لم يعرف العرب في كامل تاريخهم مرحلة عانوا فيها من الاستبداد والفساد ونهب خيراتهم وقهر نفوسهم ودوس حقوقهم وإهانة كرامتهم كما عرفوه في هذا العهد التعيس على أيدي حكام طغاة مستبدين ولصوص وعملاء فاسدين، يستوي في ذلك الرؤساء والملوك والأمراء والقادة الذين قضوا على مؤسسات الدولة والمجتمع والدساتير والقوانين والقيم و الأخلاق ونصبوا زوجاتهم وأولادهم وبناتهم وأصهارهم متصرفين في الشأن العام والخاص برتب لصوص وفجار ووكلاء استعمار ومخربين لكل المبادئ والقيم الوطنية والخلقية و الأخلاقية والحقوقية والإنسانية هذا العهد العربي البغيض وصلت فيه الدول العربية إلى قمة الانحطاط وفتحت الحدود أمام قوى الإمبريالية والاستعمار والصهيونية في شكل احتلال مباشر أو غير مباشر ضمن صفقات مع الأعداء تمنح لهم فيها الأراضي والقواعد وتترك لهم اليد الطولى لتصفية القضايا الوطنية ونهب الثروات وتفتح لهم الأسواق والبنوك مقابل تمكينهم من الحكم المطلق لشعوبهم والتوريث لأبنائهم وتمكين العصابات من ذويهم من كل أنواع الفساد. هذا العهد قد وصل فيه شرفاء العرب إلى درجة الإحباط والشعور بالهوان أمام هول الهزائم ومآسي الطغيان. ولأن الشيء إذا بلغ حده انقلب إلى ضده، فقد أدى الاضطهاد والفساد إلى انفجار الشعوب العربية ضد الظالمين الطغاة وترددت في كامل الأرجاء العربية أهزوجة إرادة الحياة : إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدا أن يستجيب القدر. لذلك كما انطلقت الشرارة من سيدي بوزيد مدينة الشهيد محمد البوعزيزي لتعم كامل المناطق التونسية وتعمد بدماء الشهداء الزكية وأرواحهم الطاهرة الثورة المباركة التي أطاحت بالطاغية بن علي وعصابته المجرمة والفاسدة ويشع فجر الحرية على تونس الأبية... كذلك كان لهبة الشعب التونسي فعل الشرارة في كامل الأرجاء العربية ليقع كسر حاجز الخوف وتشتعل الثورة في مصر واليمن والبحرين وليبيا والحبل على الجرار وبداية الغيث قطرة ثم ينهمر. ليبيا بلد عمر المختار الذي هتف في وجه طغاة الفاشية »نحن لا نستسلم... ننتصر أو نموت «... ليبيا بلد النخوة والإباء تسلط عليها جبار عنيد جلب لشعبه المرتزقة المأجورين وحارب المتظاهرين العزل بالطائرات، ولكن إرادة الشعوب لا تقهر، وأحفاد عمر المختار لا ينهزمون. الآن حل فجر التحرر العربي وزمن الثورات العربية الكبرى »الحقيقية«، حيث لن تكون بعدها لا سايكس بيكو ولا وعد بلفور، بل فجرٌ للنخوة والكرامة والشهامة وبداية التحرر والانعتاق وإرساء الديمقراطية وسيادة الشعوب وتحقيق التنمية والعدالة والحرية.. وكل الطغاة إلى مزبلة التاريخ...