إنّ حجم التحدّيات التي تنتظر الدّول الناميّة ومن بينها بلدنا الذي يمر على حبل كمرور البهلوان تماما حيث لابدّ له ان يجتازه بحرفيّة عالية. ان الجميع يترقب خروج المنتخب الوطني من صندوق الاقتراع وسوف تمتد مقابلته على مدار الساعة بالصورة والصوت وعلى كامل ملعب الجغرافيا الوطنية وتحت الاضواء المحليّة والعالمية وسط متابعة مشاركة شرائح متعدّدة من الجمهور العريض واخرى تتابع من عرفها وعبر الشاشات بعيدة عن حركة المرور الضوضاوية والتي تجتاح الطرقات هذه الايام! وهي مخطئة في اختياراتها وهل يجوز ان يترك السياقة من شاهد او ارتكب حاد مرور؟ ان نقطة الالتقاء التي يجب الوقوف عندها وهي من اولويات المرحلة تفعيل البعد الوطني ومحاصرة الاتجاه الذي كان يطالب بالتحكيم الاجنبي في المقابلات السابقة! وهي عيّنة من عاهات الذهنية الفارطة التي ساهمت في تقزيم المحلّي امام حظور بريق الاجنبي. وهذه حالة معمّمة داخل الوجدان ولم تقتصر على التسعين دقيقة داخل الملعب الكروي فقط، بل تستمد طاقاتها من التراكمات التي لم تتمّ معالجتها من جذورها داخل غرفة العناية الوطنية وعلى سبيل المثال كانت كل الالسن تخرس بعد صفّارة التحكيم الاجنبي وحتى الهستيرية لا تجد من يصغى اليها. أنّ الاعداد والاستعداد الجيّد للمقابلات هو الذي يحدّد بشكل كبير نهايات اللعب المتواصل او اللعبة القصيرة على حدّ سواء. ومن البديهيّات ان يتمّ التعاطي مع الاسلوب الديمقراطي بالادوات الحضارية عبر الممر الحتمي وهو صندوق الاقتراع وبالتوافق على آليات الاختلاف وشكل الالتقاء والتباعد داخل دائرة التفاهم المسبق والخروج من نفق التجريح او المديح والذي طالما تحكّم وهيمن على المشهد الاعلامي طيلة عقود ولمن مازال يحمل هذا التلوث المنهجي ويعمّمُ يمينًا وشمالاً التهم والاقصاء، والتهميش عليه ان يعلم انه لا توجد اسماك نظيفة في بحيرة ملوّثة بدرجات متفاوتة وعليه ان يكون جزء من الحل لا جزء من المشكل وان مسلك التقاضي هو المسلك الوحيد الآمن للفرد والمجموعة وإنْ كان الكذب مرفوض لانه يؤدي إلى الفتنة والإرباك فكذلك الصدق إذا كانت غاية هذه الاهداف اذ لابدّ من تغيير مياه البحيرة الآسنة. ان المجتمعات التي لها عقود من عادات التعاطي مع صناديق الاقتراع قد تجاوزت الممارسات العفوية التي اتسمت بها بدايات هذه العملية في الماضي وانتقلت من نقل الخبرالى صناعة الحدث وانتجت نخبا جماهريّة وسط جمهور نخبوي والذي تمّت صياغة قناعات عبر اجيال وعبر مسالك تنظيميّة ومؤطّرة لا تخرج نتائجها من داخل دائرة المطلوب وإن بدتْ للبعض في خانة المفاجئات. ومن خلال التقنيات الهوليوديّة خرجت البطّة السوداء من قفص الدّجاج الابيض في بلاد العم سام، وضمن المنتوجات الاستراتيجية التي تخدم الأمن القومي بمهنية وحرفيّة وصلت الى حدّ صناعة »التعيين الانتخابي« بحسم من كبار الناخبين او كبار »المخرجين« ومن يدري ربّما يطلعْ من صندوق العم سام في مقبل الايام اللون الاصفر للتعامل مع التنين الآسياوي القادم بخطوات ثقيلة ولكنّها ثابتة. وكم أفْرز صندوق الدّولة العبرية »حمائم« تقود