مع خطية مالية: 6 سنوات سجنا لوليد الجلاد    قانون المالية 2026 على طاولة الحكومة .. التونسيون بالخارج .. دعم المؤسسات و التشغيل أبرز المحاور    مجموعة التعاون البرلماني مع بلدان افريقيا تعقد جلسة عمل مع ممثلي وزارة الخارجية    تدشين أقسام طبية جديدة بمستشفى شارل نيكول باستثمارات تفوق 18 مليون دينار    فلاحتنا... وزير الفلاحة في المؤتمر الإقليمي «صحة واحدة مستقبل واحد».. الأمراض الحيوانية تتسبب في 60 ٪ من الأمراض المعدية للبشر    صدور أمر بالرائد الرسمي يقضي بمنع المناولة في القطاع العام وبحل شركة الاتصالية للخدمات    إختيار 24 عينة فائزة في الدورة الثامنة لجائزة أحسن زيت زيتون تونسي بكر ممتاز    زووم على الفلاحة .. 1573 ألف قنطار صابة الحبوب    الإفراج عن جميع المشاركين في قافلة الصمود    ايران تطلق موجة جديدة من الصواريخ نحو اسرائيل    مراد العقبي ل «الشروق»...فلامينغو «عالمي» وانتدابات الترجي «ضعيفة»    ملتقى تونس الدولي للبارا العاب القوى (اليوم الثاني) تونس تحرز خمس ميداليات جديدة من بينها ذهبيتان    طقس الليلة.. قليل السحب والحرارة تصل الى 33 درجة    مع تراجع المستوى التعليمي وضعف التقييم...آن الأوان لإجبارية «السيزيام»؟    تدشين قسم طب الولدان بمستشفى شارل نيكول بمواصفات متطورة    مونديال كرة اليد الشاطئية للاصاغر والصغريات - اليوم الاول - تونس تفوز على المكسيك في الذكور والاناث    ترامب يعقد اجتماعا لفريق الأمن القومي بشأن الحرب الإسرائيلية ضد إيران    ضاحية مونمارتر تحتضن معرض فني مشترك بين فنانة تونسية وفنانة مالية    وزارة التجارة تدعو تجار التسويق والترويج عبر قنوات التوزيع الالكترونية إلى اعلام المستهلك بتفاصيل العروض المقترحة    "عليسة تحتفي بالموسيقى " يومي 20 و 21 جوان بمدينة الحمامات    صفاقس: تنظيم يوم الأبواب المفتوحة بمركز التكوين والتدريب المهني بسيدي منصور للتعريف بالمركز والإختصاصات التي يوفرها    الدورة الأولى لتظاهرة "لقاءات توزر: الرواية والمسرح" يومي 27 و28    حياتي في الصحافة من الهواية الى الاحتراف    اصدارات جديدة لليافعين والاطفال بقلم محمود حرشاني    باجة: اعادة اكثار واحياء قرابة 5 الاف صنف من الحبوب بنجاح    شنيا الماكلة اللي تنفع أو تضرّ أهم أعضاء بدنك؟    إيران تعتقل عميلا للموساد الإسرائيلي    الملعب التونسي يعزز صفوفه بالحارس نور الدين الفرحاتي    تحذير طبي: خطر الاستحمام بالماء الساخن قد يصل إلى الإغماء والموت!    بطولة برلين المفتوحة (منافسات الزوجي): التونسية أنس جابر وشريكتها الاسبانية باولا بادوسا في الدور ربع النهائي    منوبة: فتح الجزء الثاني من الطريق الحزامية " اكس 20 " بولاية منوبة    قفصة : حلول الرحلة الثانية لحجيج الولاية بمطار قفصة قصر الدولي وعلى متنها 256 حاجا وحاجة    المائدة التونسية في رأس السنة الهجرية: أطباق البركة والخير    بشرى للمسافرين: أجهزة ذكية لمكافحة تزوير''البطاقة البرتقالية'' في المعابر مع الجزائر وليبيا    بُشرى للفلاحين: انطلاق تزويد المناطق السقوية بمنوبة بمياه الري الصيفية    الحرس الثوري: استهدفنا مقر الموساد في تل أبيب وهو يحترق الآن (فيديو)    تعرفش علاش الدلاع مهم بعد ''Sport''؟    