سايتو جون السفير الياباني الجديد يوجه هذه الرسالة بمناسبة وصوله إلى تونس    موزّعو قوارير الغاز المنزلي بالجملة يعلّقون نشاطهم يومي 12 و13 جانفي 2026    عاجل/ مصدر مأذون من رئاسة الجمهورية: سيتمّ اتّخاذ الإجراءات القانونية اللازمة ضدّ هؤلاء..    قفصة: حجز كميات من لحوم الدواجن في مخازن عشوائية قبل رأس السنة    وداعًا لأسطورة الكوميديا الأمريكية بات فين    رياضة : فخر الدين قلبي مدربا جديدا لجندوبة الرياضية    البطولة الوطنية المحترفة لكرة السلة: برنامج مباريات الجولة العاشرة    مدرب منتخب الكاميرون: "حققنا الفوز بفضل القوة الذهنية والانضباط التكتيكي"    عاجل: هذا ما تقرر في قضية المجمع الكيميائي التونسي..    الدورة العاشرة من المهرجان الدولي للابداع الثقافي من 26 الى 28 ديسمبر الجاري    مع Moulin d'Or : قصّ ولصّق وشارك...1000 كادو يستناك!    السجن لطالب بتهمة ترويج المخدرات بالوسط الجامعي..#خبر_عاجل    عاجل/ انتشال جثامين 14 شهيدا فلسطينيا من تحت الأنقاض في خان يونس..    كأس أمم إفريقيا: برنامج مقابلات يوم غد    صامويل تشوكويزي: كأس افريقيا يجب أن تحظى بنفس درجة إحترام كأس العالم    عاجل: عاصفة مطرية وثلوج تتجه نحو برشا دُول عربية    هذه أقوى عملة سنة 2025    كيفاش نقول للآخر ''هذا الّي قلّقني منّك'' من غير ما نتعاركوا    تحذير خطير للتوانسة : ''القفالة'' بلا ورقة المراقبة يتسببلك في شلل و نسيان    عاجل/ كأس أمم أفريقيا: الاعلان عن اجراء جديد يهم جميع المباريات..    الاتحاد الإنقليزي يتهم روميرو بسوء التصرف بعد طرده أمام ليفربول    سهرة رأس العام 2026.. تفاصيل حفل إليسا وتامر حسني في هذه الدولة    عاجل/ تركيا ترسل الصندوق الأسود لطائرة الحداد إلى دولة محايدة..    بداية من من غدوة في اللّيل.. تقلبات جوية وبرد شديد في تونس    عاجل: تقلبات جوية مرتقبة بداية من هذا التاريخ    ينشط بين رواد والسيجومي: محاصرة بارون ترويج المخدرات    نيجيريا: قتلى وجرحى في هجوم على مسجد    بداية من اليوم: تحويل حركة المرور في اتّجاه المروج والحمامات    صحفي قناة الحوار التونسي يوضح للمغاربة حقيقة تصريحاته السابقة    نانسي عجرم ووائل كفوري ونجوى كرم يحضروا سهرية رأس السنة    قرار لم يكن صدفة: لماذا اختار لوكا زيدان اللعب للجزائر؟    مصر.. دار الإفتاء تحسم الجدل حول حكم تهنئة المسيحيين بعيد الميلاد    عاجل : اليوم نشر القائمة الاسمية لرخص'' التاكسي '' بأريانة بعد شهور انتظار    النوبة القلبية في الصباح: علامات تحذيرية لازم ما تتجاهلهاش    عاجل: توافد حالات على قسم الإنعاش بسبب ال GRIPPE    بعد حادثة ريهام عبد الغفور.. نقابة المهن التمثيلية تعلن الحرب على مستهدفي نجوم مصر    ويتكوف يكشف موعد المرحلة الثانية من اتفاق غزة    رئيس الجمهوريّة يؤكد على ضرورة المرور إلى السرعة القصوى في كافّة المجالات    ترامب مهاجما معارضيه في التهنئة: عيد ميلاد سعيد للجميع بما في ذلك حثالة اليسار    كوريا الشمالية تندد بدخول غواصة نووية أمريكية إلى كوريا الجنوبية    اليوم العالمي للغة العربية ... الاحتفاء بلغة الضاد ضرورة وطنية