حجز 22392 كراسا بين مدعم ونصف مدعم    قطر تستضيف قمة عربية إسلامية طارئة بعد الهجوم الإسرائيلي    وزير الشّؤون الدّينية يلتقى رئيس مجلس شركة مطوّفي الحجيج    إحالة سهام بن سدرين ومبروك كورشيد على أنظار القضاء في قضايا فساد مالي    عاجل: أكثر من 12 مليون كراس مدعّم متوفر في المكتبات    Kaspersky تطلق الحلّ الجديد Next XDR Optimum لتعزيز الأمن السيبراني للمقاولات المتوسطة    تونس تستعد للفيضانات: تنظيف أكثر من 2400 كلم من القنوات قبل الخريف    وزارة الصحة واتصالات تونس: شراكة استراتيجيّة لتسريع رقمنة الهياكل الصحية    "كيف الدنيا تدور بيك ... امشي للطبيب يداويك" شعار الاحتفال بالاسبوع العالمي لامراض التوازن    أضواء على الجهات :ميناء الصيد البحري بغار الملح يحتاج الى رافعة والى عملية توسعة لتعزيز دوره الاقتصادي    تأجيل رحلة السفينة قرطاج على خطّ تونس - جنوة - تونس: التفاصيل    جلسة عمل بوزارة المرأة حول برامج التعاون والشراكة مع جمعيّة قرى الأطفال " س و س"    منظمة الصحة العالمية تؤكد عزمها البقاء في مدينة غزة..    أسقط عشرات الضحايا .. هجوم دموي في الكونغو    الأمريكيون يحيون ذكرى هجمات 11 سبتمبر    اليوم: أسطول الصمود يبحر في اتّجاه بنزرت    فرنسا شعلّت: حرائق وسيارات مقلوبة ونهب في الشوارع...شفما؟    الرابطة الأولى: برنامج النقل التلفزي لمباريات الجولة الخامسة ذهابا    الرابطة الأولى: تشكيلة مستقبل سليمان في مواجهة الأولمبي الباجي    الرابطة الأولى: الأولمبي الباجي يعلن إصابة أحد ركائز الفريق في الأربطة المتقاطعة    أمطار متفاوتة في ولايات الجمهورية: أعلى كمية في قلعة سنان بالكاف    تونس تشارك في البطولة العربية للمنتخبات في كرة الطاولة بالمغرب من 11 الى 18 سبتمبر الجاري    افتتاح مرحلة ما قبل البيع لتذاكر مونديال 2026 (فيفا)    علي الزرمديني: الهبّة الجماهيرية العالمية أربكت الكيان    انخفاض ملحوظ في درجات الحرارة..#خبر_عاجل    بعد تقلبات الأمس كيف سيكون الطقس هذا اليوم؟    ارتفاع مؤقت في الحرارة يسبق انخفاضها مطلع الأسبوع المقبل    بعد منعها من الغناء في مصر.. هيفاء وهبي تواجه النقابة قضائياً    تطوير جراحة الصدر واستعمال أحدث التقنيات محور لقاء بوزارة الصحة    تقُص ظوافرك برشا: اعرف الأضرار قبل ما تفرط فيها!    عاجل: هشاشة العظام أولوية وطنية: نحو القيام بإجراءات جديدة    تفاصيل جديدة عن هجوم الدوحة.. 10 قنابل لم تدمر مقر حماس    اريانة:جلسة عمل لمتابعة أشغال تهيئة فضاء سوق مُفترق الإسكال    جدل واسع بعد تدوينة للإعلامي لطفي العماري حول «أسطول الصمود»    التظاهرات العربية ودورها في إثراء المشهد الثقافي العربي    عودة ثقافيّة موفّقة    كتاب «المعارك الأدبية في تونس بين التكفير والتخوين» وثيقة تاريخية عن انتكاسات المشهد الثقافي التونسي    نحو تطوير جراحة الصدر في تونس ودعم البحث العلمي    السبيخة.. امطار مرفوقة بنزول البرد بأحجام متفاوتة    عاجل/ موكب زفاف ينقلب الى مأتم إثر حادث مرور بهذه الطريق الوطنية    بنزرت: حجز كميات هامة من المواد الغذائية المدعمة وتحرير محاضر اقتصادية    طقس