فوجئت في العدد 1105 من جريدة الشعب الغراء الناطقة باسم الاتحاد العام التونسي للشغل، وتحديدا في الصفحة 18 في المقال المعنون ب «محروقاتنا وفواتيرهم»بقلم الصحفي ناجي الخشناوي باقتراح اسمحوا لي بوصفه ب «غير الشعبي»والذي أعتقد جازما أنه لو تجرأت السلطات العمومية على العمل به فإن »المواطن المستهلك« والمؤسسة الاقتصادية سيتلظّيان بناره دون أدنى شك. الاقتراح المشار اليه يتمثل في اعتماد أسعار النفط عند البيع بالتفصيل (أي في محطات بيع البنزين) بناءً على الاسعار الحقيقية لهذه المادة الحيوية في الاسواق العالمية اقتداءً بما هو معمول به في كل الدول الاوروبية وأمريكا الشمالية. وقد ذهب في ظن صاحب المقال ان التحيين الآلي والمتواصل لسعر البيع بالتفصيل بناءً على أسعار السوق العالمية سيمكّن المستهلك من التنعّم بانخفاض سعر البيع بالتفصيل عندما تنتفض الاسعار في البورصات العالمية. لا يمكنني التشكيك في نيّة صاحب المقال، فقد تحدث بدافع الدفاع عن المستهلك المغلوب على أمره، لكن فاته ان هذا الاقتراع سيعود بالضرر على المواطن والمؤسسة. فلو اعتمدنا في بلادنا الآلية المقترحة فإن سعر مختلف أنواع البنزين ستشهد ارتفاع صاروخيا وبإمكان صاحبنا المقارنة بين الاسعار المعمول بها في تونس والاسعار المعتمدة في الدول التي تضع الاسعار وفقا ل »حقيقة السوق« وعلى هذا الاساس فإنه عوض ان تشهد زيادة أو زيادات بخمسين مليما فان الزيادة ستكون بمئات الملاليم، ثم ننتظر انخفاضا قد يأتي وقد لا يأتي. إن هذا الاقتراح جاء متأخرا بخمس سنوات على الاقل، أي ان المستهلك التونسي يكون مستفيدا في صورة استقرار سعر برميل البترول دون الثلاثين دولارا. صاحب المقال المحترم ملأ مقاله بالنوايا الطيبة لكن المعطيات الاقتصادية كانت في وادٍ آخر مختلف تماما عن وادي النيات الطيبة التي لم تجلب للعرب الا الويلات. وليسمح لي كاتب المقال بأن أهمس في أذنه بالقول إنه اذا كان إنتاج تونس 9 ملايين والاستهلاك 5،8 ملايين فإن ذلك لا يعني وجود فائض لسبب بسيط لكنه جوهري وهو أن انتاجنا خام واستهلاكنا مكرر وبين هذا وذاك بََوْنٌ شاسع يدرك معناه المختصون في الاقتصاد، أو في مجال النفط. وفي الأخير، لِيَسْمَحْ لي كاتب المقال بالاشارة الى انه بين الترفيع في الاسعار واعتماد آلية تحيين مستمر للأسعار اعتمادا على حقيقة الاسعار العالمية يوجد خيار ثالث وهو دعم الدولة للمحروقات، هذا الدعم الذي سيكون سنة 2011 في حدود 567 مليون دينار مقابل 550 مليارا سنة 2010 اعتمادا على معدل سعر برميل النفط ب 83 دولارا وسعر صرف الدولار ب 5،1... اننا نطالب بمزيد من الدعم حفاظا على المقدرة الشرائية للمواطن والقدرة التنافسية للمؤسسة، أما الاقتراح الوارد في مقال »محروقاتنا وفواتيرهم« فإنه سيؤدي حتما الى إثقال كاهل الجميع بفواتير لا طاقة لهم بتحمل أعبائها.