وقومية لحماية الهوية الثقافية    فوز المرشح المدعوم من ترامب بالانتخابات الرئاسية في هندوراس    تحت شعار «إهدي تونسي» 50 حرفيّا يؤثّثون أروقة معرض هدايا آخر السنة    نجاح عمليات الأولى من نوعها في تونس لجراحة الكُلى والبروستاتا بالروبوت    الليلة: الحرارة تترواح بين 4 و12 درجة    هيئة السلامة الصحية تحجز حوالي 21 طنا من المواد غير الآمنة وتغلق 8 محلات خلال حملات بمناسبة رأس السنة الميلادية    تونس 2026: خطوات عملية لتعزيز السيادة الطاقية مع الحفاظ على الأمان الاجتماعي    اتصالات تونس تطلق حملتها المؤسساتية الوطنية " تبرّع المشجعين"    الديوانة تكشف عن حصيلة المحجوز من المخدرات خلال شهري نوفمبر وديسمبر    القصور: انطلاق المهرجان الجهوي للحكواتي في دورته الثانية    تزامنا مع العطلة المدرسية: سلسلة من الفعاليات الثقافية والعروض المسرحية بعدد من القاعات    عاجل/ بعد وصول سلالة جديدة من "القريب" إلى تونس: خبير فيروسات يحذر التونسيين وينبه..    حليب تونس يرجع: ألبان سيدي بوعلي تعود للنشاط قريبًا!    تونس: حين تحدّد الدولة سعر زيت الزيتون وتضحّي بالفلاحين    صفاقس: تركيز محطة لشحن السيارات الكهربائية بالمعهد العالي للتصرف الصناعي    مع بداية العام الجديد.. 6عادات يومية بسيطة تجعلك أكثر نجاحا    دعاء السنة الجديدة لنفسي...أفضل دعاء لاستقبال العام الجديد    مع الشروق : تونس والجزائر، تاريخ يسمو على الفتن    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قراءة في كتاب «سقوط الطّاغية» للشّاعر والكاتب محمد المثلوثي
أتُون الثّورة المباركة ومهازل الحكم الدّيكتاتوري بقلم: بلقاسم برهومي
نشر في الشعب يوم 14 - 05 - 2011

في خضم ثورة شعبنا التونسي الأبيّ أصدر الشاعر والكاتب محمد المثلوثي كتابه المعنون: »سقوط الطّاغية«.
والكتاب متوسط الحجم (117 صفحة) نُشر في المغاربية للطّباعة والاشهار بتونس العاصمة في طبعته الأولى (فيفري 2011) ويضمّ خمسة فصول بالاضافة إلى نصّ الخاتمة وقصيدة شعريّة بنفس عنوان كتابه.
وإذا ما كان كلّ كاتب أو شاعر يتفرّد بأسلوبه فإنّنا لنقف بقراءة متأنيّة على درجة قويّة من الانفعال والاستجابة لأحداث ومُعطيات الثّورة الشعبيّة المباركة في وطننا العزيز تونس والتي اقتلعت الحكم الدّيكتاتوري الغاشم للأستاذ والكاتب محمّد المثلوثي الذي قام بإهداء عمله إلى روح الشّهيد محمد البوعزيزي مُوقد شعلة الثّورة:
»أُهدي هذا الكتاب إلى روح الشّهيد محمد البوعزيزي داعيًا له ربّ العزّة أن يغفر لهُ وأن يتقبّله بعفوه ورضاه ويُسكنه فسيح جنانه مع الشّهداء والصّدّيقين. وأتقدّم بأحرّ التعازي لكلّ عائلته وذويه وكذلك بالتّّهاني الخالصة لوالدته المكلومة التي أنجبت بطلاً لن ينساه الشّعب والتّاريخ لأنّ نظام الطّاغية الذي قتل فلذة كبدها قد زال ولن يعود وسوف يُدفن في مزابل التّاريخ وينساه الجميع، لكن ابنها محمّد البوعزيزي سوف يبقى اسمه خالدا ما بقي شعب تونس حُرًّا...«.. (1)
ولئن كانت فصول الكتاب مختلفة في الطول والحجم ولكنّها تتّفق في الأسلوب واللّغة وتتوحّد في المنهج الفكري وتتضمّن مسارًا موضوعيّا واحدًا لا يتجزّأ.
