مع عودة التحكيم الأجنبي.. تعيينات حكام الجولة 5 "بلاي أوف" الرابطة الاولى    استقالة متحدثة من الخارجية الأميركية احتجاجا على حرب غزة    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    ماذا في لقاء سعيد برئيسة اللجنة الوطنية الصلح الجزائي..؟    أخبار المال والأعمال    سليانة .. رئس الاتحاد الجهوي للفلاحة ...الثروة الغابية تقضي على البطالة وتجلب العملة الصعبة    وزير السّياحة: تشجيع الاستثمار و دفع نسق إحداث المشاريع الكبرى في المجال السّياحي    «الشروق» ترصد فاجعة قُبالة سواحل المنستير والمهدية انتشال 5 جُثث، إنقاذ 5 بحّارة والبحث عن مفقود    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    لدى لقائه فتحي النوري.. سعيد يؤكد ان معاملاتنا مع المؤسسات المالية العالمية لابد ان يتنزل في اختياراتنا الوطنية    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    حركة النهضة تصدر بيان هام..    بالثقافة والفن والرياضة والجامعة...التطبيع... استعمار ناعم    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    تراجع الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    منوبة.. الإطاحة بمجرم خطير حَوّلَ وجهة انثى بالقوة    برنامج الجولة الأولى إياب لبطولة الرابطة الاولى لمحموعة التتويج    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    البطلة التونسية أميمة البديوي تحرز الذهب في مصر    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    وزارة التعليم العالي: تونس تحتل المرتبة الثانية عربيًّا من حيث عدد الباحثين    سليانة: أسعار الأضاحي بين 800 دينار إلى 1100 دينار    الرئيس الفرنسي : '' أوروبا اليوم فانية و قد تموت ''    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    باجة: تهاطل الامطار وانخفاض درجات الحرارة سيحسن وضع 30 بالمائة من مساحات الحبوب    وزير الشباب والرياضة يستقبل اعضاء فريق مولدية بوسالم    الڨصرين: حجز كمية من المخدرات والإحتفاظ ب 4 أشخاص    قيس سعيّد يتسلّم أوراق اعتماد عبد العزيز محمد عبد الله العيد، سفير البحرين    الحمامات: وفاة شخص في اصطدام سيّارة بدرّاجة ناريّة    التونسي يُبذّر يوميا 12بالمئة من ميزانية غذائه..خبير يوضح    أبرز اهتمامات الصحف التونسية ليوم الخميس 25 أفريل 2024    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الباطل لا يقود إلا إلى باطل
بيان على البيان
نشر في الشعب يوم 22 - 10 - 2011

لقد قرأت بيانكم الصادر في جريدة الشعب الغراء بتاريخ 8 أكوبر الجاري 2011 فأثلج صدري ورد علي صداه بعض الأمل. وإني لموقع عليه دون اعتبار لفارق في التقدير أو في الصياغة. فالمفيد عندي أن بيانكم هو أول بيان يصدر عن «مثقفين» يدين ما يحدث لبلد كان أول من أسس للحكم الجمهوري في الدنيا. ولكن أيها السادة من هو المدعو بمثقف عادة؟ إنه «رجل الفكر». وهذه الكلمة هي المقابل الصحيح لكلمة Intellectuel الفرنسية ولمثيلتها الأنقليزية.
