تونس تسجّل أعلى منسوب امتلاء للسدود منذ 6 سنوات    عاجل/ رئاسة الحكومة: جلسة عمل للنظر في تسريع إتمام هذه المشاريع    عاجل/ تحويل جزئي لحركة المرور بهذه الطريق    مأساة على الطريق الصحراوي: 9 قتلى في حادث انقلاب شاحنة جنوب الجزائر    عاجل/ أمريكا تجدّد غاراتها على اليمن    وزير الرياضة يستقبل رئيسي النادي الإفريقي والنادي الرياضي البنزرتي    لماذا اختار منير نصراوي اسم 'لامين جمال" لابنه؟    عاجل: إدارة معرض الكتاب تصدر هذا البلاغ الموجه للناشرين غير التونسيين...التفاصيل    اتخاذ كافة الإجراءات والتدابير لتأمين صابة الحبوب لهذا الموسم - الرئيسة المديرة العامة لديوان الحبوب    قسم طب وجراحة العيون بالمستشفى الجامعي بدر الدين العلوي بالقصرين سينطلق قريبًا في تأمين عمليات زرع القرنية (رئيس القسم)    عاجل/ زلزال بقوة 7.4 ودولتان مهدّدتان بتسونامي    تونس.. زيادة في عدد السياح وعائدات القطاع بنسبة 8 بالمائة    أجور لا تتجاوز 20 دينارًا: واقع العملات الفلاحيات في تونس    الليلة: أمطار رعدية بهذه المناطق..    الشكندالي: "القطاع الخاص هو السبيل الوحيد لخلق الثروة في تونس"    جريمة قتل شاب بأكودة: الإطاحة بالقاتل ومشاركه وحجز كمية من الكوكايين و645 قرصا مخدرا    القيروان: انتشال جثة طفل جازف بالسباحة في بحيرة جبلية    عاجل/ العريّض خلال محاكمته في قضية التسفير: "هذه المحاكمة ستعاد أمام الله"    تعاون ثقافي بين تونس قطر: "ماسح الأحذية" في المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للمونودراما بقرطاج    مدنين: مهرجان فرحات يامون للمسرح ينطلق في دورته 31 الجديدة في عرس للفنون    معرض تونس الدولي للكتاب يختتم فعالياته بندوات وتوقيعات وإصدارات جديدة    "نائبة بالبرلمان تحرّض ضد الاعلامي زهير الجيس": نقابة الصحفيين تردّ.. #خبر_عاجل    عاجل/ تسجيل إصابات بالطاعون لدى الحيوانات..    عشر مؤسسات تونسية متخصصة في تكنولوجيا المعلومات ستشارك في صالون "جيتكس أوروبا"    منوبة: احتراق حافلة نقل حضري بالكامل دون تسجيل أضرار بشرية    تعزيز مخزون السدود وتحسين موسم الحبوب والزيتون في تونس بفضل الأمطار الأخيرة    غرفة القصّابين: أسعار الأضاحي لهذه السنة ''خيالية''    سليانة: تلقيح 23 ألف رأس من الأبقار ضد مرض الجلد العقدي    مختصون في الطب الفيزيائي يقترحون خلال مؤتمر علمي وطني إدخال تقنية العلاج بالتبريد إلى تونس    فيلم "ميما" للتونسية الشابة درة صفر ينافس على جوائز المهرجان الدولي لسينما الواقع بطنجة    حزب "البديل من أجل ألمانيا" يرد على تصنيفه ك"يميني متطرف"    فترة ماي جوان جويلية 2025 ستشهد درجات حرارة اعلى من المعدلات الموسمية    جندوبة: انطلاق فعاليات الملتقى الوطني للمسرح المدرسي    بطولة افريقيا للمصارعة بالمغرب: النخبة التونسية تحرز ذهبيتين في مسابقة الاواسط والوسطيات    البرلمان : مقترح لتنقيح وإتمام فصلين من قانون آداء الخدمة الوطنية    البنك المركزي : معدل نسبة الفائدة يستقر في حدود 7،50 بالمائة خلال أفريل 2025    خطر صحي محتمل: لا ترتدوا ملابس ''الفريب'' قبل غسلها!    