بتنا نتحدث جميعا مثقفين وإعلاميين ونقاد في الآونة الاخيرة عن ضرورة تفعيل الفعل الثقافي زمن الثورة وخاصة بعدها لصالح تونس وثقافتها وغدها بعد ان يستتب لنا الامر والامن اثر انتخابات المجلس التأسيسي يوم 23 أكتوبر 2011. هذا الحديث »في« و »عن« الشأن الذي لا يقل أهمية، بل هو الأهمية عينها في بناء تونسالجديدة، تونس الحرية، تونس الكرامة، تونس العدالة الاجتماعية، ليس لنا بديل فيه عن الثقافة والفن والجمال كدعاة صارخين منذ الزمن الاول للإغريق والرمان وكل الحضارات الانسانية المتعاقبة على ضرورة ترسيخ وتفعيل هذا الثلاثي العجائبي الرائع. الفن وحده القادر على صنع الحريات والفن وحده الأقدر على تحقيق كرامة الوطن والمواطن من خلال مصالحة شرعية مع الهوية والخصوصية التونسية اضافة الى الانفتاح على الآخر بكل صنوفه وثقافاته، بل وحساباته ودسائسه ايضا حتى لا نلدغ من »الغير« ولو لمرة واحدة! والفن وحده الجدير بتحقيق العدالة الاجتماعية للفرد صلب المجموعة من خلال خطاب خير مخير غير مسيّر ينتصر للحق والاخلاق فقط. كل هذا جعل بعض المتحمسين منا للثقافة والفن يلقون باللائمة في عديد المناسبات على الاحزاب التي لم تطرح الى حدود كتابة هذا العمود برامجها الانتخابية، بل سمعنا شظايا كلمات ومهاترات وصراعات في ما بينهم، اما الأجندة السياسية لهذا الحزب او ذاك فهي على التّرّة، فما بالك بالمشاريع الثقافية فهي خارج التّرّة أصلا. هذا الأمر الذي نعيبه على الاحزاب أعتقد جازما انه فينا، فمن غير المنطقي والمعقول ان يظل الفنان التونسي بعد الثورة كحاله قبلها... في حالة تأهب وترقب لمشاريع الاحزاب الثقافية، والحال انه أي الفنان الأجدر من غيره من السياسيين والمتحزبين على طرح البديل الثقافي الذي يودّه لنفسه ولشعبه. الثقافة فعل يُفتكّ ولا يهدى... والا سقطنا مرة أخرى من حيث لا ندري والحال اننا ندري، هذه المرة في التبعية الفكرية لأي حزب من الاحزب. الفن فعل انساني صرف ينطلق من الانسان ليصنع أخلاقه وذائقته انطلاقا من محيطه وفي علاقة راسخة بمجتمعه وسياسته وسياسييه، والفنان الحقيقي والأصيل لا ينتظر »منّة« من أحد، بل هو الذي يمرّن النفس والغير على الانصياع الى فنه وابداعه فيغدو السياسي تابعا لأفكاره وتصوراته ورؤاه... ومتى تحققت الثورة ثقافيا كان وقعها عظيما سياسيا واجتماعيا واقتصاديا. على الفنان التونسي الآن وبالذات وحتى لا يفوته مرة اخرى ما فات ان يجد لنفسه مكانا بين شعبه، ليس من المهم ان يكون في الصفوف الامامية او الخلفية، المهم ان يكون له مكان هو من ينتزعه لا يأتيه في شكل مكرمة. غير مهم الموقع بل الاهم التموقع، فان انتزاع الفنان مكانا له في الصفوف الامامية يفتح المجال والطريق للنخب كي تتقدم اكثر نحو الافضل شأنه في ذلك شأن عصى موسى التي شطرت البحر شطرين ليعم الخير... وان كان في المواقع الخلفية فهو الأقدر على المراقبة والترقب... وان كان موقعه ذات اليمين او ذات الشمال فهذا الموقع ايضا يمنحه أحقية الاحاطة والحيطة في الآن ذاته. المهم في كل ما تقدم ان يتحرك الفنان التونسي اليوم بالشكل الصحيح والفاعل في مثل هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها تونس ليصنع تاريخه وتاريخ وطنه بآلياته الخاصة وأفكاره المتخصصة وأخلاقه الشمولية... وليترك للأحزاب حق الاختلاف والخلاف وأفكاره المتخصصة وأخلاقه الشمولية... وليترك للأحزاب حق الاختلاف والخلاف في ما بينهم كما يشاؤون وكما هم متعودون... على ان يظل الفنان في أي موقع كان من المواقع الثلاثة الآنفة الذكر... فنان الفكر والتفكر، مراقبا حينا، محيطا أحيانا وتقدميا دائما... فذاك هو الدور السرمدي والمحوري والأحق للفنان... مواطن بالاساس بدرجة فنان مفكر ومذكر لعل الذكرى تنفع »المتحزبين«!