«يا وطني المعروض كنجمة صبح في السوق في العلب الليلية يبكون عليك ويستكمل بعض الثوار رجولتهم ويهزون على الطبلة والبوق» (مظفّر) يمرّ الشهر الثالث بتمامه وكماله وبكل آلامه ومخاضه العسير ولا شيء في المدى ينبئ بأن المولود سيكون في مستوى التخصيب والحمل وأوجاع الولادة، كان المولود من البدء مطعونا في نسبه لذلك تبناه الجميع وتهافتوا على اختيار اسم يليق به وحدهم آباؤه الشرعيون صمتوا لان ظلمة القبور غيّبتهم وحرارة دمهم التي لا تزال تحاصر وجوه ذويهم تستصرخ بقيّة حياء فينا ان »لا نطلب قصاصا من قتلتنا ولكننا نطلب خلاصا حقيقيا لشعبنا«. لن يعرف الوليد أباه، فقد خصبت خلاياه بدماء جديدة معدلة جينيا ومستنسخة هي مخابر صنّاع القرار الدوليين وحرفائهم المهرة المدربين. لا يزال الوليد حبيس شرنقة التجريب، وجراحات التجميل المجهريّة وأمام اختلاف الخبراء وشهود الزور بدت ملامحه تبدو نشازا بلا ملامح وبلا سمات بلا روح قد تذكّر ولو تلميحا بأصوله الحرة الكريمة وبنسبه الغائر في دواخل الصبّار والحلفاء. إلى أن تنقضي أيام الحمل التي قد تطول سيواصل المولود تشكله على غير ما شادت له احلام ذويه الشرعيين. »كوني عاقرة يا أرض تونس فهذا الحمل من الآن ذميم« يتعملق رأس المولود من فرط ما حشي ولقح من احتمالات لا تفضي إلا إلى سبيل يقطع مع الثورة وتضمر أطرافه وتذوي إلى صور تتداعى نحو الاحباط واللامبالاة. وتتراجع الانتظارات على مدارج المسرح، وينسحب ابطال القصبات التي منحتنا هواء مفعما بالعزّة والامل ويعود الخواء والجدل الكاذب والفكر الكاذب ليغزو ببرودة عقل جليدية كل المساحات التي خلفتها حرارة الشعلة التي جابت البلاد من بوزيد الى القصرين مرورا بكل المدن والارياف الداخلية لتصل الى مدينة الصفيح والضبابيّة ذاوية مطفأة من نور العيون التي انطفأت على هامش التاريخ. قد يحاكم الشهيد محمد البوعزيزي بتهمة التحرّش السياسي بنظام كان ولا يزال الابن النجيب لدوائر دولية خفيّة لا تقبل في منجدها لفظة الكرامة بعيدا عن منطق الربح والخسارة من الآن لا عزاء للشهداء غير الشهادة بدمائهم على عصر لا يشبه الا ما شاءت له نواميس القدر الكوني، عصر تضخّم فيه رأس الثورة وهزلت أطرافها حتى غابت فيها الحياة أو كادت ف ولشباب الثوة أن يشربوا من بحر »لامبادوزا« أو أن يغرقوا في لجج أمواجها المهاجرة دوما من الجنوب إلى الشمال!!