الليلة: سحب رعدية وأمطار بالشمال والوسط ورياح قوية بالسواحل    من الخميس للأحد: جدول كامل للمباريات والفرق اللي باش تتواجه مع الأربعة متع العشية    جلسة عمل في وزارة الصحة حول المخبر الوطني للجينوم البشري    المركز الوطني لفن العرائس يستقبل تلاميذ المدارس الخاصة والعمومية في اطار "مدارس وعرائس"    بورصة تونس تتوج بجائزة افضل بورصة افريقية في نشر الثقافة المالية    عاجل/ نشرة متابعة: أمطار غزيرة بعدد من الولايات ورياح قوية تتجاوز 80 كلم/س..    مدينة دوز تحتضن الدورة ال57 للمهرجان الدولي للصحراء من 25 الى 28 ديسمبر المقبل    الديوان التونسي للتجارة يُوفّر كميّات من مادة القهوة الخضراء    الزهروني: شاب يفقد عينه في معركة بين مجموعة شبان    النجم الساحلي يتعاقد مع المدافع الكيني الفونس اوميجا    المسرحي التونسي معز العاشوري يتحصل على جائزة أفضل مخرج في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي    بالفيديو: شاهد كيف سيبدو كسوف الشمس الكلي في تونس سنة 2027    تونس في الواجهة: محمود عباس يكرّم كوثر بن هنية عن فيلم "صوت هند رجب"    مدرستنا بين آفة الدروس الخصوصية وضياع البوصلة الأخلاقية والمجتمعية...مقارنات دولية من أجل إصلاح جذري    شهدت إقبالا جماهيريا كبيرا: اختتام فعاليات تظاهرة 'سينما الحنايا' بباردو    الخسوف الكلي يبدأ عند 18:35... إليك التفاصيل    ''الخسوف الدموي'' للقمر يعود بعد سنوات...شوف شنيا أصلو في مخيلة التونسي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نعم سنقول «لا» تَوْ تَوْ
أفكار متقاطعة يكتبها: ناجي الخشناوي
نشر في الشعب يوم 17 - 09 - 2011

لا يختلف تونسيان في أن التجربة السياسيّة في تونس كانت مشوّهة ومشلولة لأسباب يعلمها القاصي والداني ويمكن أن نُجملها في دكتاتورية الحكم في «جمهورية» ما بعد الاستقلال بنسختيها البورقيبيّة والنوفمبريّة...
والتجربة السياسية موصولة حتمًا بالوعي السياسي، هذا الذي انحسر طيلة نصف قرن فيما يُعرف بالطبقة السياسية في مختلف تلويناتها وخطوطها، بمعارضتها وموالاتها، وهو ما ساهم في غلق قنوات التواصل بين «الطبقة السياسيّة» والقواعد الجماهيرية المعنية بالشأن العام فظلت تلك الجماهير طيلة حكم بورقيبة وبن علي «بضاعة مٌعلَّبة» تُباع وتُشترى زمن «المسرحيات الانتخابية» السابقة...
أمّا اليوم، ورغم عدم التخلّي عن سياسة القطيعة بين ما اصطلح عليه بالنخبة وبين الشعب، ورغم تعدّد المؤشرات السلبيّة والسالبة لمواطنة المواطن، فإنّ التجربة السياسية التي سيُقدم عليها الشعب التونسي من خلال المشاركة في انتخاب أعضاء المجلس التأسيسي الوطني تحمل في عمقها عديد المؤشرات الممكنة للقطع مع سياسة الوصاية والاستحواذ على ادارة الشأن العام... ويكفي اليوم ان يجلس كل مواطن الى نفسه ويسأل كيف سأختار من يمثلني ولماذا؟ هذا طبعًا بعد ان يكون قد آمن بأن صوتًا واحدًا من شأنه أن يحدّد وجهة هذا المجلس والكف عن الاستخفاف بقيمة الصوت الواحد... وبالتالي بقيمته انسانا اولاً ومواطنا ثانيا.... وهي الدرجة الأولى للدخول في التجربة السياسيّة... بوعي بسيط، ولكنَّه عملي في مرحلتنا الراهنة...