ورجل الفكر هذا كابر أبدا على السياسة والسياسيين ومترفع عن المصالح الصغيرة ينظر بعيدا إلى آفاق أ?دا رحب ويقف مع الحق ويناوئ الباطل. وهو ضمير أمته دوما لا ترده عن ذلك مناصب أو مصالح أو خوف أو رهبة أو تهديد. ولو هذه الطبقة طبقة رجال الفكر نشأت فعلا في بلادنا وكانت حية نيرة لما آلت الأمور إلى ما آلت إليه. ذلك أنها كانت سترفع صوتها بالنقض في وجه الجميع. شأنها في ذلك شأن فولتير مثلا ذاك الذي ما انفك كما قال عنه بول فاليري يندد ويرفض ويشجب ويدين ويدافع ويحامي. فلما عاد إلى باريس بعد نفي طويل استقبل استقبال الملوك. فهؤلاء هم الملوك أيها السادة. فهؤلاء هم الملوك ايها السادة. هؤلاء هم ورثة الأنبياء وحداة ?وكب الحضارة. ولقد قال يوما المؤرخ الفرنسي ميشوليه عن حنبعل كلاما كهذا لقد قال بأن حنبعل حين فتح طريق الآلب قد فتح طريقا للإنسانية جمعاء. أما نخبتنا فقد قعدت عما لم يقعد عنه شعبها وعجزت عن إكمال ما بدأ أي عجز وقصرت دون المبتغى أي قصور. فأي شعب هذا الشعب الذي ثار على الاستبداد وفتح طريقا للشعوب الأخرى غير أنه ظل واقفا في منتصف الطريق وقد أحبطت مسعاه أحزاب صغيرة ونخب مريضة إن هي بعد أحزاب ونخب؟ وإني وقد سمعت صوتكم لمعلن الانضمام إليكم مستحثكم أن تفعلوا من أجل شعب «إرادة الحياة» ما وسعكم فعله. ومفاد الأمر كالآتي: 1 لقد ثار شعبنا على الاستبداد وذهب رأس الاستبداد في الخامس عشر من جانفي الماضي 2011. ولا ندري إلى اليوم ما حدث حقا. والحقيقة أن مظاهرة الرابع عشر من جانفي ما كان بوسعها أن تسقط ربع ديكتاتور. فهي لم تكن أكبر من شارع بورقيبة. غير أن ذلك لا يعني أبدا أن الطاغية كان سيبقى أبدا. بل كان من الأكيد أنه ذاهب لا محالة بالزخم المتوقع ان تصله الثورة في الأيام التالية للربع عشر من ذاك الشهر. وما أردت قوله أنهم عودونا على الصمت وعدم الخوض في الشأن السياسي. فبتنا نقف دون الحقيقة. فلا أحد منا إلى اليوم كتب أن بورقيبة ?نقلب على الباي حين ضغط على المجلس التأسيسي آنذاك ليعلن الجمهورية في حين أن الشعب قد صوت على ملكية دستورية. وكان يمكن لهذا المجلس أن يقر الاستفتاء على نظام الحكم من أجل تأسيس على الأصول. غير أنه لم يفعل. إذ كان الشعب في نظره ملغى ومستثنى وقاصرا وجاهلا وغير حقيق بالديمقراطية. وقد استفحل أمر الاستبداد عندما أُقر نظام رئاسي مطلق أشرتم إليه مشكورين في بيانكم. كما استفحل لما أصدر بورقيبة مجلة الأحوال الشخصية بنفسه دون برلمان ودون عرضها حتى على المجلس التأسيسي نفسه رغم إبرام بروتوكول تعاون بينهما. ثم لقد أصدر بنف?ه قانون الجمعيات يوم السابع من نوفمبر 1959 أي يوما واحدا قبل انتخاب مجلس الأمة. ولم ينتظر نصف شهر أو أقل لعرضه عليه. ولمَ يعرضه؟ أليس هو قد أعطي بعد سلطة مطلقة لم يكن الملوك ليحظوا بها؟ ثم جاء بن علي وانقلب على بورقيبة فصفق الجميع له غاضين الطرف عن حقيقة الانقلاب. وهكذا لمَ لا يصبح الانقلابي بطلا؟ والآن رجال بن علي أنفسهم الذي كانوا قبلها رجال بورقيبة بل ورجال الباي نفسه هم الذين تنكروا لبن علي مصورين أن الشعب قد ثار عليه دونهم. لا أيها السادة إن الاستبداد نظام يمكن الأفراد فردا ففردا كل مما ما هو بين يديه? ولذلك استفحل الفساد وهو الابن الطبيعي للاستبداد في بنية الدولة أي استفحال. 2 واستمر الطغيان إلى أن بلغ حدا جعل الشعب يهب هبته ويثور ثورته التي لم يتوقعها متوقع لا من أحزاب ولا من سلطة أو من مخابرات دولية. فالشعب الذي يبدو أنه أخنع شعب في العالم فاجأ الجميع وفجع المفجوعين. ورحل بن علي . ولكن الأحزاب أخذت تصيح منبهة من الفراغ والفوضى فيا لحكمة الحكماء! في حين أن الفراغ قد أحدثه النظام نفسه قدما وفلوله وجهات مشبوهة أخرى لا حقا وليس الشعب وأن الفوضى استمرت بالفلتان الأمني المشبوه. فأين السيارات ذات اللوحات الزرقاء؟ وأين الذين أوقفوا في أعمال تخريبية وأطلق سراحهم علما أن محمد ا?غنوشي نفسه نبه إلى ذلك كله في كلمته التي أعلن فيها استقالته؟ 3 وكان نتيجة ذلك أن تولى السلطة حسب ما يقتضيه الدستور رئيس مجلس النواب. ولا أحد منا يجهل هذا الرجل ولا أحد منا لا يدرك أنه هو عينه من أشرف على التنقيحات الدستورية التي خولت لبن علي البقاء في السلطة. ولما كان الرجل كما ترون قبلت به الناس مؤملين أن يرتقي بنفسه إلى مصاف من أهدوا لشعوبهم عهدا جديدا. وعفا الله عما سلف. ولكنه سرعان ما خرق الدستور بشكل سافر لما حصل بكل يسر من مجلس نوابه المزور على تفويض غير شرعي يتيح له إصدار قوانين ذات صبغة اشتراعية بمجرد أوامر. فالفصل الثامن والعشرون من الدستور الذي بُرر به ?لتفويض هو في حرفه الصريح لا يخوله إلا لرئيس الجمهورية وفي غرض معين لا في سائر الأغراض كما حدث مع تفويض الحال ولمدة معينة غير مفتوحة لا بد في نهايتها من العودة إلى البرلمان. علما أن القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة وليس الرئيس المؤقت كما يزعمون لا حق له في التدابير الاستثنائية التي يتيحها الفصل السادس والأربعون للرئيس المنتخب دون غيره. فهو ليس له إلا أن يصرف الأعمال ويشرف على انتخاب رئيس جديد للجمهورية لمدة خمس سنوات. وعدا ذلك فليس له أن يعدل الدستور أو أن يحل حكومة أو أن يجري استفتاء أو أن يحل برلمان?. ولكن جميع هذه الخروقات تمت والأحزاب تصفق مرددة : أتركوهم يفعلون لنا. وكأن ثمة من يفعل لك شيئا نيابة عنك. فما حك جلدك غير ضفرك. وهكذا أدى كل خرق إلى خرق آخر وأدى الباطل إلى أباطيل. وليت عمري لقد عجزوا عن احترام دستورهم من قبل. أما اليوم فكان عليهم أن يلتزموا باحترامه علما أن الدساتير لا تفقد وجودها القانوني إطلاقا إلا بعد أن يعقد مجلس تأسيسي جديد شرعي اجتماعه الأول. لأنه ليس ثمة من جهة قادرة على ذلك لأنه في جوهره نص شعبي. وذلك ما قضى به الحكم الصادر بخصوص دستور 1861 من قبل محكمة الاستئناف بالجزائر. فأعطت?بذلك صورة مشرقة عن معنى استقلال القضاء علما أنها محكمة فرنسية ومع ذلك كانت قادرة على إنصاف الوطنيين التونسيين الذي سرعان ما تسلموا السلطة بعد الاستقلال ليعودوا إلى جوهر الحكم الحسيني الذي رسخ فيهم صورة للحكم سلبية وعمق فيهم طبائع الاستبداد الشرقي. 