ففي الفصل الأوّل المُعنون: »من هو الطّاغية زين العابدين بن علي« نجده يرسم لوحة خلفيّة وغير معروفة لعامة الشّعب فيقولُ.
»زاول تعليمه الثانوي بالمعهد الثانوي بسوسة وبالمعهد التقني ثمّ انقطع عن الدّراسة قبل حصوله على شهادة البكالوريا بثلاثِ سنوات حتى أنّ الشباب التونسي كان يتّندرُ على »الفَايس بُوك« بتلقيبه بالسّيد: »Bac moins trois« ...«... (2)
كما نجده يعتمد على الكلمة الموحية:
»فإذا رأينا اليوم أنّ ابن الحاج... سرق شعبًا كاملاً فلا نستغرب لأنّه من شابه أباه فما ظلم...«... (3) والجملة لديه حُبلى بالمعاني المتفجرة:
»أتمنّى أن لا يستفيد من ثورة الشّباب التونسي الاّ أبناء الشّعب التونسي الذين ناضلوا من أجل استرجاع كرامتهم المسلوبة وضحّوا بأرواحهم وأبنائهم كي ينعمُوا بالعيش الكريم في ظلّ الحريّة والدّيمقراطية والحضارة والمسؤوليّة...«... (4).
والكاتب لم يختر عنوان كتابه صُدفة، ففي فصوله تركيز تام على تشكل نمط الحكم الدّيكتاتوري والعائلات التي اغتصبت ثمّ اقتسمت ثروات تونس وكيف تفجّرت ثورة الكرامة ضدّ الطّاغية وأزلامه.
إذًا حكم الطّاغية ومصيره يشكل محورًا يكاد يكون أساسيًّا في كلّ فصول الكتاب من بدايتها إلى آخرها:
»ولّما ثمل الشّعب من مرارة كأس الظّلم والطغيان، تعلم في ذات الوقت أنّ المؤمن لا يلدغُ من جُحر واحدٍ مرّتين، فكانت حادثة البوعزيزي هي الشّرارة التي أشعلت غضب هذا الشّعب الكادح المناضل الأبيّ، غضبًا كامنًا ومُتراكِمًا طيلة أكثر من نصف قرن تجاه النّظام السّياسي الحاكم الذي كان يعبثُ بما يُعانيه الشعب من متاعب واحتقارٍ ومذّلةٍ وفقر واستهانة بمشاعره ومصيره في حين تعبثُ حفنة من اللّصوص بمكاسبه وثرواته فتداعى سلطان الجبروت ما بين عشيّة وضحاها أمام مظاهرات صاخبة زلزلت العالم وأطاحت بعرش من كان يُضاهي فرعون في الطّغيان والجبرُوت فشخصيّة الحاكم / الفرد / والآمر / النّاهي تجثُمُ..«... (5) بثقلها في مفاصل حياة النّاس:
»ولعلّ المواطن التّونسي منذ تلك التّعديلات بوعيه وثقافته الواسعة وانفتاحه على العالم الحرّ لم يجد بُدًّا سنين طوالاً من التسلط والقهر من الاحتقان بمشاعر الظلم والقمع وانعدام العدالة والاضطهاد السّياسي والمدني النّاجم مِنْ استبداد وديكتاتورية الرّئيس واستئثار بالرّأي والسلطة والثّروة هو وزوجته والعديد من أفراد أسرتيهما ومُصادرته للحريّات والتّعبير...« ... (6)