إلى الأمهات الجدد... إليكِ أبرز أسباب بكاء الرضيع    صيف 2025: بلدية قربص تفتح باب الترشح لخطة سباح منقذ    إيراني يقتل 6 من أفراد أسرته وينتحر    في سابقة خطيرة/ ينتحلون صفة أمنيين ويقومون بعملية سرقة..وهذه التفاصيل..    لي جو هو يتولى منصب الرئيس المؤقت لكوريا الجنوبية    الجولة 28 في الرابطة الأولى: صافرات مغربية ومصرية تُدير أبرز مباريات    الرابطة المحترفة الثانية : تعيينات حكام مقابلات الجولة الثالثة والعشرين    الأشهر الحرم: فضائلها وأحكامها في ضوء القرآن والسنة    الرابطة المحترفة الأولى (الجولة 28): العثرة ممنوعة لثلاثي المقدمة .. والنقاط باهظة في معركة البقاء    ريال بيتيس يتغلب على فيورنتينا 2-1 في ذهاب قبل نهائي دوري المؤتمر الاوروبي    جيش الاحتلال يعلن اعتراض صاروخ حوثي    أبرز ما جاء في زيارة رئيس الدولة لولاية الكاف..#خبر_عاجل    الصين تدرس عرضا أميركيا لمحادثات الرسوم وتحذر من "الابتزاز"    صفاقس ؛افتتاح متميز لمهرجان ربيع الاسرة بعد انطلاقة واعدة من معتمدية الصخيرة    "نحن نغرق".. نداء استغاثة من سفينة "أسطول الحرية" المتجهة لغزة بعد تعرضها لهجوم بمسيرة    بقيادة بوجلبان.. المصري البورسعيدي يتعادل مع الزمالك    خطبة الجمعة .. العمل عبادة في الإسلام    ملف الأسبوع.. تَجَنُّبوا الأسماءِ المَكروهةِ معانِيها .. اتّقوا الله في ذرّياتكم    أولا وأخيرا: أم القضايا    نحو توقيع اتفاقية شراكة بين تونس والصين في مجال الترجمة    اليوم يبدأ: تعرف على فضائل شهر ذي القعدة لعام 1446ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أعترف أنّي أخطأت
قصة عمر يرويها خير الدين الصالحي:
نشر في الشعب يوم 16 - 07 - 2011

❊ قبل ان نتحدث عن مرحلة السبعين، حدثنا سي خير الدين عما كنتم تفعلون خلال النصف الثاني من فترة الستينات، هل قاومتم، هل كان ثمة نشاط نقابي؟
كنت شخصيا على إتصال دائم بالأخ الحبيب عاشور حيث كنت أزوره بإنتظام رفقة الأخ أحمد المستوري في بيته وخاصة في وكالة الأسفار التي كان قد أسسها بمساعدة من شخص يدعى بالومبا، كما كان حصل من بلدية تونس على قطعة أرض في جهة لافايات نوى في البداية أن يقيم عليها نزلا لكن غيّرها فيما بعد إلى عمارة معروفة.
وحصل أن وقع تعيين الطاهر قاسم وهو أصيل قرقنة واليا على باجة فسعى إلى إبعادي من باحة عقابا لي على علاقتي مع عاشور ونظرا لاستقطابي للنقابيين الذين كانوا يتصلون بي ويطلبون مساعدتي في كل كبيرة وصغيرة، فجاء الى باجة الحاج الدامي (من جامعة الاشغال العامة) وقد توفي مؤخرا وهو الآخر أصيل قرقنة وله معرفة بالطاهر قاسم وفرض عليه العدول عن قراره بإبعادي من باجة.
أمّا الحبيب عاشور، فقد شهد تحوّلاً في شخصيته إذ أنّه أصبح على كراهية شديدة لعدة أشخاص ونقمة على آخرين خلافا لما كان عليه من قبل كرجل شهم، يدافع عن المظلومين، يؤثر الآخرين على نفسه وعلى عائلته، يذوب في خدمة الناس، ويندفع في الدفاع عن البلاد وفي مقدمتهم الشغالين.