الصين تتهم ترامب ب"صب الزيت على النار"    الدورة 12 من الملتقى الوطني للأدب التجريبي يومي 21 و 22 جوان بالنفيضة    تحويلات التونسيين والسياحة تغطي أكثر من 80٪ من الديون الخارجية    الجيش الإيراني يتوعد بتصعيد الهجوم على إسرائيل في الساعات المقبلة    موعد إعلان نتائج البكالوريا 2025 تونس: كل ما تحتاج معرفته بسهولة    ترامب يهاجم ماكرون بعنف: ''لا يعرف سبب عودتي... ويُطلق تكهنات لا أساس لها''    لا تفوتها : تعرف على مواعيد مباريات كأس العالم للأندية لليوم والقنوات الناقلة    أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة بوزيري الشؤون الاجتماعية والاتصال..    مطار طبرقة عين دراهم الدولي يستأنف نشاطه الجوي..    عدد ساعات من النوم خطر على قلبك..دراسة تفجرها وتحذر..    رونالدو يهدي ترامب قميصا يحمل 'رسالة خاصة'عن الحرب    كيف سيكون طقس اليوم الثلاثاء ؟    كأس العالم للأندية: التشكيلة الأساسية للترجي الرياضي في مواجهة فلامينغو    الكوتش وليد زليلة يكتب .. طفلي لا يهدأ... هل هو مفرط الحركة أم عبقري صغير؟    يهم اختصاصات اللغات والرياضيات والكيمياء والفيزياء والفنون التشكيلية والتربية الموسيقية..لجنة من سلطنة عُمان في تونس لانتداب مُدرّسين    المندوبية الجهوية للتربية بمنوبةالمجلة الالكترونية «رواق»... تحتفي بالمتوّجين في الملتقيات الجهوية    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سماء الضّحايا... سماء النّجوم
عبد الفتاح بن حمودة
نشر في الشعب يوم 29 - 01 - 2011


»أَلَا أَيّهَا اللّيلُ الطّوِيلُ أَلاَ فَانََْجَلِ
بِصُبْحٍ وَمَا الإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ«
شكرا أيها الجدّ الكبير امرؤ القيس. لكن لماذا تسيطر عليّ فكرة الليل الرهيبة بهذا الشكل الدموي؟ ولماذا »أحاذر من الأفكار التي تأتيني ليلا«؟ أريد أن أتخلّص من هذا الليل الذي يخنقني ويخنق الثورة. ولكني كاتبا تونسيا سأنتصر لهذا الشعب الأبيّ ضدّ كل طغمة فاسدة. ولن أغفر طول حياتي للنظام البائد ورموزه قَتْلَ الأبرياءمن الشباب الأعزل (معدّل أعمار الموتى 22 سنة !) منهم محمد أمين المباركي عمره أربعة عشر سنة ونصف (سيدي بوزيد) معدّلاته في الدراسة سبعة عشر من عشرين.
كان يمكن ان يكون هذا الطفل عالما أو طبيبا أو مهندسا... لماذا يموت؟ لن أغفر موت وائل العقربي (ستة عشر سنة) وعمر بوعلاّق (ستة عشر سنة) وهما تلميذان بالمدرسة الاعدادية بالشريفات (سليمان)... وغيرهم من الاطفال. لم يكن النظام البائد سوى نظام متوحش حقير يقتل الاطفال الصغار، لذلك لابد من قتل الوحوش، فدماء أطفال بلادي لن تذهب سدى والسماء ستخجلني إن نظرت إليها ولم أقتصّ لهم.
إني أَخْجَلُ من الريح والمطر إن لم أكن مناديا صائحا في وجه الطغاة مصرا على القصاص منهم عن طريق مؤسسة دستورية جديدة أعظم وأنبل من دستور حمورابي وعن طريق قضاء مستقل وعن طريق محامين شرفاء.
في هذا الليل البارد يعتصم الرفاق الخلّص وأهالي الرقاب ومنزل بوزيان والمكناسي وبن عون وسيدي بوزيد والاتحاد العام لطلبة تونس وأبناء وبنات هذا البلد، يعتصمون في هذه الليلة امام المباني الحكومية في القصبة لإسقاط الحكومة وإحداث مجلس تأسيسي وإصدار عفو تشريعي عام إضافة الى مطالب كثيرة، وأنا معتصم مع قلمي وروحي المعذبة... ما أعظم هذا الشعب الأبيّ... إني »أحبك يا شعب« وإني أخجل منك مدى الدهر... فماذا ستفعل كلماتي أمام رجال ونساء عاشوا تحت الرصاص المسكوب والقنابل المسيلة للدموع... ماذا ستقول كلماتي امام رجال ونساء معتصمين في الليالي الباردة فوق جليد الحكومة.
على الشعب ان يقول كلمته الأخيرة وعلى الجالسين فوق الكراسي ان ينصتوا... فقط، عليهم تنفيذ إرادة هذا الشعب الذي أراد الحياة، حياة العزّة والكرامة ولن يرضى دونها شيئا.