وإذا كان مضمون العمل الأدبي هو الانعكاس الواعي للحقيقة الموضوعيّة فكتاب الأستاذ محمّد المثلوثي يبحث ويفكّك ويحلّل الحقائق المغيّبة حول شخصيّة الطّاغيّة وتصرّفه الشاذّ بنهب وسرقة أموال الشّعب وأحلامه وحقّه في الحياة والكرامة وزُمرة من عصابته المتخصّصة في النّهب والسّرقة كما يكشف الغطاء عن الواقع السّياسي والاجتماعي المرير الذي يتسبّب فيه الحكم الدّيكتاتوري:
»وهذا النّظام لا يحتمل صُعود أيّ أصوات أخرى غير صوت الحاكم الوحيد الأوحد الفريد الذي يقول لسان حاله: »أنا رئيسكم الأعلى، وكلّ الشّعب هو في خدمتي وخدمة عائلتي، حبّ من حبّ وكره من كره، والويْل كلّ الويل لمن يتمرّد على نظام العشيرة ويقول لها يوما »لا«، فمصيره السّجن والنّفي والتّشريد وحتى الموت، وهو أمرٍ عاديّ وطبيعيّ جدًّا عند عائلة الطّاغية.
هذه الوصْفة لا تنطبقُ تمامًآ الاّ على نظام بن علي وزوجته المُجرمة، هذا النّظام الذي لم يتردّد لحظة في إقفال كلّ الأبواب في وجه كلّ من يخالفه الرّأي أو حتّى يشتكي »إن كان شُجاعًا« من الظلم والقهر والجبروت والاقصاء والإبعاد، إلى أن أصبحنا أُضحُوكةٍ في العالم، وعلى سبيل المثال أصبح في فرنسا يُضربُ المثلُ بالانتخابات التونسيّة التي ينجحُ فيها الرّئيس دائمًا بنسبة لا تقلّ عن 95 في المائة إذ يقولون »انتخابات تونسيّة«، بإحكام نظام بن علي قبضته على كلّ البلد وتكميم أصوات كلّ أبنائه أصبحت تونس تعيشُ فراغًا سياسيّا مُخيفًا...«... (7).
وكلماته مكسّوةٌ بغلالاتٍ كثيفة من الأحزان أسقطها المناخ العام الذي عاشته تونس:
»ورغم القيود المتينة التي فرضها نظام بن علي على حريّة الاعلام في تونس، فإنّ أحاديث الفساد لم تَخْفَ عن الشّعب التونسي الذي أخرج مرارته... منها في شكل نُكتٍ يتناقلها النّاس خفية، أو تنثرها مقالات للمُعارضين المنفيّين في الخارج، حتّى أصدر الكاتبان الفرنسيّان الصّحافيّان »نيكولا پو« و»كاترين جراسييه« في أكتوبر 2009 كتابًا خاصّا عن فساد عائلة الطرابلسي والعائلات التي تجرّها وراءها بعنوان: »حاكمة قرطاج الاستيلاء على تونس«... (8) كذلك يُطلق بعضًا من الزفرات الحبيسة:
»بينما بن علي هارب في السعودية مُستجيرًا بعد أن رفضت فرنسا ومالطا وايطاليا حتّى الآن إعطاءه حقّ اللُّجوء السياسي تُلاحقه هُتافات الشّعب التونسي، وهو يردّد ذلك البيت الموجود في نشيده الوطني: »فلا عاش في تونس من خانها.. ولا عاش من ليس من جُندها«.
وسوف تُطاردُه أشباح الأبرياء الذّين قُتلوا برصاصهِ ولن يتركوه ينام حتّى في قبره...«... (9) وكأنّه يجد في الكتابة ملجأ أو مسكنًا يُخفّف من وطأةِ الإحساس بالقّهر.