وحتى أجيب عن سؤالك تدقيقا، فإني أقول لك أنّ الاوضاع تدهورت الى أبعد حدّ فقد أضرّ التعاضد بصغار الفلاحين وبالعمال الفلاحين وعموم الشغالين بما أنّه انتزع أملاك الصغار والضعفاء ووضعهم تحت الأغنياء يتصرفون فيهم كالعبيد. من جهة أخرى، فإنّ استرجاع الضيعات من المعمرين واسناد بعضها الى المتنفذين والمقاومين قد تسبب في بطالة العمال وبعد ذلك في نزوحهم الى العاصمة وغيرها من المدن الكبرى. ولئن استطاع ذوو الاختصاص منهم الحصول على عمل ما في مدن النزوح، فإن الاغلبية الساحقة من العمال ضاقت بهم الحال الى أبعد الحدود فانتشر الفقر والجوع والمرض، لم يكن بإمكان أيّ كان ان يفعل شيئا من باب ردّة الفعل طالما أنّ القبضة كانت شديدة الاحكام في كل مكان.
أمّا الاتحاد فقد تدهورت أموره هو الآخر وانفض من حوله العمال وحتى النقابيون المتحمّلون لمسؤوليات لانه لم يستطع خلاص اجورهم. وأوضّح لك أنّّه لم يكن معمولا بالالحاق (détachement) مثلما هو الحال الآن وحتى ينقذ نفسه من الورطة، ذهب البشير بلاغة الذي أصبح كاتبا عاما للاتحاد العام ذات يوم الى الرئيس بورقيبة وطلب منه أن يسنّ نظام الالحاق حتى يتمكن من ضمان تكوين نقابي كاف للاطارات النقابية ومهما يكن من أمر، يمكن القول أنّ الفضل في الالحاق يعود الى تلك الفترة والى البشير بلاغة شخصيا.
المهمّ كما قلت أنّ التعاضد فشل وقررت السلطة إنهاء التجربة وتدشين عهد جديد في البلاد وفي الاتحاد ومما أذكره ان الباهي الأدغم ذهب الى صفاقس ليرأس اجتماعا عاما أعلن فيه جملة من القرارات منها إبعاد البشير بلاغة من الاتحاد ودعوة الحبيب عاشور للعودة مكانه على رأس الإتحاد.
لكن قبل العودة، فرض عاشور عدة شروط منها ان يعقد مؤتمرا استثنائيا، فكان له ذلك، وبالطبع اختار مساعديه وأتى بالعديد من النقابيين الشبان وفتح أبواب الاتحاد أمام الشباب المثقف، ورغم أن السلطة فرضت عليه كلاّ من عامر بن عايشة ومصطفى مخلوف والحبيب الشاوش، فقد قوي الإتحاد وأصبح له شأن كبير ولعب دورا هاما في عديد المسائل.
وقد ساهم عاشور في تعيين بن عايشة على رأس لجنة التنسيق بتونس وتعيين مسؤولين آخرين كثيرين في عدّة مؤسسات، ومن ناحيتي أيضا، تحسنت أوضاعي كثيرا سواء على مستوى شخصي أو على مستوى الاتحاد الجهوي، كنت قلت لك أنّي حالما استعدت الاتحاد الجهوي في بداية 1970، تسوّغت له مقرّا جديدا بعيدا عن لجنة التنسيق، كما طلب مني عاشور الانخراط في الدائرة الحزبية وهو ما فعلته بدعم كبير من سي محمود الكافي، الذي نعتبره في باجة أبانا جميعا، كما أصبحت عضوا في المجلس البلدي وارتقيت في وظيفتي مع السكن في مقر العمل، وتطور عملنا في الاتحاد الجهوي حيث كان يساعدني أخي صلاح الدين الزوابي، وتحسنت أمورنا الى أبعد حدّ.
❊ ألم ترتق الى عضوية المكتب التنفيذي الوطني في مؤتمر 1970؟
كان من المفترض أن يحصل ذلك، بالنظر الى علاقتي المتميزة بعاشور، وعندما وقع اعداد القائمة الاولية لاعضاء المكتب التنفيذي المنتظر انبثاقه عن مؤتمره 1970، كان اسمي ثالثا بعد عاشور وبوراوي، لكن بعد مشاورات عديدة، اتفقنا على ضرورة الإهتمام بتقوية الجهات وخاصة منها باجة حتى نضمن تكوين المزيد من الاطارات ونؤمّن المزيد من الاشعاع.
