استبشرنا بما أقدمت عليه وزارة التربية من حركة ثورية لم نعهدها »في كل عصورها« بإقالة مديري ومديرات المدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية الذين لم يبلغوا كراسيهم الا بالتزلف و »الاستقامة« وخدمة »أهل البيت« وظهرت المقاييس الجديدة للترشح لخطة الادارة او النظارة وأهمها ان يكون الطامح للمشاركة والطامع في »الفوز« حاملا لشهادة الاستاذية على الاقل مع اعتبار العدد البيداغوجي والاقدمية العامة الخ... غير ان »اقتحام العقبة وما أدراكها« يتمثل في لجنة محادثة أحد عناصرها لا مؤاخذة على حد تعبير المصريين تجمعي صرف معتق مكشوف ومعلوم لا غبار عليه ولا ريب فيه يجهد عبثا في التستر ويرتدي ابتسامة بلهاء لا يفارقها ولا تفارقه رغم تنوع المقامات والمواقف والاحوال ويبدو انه توقف عند مقام الرضا وقراره فيه وقد بدت عليه علامات المجاهدة العسيرة لارتقاء سلم الصوفية الحزبية وتبني مقولة »اكذب واكذب حتى يصدقك الآخرون« واعتماد الردة الذاتية القائمة على ان البطولة الحقيقية هي عدم الصدق مع النفس أولا!! وآخر غائم يتأبى عن التصنيف والجدولة والحدّ مغلق الوجه محرنفش متحفز لوليمة غامضة قبل انه »متناصف« او متسربل بالنقابة يدعيها و »ما علمناه الشعر وما ينبغي له« يحرص على ان تعطيه »كاره« البيروقراطيّ السلطويّ الناشئ وهو مُنتشٍ بالانضمام الى اللجنة ولا أدري لماذا تلحّ عليّ رواية »اللجنة« لصنع الله ابراهيم كلما ذكرت اللجان على اختلافها. ربما لأن بينها قرابة ما يجلس المترشح راضيا مرضيا على شفا الابتسام يكاد يهلل لقيام الثورة ونهاية عهود الانقباض وقد حان حين من الدهر ستنصفه فيه الايام والاحتفال مقام بسببه اصلا ويلعن في سره »سميراميس« وأتباعها ويكاد يرتل جاهدا في تقليد »ماهر المعيقلي« كل آيات الغفران بعد ان ظهر الحق وزهق الباطل الزهوق!! لكن... تأتي الأسئلة باهتة حائلة مستهلكة مكررة لا نبض فيها ولا حياة تذكر بالسردين الذي ذاب ثلجه وقد عرض في سوق أسبوعية مكشوفة في يوم رمضاني قائظ كأن يندفع احد الاعضاء سائلا »ما هي المغريات التي جذبتك الى اختيار الادارة او النظارة؟« آه يا بلدي ويا كبدي! لقد اصبح العمل الوطني يحتاج الى متّكأ واصبح عشق الوطن والعمل لصالحه والسعي الى نيل شرف امكانية المشاركة في اضافة لبنة فيه يحتاج الى دليل او اغراء أفهم من السؤال انه مادي! وكأن ادراك الواجب والحق يحتاج الى دليل... أو »ما رأيك في مجلس المؤسسة؟« كأن المجلس محل اجماع وقد اصحب حقيقة قارة كالشروق والغروب ورمضان والعيد والحج والعمرة بكل طقوسهما أو »ما رأيك في النظام التأديبي؟« هل تقول انها أسئلة اصلاحية توحي بالأجوبة الترقيعية وانك بمجرد اجابتك قد انخرطت في اللعبة واصبحت طرفا فيها مما يعني انك متآمر وشاهد زور وهو ما لا يمكن ان ترضاه أم تعتمد مراوغة اللاعبين الأفارقة المنتدبين بملايين الدولارات ليمنعوا جماهير كرة القدم في فرقنا التونسية الشهيرة والمغمورة؟! لو فعلت ذلك لكنت كمن رقصت على السلم فلم يرها من كانوا فوق ولم يرها من كانوا تحت. تتم المحادثة في لحظات تقيم اثرها اللجنة دعني يا صنع الله مدى طلاقة المترشح وفصاحته وابراز قدراته الفنية في الالمام بالامور البيداغوجية وفحولته في الاقناع بالاحاطة بالقضايا المعرفية في كل المسائل المنهجية ودقائق الخفايا الادارية ولطائف الشؤون التلمذية في المرحلة الانتقالية. ينتهي اللقاء وينتظر المترشح النتيجة وقد يكتشف ان احد الفريقين ولا يدري أيهما أهدى سبيلا أو الفريقين معا غير راضين عن أدائه الطربي فيقع اقصاؤه ولو كان له من الخبرة ما يكاد يوازي عمر أحد »ممتحنيه« ولو كان عدده البيداغوجي يؤهله الى المرور او الارتقاء الآلي »للمنصب« على