»منذ الأيّام الأولى لحكم بن علي تقاسمت مجموعات النّفوذ من أقربائه وأفراد عائلته الذّين كانوا فقراء في ذلك الوقت، تقاسموا أدوار الاستيلاء على كلّ منابع الثّروة في البلاد، إنّ المعلومات التي توصلت إلى جمعها في وقت قياسيّ وكذلك الأرقام التي تتخلّلها هي لإعلام الشّعب التونسي والقارئ الكريم أيْنما كان عن الممارسات اللاّأخلاقيّة التي كانت تصدر عن رئيس دولة وزّع خيرات شعبه الكادح على مجموعات من أقربائه وحاشيَتِهِ الفاسدين المُجرمين ضاربًا عرض الحائط بكلّ المبادئ والقيم الأخلاقيّة والحقوقيّة والعدليّة والانسانيّة بطريقة لم يشهدها بلد في التّاريخ البشريّ، فقد كان يلعبُ دور الحكم بين اللُّصوص، يُعطي لهذا لأنّه راضٍ عنهُ ويمنعُ ذلك لأنّه غاضب عليه...«... (10) فالبَحث والتّحري عن الحقيقة وكشف أسرار حكم الطّاغية قد شكلت الإطار الذي تحرّكت داخله فصول الكتاب:
»وهذا النّوع من الحكم الجائر، الفوضويّ، المتكبر والمُتجبر والمنحرف ينجرُ عنه دائمًا سقوط الشّعوب امّا في طريق الانحراف والجريمة المُنظمة (كما هو الشّأن في بعض دول أمريكا اللاّتينية) أو اللّجوء إلى العُنف السياسي المُضاد وبالتّالي الثّورة على نظام الطّاغية لأنّ الشعب الذي سُلبت كرامته لم يبْقَ لديه شيء سيخسره من جديد...«... (11).
المعاني أوسع وأشملها داخل مقالاته تتحرّك وتُشارك في تصاعد الفعل الاجتماعي أو السّياسي وذروة احتقانه بانبثاق الثّورة المُباركة:
»وهاهي ثورة الشّعب من الشّباب التونسي تنفجر اليوم دون تخطيط مُسبق ولا تأطير مُرتقب، وبذلك فهي تكذّبُ كلّ الأطروحات والنّظريات الاجتماعيّة والسيّاسيّة البائدة.. فجّرتها إرادة شعب مقهور كَتَمَ غيضه سنينَ طوالاً احتمل خلالها السّير على الجمر والنّوم على التراب والعيش بالكفاف... وأثبتَ هذا الشّعب لكلّ شعوب العالم أنّ الثّورة في حاجةٍ إلى وجود الظّلم والطّغيان والقهر والمذّلة والهوان وفقدان الكرامة وانعدام العدالة فقط...«... (12) والكاتب عايش واقع البلاد في ظلّ حكم الطّاغية وتجرع كالآلاف مرارته:
»بل انّ هذه الدّيكتاتورية البُوليسيّة لجأت إلى تأسيس علاقات وروابط مع رجال »البزْنس« لاقتسام العُمولات والصفقات والغنائم ليس فقط نتيجة لضعف رُموزها أمام إغراءات المال والثّراء، وليس فقط بدافع تأمين المستقبل وإنّما أيضا لضرورات البقاء في السلطة وكلّما تعزّزت علاقات الطّرفين وتشابكت مصالحهم تتقوى اليد العُليا لحماية النّظام وإحاطته بسياجٍ من الولاء مدفوع الثّمن.. وهذا تحديدًا ما ساعد بن علي على الاحتفاظ بالسلطة طويلاً، وحين تكون السلطة السياسية القائمة هي التي تحُثُّ على الفساد، لابل تدفع إليه دفعًا منظمًا، كما هي الحال بالنّسبة إلى سلطة السّابع من نوفمبر في تونس، فإنّ الفساد يُصبح مؤسساتيًّا، فكما يقول المثل الشعبيّ: »المال السّايبْ يعلّم السّرقة«...«... (13).