4 ولقد كانت ثورتنا أول ثورة في العالم العربي. وهي التي ألهمت الثورات العربية ثوراتها. أما أحزابنا الغراء فلم تشارك فيها لا من قريب ولا من بعيد. بل كانت قد أيدت إصلاحات بن علي. وهي لعمري الإصلاحات نفسها التي درجت عليها بعد ذلك بنفس الشخوص الذين عينهم بن علي. وهكذا لم ينشأ عن الأحزاب مجلس أو هيئة أو تنسيقية تؤيد الشعب وتؤطر الثورة. بل لقد انخرط بعضها في حكومة محمد الغنوشي ولم تخرج منها إلا لأن قرارا اتخذ لطمأنة الشعب يقضي بأن لا يترشح أعضاء الحكومة الوقتية إلى انتخابات المجلس الوطني التأسيسي. ثم لقد انخر?ت في هيئة ليست فحسب غير ممثلة بل غير شرعية كذلك لأنها أسست بمرسوم بقانون صدر بتفويض غير مشروع. ولقد تلبست هذه الهيئة بصفة برلمان. فباتت تصادق على القوانين. وهكذا غرقنا في الباطل ووقعنا في استبداد أنكى مما كنا فيه وأنفى لروح الديمقراطية ولمبادئ الحكم الجمهوري. 5 وتصل سلطة القائم بمهام رئيس الجمهورية بصفة مؤقتة إلى نهاية مدتها دون أن تنجز مهمتها الأصلية المنوطة بها. ولما انتهت بها الشرعية الدستورية استمرت على رأس السلطة لتصريف الأعمال لا غير وذلك ما صرح به أعضاؤها. ولكن ما راعنا إلا أن هذه السلطة أصبحت تتصرفت بأحقية سلطة منتخبة دائمة. فأغرقت في استصدار القوانين ذات الصبغة الاشتراعية التي لا يمكن أن تصدر عن سلطة تنفيذية كما هي ليست من صلاحية سلطة لتصريف أعمال حتى لو كان البرلمان موجودا. فانتحلت بذلك صفةة برلمان. والأخطر في الأمر أنها أقدمت على إصدار «المرسوم بق?نون» الرابع عشر الذي ينظم السلطات العمومية ويورث السلطة كذلك. وهذا «المرسوم بقانون» هو دستور مؤقت وهو لا يمكنه أن يصدر عن شخص شرعي أو غير شرعي كما لا يمكن لأي سلطة أن تشرع نفسها بنفسها في كنف نظام جمهوري. فكان لا بد من العودة إلى الشعب للاستفتاء عليه حتى يجد سبيله إلى الشرعيه ما وافق عليه الشعب. ولقد أبرمت هذه السلطة كذلك قروضا وصادقت على معاهدات دولية خطيرة تتطلب برلمانا ونقاشا وجدلا مثل الانخراط في محكمة الجنايات الدولية وغيرها دون اعتراض من أحد. ولعل السائل الأجنبي سيتساءل عن حق: ولمَ أنتم الانتخابات وم? لزومها وما فائدة البرلمانات ولكم من يجزيكم شرها فيصدر الشرائع وتسير شؤون البلاد نيابة عن الجميع دون متاعب منكم أو تكليف أو تفويض؟ وهذا ما هو أنكى مما حدث مع التأسيس بعيد الاستقلال. فعوض أن نتقدم تأخرنا أشواطا وأشواطا. وما قدمته بعد كاف للوقوف على حقيقة أمرنا. فنحن قد بتنا بذلك ضحكة العالم لا سيما بعد أن ابتدعنا أصلا من أصول الاشتراع جديد لم يسبق للديمقراطيات الحديثة أن ابتدعته ألا وهو التوافق. ولمَ لا؟ فالتوافق إجماع على الأصول. أما الانتخاب فنصف إجماع إلا إذا زورناه ليصبح بدروه توافقا. 