ولن أكون إلاّ مع شهقات الشّهيد أنحني لصرخات الموتى ولهاث الفارّين من لهيب اللظى لمن يخرجون كلّ يوم من أحيائنا الشّعبية يقاتلون من أجل الخبز والماء أعتذر لأنين سكننا منذ الأزمان ومع ذلك لم نكن في الموعد ويبخل بالموعد الكاذب ولكنّي لم أكن يوما من أصحاب الجلاّد ولم أكن من كتلة عبيد سيّء الآداب مازلت أنحني لمن مزّقوا جدار الصّمت فاهتزّت الأفئدة لشمس غطّت السّماء أعتذر مرّة أخرى لقطرات الدّم وصرخات الشّهيد ولأنين السّنين والصّمت الحزين لجيل مزّق أنسجة السّنين ومقولة لن يستقيم لن يستقيم فقد تجمّع الغضب وانتهى إلى حرق القضبان وأصحاب الهوى وانكتب في كلّ الأنحاء ليسقط الظّلام فقد أخزاهم اللّه في الأرض وفي السّماء ونال الشّهيد المكارم والعلى وانتهت القصور قصبا تلتهمها النّيران وتتطاول فتُسقطُ القَشَ فوق كثبان أشلاء بعد أن ربضت طويلا دون هوادة أعتذر لأنّي رأيتهم يتهافتون على الحلم ذلاّ ومرتهنا فأثقلني الصّمت ولكنّك انتفضت وبلغت السّماء مجدا وسناء فأحرقت صدأ المدينة حتّى التهب وناديت مروّعا كلّ سجّان غالبه الهوى وألبست نفسك ثوبا نفيسا مبتسما فرسموك في كلّ علياء وقد سكبوا من زمن الذلّ على المدينة كلّها حتّى مزّقت أشرعتهم مستنفرا وأعلنت نفسك إماما ومؤذّنا فأحرقت كلّ المراكب حتّى لا تغرق وسط الهوى فصرخ النّاس وراءك مردّدين سقط الظّلام واهترى وناديت بأصوات محشرجة بدأتها فلا تركنوا حتّى يسقط الفساد متهاويا ولكنّك لم ترتقب لترى الجلاّد منهزما والتحفت فراديس الجنّة وأنت الحرّ ما خانتك نفسك صرخت لكرامة وانتهيت ثائرا ولبست مجد الشّهداء منتصبا فسلام لك واعتذار لصمت سكننا حتّى ظهرت وهدّمت فينا أطياف الجبن دون رهبة فتشكّري ظاهر ورجائي جزل أعود لأعتذر متوعّدا كلّ الذين أذلّوا المدينة واحتقروا سكّانها أعتذر من جديد فأنا لست منهم ولست معهم ولكنّي مازلت مع الرّافضين للضّيم والكادحين في كلّ الأزمان ولهي بك أيها الثّائر الذي خطّ اسمه نارا في الحناجر الباردة فخرجت من صمتها صهاريجَ تنتصب وقد اعتاد النّاس أنّ الأحلام لا تسكر إلاّ في حالة الرّضى فأثبتّ أنّ الأحلام لا تغزو إلاّ في حالة الغضب وطهّرت بسحابك المدينة من أوثانها أعتذر من جديد لأنّي رأيت النّاس يتهافتون على الحلم ذلاّ فأبيت وسكنت الموت مفتخرا وسمعنا بكلّ تأنّ صوت الفخر يبلّغ السّماء مجدك وسناؤك عندما أحرقت صدأ المدينة حتّى التهب فناديت مروّعا تذكّرت بصوت أخيل بحشرجة صوت المقهورين بحسرة »جوبيتير« كلّ سجّان غالبه الهوى فتخمّر بأباطيل الخيال واستند إلى أكداس التّضاليل فأفاق على وقع نيران الغضب وصهاريج أنين الجرحى وصراخ يملأ الأرجاء هل مات هل مات فلفّ الصّراخ السّماء والأرض واعتلى صوتك إماما فاهتدت بنبراته الملايين في كلّ الأرجاء وعلى امتداد الأوطان وتواصل جريان النّهر المذبوح مهدّدا وطالت الصّرخةُ الصّرخةَ لا خوف بعد اليوم فقد