الحروب وصقورا تقود المفاوضات وتوزّعُ الادوار والاختصاصات داخل الورشة السياسية المتضاربة في تركيبتها وبنيتها واصولها والمتحركة بالتوافق على مصلحتها فتصبح الاختلافات تفاصيل امام الاولويات حتى وان ظهرت صور التشابك بالايدي في الكنيست وهذا الوضع نتيجة نقل مجتمع الشتاتْ لتجارب الأمم المتحضّرة والمتمرسة. وكذلك فعل المجمع الكهنوتي البابوي عندما وضع على رأسه الحبر البولوني ليتابع احتضار الدولة السفياتية ويرعى سكرات موت منظومتها وعندما اصبحت الحاجة ملحة إلى اختراع عدوّ جديد »الارهاب« ترأس المجمع المقدس حبرٌ متطلعٌ على الحضارة العربية الاسلامية ومن جهة اخرى عندما تعثرت خطوات البطريرك الماروني صفير نصر الله وخفّ اشعاعه في ظلّ الاحداث المستجدة في المنطقة اوكل اليه دور اخر وبرز مار بشارة الراعي واختطف الاضواء وركب القاطرة المسيحيّة وبدأ يتحرّك لأنّ الاحداث الساخنة تتطلب حركة ساخنة بكل بساطة. أما اذا التفتنا الى ملعب عمر المختار نرى حرة ظهرت سنة 1969 كظاهرة علاجيّة! وانتهت كسرطان مستحكم لا يمكن التعامل معه الا بالمعالجة الكيميائية التي تترك اعراض جانبيّة بالتأكيد واذا اردْنا ان نختصر المشهد الذي يحتاج الى الكثير من الكلام نقول: آن الآنا انتفخت وصنعت من صاحبها: الاستاذ نرجس الدائم: وحوله الاقزام الدائمة: وهي حالة من خاصيّات المجتمعات المتخلفة والعربية لها الرّيادة في ذلك حيث تختفي وراء الشعارات السياسة الجذابة والتوازعْ الطائفيّة والمذهبيّة والعرقية والقبلية والجهوية حسب طبيعة الملعب وشدّة القاليد التي تحاكي القوانين والنزعة الجهوية وصاحبها على سبيل المثال لا يمكن له الا ان يكون صغيرا مهما انتفخت صورته لانه ببساطة اختار الجزء على الكل وفي نهاية رحلته المرضيّة بجد نفسه داخل اسواره الذّاتية محاصرًا بنوازعه الصغيرة... وتعظم في عين الصغير صغارها... وفي انتظار من سيخرج من صندوق الممارسات الحضرية يكون الدستور قد سبقه إلى الملعب وأرسى الضوابط والاشارات والممكن وغير الممكن وقانون السّيْر اجمالا وهكذا تكون التقلّبات والامزجة والاهواء تحت المجهر وحتى وان برز من داخل من يحمل شيئا من هذه الصفات الانسانية!! يكون مجبرا على تركها في المنزل في انتظاره حتى يعود وسوف يحمل اسم الاستاذ »نرْجس العابرْ« والفرق شاسع بين الأول والثاني لأنّ الخلل الاساسي هو في تركيبة الذات البشرية والتاريخ مزدحم بالشواهد، ولذلك كانت أوّل مداخلة للوزير الاوّل الحالي قال: انا عندي نكران الذّات. وربما لهذه الاسباب سالفة الذكر قامت بلاد فارس القديمة بتحييد هذا الكائن غير البريء وسحبت منه المبادرة والمسؤولية وقدّمتها لمن هو فوق الشبهات!! حيث تصطف المجموعة التي سيكون من بينها من سيتربع على عرش الطّاووس ويركب كلّ واحد منهم ظهر جواده وتبقى هكذا في انتظار من سيصهل حصانه الأوّل يصبح صاحب التاج والصوالة ومن الجدير ان لا ننسى ان هذا الانسان فضّل في مرحلة من مراحل حياته صوت الحيوان على صوته. وعلى المجتمعات ان تُبرهن هل هي جديرة بصوتها ام بصوت رفيقها في العيش والبريء دائما!؟