6 وفي الواقع ليس ثمة من قانون يمكن أن يصدر عن هذه السلطة غير قانون انتخابات المجلس التأسيسي ولكن بديهيا باستفتاء الشعب عليه. أما الواقع فحتى بعد ثورة على الاستبداد لا تزال سلطة غير شرعية تستحوذ على إرادة الشعب ولا تزال تنوب عنه في كل ما يخصه رافضة أن ترد ما لقيصر لقيصر ومتصرفة على أن الأمر طبيعي وكأنها ولدت لتحكم. وأعجب بهم من ناس استغربوا بإسلامييهم غير أنهم ظلوا متطبعين بطبائع الاستبداد الشرقي ! والأنكى في الأمر أن ذلك يحدث بمشاركة بعض من الأحزاب وتواطؤ وصمت من بعضها الآخر. ولما طرح الاستفتاء طرح للمن?ورة به فحسب وللتوصل إلى «وثيقة المسار الانتقالي» الشاذة والغامضة بخصوص السلطة الحالية وإمكانية استمرارها بعد الانتخابات التأسيسية. وهكذا يُستحكم الالتفاف على المجلس التأسيسي ويصبح الالتفاف حقيقة ملموسة لا ينكرها إلا المتهافتون الذين انخرطوا في عملية انتخابية مغلوطة من أساسها وركبتهم حماها فباتوا لا يبصرون وقد ضاعت منهم ألباهم. 7 وإنما الالتفاف مستحكم على المجلس التأسيسي كذلك بحكم النظام الانتخابي الغريب والشاذ والمحاصصي والإقصائي والذي لم تعدّه قطعا السلطة الحالية ولا الهيئة سيئة الصيت في الالتفاف على مطالب شعبها لأنه بكل بساطة ليس فيهم خبير واحد قادر على تخريجه. فالقادر عليه ينبغي أن يكون مختصا في الرياضيات وله معرفة بالفرق البديهي بين متتالية حسابية وأخرى هندسية. وهو لعمري نظام مغشوش يقود إلى إعادة إنتاج الهيئة سيئة الذكر ومجالس النواب والهيئات السابقة المزورة. أما عيوب ذلكم النظام فهي التالية: أ هذا النظام هو نظام النسبية المعروف منذ وضعه صاحبه البريطاني توماس هار في أواسط القرن التاسع عشر.1 وهو في حد ذاته شرط حاسم. ولم يحدث في تاريخ السياسة العامة أن اعتمد بشروط أخرى. كما هو في حقيقته لا يعتمد سوى في ظل أحزاب قوية مسيطرة على الساحة في الديمقراطيات القديمة. فيحدث أن ترى تلك الأحزاب ضرورة عدم استبعاد الأحزاب الصغيرة. فتتنازل عن بعض المقاعد بالنسبية حتى تفسح لها المشاركة الضئيلة في التمثيل البرلماني. أما نحن فأحزابنا صغيرة جميعها. لكنها لا تعترف بذلك بالرغم من أنها في داخلها تدركه حق الإدراك بما?أنها وافقت جميعها على نظام انتخابي محاصصي. ب ولكن هذا النظام تعقد في بلدنا بشروط أخرى هي أولا شرط المناصفة التي أتاح شرطا آخر ألا وهو شرط الترتيب. وليعلم الجميع أن شرط المناصفة وحده لا يعقد الترشح. ولكن ما يعقده هو شرط الترتيب. ولقد اشترط في الانتخابات المصرية أن يكون نصف المترشحين على الأقل من العمال والفلاحين. ولكن هذا الشرط لم يعسر الترشح لأنه لم يشفع بشرط الترتيب. فلو أقر الترتيب فيه لعُسّر تشكيل القوائم بشكل هندسي كما هو الحال في تونس. ويضاف إلى ذلك شرط آخر لا بد منه ضرورة وهو مراعاة توزيع المترشحين على المعتمديات. ولقد وقع التخلي عنه لسبب?بين ألا وهو أن عدد المعتمديات أكبر من عدد المقاعد في مختلف الدوائر عدا في دائرتين اثنتين. غير أنه الشرط الوحيد الذي لا مناص منه. وإن اجتماع الشرطين معا مع نسبة المتوالية الهندسية التي هي الجدارة سيؤدي إلى صعوبة هندسية في تشكيل القوائم. ففي