❊ سي خير الدين، قبل أن نواصل، أريد صراحة أن أسألك عن مسألة تؤرق من هم في سنّي، كنّا في مطلع السبعينات طلبة، وفي غضون سنة 1972، حصلت الاحداث الطالبية المعروفة، وتعرض الطلبة الى كثير من العسف، والغريب بل الأغرب ان الاتحاد العام التونسي للشغل، انخرط في حملة الاعتداء على الطلبة، إلى حدّ أنّ بعض النقابيين، فضلا عن عضويتهم في لجان الرعاية أو لجان اليقظة، كانوا يلقون القبض على الطلبة ويعتدون عليهم ويحبسونهم...
»واللّه شي يحشّم« عندما أتذكر تلك الاحداث أتألّم كثيرا لأنّنا قمنا بدور معاكس لدورنا. وعندما أقول »قمنا« فأنا والله لم أفعل ذلك إطلاقا قناعة منّي بحق الطلبة في حرية التعبير والتنظيم أضف إلى ذلك أنني كنت شابا وتواقا للحرية والديمقراطية ثم إنّني كما قلت لك كنت موجودا في باجة، لكن ذلك الفعل حُسب على الاتحاد ككل وعلى قيادته ومناضليه الذين نفّذوا منهم الاعتداءات أو لم ينفذوا وأقسم لك باللّه انني مع بعض الاخوان احتججنا على هذا الصنيع، ومن ذلك انني انقطعت أو إن شئت قاطعت الإتحاد مدة 6 أشهر وتفرّغت لعملي خاصة وأنّي أصبحت قابضا. وقد شعر سي الحبيب بتلك المقاطعة فبعث لي المناضل النقابي المعروف في قطاع الداخلية المرحوم أحمد المستوري فشرح لي موقف الإتحاد وخاصة منه موقف الأخ الحبيب عاشور ومبرّراته، وأعلمني ان سي الحبيب يدعوني إلى العودة للنشاط لأنّ أمامنا عمل كبير ينتظرنا، فرجوته إبلاغ سي الحبيب غضبي على »العملة الفاسدة« في حقّ الطلبة لكنّه عاد وأكدّ لي انّ سي الحبيب مصرّ على عودتي للنشاط وعلى ترتيب الأمور في باحة وترك الكتابة العامة للإتحاد الجهوي والاستعداد للالتحاق بالمكتب التنفيذي الوطني.
❊ لكن لم تقل لي سي خير الدين ماهي المبررات التي جعلت الاتحاد وقيادته يعتدون على الطلبة؟
المسألة بسيطة وتتمثل في ان الحبيب عاشور لما عاد الى الاتحاد منذ ماي 1970، أقام علاقة قوية جدّا مع الهادي نويرة ومع الحزب، وهو يعتبر نفسه جنديا لدى بورقيبة، ينفذ ما يأمره به. ولا تنسى هنا أنّ الاحداث الطالبية التي تتحدث عنها جاءت أشهرا قليلة بعد مؤتمر المنستير الاول للحزب الاشتراكي الدستوري. وهو المؤتمر الذي كانت فيه الغلبة لمجموعة التحرريين ومنهم كما تعلم السادة أحمد المستيري والباجي قايد سبسي وحسيب بن عمار والحبيب بولعراس والصادق بن جمعة وآخرون.
ولئن كان هؤلاء أغلبيين في المؤتمر، فإنّ بورقيبة فرض عليهم قرار تعيين اعضاء الديوان السياسي من طرفه بدل انتخابهم كما طلبوا هم.
وبإعتبار أنّ الأخ الحبيب عاشور كان ملتزما مع السيد الهادي نويرة ومنسجما معه تمام الانسجام، فقد وافق على قرار الرئيس بتعيين أعضاء الديوان السياسي كما وقف بكلّ قواه الى جانب نويرة في المؤتمر ولعب فيه دورا كبيرًا كبيرًا جدّا وساهم بقسط وافر في تغليب كفّة نويرة على المستيري وأصدقائه وحتى أعطيك صورة دقيقة عن الوضع، أقول لك أنّ المبارزة كانت تدور بين عاشور كممثل لجناح نويرة والبشير زرق العيون كممثل لجناح المستيري لتفهم المكانة الكبيرة التي كانت لعاشور في الحزب إضافة الى الاتحاد ثم إنّه كان يشارك في تسمية المسؤولين من الوزراء إلى المتعمدين مرورا بالرؤساء المديرين العامين، كما أنّه مثلا فرض تسمية عامر بن عايشة ككاتب عام للجنة التنسيق الحزبي بتونس المدنية »حاجة وحويجة«.