طلعت شمس المدائن وانقشع السّحاب مهرولا متذلّلا أعتذر فأنا لست معهم ولست منهم أنا أعتصر لصرخات المساجين وأنين الجياع في كلّ الأصقاع أتابع التّرنيم المتوحّش الأملس أنا مع صلوات الموتى أنا مع الشّهيد حيث قبّل زهرات الأقحوان في كلّ الأزمان مع هدير الحمام الحزين مع الصّرخات التي اندفعت من شقوق الزّمان مع الشّمس التي تقاتل الأهداب الورمة أعتذر لكلّ قوافل الشّهداء وأنين الجرحى وصوت العبور نحو الأمان أعتذر لصرخات شقّت السّماء فكانت النّداء وأبرقت في كلّ الأرجاء أعتذر وأقف واجما فلن يكون لوجهك وصف لأنّك الصّدى لأنّك كنت أوّل الكلام لأنّك قهرت الزّمان وأسكتّ أصوات الظّلام فكنت أكبر من الكلام أعتذر من جديد فأنا لم أصاحبهم يوما وكنت أعشق قلع الأصنام هذا الغبار المتدلّى على أطراف السّحاب فهطلت مطرا تطهّر المكان فكيف أعطيك شكلا كيف أسمّيك أيّها الصّديق في العري أيّها الثّائر عن الرّدى ماذا أسمّيك فقد أسكنت العروق غليانا وألهبت الكلمات فرسمت للصّامتين خطّ العبور رسمت للسّاكنين أشكال الأصوات رسمت للغاضبين أزمان الصّلاة وناديت مؤذّنا أنّك صديق »الغفّاري« وكتبت بطبشورة الزّمان أنّ التّاريخ الذّي درسناه ركام وأنّ الأيّام التي سلكناها قبور وأنّ مدننا أزهار وعطور أعتذر لكلّ الصّمت الذي يسكن الأموات للصّمت الذي هدّ أركان الاعتذار أعتذر للشّهداء في كلّ فضاء في كلّ صباح وفي كلّ مساء أعتذر للأنبياء، للعذراء فأنا لست منهم ولكن مع سكّان الأحياء الذين هرعوا لصرخات الشّهداء الذين طردوا اللّيل وأجهروا بأصواتهم وسط لهيب النّار فكسّروا أسوار الخوف في وضح النّهار والتقوا على أهازيج التّهاليل وصاروا أسرابا يخيفون الظّلام هتافا : هذا قليل، هذا قليل، لن نتفرّق من جديد أمام حرص الأمير فقد رسمنا مواعيد للكلام تهدّ صور الأزمان فكتبنا الحياة على أفواه الصّامتين اعتذر لكل الذين نادوا بأصوات مجرحة أعتذر لكلّ الدّموع التي غسّلت الشّهداء فقد قرّرت أن أكتب كيف توشَّى الماء بالماء وكيف تربّينا على خفض الأصوات فولدت عندنا الكلمات صامتة وصوت المرأة عورة ونسينا أنّ التّاريخ ليس سريرا وأنّ العورة في القناع أعتذر من جديد فأنا لست معهم ولم أكن منهم إذ لم يكن لهم فضاء يعرف الشّمس وكان نهارهم مساء ولم يبصروا إلاّ الأهواء أنا مع الشّهداء مع الدّماء التي رسمت خطّا أنقذ الإنسان في كلّ مكان وسكب الأوحال على كلّ قتّال وسجّان أنا مع الذين رسموا بأقدامهم أشجان التّاريخ وقد أسكن الطّغاة الفقر مدنهم وطبعوا على الصّقيع بأجسامهم عناوين الأزمان للعراء الذي سكنهم مع الذين سكبت عليهم أطنان الأكاذيب فأغنوهم بالأباطيل والتّضليل مع الذين عاركوا الأزمان وشظف العيش مع الذين صرخوا طويلا في وجه السّجان وهدّوا بصرخاتهم كلّ الأسوار وهتفوا أنّنا ولدنا أحرار ولن نعود إلى قبور الصّمت وكهوف السجّان وأنّ تونس لن تكون إلاّ للأحرار.