حساب رياضي لا جدال فيه يلزم في دائرة المهدية على سبيل المثال لترشيح جدير واحد في المرتبة الثامنة 2048 جديرا. أما في دائرة سوسة فيلزم لترشيح جدير واحد في المرتبة العاشرة 24672 جديرا. وذلك معنى المتتالية الهندسية الماثلة في هذا الصعود المفاجئ للعدد اللازم لترشح جدير واحد م? مرتبة إلى أخرى. وهو ما يفسر أن دائرة مثل دائرة توزر التي لا تعد سوى نحو من 104نسمة قد ترشح فيها نحو من 47 قائمة في حين لم يترشح في دائرة سوسة التي تعد نحوا من 620 ألف نسمة سوى 64 قائمة. ومعنى ذلك في النهاية هو إقصاء الجديرين من الحق التأسيسي. أما المناصفة فقد تبين من الآن أنها كذبة كبيرة. فترشيح النساء ضعيف جدا. ومن المعلوم أنه لتفوز النساء بالنصف في أي انتخابات لا بد من اعتماد القائمة المطلقة. أما إذا اعتمدنا القائمة النسبية بالشكل الذي أقر من سلطة تصريف أعمال فلا بد من شرط آخر يقضي بترشيح 75 % من النساء? على رءوس القوائم. وعدا ذلك فالغاية بينة ألا وهي وضع العراقيل أمام ترشح المستقلين من الجديرين بالمناصفة التي أتاحت الترتيب. وهكذا ندرك أن هؤلاء المستحدثين من أنصار حرية المرأة لا يعرفون معنى الحرية. إذ هذه التزام واع وشخصي. وليكون كذلك لا بد أن يكون غير مفروض. وهكذا انقلبت الحرية التي يتحدثون عنها إلى عبودية نكراء. ولم تكن المناصفة مجعولة لشيء سوى ترشيح بعض من نساء الأحزاب وفرض فوزهن بقوة نظام انتخابي مغشوش. ج والحقيقة أن هذا النظام الانتخابي بعد أن تأكدنا من حجم القوائم الكبير هو نظام فردي في شكل قوائم. والغاية بينة هي إقصاء ممثلي الشعب الحقيقيين من أن يصعدوا إلى المجلس التأسيسي وحصر الفوز بمن تختارهم ألأحزاب. ولا أدري بأي ضمير سيواجه المترشحون أنفسهم حين يوضعون أمام الحقيقة بعد صدور النتائج التي ستكون مخيبة لآمال الجميع. وفيه لا شك إهدار للمال العام وجلبة لا تجدي فتيلا ومغالطة ليت عمري لا تنطلي سوى على الأحزاب المتواطئة والمتهافتة والتي كانت السبب في تواصل نظام استغباء الشعب ورجال الفكر معا. د والحال هذا سيكون فوز الفائزين بنسبة أصوات ضعيفة جدا لا سيما أن هذا النظام لم يقر بدورة ثانية. وذلك ما يعني أن لاعب كرة قدم ومدربا لها حين يفوزان بأنصار لعبتهما لن يكون بوسع الأحزاب استبعادهما في دورة ثانية. وتذكروا أيها السادة كيف استبعد لوبان في فرنسنا بتحالف اضطراري من قبل الغالبية العظمى للشعب الفرنسي. ففاز شيراك بنسبة خيالية في أوربّا فاقت %70. وإنما عدم إقراره متعمد مقصود. ه وهذا النظام لم يقر كذلك الاختيار التفضيلي أي إنه لم يتح للناخب أن يعمد بنفسه إلى ترتيب أعضاء القائمة حتى إذا فاز الفائز منهم فاز باختيار الناخب وليس باختيار من اختار القوائم. وذلك ما يعني أن الفائز بات مفروضا على الناخب بشكل مسبق. وسينتبه الناخبون إلى ذلك مع الأسف بعد فوات الأوان. أي سينتبهون إلى أنهم غشوا غشا بهذا النظام. وهذا علاوة عن كون الأحزاب لم تنزع إلى الانتخاب داخل صفوفها لتتيح الترشح لمنخرطيها للقائمات بشكل ديمقراطي. وكل ذلك سيفجر الوقف داخل تلك الأحزاب بعد الانتخابات. أما إقراره فمتعمد حتى?