هي كتابة تحْتدمُ فيها الظروف وتتأزّم الحالة: »فجر انتحار الشاب محمّد البوعزيزي ابن مدينة سيدي بوزيد احتجاجات شعبيّة واسعة وعنيفة في أغلب المدن التونسيّة خلّفت إلى حدّ الآن قرابة المائتي قتيلا حسب المصادر الأمنية، وتنازل على اثرها الرئيس التونسي بن علي عن السلطة قهرًا وفرّ هاربًا بعد إقالته للحكومة وحلّه للبرلمان، كيف حدث هذا؟
مُخيف جدّا أن يعيش شعب تحت وطأة الفقر والجوع والبطالة وغياب العدل وفساد الحكومة وبطانتها واستبداد الحاكم وطُغيانه واحتقاره لشعبه وتهميش طاقاته وإبعاد نُخبه المُصلحين...«... (14) وهي كذلك تدعونا إلى تجاوز ظواهر الكلمات لتتأمل أبعادها:
»ربّما لم تحلم ليلى وهي تُشاهد أبَاهَا البسيط يبيع الخضروات في شوارع تونس أنّها ستكون زوجة رئيس هذا البلد بنسبة 9،99٪، ولكنّها بالتّأكيد لم يكن يخط ببالها بنسبة 100٪ أن يقتلعها من جاهها وسلطانها العريض بعد أن تتسيّد الدولة، ويُلقي بها في مزابل التّاريخ خارج البلاد بائعٌ للخضروات ، احترق قلبُهُ من مظاهر »فساد« عائلتها وحاشيتها قبل أن يحرق جسده...«... (15).
كما تتراءى لنا عناصر المأساة التي عاناها الشّعب التونسي منم عصابة السّرقة والنّهب والفساد لثروات البلاد: »علما أنّ زين العابدين بن علي له اثنى عشر أخًا وأُختًا وكان والده (رحمهُ اللّه) فقيرًا يعملُ في مرفإ مدينة سوسة عاملاً بسيطًا، وهنا أتذكّر مقُولة رائعة للصّحافي التونسي المشهور صاحب مجلة »جون أفريك« حيث قال في شهر ديسمبر 1987(إنّ للرئيس المخلوع الحبيب بورڤيبة ولدًا واحدًا وقد وقع إبعاده عن القصر الرئاسي وعن السلطة تمامًا، ولكن ماذا سيفعل التونسيّون اليوم مع الإثني عشر أخًا وأُختًا لرئيسهم الجديد »بن علي«) صدَقْتَ ياسي البشير بن يحمد لأنّ هؤلاء الاخوة الإثني عشر قد وقع تعزيز صفوفهم بإثني عشر آخرين من عائلة الطرابلسي الذين عاثوا في تونس فسادًا قُرابة رٌبٌع قرنٍ...«... (16) وهي العناصر كلّها التي تتضافر في تعميق الاحساس بالغُبْن والقهر:
»وإضافة إلى »الفساد المالي« تتّهم جهاتٌ مُعارضة ليلى الطرابلسي ب »الفساد الاجتماعي والأخلاقي حيث يقولون إنّها تقف وراء التّضييق الشّديد الذي تتعرّضُ له الفتيات المُحجّبات في تونس والقوانين التي تُخالفُ الشّريعة الاسلاميّة ويقول الشّارع التونسي أيضًا عندما كثُرت مظاهر الدّعارة والفجور على قارعة الطّريق وفي النّزل والمقاهي الفاخرة في جلّ المدن التّونسيّة والأمن لا يلتفت إلى من يقومون بهاته المظاهر يقولون أنّ لديهم تعليماتٍ من »فوق« بألاّ تضييق على الفتيات خُصوصًا في اللّيل«. إذ رجل الشّارع يقول التّونسي »بأنّها حجّامة، وأنّها...« وأنّها... الخ...« وهذا كلّه حقيقة يعرفها الخاص والعام« قالت حينئذك »بما أنّي أنا... و»...« فسوف أجعلُ كلّ النّساء التّونسيات... مثلي«، لكنّها لم تُفلح، والحمد للّه...«... (17) والكتابة لديه عمليّة مُتكاملة ومُترابطة:
