الشهيد المحرر، هكذا كنت كتبت ذات 26 جويلية 2008 على أعمدة الشعب في عددها 980 لما احتفلت مدينتنا وبعض المناطق بالبلاد التونسية بعودة رفاة الشهيد فيصل الحشائشي وعدد من رفاقه في الكفاح ضد العدو الصهيوني من داخل الأراضي الفلسطينية بشمالها عبر جنوب لبنان تحديدا لما نفذ هذا الفتى عملية جريئة جدا كللت بالنجاح لكنه أبى إلا أن يزداد تنكيلا بالصهاينة المعتدين فتصدى بمفرده لفريق صهيوني جاء لنصرة من قد سحقهم الثوار من الشباب العربي الأبي فقتل منهم ثم كتبت له هناك الشهادة سنة 1991 فاحتفظ الصهاينة بالشهيد رهينة يمكن أن ?قع بجسده الطاهر المقايضة في يوم من الأيام ودفن في مقبرة الأرقام كبقية الشهداء المعتقلين وقد نسي الصهاينة ان الشهيد حي لا يموت وقد بقي فيصل حيا في خيال ذاكرة والديه والأقربين والأصدقاء رغما عن علمهم باستشهاده في حين أنهم يعتقدون أنه مات وانقضى ولم يعد له ذكر في هذه الحياة ثم نسوا أو تناسوا أنهم واقعون تحت وطأة أناس أولى بأس شديد لا ينسون معتقليهم ولا سجناءهم ولا شهداءهم لدى الغاصب فقط لأنهم لم يقبلوا به غاصبا للأرض فكيف يمكن أن تقبلوا به سجانا وقاهرا للفرد العربي ويكون التمسك بهم أكثر والاصرار على استعادته? أعظم حينما يكونون من طينة الشهداء المعتقلين في المقابر الرقمية لأن الشهيد لا يمكن أن يشار إليه على أنه رقم في حساب إجرام الصهاينة فإضافةإلى الهزيمة التي سوف لن تمحوها الأيام التي مني بها العدو الغاصب أصر رجال المقاومة الباسلة ورجال حزب الله في الجنوب اللبناني على أن تستعيد الأمة كل شهدائها من المقابر قبل معتقليها في السجون الصهيونية فاهتزت مشاعر الجميع في كل الوطن العربي لما تم تنفيذ ذلك الاتفاق التاريخي الذي طال من مجمل ما طاله شهداء تونس التي لم تبخل عن القضية الفلسطينية بشيء سواء بالمال أو بالعتاد ث? بالرجال وفي واقع الأمر إن التطوع من أجل فلسطين ليس وليد عقد أو عقدين بل يعود تاريخيه منذ سنة 1948 لما تطوع عديد الشباب التونسي لنصرة فلسطينوقابس كانت دائما في المقدمة حيث دفعت بخيرة بشبابها في هذا المجال ومازال من تطوعوا في تلك الفترة على قيد الحياة إلى يومنا هذا وكم كنت أتمنى (ولتغفر لي والدة الشهيد أمنيتي هذه ) كنت أتمنى لو أن حزب الله احتفظ لديه بالشهداء وسلمهم إلى ذويهم بعد ثورة 14 جانفي لشباب الثورة التونسية حتى ترتقي عملية التشجيع الأخيرة لرفاة الشهداء في كل من صفاقسوقابس وجربة ومدنين وغيرها إلى ?مستوى التضحية التي قدموها ولو أن شباب قابس وكل الجهات في تلك الفترة أبلوا البلاء الحسن وكانوا على قدر كبير من المسؤولية والاستعداد للتحدي والتصدي لكل شيء إذا ما علمنا بأنه في تلك الفترة كانت السلطات تضيق الخناق على الجميع وخاصة في عملية نقل الجثمان الطاهر من بيت الشهيد الى المقبرة التي أصر كل المسؤولين الرسميين بالجهة على أن يحمل النعش في سيارة الإسعاف لكن الشباب أصروا وتمسكوا بحقهم في تشييع هذا الرمز الكبير في التضحية والفدى حملا على الأعناق مصحوبا بما يستحق من هتاف وشعارات تليق بمقامه وكان لنا ذلك في ذاك?