تأكيدًا لمساعي بقايا رموز النظام السابق، وبالتّحديد أنصار الثّورة المضادّة الذين ما فتئوا منذ هروب الطاغية ينقلبون على ثورة شعبنا ويعملون جاهدين على احتوائها والالتفاف على ما حققته من مكاسب لعلّ أهمّها مشروع الانتقال الديمقراطي الذي تقدّمت فيه الجماهير والقوى السياسية الحيّة في البلاد أشواطًا كبيرة. ولأنّ الانتقال إلى الدولة الديمقراطية الشعبيّة الحرّة لا يخدم مصلحة ما تبقّى من رموز الديكتاتوريّة، عمدت هذه الأخيرة إلى إجهاض نضالات أحرار تونس عن طريق القمع والتشويه والتّزييف المعلن الذي التجأت إليه الحكومة عبر وسائل الاعلام أو عبر أشكال أخرى، فتنكّرت بذلك لمطالب الشعب الذي يريد تحقيق أهداف الثّورة وتأكيد مكاسب ثمرة نضاله التاريخي. وما نلحظُه اليوم هو تأكيد لِمَا تسعى إليه ديكتاتورية ما بعد بن علي في التنكّر المتواصل لجماهير تونس الثورة، وأنّنا بحكومة السّبسي، وان لم تكن معلنة في اقرارها، فإنّ عمق موقفها واضح تجاه أبناء الشعب. وكأنّنا به هُنا يستهزئ ويستخّف بنا على الطريقة »الڤذافية« عندما سأل الشعب الليبي وأجاب في نفس الوقت ب »جرذان«. في المقابل فإنّ الشعب التونسي سيجيب الحكومة قبل أن تطرح السؤال أي سؤال »من أنتم«؟ وإذا حاولنا الوقوف أمام لحظة أولى نكون فيها على درجة كبيرة من الوعي بحقيقة هذا التساؤل الذي يُطرح قصد الاجابة لغاية التوضيح وفتح الأفق الذي يخوّل للجميع فهم حقيقة الوضع السّياسي العام في البلاد، تكون بذلك إجابتنا على سؤال: »من أنتم«؟ على النحو التالي: »نحن أبناء تونس اسمًا ولقبًا وتاريخًا، نحن عصارة أجيال جيلاً بعد الآخر بآبائنا وأبنائنا ورواسب وميراث أجدادنا الذين بنوْا هذا الوطن وحاربوا الاستعمار وعانوا من ويلات البايات ومن بعدها الديكتاتوريات التي توالت وتداولت على قمع الحريّات من بورڤيبة إلى بن علي. لكن، إن لم يكن هذا كافيًا فعليك بإعادة طرح السؤال مرّة ثانية، »من أنتم«؟، نحن من أخرج الاستعمار ودفعنا ضريبة ذلك وقدّمنا شهداء للجلاّز وطهّرنا من المستعمرين زنڤة زنڤة، ودار دار. وحقّقنا بذلك الاستقلال الشكلي وواصلنا المسيرة نحو الاستقلال التامّ بالنضال والنضال دائمًا من أجل القضاء على الديكتاتوريّة. حتّى الآن : من أنتم؟ نحن شعبٌ لا يستسلم، لا يعرف الجبن ولا الخوف، ولنا قناعات بكون الانعتاق والحريّة لا يتحقّقان من فراغ بل بدفع الضّريبة ورغم ذلك مستعدّون لمواصلة الطريق وتقديم التضحيات أكثر فأكثر من أجل هذه الخبزة المرّة والحريّة والكرامة الوطنيّة. ولعلّ أبرز مثال على ذلك ما قام به الشعب التونسي اليوم عندما ضرب موعدًا مع التاريخ، يوم ثار على الوضع المتردّي وتسلّح بالارادة، فأسقط الطاغية وأمسك بالسماسرة والمضاربين ومصّاصي دماء الشّعوب... لكن ليس كلّهم. لذلك، مازلنا إلى اليوم في طريق النضال نحو استكمال مهامنا الثّورية وبناء الدّولة الديمقراطية التي تربط مع تاريخ تونس وتاريخ تونس وتاريخ نضالات شعبها وحركات التحرّر الوطني في البلاد. »أعي ذلك، لكن من أنتم؟