على امتداد اعتصامي القصبة 1 و2 كانت تولد ظاهرة جديدة ومختلفة من رحم الاصرار وإرادة العروج بالثورة من مجرّد مصطلح ممجوج يتبارى الجميع على تكراره إلى فعل ميداني متجذّر في أرض الواقع، منطلقا وغاية وأداة. وقد زادت التجربة المريرة التي مرّ بها المعتصمون في القصبة 1 حين طالتهم يد القمع والاستبداد وفلول الثورة المضادة التي أرادت الالتفاف على دماء الشهداء وتركيع إرادة التغيير الحقيقية التي تعتمل في صدور الشباب التونسي بعيدا عن حسابات الربح والخسارة. زادتهم هذه التجربة قناعة بأنّهم يسيرون على طريق الثورة، ممّا أهلهم لخوض غمار تجربة القصبة 2 والنجاح في الوصول إلى تحقيق مطالبهم، مطالب عموم الشعب التونسي، بإعلان مجلس وطني تأسيسي وحلّ مجلسي النواب والمستشارين وحلّ جهاز البوليس السياسي هيكلة وذهنية وحلّ التجمع الدستوري الديمقراطي. إنّ طبيعة الأهداف التي طرحها شباب القصبة على أنفسهم دون استشارة أي حزب أو تنظيم والنضالات الميدانية التي خاضوها طيلة أيّام وليالٍ مضاف إليها تمثيليتهم الواسعة التي عكست كلّ جهات الجمهوريّة وصهرت كلّ الفئات الاجتماعيّة بقطع النظر عن مواقعها الاجتماعية ومرجعياتها الفكريّة ومواقفها السياسيّة، جعلتهم يحوزون اجماعا شعبيا أكّد نزاهتهم وصدقية غاياتهم وأهدافهم الوفيّة لمبادئ الثورة التي نادى بها عموم الشعب بكل قواه الحيّة والميّتة أيضا. هذا الاجماع الشعبي الذي تجسّد يوم الجمعة العظيم (25 فيفري 2011) شكّل شرعيّة لم ينجح الرئيس المؤقت وحكوماته الثلاثة في الظفر بها. ولا استطاعت أي قوّة سياسية أو اجتماعيّة إدراكها. إنّهم بكل بساطة »شباب القصبة« القوّة الرابعة التي يجب أن تنتبه بقيّة القوى ممثّلة في الحكومة أو الأحزاب أو منظمات المجتمع المدني إلى أهميّتها بوصفها الوليد الشرعي لهذه الثورة، ثورة الشباب، ثورة المدوّنين، ثورة العاطلين، وثورة الحريّة والكرامة، فجميع هذه التسميات عناوين تعبّر عن ظاهرة القصبة الثوريّة التي لم يرتبك عدّادها إلى اليوم رغم التهديدات والاغراءات والرغبات الجامحة في توظيفها. إنّهم عصارة شباب تونس، من كل الجهات وأبناء الثورة الذين ولّدوها بسواعدهم ودمائهم فولدتهم من رحمها. إنّهم بكلّ جدارة »حزب القصبة« الذي لا يطلب إذنا أو تأشيرة لممارسة أهدافه المعلنة حراسة الثورة من كلّ أعدائها البعيد منهم والقريب.