اليوم المشهود الذي ذرف فيه الجميع دون استثناء رجالا ونساء دموع الفخر بالانتساب إلى هذا الشهيد الذي أصبح وطنا في حد ذاته يعتز الجميع بالانتماء اليه ويفخر بأنه ابن الجهة في وقت عز فيه الشعور بالانتماء إلى الوطن وأقول اليوم دون مبالغة بأنه في ذلك اليوم عديد المناضلين والحقوقيين من تنبأ خيرا بمستقبل الشباب التونسي أمام ذاك التحدي و الإصرار على تشجيع الشهيد بطريقتهم وتحت سيطرتهم إلى آخر لحظة له على وجه هذه الأرض قبل أن يوارى الثرى الطاهر جسده المعطر بشذا الشهداء والصالحين وكان آخر عهده بقابس مدينته التي أحبه? نشيد الثورة أنشده أصحابه ورفاقه وعائلته ومحبو الفدى من أجل الحرية بقابس وكانت تلك المحطة الثانية لتكريم الشهيد بعد تحريره من براثن الصهاينة من طرف المقاومة الباسلة بلبنان ثم جاء دور الاتحاد الجهوي بقابس الذي خصص قاعة اجتماعات الكبرى لتحمل اسم الشهيد فيصل الحشائشي رمزا للنضال والتضحية باعتبار ان هذين العنصرين هما من أهم مكونات الحراك النقابي بتونس ثم جاء التكريم الرابع من بلدية قابس التي وضعت احد الانهج المدينة تحت اسم الشهيد فيصل الحشائشي ومازلت مؤمنا بانه لم يستوف حقه كاملا مقابل ما قدمه وفي الاونة الاخي?ة وفي اطار احتفالات السفارة الايرانية بذكرى قيام الثوة نظمت عديد التظاهرات الثقافية والادبية والسياسية بمركزها الثقافي ودعت إليها عديد الوجوه التونسية من أهل الاختصاص وكانت المفاجأة الكبرى ان تخصص السفارة قاعة كبرى لتعليم الفارسية بالمركز الثقافي الايرانيبتونس لتضعها تحت تسمية قاعة الشهيد فيصل الحشائشي في لوحة مذهبة بخطوط عربية متميزة ترافقها صورة الشهيد حيث تمت بالمناسبة اقامة محاضرة تحت عنوان الانسان الكامل واعتبر الجميع بان الشهيد في المطلق يمكن ان يطال الكمال بحكم جسيم التحضيات التي قدمها واي تضحية?امام روحه وجسده التي من ورائها نال شرف الاية الكريمة ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله امواتا بل احياء عند ربهم يرزقون الم يبلغ الكمال من كان حيا يرزق عند ربه بعد مماته؟ وهل تتقبل الذات الالهية شيئا غير خالص لها والشهيد هو في سبيل الله فهو انسان كامل بحكم النص ثم سؤال لابد من طرحه هل هي تحية من سفارة فارسية مسلمة لشهيد عربي مسلم؟ هل هي نوع من المصالحة بين الشعوب المسلمة بعيدا عن التدخل الاجنبي البغيض الذي يفرق بين الجميع لاغراض صهيونية استعمارية؟ هل هي سياسة النظم العربية القديمة التي كانت تحيل بين الش?وب للتلاقح والتعرف على تراث وتقاليد بعضها البعض؟ ام انها روح الشهيد كانت جسرا يعلو فوق كل الخلافات السياسية والاديولوجية يلتقي حولها الجميع في رحاب الاسلام والتسامح؟ ما الذي اراد ان يوحي به سفير ايران للشعب التونسي بهذه الحركة غير منتظرة من الجميع في تكريم شهيد فلسطين فيصل الحشائشي و من ورائه تباعا كل الشهداء المحررين من جنوب لبنان؟ هل هي تحية خاصة من الثورة الايرانية للثورة التونسية ان يوضع اسم شهيد عربي على قاعة تعليم الفارسية بالمركز الثقافي الايرانيبتونس العاصمة؟ أم ان الثورة التونسية فرضت احترامها ?لى الجميع واعادت الاعتبار لابنائها ومناضليها وفي كل الاحوال وتحت كل المسميات لا يمكننا الا ان نرد التحية بمثلها او باحسن منها رحم الله الشهيد وجازاه عنا كل خير وتحية تقدير لكل من ذكره بخير بعد الحياة الفانية.