»وللأمانة التّاريخية والذّاكرة الوطنيّة دائمًا يجبُ أن يعلم كلّ الشّعب التّونسي أنّ وسائل الاعلام الوطنيّة والخاصّة في تونس (بجميع أنواعها) بدأت تعتني بكلّ احتشام بموضوع هذه الثّورة العظيمة التي يُسمّونها أحداث شغب وفوضى وعُنف وإجرام، بدأت هاته الوسائل تتحدّث ابتداء من يوم 10 جانفي 2011، يعني بعد اندلاع الثّورة بثلاثة أسابيع...«... (18) هنا تذوب الذّاتيّة الخاصّة للكاتب وتطغى الذّات العامة للمجتمع:
»نحن شعب صغير وموارد بلادنا الطّبيعيّة محدودة فإذا لم يتوفّر الأمن الاجتماعي والاستقرار السّياسي فإنّنا ذاهبون جميعًا إلى الهاوية »لا قدر اللّه«، فنحن ناس مُتحضّرون نُحبّ بلادنا ونُحّب شعبنا، لكنّنا سوف نتصدّى ونكون بالمرصاد لكلّ الذين تُحدّثهم أنفسهم أن يجعلوا من تونس »لبنان أو سودان«...«... (19).
وكشاعر لديه أُذن موسيقيّة في حُسن تأليفه أو صياغته للجملة، نرَاهُ يبثُّ في أوصالها إيقاعًا داخليًّا:
سأطلق للشّعر العنان أناضل فالشّعب من كأس المظالم ثامل
يا صانع التّغيير أين بيانكم للسّابع المشؤوم عندي دلائل
من ربع قرن جئتنا مُتفائلا فاستبشر الشّعب وقام يُهلّل
ثمّ اعتليتَ رقابنا متجبّرًا واليوم حامي الشّعب أصبح قاتل
ضاقت حياةُ الخلق حين قهرتهم بالغاز والبارود وهي قنابل
ماذنْب من أكل الرّصاص صدورهم أو ما علمت بأنّ حكمك حائل
ماذا تُجيبُ اللّه عن قتلاك في يوم الحساب إذا غدوت تُسَاءَلٌ
أوْدعت نُخبة شعبنا بسجونك أمّا المثقف فهو أصبح باقل
والنّفي والتّشريدُ هو مصيرُ من كتب الحقيقة أوْ لَهَا هو قائل
سخّرْت أبواق الدّعاية كاذبًا ليزوّقُوا أعمال من هو فاشل
وزرعت في كلّ البلاد مكاتبًا بالمُرتشين تعجّ وهي مزابل
فقصيديه كأنّما كُتبت بحروفٍ من اللّوعة (20):
ومنابع الثّروات تُنْهب جهرة ويلٌ لمن يحتجُّ، أمّه ثاكل
طلّقت زوجًا من خيار أصولنا وأخذت أخرى في الرّذيلة ترفُل
وصبغْتَ شيْبَكَ لاجتناب وقاره إذ لست أهلا للوِقَارِ أواهل
كلّ اللّئام جمَعْتَ حولك أختهم تحمي اللّصوص بقصرها تناول
ورفعت كلّ السّافلين إلى العُلا فبنوْا قصورًا للسّماء تُطاول
تُؤججُ في قلبه آلامًا تتحوّل شعْرًا يقطُرُ حسرة: (21)
وجعلت من دستورنا لك حُلّة قد زيّنوها منافقون وجمّلُو
ومصارفَ الشّعب الفقير فتحْتَها لعصابة السُّراق فيها مناهل
والصّخرُ صهْرًا من رموز فسادكم أضحت لديه والطّائرات ذوامل
ونسى كتاب اللّه مُسْتترًا به ونسى بأنّه في النّهاية سافل
ولّدْتَ فينَا الحقْد حتّى أنّه قد صَارَ كُرْهُك في الرّقاب خلاخل
