى ان النمط الاستهلاكي الذي يدعمه الاشهار ووسائل الرفاه الوافدة يجعل من حياة الاسرة التونسية تعتمد اجباريا على دخل المرأة والرجل واحيانا يكون ذلك فقط لبلوغ الكفاف فما بالك لو نقص المدخول ثلثا، وقد خلصت الاستاذة محفوظ انه بالنظر الى كل هذه الاعتبارات لا يمكن ان يكون هذا الاجراء الا تمييزيّا ومدخلا اضافيا لتفقير الاسرة التونسية. ضرب لمبدأ المساواة حملنا هواجس بعض الامهات ورأي وزارة المرأة ورأي الخبيرة في الشغل وتفاؤل الجمعية التونسية للامهات وتوجهنا بالسؤال للسيدة خديجة الشريف رئيسة الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات عن نظرة هذه الجمعية السنوية لهذا الاجراء فقالت ان الجمعية ترفض هذا القرار مبدئيا بإعتباره ضرب في العمق لمبدأ المساواة بين الجنسين وضرب لمبدأ عدم التمييز في العمل الذي تضمنته مجمل المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان والنساء والصادرة عن منظمة العمل الدولية والواردة في مجلة الشغل التونسية، ففي هذا الاجراء الكثير من المغالطة للنساء وهو صادر عن مقاربة أبوية لعمل النساء تتنافى ومشروع تحديث المجتمع التونسي نحو المساواة والمواطنة الفعلية والجمعية ترفض تحميل النساء عبء الازمة الاقتصادية وأزمة البطالة التي تضرب المجتمع كما ترفض تحميل النساء كل متاعب العائلة عوضا عن الدولة والمجتمع. ونحن في جمعيتنا ومن منطلق وعينا بما يكتسبه ملف التشغيل من اهمية وانطلاقا من الواقع الذي تواجهه النساء العاملات في مختلف الميادين ندعو جميع الطاقات لفتح حوار وطني حول هذا الملف وبلورة البدائل مع النقابات ومنظمات المجتمع المدني المدافعة عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمدنية. أمّ لنصف الوقت خير من لا شيء هشام وهو مدير شركة خاصة لما سألناه عن رأيه في هذا الاجراء قال انه اجراء جيّد للغاية وذلك من زاوية المتاعب التي تتحملها الامّ العاملة مما يجعلها متوترة طيلة اليوم وينعكس هذا الامر سلبا على صحتها وتوتر علاقتها بالمحيطين بها وبأطفالها خصوصا، ثم إن الأبناء خير لهم التمتع بنصف أمّ حاضرة خير من أمّ غائبة طيلة الوقت. الاطفال يحتاجون أمّهم «جابر» الصحفي قال ان إبنه الرضيع تكون أمّه خير من يرعاه ضرورة فالام هي احسن من يعرف حاجيات ابناءها، وأكّد ان زوجته لو انها كانت تعمل لوقت كامل (نظام الحصتين) لشجعها على الانخراط في هذا الاجراء من اجل ان تكون الى جانب الابناء ولو لفترة من اليوم، ولكن زوجته لحسن الحظ تعمل بنظام الحصة الواحدة. خطوة الى الخلف «رضا» الموظف السامي بإحدى الوزارات قال انه يرى أن هذا الاجراء لا يحمل بذور نجاح كبيرة فقد كان على الدولة باعتبارها الجهاز الحاضن لكل المواطنين أن تفكر بشمولية أكبر من التي مارستها في هذا الاجراء فإنطلاقا من النضج الذي بلغته مجلة الاحوال الشخصية في تكريس المساواة والشراكة بين المرأة والرجل في تحمّل مسؤوليات الاسرة أرى أنه كان من الاجدى لو فكّرت الدولة في توظيف كفاءات خريجي الجامعات للقيام بمهمة رعاية أطفال الاسر الراغبة في كفاءاتهم سواء بشكل جماعي مهيكل في محاضن اطفال ودور رعاية في مؤسسات العمل او بشكل فردي داخل الاسرة نفسها ويقتطع الاجر من راتب الرجل والمرأة على السواء بإعتبارهما متشاركين في المسؤولية التي سيواصلانها بالمساهمة في التربية والتوجيه بعد العمل. والدولة تساهم في هذه العملية وترعاها، وقد رأى الاخ رضا ان على الدولة ان توفر لخريجات الجامعات من الامهات العاطلات عن العمل والمتفرغات لتربية الأطفال نصف الاجر المفترض مقابل رعايتهن لأطفالهن وذلك بالنظر الى ان نصف الوقت يساوي ثلثي الاجر. أسئلة بلا أجوبة إنطلاقا مما جمعنا من آراء من خلال الاستجوابات تفتحت لدينا كوّة على اسئلة جديدة لم تكن موجودة في أذهاننا عند انطلاقنا في إعداد هذا الملف منها: هل سيكون اجراء نصف الوقت وثلثي الاجر لفائدة الامهات خطوة تعيق بلوغ النساء مواقع القرار وهن القليلات فيه أصلا؟ لماذا لا يكون هذا الاجراء شاملا للرجال أيضا اعتبارا بأن مسؤولية التربية مسؤولية مشتركة بين الآباء والأمهات؟ النساء العاملات في القطاع الخاص ألسن أيضا أمهات وأبناءهن من هذا الوطن، فلماذا لا يتمتعن بهذا الاجراء الاختياري؟ لماذا حدّدت سن الاطفال بما دون 16 سنة وكأن المراهقة والمراهق لا يحتاجون للرعاية؟ لماذا لا تسند رخصة تربية لفائدة الامهات تكون خالصة الاجر على غرار رخصة المبدع مثلا؟ لماذا ضبط تاريخ تقديم مطالب الانتفاع بهذا الاجراء ب31 جانفي من كل سنة ولم يترك مفتوحا؟ لماذا، لماذا، لماذا...؟