غرار المعمول به في مدارسنا من جرائم مازالت من الآثام والشرور المسكوت عنها حتى تبلغ مجموعة من تلاميذنا المرحلة الاعدادية ولا يعرف الواحد منها كتابة اسمه او تشكيله او رسمه! اننا نعيش والله اعلم ثورة على الرداءة بصيغة الجمع. واننا ناضلنا ضدها وضد الاختيارات البائسة عندما كنا طلبة في الجامعة التونسية منذ بداية السبعينات وتعرضنا لكل انواع القهر والمعاناة وطاردنا البوليس بكلابه المدربة وهراواته بل ان من زملائنا من غبرت اخباره في »رجيم« معتوق« وفي غياهب السجون! كنا نحارب في المنحة الجامعية بحجبها عنا ونحن ابناء الفلاحين الصغار الفقراء وكنا نحارب معرفيا ونفسيا ومعيشيا باغلاق الكليات والمطاعم الجامعية والمبيتات ان اقتضى الامر فنبقى أيتاما تجمعنا المعاناة ومضارعة الاحوال ووحدة المنشإ وتزهر بيننا الألفة والاصرار والطموح ثم كانت نضالاتنا النقابية والاقتطاع من المرتب الهزيل مع كل اضراب شرعي وهو حق يضمنه الدستور ومازلنا لا نعجب الوطنيين المرتزقة وما زال بيننا من »اللجان« من يسعى الى سرقة وطننا منا! أية مهزلة هذه؟ اصبح سماسرة الأمس وعملاؤه وعبيده وسدنته وانتهازيوه هم ثوار اليوم؟ هل أكون فجا اذا قلت ان للعلاقات الشخصية دورا صريحا في تعيين بعض المديرين الجدد وان التجمعيين وأذيال ما قبل الرابع عشر من جانفي مازالوا في مناصبهم وان تغير المكان؟ هل أقول ان »العامة« قد استغربت وجوه هذه الاسماء بل نساء الاحياءالشعبية ايضا؟ لقد اثر الكثير من المثقفين الهجرة أو »الهجّة« منهم من شرّق ومنهم من غرّب وما زال المتسلقون الانتهازيون الخاوون معرفيا وروحيا وقيميا ووطنيا »يحتلون« خططهم وكأن الرابع عشر من جانفي كذبة كبرى وكأن دماء الشهداء مرحلة بعيدة تم نسيانها بعد! إن تراكمات التهميش وسوء الاختيارات وانعدام الوطنية الصادقة وغياب البرامج الواضحة والاهداف المدروسة والمقاييس الشفافة والجادة هي التي أنتجت كل هذا الارتباك الذي يعيشه التعليم في بلادنا وانه يحتاج الى ثورات متتالية من الداخل حتى يتم الارتقاء بالمنظومة التربوية من جذورها وحتى يرتقي التلميذ الى مستوى الشهادة لا ان تنزل الشهادة الى مستوى التلميذ وحتى لا تكون معاهدنا وجامعاتنا مجرد مؤسسات لتفريخ موظفين بالقوة وعاطلين بالفعل والمصطلحان فلسفيان لمن يهمه الامر ان الكفاءة والجدية والغيرة الوطنية وحدها هي المقاييس الضرورية والشروط الاساسية لكل خطة ولكل منصب حساس. اما الارتجال والبيروقراطية والتقمص فمن كوارث الثورات وان السكوت عنها خيانة للوطن وللثورة وللتاريخ والجغرافيا والبر والبحر! وعلى سبيل الطرافة المرة ما معنى ان ينصب احد تلاميذك التجمعيين مديرا في »مؤسستك« التعليمية وهو دون مستواك التعليمي والشهاداتي والبيداغوجي سوى انه يمتاز عليك ب »التقوى«؟ من اجل ذلك يجدر بهذا الصنف من »المسؤولين« ومن المنتقين اLes selectionneursب ان يتذكروا انهم منصبون وان الخطة هذه مجرد »جبدة كارطة« وانهم لا يحملون جائزة »نوبل« في البيداغوجيا رغم تسييسها وألا يحملوا الفقه لمن هن أفقه منهم خصوصا ان العهد غير العهد وان المرحلة غير المرحلة. ولابد من التذكير ان الوطنية لا تتعلم في المدارس بهذه الشاكلة ولا يمكن إنشاء الجديد بالقديم الا في الديزاين اDESIGNب وله عباقرته ومختصوه وجهابذته وان الثورة قد قامت فعلا وإن كره الكارهون. ويكفي ان نذكر ب »عمّي الحفناوي« الفذ ليعلم الجميع كيفية التعاطي مع الثورة وقيمها الجديدة ولا نرى ان يبخل وهو من هو باعطاء دروس خصوصية مجانية هذه المرة بالتأكيد في الوطنية لمن يهمه الامر غير ان العقبة الكأداء التي نشفق عليه منها لأنه طائر نادر هي صعوبة الاقناع بأن الوطنية عقيدة أو لا تكون!