وإذا ما كانت اللّغة كائن حيّ متطوّر »فرّ« (22)
يجد القارئ انفصالاً بيْنهُ وبين لغة فصول »سقوط الطّاغية«
»ثمّ قل لي أيّها المعتُوه ألم تكن تؤمنُ بثورة الجماهير وتتيهُ عشقًا وهيَامًا بشي اسمه »الثّورة الشعبيّة« لكنّك اليوم بمجّرد أنّ صديقك وشقيقك ومثيلا في الكذب والنّفاق قد أطاحت به إرادة الجماهير تنكّرت لأفكارك وانقلبت على مُعتقداتك وارتددت على نظريّة كتابك الأسود« ألا تخجلُ من نفسك حين تنظرُإلى وجهك في المرآة، أو هل تظنّ أنّ شباب العالم المُثّقف لا يعرف من أنت؟ واعلم أيّها المغرور الذّي يظنّ نفسه في أمن من غضب الشّعب ونقمته عليك أنّه سوف يأتي يوم عليك قريبًا تتمنّى فيه لو أنّك أُصبتَ بمرض عُضال وتوفيّت قبل أن ترى أبناء الشّعب اللّيبي العظيم أحفاد عُمر المختار يقومون بطردك ذليلاً حقيرًا مثلما فعل الشّعب التّونسيّ المغوار بزميلك المخلوع بن علي...«... (23).
فمن خلال قراءتنا المتّأنية لفصول كتاب »سقوط الطّاغية« تتبيّن لنا سلبيّات وكوارث الحكم الدّيكتاتوري حكم الفرد / المتفرّد بالرّأي والتّعليمات على شعب كامل إذ ترتبط بالشّخص / الحاكم الفرد / عصابات النّهب والسّرقة والفساد وبالتّالي تضيعُ حُقوق النّاس وتُهدرُ كرامتها فالأقربون أولى المعروف كما يُقال من »السيد الحاكم وثروات البلاد بأيديهم«.
فالثّورة المُباركة في تونس تقتضي في المقام الأوّل مبدأ التّداول السّلمي على السلطة وعدم تقديس صورة الحاكم بأيّ شكل من الأشكال وإعادة الحُقُوق أصحابها ورفع الظّلم والقهر عن شعب عانى كثيرًا من عصابات بإسم »الشّخص الحاكم« أو »الحزب الحاكم« أو »الرّأي الواحد« وإنصاف المقهورين ورد الكرامة للفقراء والمعوزين والحرص على توفير فُرص الشّغل لسواعد الشّباب المفتولة، أو ليست الثّورة المجيدة قامت أساسًا على تضحيات ودم الشّباب العاطل؟!...
فالشّباب الذي أسقط الطّاغية وأزلامه وعصابته يستحق الحياة والكرامة والحريّة في تونس جديدة تقطع مع البائد.
❊ إحالات:
راجع كتاب »سقوط الطّاغية« للشّاعر والكاتب: محمد المثلوثي المغاربية لطباعة واشهار الكتاب / تونس: الطبعة الأولى: فيفري 2011 ص 4
المرجع نفسه ص 7.
المرجع نفسه ص 7.
المرجع نفسه ص 6.
المرجع نفسه ص 11.
المرجع نفسه ص 10.
المرجع نفسه ص 24.
المرجع نفسه ص 25 26.
المرجع نفسه ص 29.
المرجع نفسه ص 36.
المرجع نفسه ص 36 37.
المرجع نفسه ص 5.
المرجع نفسه ص 74.
المرجع نفسه ص 77.
المرجع نفسه ص 24 25.
المرجع نفسه ص 8 9.
المرجع نفسه ص 26 27.
المرجع نفسه ص 86.
المرجع نفسه ص 112.
المرجع نفسه ص 114.
المرجع نفسه ص 114 115.
المرجع نفسه ص 115.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.