لعله لأول مرة في تاريخ نشاطاتها الموجهة الى العمال بالمهجر ومدّ جسور التثاقف والحوار مع بلدان الاقامة، تحتفل جمعيات تونسية غير حكومية ناشطة بفرنسا بالذكرى الواحد والخمسين للاستقلال الوطني. ويأتي هذا الحدث السياسي بأبعاده الاجتماعية والثقافية الذي سيحتضنه ملعب الكوستيار بمدينة نيم الواقعة بالجنوب الفرنسي، بمثابة المنعرج اللافت في اداء الجمعيات ومدى التزامها بمبادئ الاستقلال وقيم الجمهورية وبخاصة لدى الأجيال الجديدة من الهجرة وذوي الجنسيات المزدوجة. التظاهرة الثقافية التي سينظمها اتحاد مواطني الضفتين بمدينة نيم والذي يرأسه الصديق منصف القروي ستشهد عديد الفقرات الهامة منها ما هو فني ويتعلق بغناء فرقة ماما أفريكا التي يقودها الملحن أحمد الماجري وبمشاركة منيرة حمدي وماجدة اضافة الى عرض مسرحي يقدمه الوجه الفكاهي المعروف سفيان الشعري، ومنها ما هو تاريخي ويتعلق بمعرض يقدم لأجيال المهاجرين فكرة واسعة عن نضالات الشعب التونسي ضد الاستعمار الفرنسي وكذلك مكاسب دولة الاستقلال وكما ستنظم الجمعية على هامش هذا الحفل معرضا للصناعات والملابس التقليدية التونسية والتي لها علاقة بالاصالة والتراث الوطنيين. ومن المتوقع ان تحضر هذا الحدث عديد الشخصيات والوجوه السياسية والاعلامية والفنية الفرنسية اضافة الى ممثلي الجاليات العربية وبخاصة المغاربية منها. ومن خلال هذا العمل اللافت لاتحاد مواطني الضفتين بمدينة نيم الفرنسية، تبرز عديد الأبعاد والدلالات الوطنية الهامة على الساحة الفرنسية وخاصة مدى الانخراط الواعي لجمعيات غير الحكومية الناشطة في المهجر في الاحاطة بالمهاجرين فكريا واجتماعيا وسياسيا وتمتين الروابط الثقافية بالبلد الأصل. وكما يُعد هذا الجهدخطوة بارزة في مساعي جمعيات الهجرة لفك ثنائيةالاغتراب والتطرف التي تمثل أوسع جغرافيا تأطيرية للشباب المهاجر بأجياله المختلفة والذي يواجهه ألوانا من الاقصاء والتهميش سواء على مستوى الشغل أو الادماج الاجتماعي وحتى الانخراط الفعلي في مجتمعات الاقامة ولعلّ الاحداث التي عرفتها فرنسا خلال العام الماضي والمتعلقة أساسا بتمرد شباب الهجرة للمدن المتاخمة للعاصمة الفرنسية احتجاجا على أوضاعهم البائسة خير مؤشر على تعقد ظروفهم وصعوبة ادماجهم برغم صفة المواطنة التي يتمتعون بها قانونا. وان كانت فرنسا تضم اليوم اكثر من خمسة ملايين مسلم، فإن قضية التصويت مازالت تؤرق الجمعيات الناشطة في الهجرة، مثلما تؤرقهم الخطابات السياسية المعادية للعرب والمسلمين في فرنسا التي ستعرف خلال الفترة القليلة القادمة تنافسا هائلا في الانتخابات الرئاسية حيث من المنتظر أن يشكل كالعادة ملف المهاجرين وشباب الهجرة حصان طراودة لبعض المرشحين في خطوة لاستمالة جانب هام من المجتمع الانتخابي.