لا يحصل إقصاء لرؤساء الأحزاب ما فازوا في الدورة الأولى. و وهو نظام لا يتيح التحالف أبدا. وبذلك هو لن يفضي إلى أغلبية. والأصل في الديمقراطية هي حكم الأغلبية للأقلية. ولكن لمَ الأغلبية ونحن عندنا الكل بحكم قانون التوافق؟ ز وستكون قطعا نسبة الأصوات الفائز بها الفائزون صغيرة جدا بحكم تدني القاسم الانتخابي بكثرة عدد القوائم من جهة وفوز الفائزين جميعا ببواق صغيرة. وهو ما سيعرض تمثيليتهم بل وشرعيتهم إلى الطعن وما سيعيدنا إلى المربع الأول. ح وتبقى معضلة المعضلات وهي الماثلة في نسبة المشاركة. فهل سيقع إقرار الانتخابات التأسيسية بمن حضر بحجة أن الشعب هو من يتحمل المسئولية عن ذلك؟ ونحن نعرف بعد أن التسجيل الإرادي لم يتجاوز المليون والنصف وهو ما يمثل في أحسن الأحوال حصة الأحزاب مجموعة. إذ من المعروف الفاشي أن الشعب التونسي لا يثق في الأحزاب بنسبة 75%. والحقيقة أن الشعب كان سيتحمل المسئولية فعلا لو اختار طريقة الاقتراع. لكن لم يخترها. ولذلك هو لم يتحمس لها خاصة أن من يشرف على هذا الانتقال المزعوم هم نفس وجوه النظام السابق مزور الانتخابات. أما ا?مسئولون عن عزوف الشعب عن التسجيل الإرادي فهم من رفض للشعب حقه في السيادة باستفتائه في نمط الاقتراع. وأما عزوفه فليس منه غير استفتاء بالسلب عليه. وإن غدا لناظره لقريب. 8 وأما تأخير الانتخابات فقد تبين بما لا يدع مجالا لشك أنها لا داعي لها البتة. فالتسجيل في المدة المحددة وفي التمديد لم يتجاوز الخمسة والثلاثين يوما وقد كانت المدة الباقية لإجراء الانتخابات في 24 جويلية أطول من ذلك بكثير. أما تسجيل الترشحات فهي ليست مرتبطة بالأولى ويمكنها أن تجرى بشكل متواز. علما أنه قد حدث بعد فراغ كبير لا داعي له كذلك بين نهاية التسجيل ويوم الاقتراع. هذا علاوة عما أقر في نهاية الأمر من الأخذ بمعطيات بطاقة التعريف الوطنية للانتخاب دون سابق تسجيل. وذلك ما يوفر علينا الوقت ويعيده إلى ش?ر واحد كما جرى الأمر في مصر الشقيقة حين أجري الاستفتاء بعد شهر واحد بعد رحيل مبارك. وهكذا ندرك أن النوايا لم تكن صادقة البتة وأن الأطراف المتهافتة قد فقدت كل روح نقدي بعد لتدرك به حقائق سافرة لا يلفها غموض البتة. والحقيقة أن التأخير قد عمد إليه لتستمر الحكومة غير الشرعية في ترتيب الأمور لعودة أعوان بن علي للواجهة لا غير. والنتيجة من كل ذلك بينة واضحة وهي أن قانون انتخابات تم إقراره بشكل غير شرعي ونظاما انتخابيا لم يختره الشعب علاوة عن كونه تشوبه عيوب جوهرية سيؤديان حتما إلى نظام استبدادي جديد. وذلك ما سيضع الشعب كما كان دائما في واد والسلطة في واد آخر. أما المجلس التأسيسي القادم فسيكون قطعا ضعيفا ومقسما وفسيفسائيا وعاجزا عن النهوض بشيء وتحديدا عن تعيين رأس للسلطة الانتقالية قادر على تعيين حكومة تقع تحت مراقبته إلى حين إجراء انتخابات جديدة على مقتضيات الدستور الجديد. والأخطر من ذلك أن المجلس بعدما التُف عليه بمصادرة مهامه?