سيدي رئيس الجمهورية التونسية الموقر، من موقعي باعتباري جامعيا ورجل فكر وكاتبا ومترجما للتنوير الفرنسي أتوجه إلى سيادتكم بخطابي هذا راجيا أن يمكنك الله من أمرك لتحقق أمرا كان مقضيا. سيدي لقد أتاح الله لك فرصة لا تتاح لأحد، فرصة أن تسجل نفسك في سجل التاريخ بحروف من ذهب وتبقى مخلدا على مر الدهر. فشعبك يستحق أن تحقن دماؤه. فهو شعب عظيم 1 يعرف متى يسكت ومتى يتكلم. وقد تكلم بعد. 2 ويثور ولا يقتل أو يحرق أو يدمر. 3 وهو شعب مسالم ومعتدل. إذ لم يقتل عون أمن واحد في هذه الثورة. 4 وهو لا يرغب في إحداث فراغ. ولذلك لم يرفض سلطتك أي سلطة رئيس الجمهورية. وهو يتعاون مع الجيش الوطني تعاونا لا نظير له. وقصارى قولي: إنه شعب تعلم أن يعيش في كنف الدولة منذ ثلاثة آلاف سنة. وهو إذ يرفض سلطة فاسدة غاشمة لا يرفض الدولة. وتاريخه يشهد بذلك. وهو الشعب الذي أهدى للعالم النظام الجمهوري. فقرطاج كانت جمهورية قبل أثينا وروما. وبناء عليه إن شعبك يا سيادة الرئيس يستحق أن ينعم بجمهورية ثانية برلمانية لا تفصل على قياس فرد يستبد به ويدمر مؤسسات الدولة ويمكن المفسدين منها ويفر في نهاية أمره فرار الجبناء مرتكبا أكبر جريمة يرتكبها رئيس دولة ألا وهي الخيانة العظمى. ولقد تلاحقت الأحداث يا سيادة الرئيس بالشكل الذي جعل السلطة تؤول إليك دون رغبة منهم في ذلك. والآن وقد آلت إليك سلطة الشعب على الشعب صار لزاما عليك أن تعمد إلى تسمية رئيس وزراء بنفسك. إذ إنك إلى حد الساعة لم تسم وزيرا بل كلفت الوزير الأول بتشكيل الحكومة وهو من كان وزيرا أولا على عهد الفساد والظلم والطغيان. وكل ما ذكرت يقودنا يا سيادة الرئيس إلى ما ليس منه بد. لا بد من إنجاز مطالب الشعب التالية حتى يحفظ لك التاريخ صنيعا عظيما ومأتى كريما: 1 إقالة الحكومة المغضوب عليها والتي يشكل أغلب عناصرها جزءا لا يتجزأ من حكومة أوقعت البلاد في ما وقعت فيه. 3 حل مجلس النواب الذي جاءت به صناديق فارغة حشيت زورا. فالشعب كان مقاطعا للانتخابات. 4 حل مجلس المستشارين. إذ لا معنى لوجوده ولا بقائه. 5 إعادة أملاك الدولة من حزب التجمع وفصله عن الدولة وتركه في حال سبيله سواء ليحل نفسه بنفسه أو لينظم نفسه بالشكل الذي يريد. 6 إطلاق الحريات المختلفة وإفساح المجال للأحزاب أن تصل للشعب وللشعب أن يختار بكل حرية أحزابه. 7 إقالة مديري الأمن الثلاث المتبقين ورؤساء الأقاليم والمناطق التي روعت المواطنين وقتلت العزل من كل سلاح وبثت الفوضى والإشاعات وحرضت على النهب والسرقة. 3 تشكيل حكومة وقتية من المستقلين تمام الاستقلال الذين يلتزمون بعدم الترشح لأي منصب انتخابي. وتكون مهمتها تصريف الأعمال لا غير. فلا وعد منها ولا وعيد. وتسند فيها وزارة الداخلية إلى ضابط متقاعد من الجيش الوطني. 4 تشكيل هيئة حكماء من عشرة رجال مشهود لهم بالنزاهة ويكونون من كبار السن من أمثال السيد أحمد المستيري والسيد أحمد بن صالح والسيد الباجي قائد السبسي وغيرهم كثر. وتشرف عليها بنفسك. وتوكل لها الشؤون السياسية العامة. ويكون لها أن تنهض بالمهمات التالية: 1 تشكيل لجنة تحقيق لا تقصي حقائق في الفساد وسرقة أملاك الدولة. 2 تشكيل لجنة تحقيق في الجرائم التي ارتكبت بحق الشعب. 3 إجراء التعويضات الأولية لعائلات الشهداء. 4 تشكيل هيئة مستقلة تسهر على الانتخابات. وتكون بعيدة كل البعد عن وزارة الداخلية التي أذاقت الشعب الأمرين ودرجت على تزوير الانتخابات. ويكون منوطا بها: أ الدعوة إلى إجراء انتخابات أولى وتنظيمها والسهر عليها بإشراك الأممالمتحدة وذلك في ظرف ستة أشهر. وينتخب فيها مجلس تأسيسي يضع دستورا جديدا للبلاد ويرسي أسس نظام برلماني يجنب البلاد طغيان الطغاة وسرقة السارقين ونهب الناهبين. 2 الدعوة إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية والسهر عليها وتنظيمها بإشراك الأممالمتحدة. وذلك في ظرف سنة. وعدا ذلك فلن يرضي شعبك به. وبقاء هذه الحكومة سيقود حتما إلى مصادمات جديدة. إذ ليس لها من قاعدة شعبية تذكر. والدليل أنه حين أعوزها أمرها سيرت أعوان الأمن في مسيرات مدعية أنها عفوية كما هي الآن تحاول أن تسير بعض المسيرات المضادة. وذلك ما يعني أنها لا تتصرف كحكومة وقتية. وهي يا سيادة الرئيس قد تفقد في لحظة ما قيادها لتعود إلى القتل أو إلى القمع. وإذا ما حدث ذلك فسننقاد حتما إلى فوضى عارمة. مما سيفضحها أمام الرأي العام العالمي وتقود إلى تدخلات أجنبية وإلى تتبعات عدلية من القضاء الدولي و»لات ساعة مندم«. سيادة رئيس الجمهورية الكلمة لك والحل بيدك. وسدد الله خطاك. وأدام بقاءك. وكلي ثقة أن روح الوطنية الصادقة ستجعلك تنحاز لشعبك دون أفراد الناس. فتهب له الفرصة في إصلاح سياسي عميق يتيح له الديمقراطية والعدالة والحرية والكرامة بإقامة مؤسسات وليس بالوعود البراقة وبالتصرف في أموال الدولة بغير حق.