نعم انا مواطن، نعم أنا مواطنة... نعم من حقنا ومن واجبنا أن نقول «لا»... ولكن لمن سنقول «لا» ولماذا؟
أمّي، أبي، أخي، أختي، جارتنا، بائع الدجاج، سائق التاكسي، عامل البلديّة، الطالب، المعلم، الممرضة، الفلاح، الميكانيكي، الخبّاز... كل الفئات الشعبيّة وكل القطاعات وكل الجهات وكل مواطن تونسي قادرٌ من موقعه أن يُنجح الانتخابات لو فكّر بطريقة عكسيّة، أي قبل أن يقول «نعم» لهذا المرشّح عليه أن يعرف لماذا سيقول «لا» للمترشح الآخر... وأعتقد انّ القرائن المعزّزة لقول «لا» «ملقاة على قارعة الطريق» بفضل ما راكمته السياسة السابقة من غباء مفرط من جهة وبما يأتيه اليوم بعض السياسيين من تكالب وتهافت غبي على السلطة من جهة ثانية ليكونوا بذلك أوفياء للذهنية التجمعية... وهذا ما سيسهل عمليّة الفرز بين القوائم التي قد تبدو كثيرة بعد أن هوَّّلَتها وسائل الاعلام والحيوانات السياسيّة المٌصابة باسهال كلامي لتعسير المهمة على المواطن ...
إذ يكفي مثلاً أنّ «أمّي» لا تعرف حزب العمال الشيوعي التونسي ولا حركة الوطنيين الديمقراطيين ولا حركة التجديد ولا الاتحاد الوطني الحرّ ولا حزب الوطن ولا حزب الوحدة الشعبية ولا حزب التنمية والعدالة ولا الجبهة الشعبية التقدمية ولا الحزب الدستوري الجديد ولا حزب التكتل ولا التحالف الوطني للسلم والنماء ولاحركة النهضة ولا حزب الاصلاح والتنمية...
لا تعرف هذه الأحزاب وغيرها، ولا رؤساء القوائم، ولا المناضلين التاريخيين أو القادمين اليوم على بساط الدولار والأورو... لا تعرفهم رغم المعلقات الاشهارية الضحمة ورغم الومضات اليومية في التلفزات والاذاعات والصحف....
«أمّي» لا تعرف هذه الاحزاب ولا باقي قائمة المائة ولكنها تعرف بالاسم والفعل في مدينتها أن من كان مع «التجمع» سابقًا يحرم الفقراء والمحتاجين من علب الطماطم والزيت والأقلام والكراسات ويأتي اليوم في جبّة جديدة وتحت يافطة حزبيّة مفضوحة ستقول له «لا»... «لا» أيها التجمّعي لن أمنحك صوتي.. ولن أمنحك فرصة جديدة لمواصلة ما جٌبلتَ عليه من زيف وسرقة وكذب وبهتان...
«أمّي» ليست مُتعلّمة ولم تدخل مدارس أو جامعات ولكنها تبكي كل يوم من غلاء أسعار الخضر واللحم والغلال ومواد التنظيف...(وفي لاوعيها تسأل لماذا لا يساعدها والدي في الطبخ والتنظيف)... وبوعيها المحدود تعرف أمي أن حٌفَرَ الطريق أمام دارها تسبب فيها بدرجة أولى المسؤول البلدي التجمعي الذي يعتني بما أمام بيته فقط، وأن فوانيس الشارع الأمامي مٌعطبة بفعله هو... وأن المدينة تفتقر إلى محطة سيارات الأجرة وأن مياه الرَّي لا تٌوَزّعٌ بالعدل بين الفلاحين، وأن الطلبة يٌحرمونَ من المنح الجامعية لأنهم لا ينتمون الى طلبة التجمع؟؟؟ وتعرف أيضا أن المسؤولين السابقين أقاموا «شكلا حجريَّا» في مدخل المدينة بمئات الملايين وقالواإنّه تمثال وأن المستشفى والمدارس والمعاهد والمؤسسات الثقافية والأراضي والبنية التحتية كلها تخلّفت بفعلهم هم... ولذلك ستقول لكل النسخ التجمعيه «لا» ثم «لا»...