❊ ما معنى ذلك؟
أوّلا، هو شخص فرضوا عليه أن يجعله عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد العام مع مصطفى مخلوف والحبيب الشاوش.
فالحاجة ثانيا أنّه بتعيينه في لجنة التنسيق، أبعده عن العمل اليومي للاتحاد والحويجة أنّّه جعله عينا له في أهمّ لجنة تنسيق.
حينئذ، بهذا الشكل من الشراكة مع نويرة والتداخل بين الحزب والاتحاد، لم يجد عاشور مفرّا من الانخراط في حملة الاعتداء على الطلبة سنة 1972 التي قام بها الحزب، وجنّد لها النقابيين والعمّال، والذين انتبه الكثير منهم الى الخطأ الذين هم بصدد إتيانه فتراجعوا وغضبوا.
وأذكر هنا من باب الطرائف أنّه كان انعقد اجتماع كبير في قصر الرياضة بالمنزه شارك فيه الحزب والمنظمات الوطنية ومن بينها الاتحاد، وذلك قصد التنديد بالانتفاضة الطالبية، وقد تداول المسؤولون على الخطابة: نويرة، الفرجاني بلحاج عمار والحبيب عاشور وغيره...
❊ قال سي الحبيب كلمات أو عبارات مازالت راسخة في الأذهان هل تذكرها؟
أذكر تحديدا أنّه قال »الماويست« (نسبة إلى ماوتسي تونغ) في بلادهم، و»اللينينست« (نسبة الى لينين) في بلادهم، واحنا بورقيبيست (نسبة الى بورقيبة) في بلادنا.
صحيح قال هذا تقريبا، ولكن هناك أكثر، فقد كان من الطلبة من هم أيضا متشيعين إلى الثائر العالمي شي غيفارا وإلى الزعيم الكوبي فيدال كاسترو، وعوض أن يقول سي الحبيب عن أنصار كاسترو، »فيداليست« أو »كاستريست« قال »كوبيست« (les cubistes) فانفجرت القاعة ضحكا.
المهم أنّها في الخلاصة »عملة فاسدة« وقد عبّر سي الحبيب في مناسبات لاحقة عن ندمه عليها، لكن ماذا تريده ان يفعل في ذلك الوقت، وقد انطلق في عمل جبار صلب الاتحاد وكان منسجما مع نويرة الى أبعد حدّ، وارتفعت مكانته في الحزب والدولة، وكلمته لا تردّ في اي مجال وبشأن أيّ مطلب.
وزاد الهادي نويرة فردّ الجميل لصديقه عاشور بإلغاء الفصل 51 من مجلة الشغل الذي كان يمنع التفاوض في الأجور، فقوي جانب الإتحاد وانطلق في مفاوضات العقود المشتركة والقوانين الأساسية والتي مثلت مكسبا ضخما جدّا للاتحاد والنقابيين والشغالين وللبلاد بصفة عامة، ويجب أنّ أذكر هنا أنّ التعاون بين الاتحاد والحزب كان كبيرا ومثمرا في أغلب الاحيان حيث كانت تعقد اجتماعات مشتركة بين المكتب التنفيذي للاتحاد والديوان السياسي للحزب وبين الهيئة الإدارية للاتحاد واللجنة المركزية للحزب لحلّ اي إشكال يطرأ.
سي الحبيب كان قويا في الحزب وفي الاتحاد خطط لمؤتمر 1973 ونجح فيه بالشكل الذي رآه، وصورة النجاح، ارتقاء أربعة وجوه جديدة الى المكتب التنفيذي للاتحاد دون المرور على موافقة الحزب.
وهؤلاء هم مصطفى الغربي والصادق علوش وعبد الحميد بلعيد ومحدثكم خير الدين الصالحي الذي استلم قسم النظام الداخلي ومن أجل إدارته، أعطاني سي الحبيب »كارت بلانش« لذلك وبعد أشهر قليلة من مؤتمر 73، أراد سي الحبيب أن »ينظّف« المكتب التنفيذي من بعض العناصر التي لم يكن يرتاح لها أو يشك في ولائهم له فاغتنم فرصة عدم إلتحاق هذه العناصر بالاتحاد وبالتالي محافظتها على مواقعها في إدارتها ليقوم بطردها، وقد تعلّق الأمر بعامر بن عايشة ومحمد الوسلاتي ومحمد عزالدين.
