في غياب دولة القانون والمؤسسات وفي زمن اخضاع جميع دواليب الدولة إلى سلطة فرد واتباعه وبيادقه تكرس قانون الغاب وتجذّرت ممارسات ربما لم تشهدها حتى »جمهوريات الموز«. وفي ظلّ الغياب الكلي للرقابة والمساءلة والمحاسبة برز »سطيش« أو »عبعب« هذا الذي استفرد بقطاع الاعلام ليعيث فيه فسادا. فقد اخضع هذا الشخص القطاع إلى جبروته وتسلطه وجعل منه ملكا خاصا يديره حسب رغباته ارضاء لاسياده ولتحقيق اهدافه جعل له في كل مؤسسة إعلامية عيونا لا تنام ولجان يقظة يسهر افرادها على متابعة ما يجري داخلها حتى لا تفوت سيدهم أية شاردة أو واردة. كان لا بد من هذه المقدمة قبل الخوض في الموضوع الاساسي الا وهو ما تعيشه وكالة تونس افريقيا للانباء اليوم من احتقان بسبب ممارسات »عبعب« طيلة الحقبة الماضية والتي تعاني منها الوكالة اية معاناة حيث اجبر مختلف مديريها العامين على انتداب افراد بالوكالة دون ان يلتحقوا بها او يعملوا يوما واحدا بها مع الحاقهم بمؤسسات أخرى ومنحهم رواتب وإكراميات خيالية تفوق ما يتقاضاه المدير العام نفسه. وقد تجلت هذه الممارسات التي لا تخضع الا إلى القوانين التي وضعها أشخاص متنفذون في عهد المخلوع من خلال هذه الانتدابات الوهمية وخلق المناصب الافتراضية لافراد داخل الوكالة فيما وجه هؤلاء الأشخاص للاشتغال مؤسسات أخرى وبالتالي لم يضعوا أقدامهم البتة داخل الوكالة وهم يريدون اليوم الالتحاق بها وهو ما جعل اطارات »وات« يرفضون رفضا قاطعا محاولة »استزراع« هؤلاء الاعوان المنتدبين بصورة غير شرعية بصفة صحافيين واداريين وبطريقة فيها خرق واضح للقانون الاساسي ولاعتبارات تتعلق اساسا بالولاء لاطراف سياسية نافذة في النظام البائد. واحتجاجا منهم على هذا الاستهتار بالقوانين ورفضا منهم لمحاولات التمويه والسفسطة وعدم الشفافية في التعاطي مع هذه المسألة الخطيرة قرر هؤلاء الصحافيون حمل الشارة الحمراء ابتداء من غرة افريل الى حين الاستجابة لمطلبهم المتمثل في بالاساس في رفضهم القاطع التحاق هؤلاء الافراد بالوكالة، وقد ضمن صحافيو »وات« اعتراضهم هذا صلب عريضة وجهوها إلى الادارة العامة التي وجهت بدورها مراسلة إلى الوزارة الاولى في هذا الشأن ولكن هذه المراسلة لم تَرْقَ إلى مستوى آمال صحافيين الوكالة حيث انها لم تتبن مواقفهم ولم تدافع عنها. ومما أزّم الامور ان الوزارة الاولى طالبت حسبما جاء في ردها بالحاق هؤلاء الاشخاص الذين وُسِمَ بعضهم بممارسات منافية لميثاق شرف المهنة حيث احترف احدهم مهنة »سب وشتم المعارضين وانتهاك اعراضهم« على صفحات الجرائد والفضائيات فيما تخصص آخرون في مرافقة الصحافيين الاجانب واقتناء الهدايا لهم. ويعد التحاق مثل هؤلاء بالوكالة اشارة سيئة إلى »عودة حليمة الى عادتها القديمة« المتمثلة في الثلب والسب وكأن البلاد مازالت في حاجة بعد ثورتها اليهم أو كأن اشخاصا يريدون الحفاظ عليهم ليوم قد يأتي. لذا تقرّر حمل الشّارة الحمراء قبل الوصول إلى تحركات نضالية اخرى وذلك بالتنسيق مع الاتحاد العام التونسي للشغل، وإمعانا في الاستخفاف بالقانون الاساسي للوكالة الذي استندت عليه الوزارة الاولى في ردها على المطلب الشرعي للعاملين بها فإن هؤلاء الاشخاص يتمتعون إلى يوم الناس هذا برواتب مرتفعة كما ان سكرتيرة أحد وزراء الاتصال المخلوعين تتمتع طيلة السنة بمنح »الآحاد« التي لا تمنح الا للصحافيين والموثقين والمصورين. أفلا تتطلب مثل هذه الخروقات والانتهاكات احداث لجنة تدقيق مستقلة للنظرفي مختلف اشكال الفساد واستغلال النفوذ والمحسوبية وإهدار الاموال العمومية وفتح تحقيق قضائي في طرق انتداب هؤلاء الاشخاص حتى نشعر اننا على طريق بناء دولة القانون والمؤسسات والقطع نهائيا مع ممارسات استشرت خلال العهد البائد والا فإنّ أيّ حديث عن... يعدّ هراء في هراء. وكان قد جاء في الرسالة الموجهة إلى الامين العام للاتحاد العام التونسي للشغل ونقابة الصحافيين التونسيين ان العاملين بالوكالة قرروا حمل الشارة الحمراء ابتداء من غرة افريل 2011 رفضا منهم لقدوم هؤلاء إلى مؤسَّسَتهم سيما أنّّه تم ترسيمهم ومنح بعضهم خططا وظيفية دون وجه حق وتمكين البعض الآخر من الحصول على منحة »الآحاد« علما أنه تم انتدابهم لاعتبارات تتعلق اساسا بالولاء لاطراف سياسية نافذة في النظام البائد. وقد طالب أعوان الوكالة بشطب هؤلاء الافراد من قائمة العاملين بها مقررين في حال رفض مطلبهم هذا الالتجاء إلى أشكال آخر من التحركات.