« نحن الذين أقسمُوا بشرف الشّهداء وصدق الأوفياء أنّنا لن نركع ولن نخضع ولن نساوم ولن نقبل مستقبلاً بأن نُنْعَتَ بالجبناء والقطعان الذين طالما ساروا وراء راعٍ لم يمُتّ يومًا بصلة برعّيته. أيضا، نحن الذين أخذنا على عاتقنا مهمّة تاريخيّة مفادها وأساسها تحرير تونس واسترجاع حقوق أبنائنا التي طالما سُلبت منهم عقودًا. قلت لك: من أنتم؟ نحن عموم التونسيين والتونسيات، قوى شعبيّة وسياسيّة، أي جماهير وأحزاب، لكن حذار ليس كلّ الأحزاب،،، بل أقصد الأحزاب التي لم تقبل بالالتفاف على ثورة شعبها واقتسام ما حقّقته من مكاسب مع رموز الديكتاتورية، كما أنّها لم تقبل بأن تكون شاهد زور على مهزلة تاريخيّة جديدة مثلما ذهب إلى ذلك البعض وأقدم على ذلك بكلّ روح وانتهازيّة حتّى يكشف عن عمق تغليبه للمصالح الحزبيّة الضيّقة على مصلحة شعب برمّته. لم أعرف بَعْدُ من أنتم؟ نحن مجموعات وأفراد من جميع الفئات، نحن شخصيات تبحث عن وطن آخر بعيد كلّ البعد عن موطن الوحوش الذي اغتُصبت فيه العقول وقُتلت فيه الارادات وسُجنت فيه الأجساد ولُجمت فيه الأفواه... نحن أيضا، من يتساءل اليوم عن ولادة المعنى في ظلّ غيابه أي عن المعنى الحقيقي للمواطن التونسي الذي يُمارس وطنّيته بكلّ حريّة.. بعدما تحرّر من الصّيغ والمؤسسات الجامدة التي كبّلته وحكمت عليه بسجن البلاهة. حتى وجب اليوم تحريره من أوثان الديكتاتورية والرّوائح المتعفّنة التي تتصاعد من صيدليّة الفاشية التي يتمّ فيها اصطناع الوحوش. نحن إذا، أغصان الياسمين، وورود الفلاّحين وأموات المقهورين والمهمّشين الذين لم تشملهم التنمية منذ زمن طويل. لذلك نطالب اليوم، بمحاكمة المجرمين الذين أذنبوا في حق المضطهدين، وإرجاع أموال المسلوبين وردّ الاعتبار للعمّال المستغلّين في مؤسسات الرأسماليين الذين هم بسلطتهم طاغون وفي ممارسة الفاسد ماضين. كما نريد تنظيم انتخابات المجلس التأسيسي في ظروف ملائمة تخوّل للشعب بشبابه ونسائه ورجاله المشاركة الفعليّة والحقيقيّة في اختيار من يمثّلهم ويضمن لهم مصالحهم لا مصالح حزبيّة ضيّقة لا تمتّ بصلة إلى الواقع ولا تنبع من إرادة الجماهير وتوافق القوى السياسية الحيّة. لكن ما نلحظه اليوم، هو كون الحكومة تسارع في انجاز الانتخابات في 24 جويلية القادم ذكرى اعلان الجمهورية التي أسّسها بورڤيبة وجماعته دون استشارة أي طرف. أكثر من ذلك، فإنّ الأسباب لم تقف عند هذا الحدّ، بل تتجاوز كلّ ذلك لنقف على أنّ شهر جويلية هو شهر الامتحانات والعطل. من جهة أخرى فإنّ إجراء الانتخابات في مناخ مناسب يقتضي أوّلا تطهير الادارة والاعلام والقضاء والحلّ الفعلي للبوليس السياسي. إذا، كلّ هذه المعطيات تبيّن أنّ الاسراع باجراء الانتخابات لا يخدم مصالح الشعب بل مصالح حزبيّة ضيّقة. بالتالي، ومهما يكن من أمر فعلى جميع التونسيين والتونسيات والقوى الثوريّة بالبلاد مواصلة النضال من أجل إيجاد الظّروف الملائمة لاجراء هذه العمليّة الانتخابية التي ستكون حاسمة ومحدّدة في تاريخ البلاد ومصير أبنائها. ... خلاصة القول: أنا فهمتكم، لكن من أنتم؟!؟... ... حتّى الآن لا نعلم!!... جهاد وج: ماجستير فلسفة (نقابي وحقوقي)