طبعا، احتج الحزب على هذه العملية لكنه احتجاج ذهب أدراج الرياح، ما دام الانسجام كبيرا بين القطبين عاشور ونويرة، خاصة وانّ مؤتمر الحزب لسنة 74 المنعقد هو الآخر في المنستير كان على الابواب، وكان نويرة في حاجة أكيدة لمساندة عاشور وتترجم إلى قائمة مطوّلة من النقابيين انتخبوا أعضاء في مجلس الأمّة ومنهم محدثكم وسي الحبيب طبعا وعبد العزيز بوراوي وحسن حمودية وخليفة عبيد والحبيب الشاوش ومحمد بن عمر والتيجاني عبيد وعامر بن عايشة واسماعيل الآجري، ولا أدري ان كنت سهوت عن ذكر أحد.
رغم ذلك، كنّا نعمل، ونتفاوض، نمضي الاتفاقيات، نعقد المؤتمرات ونواجه المشاكل، وهنا أريد أن أتحدث عن اضراب حصل في شركة نقل البضائع، حيث تمترس العمال بمقر الشركة ورفضوا الحديث مع أيّ كان، بل وهدّدوا بالاعتداء على من يقترب منهم.
كاتب عام جامعة النقل انذاك هو اسماعيل الآجري، وعضو المكتب التنفيذي في نفس الوقت، ترك »أهل البلاء في بلائهم« واختفى عن الانظار، فيما كان الوضع يهدّد بالانفجار في كل لحظة.
دعوت الكاتب العام المساعد للجامعة في ذلك الوقت الأخ عبد السلام جراد ليحدثني عن التفاصيل وليقف إلى جانبي بإعتباره إبن القطاع وإبن الجامعة وبالتالي أقرب منّي الى الجامعة في نفس الوقت، تكفّل المناضلان سعيد قاقي وعبد الرزاق أيّوب بالاتصال عبر قنوات موازية بالبعض من أقطاب عمال الشركة المضربين وبالمؤثرين منهم، فأمكن لي الالتقاء بهم والحديث معهم وتفهم مطالبهم من خلال اجتماع كبير عقدناه في مقر الشركة. في الاثناء، اتصل سي الحبيب من الخارج، حيث كان في مهمّة، بالسيد الشاذلي العياري وزير الاقتصاد آنذاك واتفقنا على عقد جلسة تفاوضية تمت فعلا في اليوم الموالي وخلالها حققنا مطالب العمال وحللنا الاضراب ونجحنا في العملية وأذكر أنّه وقع اعداد محضر جلسة، طلب مني الشاذلي العياري امضاءه نيابة عن الاتحاد، فقلت له أنّ كلمتنا كنقابيين أقوى من اي امضاء وسننفذ من جانبنا ما اتفقنا عليه، أمّا الامضاء فأرجو أن تتركه للأخ الحبيب عاشور وهو ما تم فعلا. لقد انتبهت الى أنّ هناك بعض المغالاة بل رغبة في احداث مشاكل كلّما سافر عاشور الى الخارج وتوليت أنا نيابته، بل إنّ المغالين وأصحاب المشاكل والفتن، حرصوا على الانفراد بعاشور عند عودته من مهمته وقدموا له صورة مغلوطة عن القضية وطريقة فضّها وذهبوا حتى الى فرض اصدار قرار في حلّ جامعة النقل، أملوه مباشرة على الاذاعة لتبثه مباشرة دون الرجوع إليّ أو استشارتي.
والحقيقة أنني تألمت من هذا التصرّف الأهوج وحاولت أن أشرح الموقف لسي الحبيب كما حصل، لكن الجماعة كانوا قد سبقوني، وزاد سي الحبيب فعجّل بإتخاذ قرارات الحلّ وإقصاء كافة أعضاء مكتب الجامعة بمن فيهم الأخ عبد السلام جراد رغم أنّه كان قد ساهم معي في تجاوز الاشكال وحلّ الاضراب وتحقيق المطالب.
لذلك وإحتجاجا على هذا التصرّف، لم أشارك في إصدار قرارات الإقصاء رغم مسؤوليتي في النظام الدّاخلي ولكنّي فعلت المستحيل من بعد حتى تمكّن الأخ عبد السلام جراد من الفوز في مؤتمر نقابته الأساسية.