ما أجمل هذه النجوم التي أضاءت سماء بلدي نجمة نجمة: في سماء سيدي بوزيد، سماء منزل بوزيان، سماء تالة، سماء المكناسي، سماء الرقاب، سماء الشريفات، سماء دوز، سماء منزل بورقيبة، سماء تونس العاصمة،،، إنها ليست سماء الضحايا بل سماء النجوم...
اذا لم تنفّذ رغبة هذا الشعب الحرّ سيكون ذلك مؤامرة عليه وعلى المستقبل وعلى الحرية وعلى حرية التعبير والاعلام أولا، لأن مكسب حرية التعبير والاعلام هو أهم مكسب على الاطلاق، فالاعلام الحر مفتاح كل الديمقراطيات الحقيقية على مدى التاريخ...
بعد كل هذه الاحداث أيقنت ان هذا البلد هو أغنى من اي بلد بترولي في العالم... فما نُهب في عهد النظام البورقيبيّ وما نُهب في عهد النظام النّوفمبريّ يكفي لمؤونة هذا الشعب قرنا آخر حتى وإن توقف الانتاج. لكنَّ هذا الشعب يلملم جراحه ويبني المستقبل من جديد، سلاحه العمل فقط مثل الشعب الألماني او الشعب الياباني أو الشعب الصيني. فلقد عشت لمدة ثلاث وعشرين سنة من الخزي والعار والصمت والإذلال والتهميش كاتبا مهمّشًا مُقصى يكتب فيه الكتّاب المخبرون تقاريهم ويقرّعه زملاؤه الكتّاب والاعلاميون لماذا تكتب في صحف معارضة!؟ لماذا تسبّ شعبة التجمع الدستوري الديمقراطي في مقر اتحاد الكتّاب التونسيين؟
عشت كاتبًا يتمني خلال ربع قرن أن يكون كاتبا دانماركيا أو استراليا او فرنسيا كاتبًا شعر بإهانة عظيمة أنه يحمل الجنسية التونسية... لكن منذ السابع عشر من ديسمبر 2010 عادت لي جنسيتي التونسية كأبهى ما يكون. نعم إن دم محمد البوعزيزي ومحمد أمين المباركي ووائل العقربي وعمر بوعلاّق ودم ابناء سيدي بوزيد وتالة والقصرين ودوز ومنزل بورقيبة وتونس ودماء كل شهيد، أعادت لي دماؤهم حقا جنسيتي التونسية التي لن أتخلى عنها طوال حياتي، وسأحمل جنسيتي كأبهى ما يكون رافعا رأسي. الحمد لله أنني لم أصفق مع المصفقين ولم أناشد مع المناشدين ولم أنل أوسمة استحقاق ثقافي مثل الموسمين والمكرّمين... فأجمل وسام استحقاق قدمه لي الشهداء الأبرار بلباسهم الأخضر في أعلى علّيين.
وعلى كل تونسي اليوم أن يسافر بجواز سفره الى كل شعوب العالم قائلا عند الدخول من أبواب المطارات: أنا تونسي، اI am a Tunisian, Je suis Tunisienب نعم وعلى كل شعوب العالم ان يقولوا له: مرحبا و اBienvenueب و اWelcomeب! فارفع رأسك يا أخي!! لقد دخلت تاريخ الشعوب الحرة الكريمة من بابه الكبير.
شكرا أيها الشعب لأنك أنقذتني من براثن الفكرة والواحدة وأنقذتني من براثن القصيدة الواحدة. شكرا لأن ثورتك الأبية كانت ضدّ جميع الأوزان الشعرية في العالم. شكرا لأن ثورتك كانت ضد التنميط وضدّ الأشكال الشعرية الجاهزة. كانت قصيدتك أيها الشعب أعظم قصيدة في العالم قصيدة جديدة الايقاعات ومختلفة عن اي قصيدة.
شكرا لأنك وضعتني وجها لوجه امام القصيدة / قصيدتي / قصيدتك / قصيدة كل الشعوب الحرة.
شكرا لأنك فتحت قصيدتي على الكوني انطلاقا من المحلي ورسمت لي آفاقا جديدة في الحداثة المبنية على الصدمة والادهاش والمغايرة والاختلاف. إن ثورتك العظيمة هي إطلالة حقيقية على مدارات الرعب التي ظللنا نحن الشعراء ندور حولها ولا نلمسها، خائفين منها ومن وهجها الجبّار.
إنها فعلا أجمل قصيدة نثر بل قصيدة لا وزن ضدّ الأعمدة والبحور والتفعيلات والقوالب الجاهزة في ليل الأرامل !
إني مدين لك يا ثورة شعبي الجبّار، وكذلك هي كل الشعوب العربية التي ترزح تحت ليل الطغاة الثقيل!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.