«أمّي» أيضًا تُصلي وتصوم وتقيم فرائضها الدينية وتتمنّى ان تزور البيت الحرام ومع ذلك لم تُلزم أختي يومًا ما بارتداء الحجاب عنوة وهي لذلك ستقول «لا» لأصحاب المشاريع الظلاميّة المتسترين بواجهة بلوريّة سيهشمونها بعد قليل... ستقول «لا» وهي التي لا تستطيع أن تلفظ تركيب «مشروع ظلامي».. ولكنها تعرف ان ابنتها من حقها أن تشتغل ولا تبقى في البيت تنتظر رجلاً... وتعرف أنها هي وحدها المسؤولة عن اختيار الحجاب من رفضه...
«أمّي» سَتٌكَوّنٌ وعيّا سياسيًّا بسيطًا يشبهها، وستساهم من موقعها في انتخابات المجلس التأسيسي وسأساعدها على فرز صوت الحداثة والعقلانية والعدالة الاجتماعية والديمقراطيّة... وهي التي لا تعرف هذه المصطلحات والمفاهيم، ولا تدري ما معنى الانتقال الديمقراطي والتداول السلمي على السلطة والتوزيع العادل للثروات بين الجهات والقطاعات... وسأقنعها بأنّه حتّى لو لم يُثمر صوتها وصوتي ما نحلم به فإنه تكفينا المساهمة الإيجابية أولاً من موقعنا البسيط وسأقنعها أيضًا، وهي تعرف ذلك، أننا كثرٌ جدًا في البلاد... وأن ما ستفعله هي ستقوم به إمرأة أيضا من بنزرت وأخرى من جربة وثالثة من بن عروس لانهنّ يلتقين في الألم والفقر.. وفي الحلم...
وأمي أيضا لا تعرف أن مدينتها وكل المدن التونسية والوضع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي في وطننا لن يتَحَسَّن «تَوْ تَوْ» على الطريقة «الرَّيَاحيَّة»، تعرف ذلك وهي التي سألتني لماذا كل تلك الاشهارات لحزب «تَوْ تَوْ»المرسومة على اللوحات الكبيرة وعلى الحافلات وفي التلفزات؟ سألتني لماذا لمْ يَشْتَرِ هذا الحزب مقلا حاويات فضلات ويوزعها على الأحياء والشوارع في المدن ويكتب عليها شعاره الانتخابي، وقالت لي بالحوف الواحد «على الأقل نربحوا حويجة مفيدة»...
نعم سَنَقٌولَ «لا» أنا وأمي وأختي وزوجتي وأخي... للمشروع الاستبدادي القادم من بقايا التجمّع وللمشروع الاستبدادي المتسترّ بكلام اللّه زورًا وبهتانًا... لأن «تشبيك الأصوات الانتخابية» ممكن ومتاح لكل مواطن بسيط يعلم أن انتخاب المجلس التأسيسي ليست عملية ايديولوجية بقدر ما هي عملية سياسية تخضع للمعادلات الحسابية المضبوطة...
سنقول «نعم» يوم 23 أكتوبر للقائمة التي تٌشبهٌنَا والتي لن تتردَّدَ في كتابة دستور مَدَني سيضمن حتما لأمي أن تؤدي فريضة الحج دون أن يسرقها صاحب وكالة أسفار حفر على جبينه علامة الصلاة وهي براء منه ومن أفعاله... دستور يؤكّد أن الاسلام جزء من الهوية التونسية وليس كلها، وأن السرقة جريمة في حق الوطن قبل أن تكون في حق مواطنة بسيطة مثل أمي «فضيلة»...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.