أعود بكم مثلما وعدتكم إلى الساحة الكبيرة بمدينة ميلانو الايطالية مسقط رأسي ساحة »DUOMO« التي تنتصب بها اكبر واقدم كنيسة هناك والتي تحمل اسمها... هذه الساحة التي هي قبلة كل الزوار من الايطاليين ومختلف الجنسيات الاخرى فهي »كالشانزيليزي« و»سان ميشال« في باريس مثلا، اذ من يقول »ميلانو« يقول »DUOMO« وتحيط بهذه الساحة افخر المطاعم وأقدمها ومنها خاصة المطعم المشهور »ماكدونالد« وهي سلسلة مطاعم عالمية... (أمريكية طبعا) معروفة بأكلتها السريعة وأسعارها المنخفضة، ومن ورائها توجد ساحة اخرى صغيرة تسمى piazza dei mercanti تقام بها معارض الكتب كل يوم تقريبا وكذلك اجتماعات الاحزاب والجمعيات والتظاهرات بأنواعها ومن أشهر مقاهي مدينة ميلانو توجد بهذه الساحة مقهى »زوكا« »zucca« وكان يؤمها كبار الكتاب والشعراء بالعاصمة والمثقفون ومازالوا في هذه الساحة التي يعجز اللسان عن وصف الاجواء الدائرة بها كل يوم وعن الانهج والشوارع المحيطة بها والتي تحمل اسماء كبار السياسيين والزعماء الذين ساهموا في توحيد ايطاليا وتقدمها وكذلك اسماء بعض الادباء والعلماء والاعلاميين وغيرهم... في هذه الساحة احتفلت الجالية التونسية بثورة 14 جانفي حيث طلب ابي من أمي ان تلبسني حلة جميلة لننطلق نحو الساحة التي تبعد بضعة امتار من منزلنا وهاهي الاعلام التونسية ترفرف وهاهم التونسيون وقد اقبلوا بالمئات ليهتفوا: تحيا تونس... تحيا الثورة... وها اني اجد نفسي محمولا على الاعناق حاملا علم تونس (انظروا الفايس بوك) وهاهي امي الايطالية الفرنسية تشاركة في الاحتفال هاتفة: »تاهيا تونس« vive la revolution« وبما ان الثورة التونسية هي ثورة نموذجية مثلما حدثني أبي والتي نالت اعجاب العالم باسره فقد انضم كل من كان في الساحة من الجنسيات الاخرى هاتفين بحياة تونس ونجاح الثورة لتصبح ساحة DUOMO ساحة تونسية مائة بالمائة وفي خضم هذه الاحتفالات عدت لأذكر ابي بالأسئلة التي طرحتها عليه عن معنى الثورة، وسبب قيامها وعن الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان والكرامة وعن الرئيس التونسي المخلوع والحكومة المؤقتة، وانتخابات المجلس التأسيسي التي تتحدث عنها التلفزة كل يوم و... واذا بأبي كان »شحيحا« في اجوبته واجابني: يا بني ان المسؤولية السياسية تقتضي من المسؤول عن دولة ما ان يكون مؤتمنا على حياة الناس وسلامتهم، وأعراضهم وممتلكاتهم، وبلادهم، وسلامتها واستقلالها، وبالتالي فهو الذي يتحمل المسؤولية تجاه كل شخص من الاشخاص وبدل الاستجابة لرغائب الشعب في التغيير والحرية، واعتماد الديمقراطية، فإن رئيسنا السابق المخلوع، واجه هذه المطالب بمزيد التعسف فكان لابد ان يغادر سدة الحكم وهو ما حصل فتم خلعه وترحيله خارج البلاد لتقوم ثورة الكرامة ويستعيد الشعب امره... فقلت: BEUM... وهي كلمة تعني التعجب وعدم فهم اي شيء قال ابي: أعرف انه كلام يصعب عليك فهمه واستيعابه عندما تكبر ستعرف كل شيء مما ذكرته لك... اما الآن فلنواصل مشاركة ابناء وطننا الاحتفال بالثورة... اهتف معي ومع الاخرين تحيا تونس... تحيا الثورة... قلت: نعم يا ابي VIVA TUNISIE VIVA LA REVOLUZIONE فسألت أبي مرة اخرى: لمن تلك الصورة الكبيرة التي اشاهدها كل يوم منذ أن فتحت عينيّ والمعلقة بغرفة الجلوس بمنزلنا؟ قال ابي هي ص ورة الزعيم الكبير الحبيب بورقيبة محرر تونس وباني نهضتها... وهو ايضا موضوع اخر ستعرفه عندما تكبر وعندما تقرأ كتب التاريخ وخاصة تاريخ تونس.