الأساسية المتمثلة في ما دعي بالإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي قد آل بعد إلى مجرد جمعية تأسيسية. علما أن الجمعيات التأسيسية ينتخبها البرلمان لكتابة الدستور فحسب مثلما حدث في إسبانيا ومثل ما سيحدث في مصر. أما المهام الأخرى فباقية للبرلمان المنتخب انتخابا شرعيا. أما المجالس التأسيسية فتلعب الدورين معا بحكم عدم وجود برلمان عامل. وحالنا هو قطعا الحال الثاني. ومن سخرية القدر وغرابة المأتى أن السلطة غير الشرعية باتت تتحدث عن إراحة المجلس من المهام الأخرى ليتفرغ لكتابة الدستور. فشكرا لها أي شكر. ولكنها بذلك تج?ل أن كتابة مشاريع الدساتير لا يتطلب مثل هذا العدد من الأعضاء الذين سيتركب منهم المجلس القادم. بل لا يتطلب غير فريق صغير من رجال الفكر. وبالإمكان للأفراد كتابة دساتير أقوى وأمتن وأرقى وأكثر تقدما. لكن الأساس في الأمر ليس ذلك بل مصادقة الشعب على تلك الدساتير مصادقة لا يرقى لها الشك. وأخيرا ترى إلى أين نحن صائرون؟ وهل بات قدرنا أن نؤسس دائما بشكل باطل وغير أصيل. أما إذا كان التأسيس في الاستقلال تشوبه شوائب كثر ومنقوصا أي نقص فالتأسيس الحالي هو باطل بعد أي بطلان لفقدانه لمشروعية التأسيس. وسيظل كذلك إلى أبد الآبدين. وستتحمل فيه الأحزاب التي شاركت في «الهيئة العليا لحماية أهداف الثورة...» وباقي الأحزاب الصامتة المسئولية كاملة قبل السلطة نفسها لأنها هي من كان عليها أن تقول لها: «شكر الله سعيك. أما هذه المهمات فليست مم مشمولاتك.» ذلك أن المبادئ الأولية للديمقراطية ومبادئ الحكم الجمهوري والد?اتير مختلفها والأعراف سائرها ومنطق الثورة تفرض جميعها العودة إلى الشعب ليختار بنفسه طريقة الاقتراع مثلما اختارها الأنقليز في الخامس من ماي الماضي في استفتاء مشهود. وهكذا فحسب تكون الانتخابات شفافة ونزيهة وديمقراطية. وعدا ذلك فهي موجهة ولا تعدو أن تكون تزكية كانتخابات بن علي التي قبلت المشاركة فيها أحزاب تفاخر بنضالها ضده وهي لم تفعل سوى أن شرعته وأنكرت شعبها حينذاك وألغته كذلك إلغاء بعد الثورة. وهذا كله سيقود إلى وضع لن يكون بالمرة سليما أو مستقرا. ولن يمر وقت طويل حتى تعود السلطة ما إن تحس بشيء من الشرعية?إلى القمع من جهة وإلى الارتماء في أحضان الغرب من أجل حلول منقوصة لاقتصاد متداع. وليعلم الجميع أن الباطل لن يقود سوى إلى باطل أشد وأنكى من الأول. وعلى النخبة إن وجدت والنفوس الصادقة إن صدقت أن تدرك أن بهذا الصنيع لن يكون بوسعنا أن ندخل التاريخ من بابه الواسع ولا التأسيس لجمهورية ثانية. وهذا كله علاوة عما ذكر بيانكم من بقاء لبنية الاستبداد والفساد ومن عدم استقلالية للقضاء بالرغم من أنه السلطة الوحيدة الشرعية الباقية ومن تفش للمال السياسي ومن إهدار للمال العام. وآخر قولي: ألا أيها السادة شكرا على ما أصدعتم به من رأي واجتمعتم عليه من موقف وما نددتم به من انحراف وتأسيس أرى أنه بعد باطل. وأنتم الأحق بالإصداع به والمنتدبون إليه أبدا. ولتتحد كلمتنا جميعا ولنشحذ العزائم حتى تعمل على فتح طريق جديدة لشعبها. وختامه ليعلم الجميع أن ما بني على باطل فهو باطل أبدا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.