تخرج في جامعتنا آلاف الشبان سنويا. تخرجوا بشهائد أضعف النظام التعليمي محتواها، تخرجوا بعد مرورهم بفضاءات المطاعم الجامعية وآلام البحث عن السكن وطول ليال المراجعة، تخرجوا ولم يبدوا يوما رأيا وما كان لهم ذلك، تخرجوا ولم يشاركوا في تسيير جامعتهم تخرجوا ولم يحظوا بمنحة جامعية تخرجوا وهم يحملون صفة المساكين، عاطلي الحاضر عاطلي المستقبل، تخرجوا بلا مستقبل فصنعوا لنا أفضل مستقبل الآن وقد قاد الشباب التونسي شعبنا المكافح نحو تحقيق ثورة تاريخية ثورة درس ثورة مفخرة بات من الواجب التفطن الى شبابنا الجامعي ومراجعة الجامعة مراجعة عميقة، ذلك أن المعادلة بسيطة فإذا كان الواقع الأسود قد أنتج صناع المستقبل الوردي ومخلصينا من قيودنا فإن واقعا جامعيا أفضل سينتج حتما صناع مجد تونس. والآن وقد حققنا الحلم نأمل في جامعة شعبية تعليم ديمقراطي ثقافة وطنية. هذا الشعار العظيم الذي ناضل من أجله الآلاف وبحت الحناجر وظل حبيس أسوار الجامعة، مكثف واضح ويعبر عمّا يؤمل من الجامعة فالجامعة الشعبية تلك التي فيها لأبناء الشعب بمختلف فئاته وطبقاته أن يتعلموا دون معوّقات وأن تتوفر فيها كل ظروف الدراسة وحاجيات الطالب الاساسية، الجامعة الشعبية هي التي لا يمنع الفقر الطالب من تحصيل العلم ولا يدفعه الى مغادرة مقاعد الدراسة، الجامعة الشعبية هي الفضاء الذي يحتضن الطالب ويمنحه الدرس ويمنحه العلم ويضمن له الأكل والسكن والمنحة الجامعية الشعبية هي ايضا الخيارات التعليمية المنسجمة مع تطلعات شعبنا والتي تخدم مصلحة ابنائه وتوفر له فرصة الرقي وهي ايضا تلك التي لا تخضع الى املاءات الخارج. الجامعة تصبح شعبية حين لا يلقى بالطالب في براثن سماسرة العقارات وحين يمنح أكلة تستجيب لأبسط شروط الذوق والتغذية وحين لا يحرم الطالب من المنحة بموجب قرارات ادارية جوفاء لا علاقة لها بالواقع. والتعليم الديمقراطي هو ان يشارك الجامعيون في سير الجامعة كل حسب موقعه. التعليم الديمقراطي يعني ان لا تكون الكلمة الاولى والاخيرة للادارة التعليم الديمقراطي يفترض مناخا من الحرية والديمقراطية قائمًا على حرية العمل النقابي والسياسي وعلى الحوار والتشاور وهو ايضا أن لا تكون الجامعة مختبرا لتجارب الاصلاح التعليمي المتعاقبة والمسقطة. وان لا يفرغ التعليم من محتواه وان لا ينزع منه كل ما هو مرتبط بالجدل والتفكير والنقد. التعليم الديمقراطي هو ان لا يحاسب الطالب بالطرد والسجن لإبداء الرأي أو مطلب. التعليم الديمقراطي هو ان يسير الجامعيون الجامعة. والثقافة الوطنية هو ان يفسح المجال للثقافة داخل الجامعة وان يعزز وعي الطالب وانتماءه. أن يفسح له المجال الواسع للابداع بعيدا عن نوادي رقص طلبة الحزب الحاكم. وان يؤطر فنيا وأدبيا وأن تفتح له الفضاءات الثقافية، فجامعتنا أنتجت في مامضى نخبة مثقفي البلاد بعد أن تمرسوا بكل حرية على العمل المسرحي والفن التشكيلي، الثقافة الوطنية هو ان تقام الندوات الفكرية في قلب الجامعة وليس في نزل الحمامات وأن تحضر النقاشات وان تقام العروض وان تتكون الفرق الموسيقية والمسرحية وأن تأسس النوادي الثقافية وأن ترتبط الحركة الثقافية الطلابية بالحركة الثقافية الوطنية وأن ترفع كل القيود على العمل الثقافي الحر الملتصق بقضايانا وأحلامنا وليتحقق الامل كما تحقق الحلم يجب الآن وبصفة أكيدة اتخاذ تدابير وقرارات لإصلاح الجامعة عبر اطلاق سراح الطلبة المساجين ممن اكتووْا بنار الفكرة وحرقة الرأي وإعادة المطرودين الى مقاعد الدراسة واطلاق حرية العمل النقابي والسياسي واعادة النظر في تمثيلية الطلبة في الهياكل الجامعية واعطاء هذه الأخيرة الصبغة التقريرية وعبر الترفيع في المنحة الجامعية وتعميمها وتمتيع الطلاب بالسكن الجامعي طيلة سنوات الدراسة وتحسين الأكلة نوعا وذوقا، وتمكين الاتحاد العام لطلبة تونس من إنجاز مؤتمره ورفع الحصار عنه ليقوم بدوره عبر فتح المجال الحر للابداع الطلابي وتأطيره وعبر ربط منظومة التعليم بسوق الشغل فعليا ونهائيا من الاختصاصات المبتدعة كفَتْل الحبال وتربية الحلزون. حوار وطني حول التعليم العالي حتى تكون الجامعة منارة للعلم ومدرسة للمدنية ودافعا للتنمية.