أمّا إسماعيل الآجري، فقد إستغل موقعه في مجلس الأمّة ليهاجمنا ويهاجم الحبيب عاشور شخصيا، وتوتر العلاقة بيننا حتى أننا أصبحنا لا نكلّم بعضنا البعض.
وزاد سي الحبيب فأطرد الأخ أحمد عمارة، وهو للأمانة نقابي أصيل ومتمكّن من الملفات ويحذق التفاوض ويعتبر من مؤسسي الإتحاد والحركة النقابية في جهة الكاف، كان في ذلك الوقت عضوا في المكتب التنفيذي مكلّفا بالإعلام وبإدارة جريدة الشعب في مقرّها القديم الكائن فوق مقرّ الاتحاد الجهوي للشغل بتونس حاليّا في نهج محمد علي، دعانا سي الحبيب لإجتماع عاجل في مكتبه، فحضر من حضر، 5 أو 6 و7 لا أذكر أمّا المرحوم الأخ أحمد عمارة فقد تأخر بعض الوقت، كان مكتبه بعيدا بعض الشيء، ثم ربّما كان أمامه ملفّ أو مقال لابد من إتمامه، المهمّ أنّه لم يتأخر كثيرا في تقديري الخاص لكن سي الحبيب إعتبره تأخيرا مطوّلا وربّما قلّة اكتراث بالموضوع أو قلّة إحترام لشخصه.
فلمّا فتح أحمد عمارة الباب ودخل بعد نحو نصف ساعة، بادره عاشور: »هيّا تحرّك، وإنت راقد، آشبيك لتوّه« ردّ أحمد عمارة بقوله: »إحشم، يا حبيب ونقّص من العياط« فرد عاشور بمزيد من الصراخ، الشيء الذي جعل عمارة يخرج ويطبق الباب وراءه بقوّة.
بعد تناول الغذاء في منزلي بمدينة باردو، قرّرت أن أزور الأخ أحمد عمارة في مكتبه ببلدية باردو التي كان يرأسها لأستوضحه في الأمر وأهدّئ من روعه وأحاول إصلاح ذات البين.
لكن ما إن دخلت حتى بادرني بقوله: »لماذا جئتني يا سي المنافق؟«
قلت: »عيب ما تقوله يا سي أحمد، أنا جئت لأفهم منك الموضوع وأحاول الصلح بينكما فماهو المشكل؟«
قال: »عن أيّ صلح تتحدّث وانتم قمتم بوضع الشمع على مكتبي«.
قلت: »واللّه لا علم لي بالشمع«
وأنا فعلا لم أكن أعلم، فقد انتهى الإجتماع متأخرا، ومباشرة بعده غادرت مقر الإتحاد الى منزلي لتناول الغذاء، وفي الأثناء فكّرت في الإتصال بسي أحمد عمارة بما ان مقر البلدية كان قريبا.
لذلك كرّرت له: »واللّه لا علم لي بالشمع، صدّق أو لا تصدّق«
لكن أحمد عمارة إستمر غاضبا ووجه لي ولعاشور سبابا كثيرا وشتما طويلا ودعاني إلى المغادرة قبل أن يعلمني أنّه إتصل بالهادي نويرة شخصيا وأبلغه بالموضوع.
قلت له: »لا يستقيم هذا الصنيع منك، فليس من المعقول »أن نعطي لحمنا لغيرنا«.
قال: »أنا عملت ما في بالي، وإنتم افعلوا ما تريدون«.
من بلدية باردو، ذهبت مباشرة إلى مقرّ الإتحاد وتحديدا إلى مكتب سي الحبيب لاستفسره حول خلافه مع أحمد عمارة وخاصة تشميع مكتبه، لما دخلت، وجدته بصدد إجراء مكالمة هاتفيّة، عرفت لما أنهاها أنّها كانت مع الهادي نويرة.
قلت لعاشور: »ما خلافك مع أحمد عمارة«
ردّ: »الهادي نويرة قصّ عليّ منذ قليل ما رواه له أحمد عمارة«.
إندهشت للأمر وتساءلت في نفسي بل قلت »ان الجماعة يتلاعبون بنا، وهذه معركة بين اعضاء في الديوان السياسي لا تهمّنا في الإتحاد«.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.