كان رجل قد سافر. فأوغل بعيدا في مفازة من المفازات. فتقطعت به السبل. ولما حلَّ به الليل ألفى نفسه غير بعيد عن ضوء يغطس إلى أسفل واد. فتنزّل إليه، ونادى: يا صاحب البيت بالله عليك اخرج إلي! فرد عليه صوت امرأة قائلا: من أنت؟ فقال: لقد تقطعت بي السبل، وإني لراغب في المبيت عندكم. فقالت: ولكني أعيش بمفردي في بيتي هذا المتواضع، وليس لي غير حجرة واحدة فرد قائلا: ولكني رجل ديمقراطي. فسألته ما تكون ديمقراط التي منها جاء، فشرح لها معنى »ديموس كراتوس« مبينا لها أن الكلمة تعني في اليونانية القديمة حكم الشعب نفسه بنفسه، ولا تعني أبدا بلدا من البلدان، ولكنها لم تعر كلامه كبير اهتمام. بل قالت: ولكن بم ستنام؟ فقال: ببيجامتي. فقالت: لا، لا، ليس هذا ما أقصد. فتدارك أمره قائلا: بفضلك. فردت: ولكني لا أملك لك فراشا. فقال: ننام في فراش واحد. كل في حيزه، فأنا رجل ديمقراطي. وناما ليلتهما تلك نوما ديمقراطيا، ولما جاء الصباح نهض من نومه فاغتسل وخرج قدام البيت فتمطى طلبا للهواء ونور الشمس، إلا أنه ألفى نفسه قدام قنّ دجاج. فوقع بصره على أمر لم يألفه وقع على عشرة ديكة ودجاجة واحدة. والعادة تقضي أن يكون الديك واحدا والدجاجات عشرا. فصاح بالمرأة: »غريب أمرك أيتها المرأة! أعشر ديكة ودجاجة«؟ فقالت وبالحلق غصة وبالقلب انكسار: »لا تعنّ نفسك، إنها سراديك ديمقراطية«. فالتبط على الأرض واغتبط وصاح جذلان: »أماه! إنها مثلي ديمقراطية، إنها مثلي ديمقراطية«. فأجابته وخيط من ابتسامة رفيعة قد شق ما بين شفتيها: لا، لا، بل أنت ديمقراطي جدا جدا«.