يبدو ان ايقاعات »التأسيسي غطت على كل ايقاع ونبض آخر وتكاد ملفات عديدة وقضايا مهمة أن تنسى وتبلى ويجرفها هذا السيل الكلاملوجي الدعائي الذي لاحظنا في احايين كثيرة انه أكثر خواءً من فؤاد أم موسى وأملح من قلتة فرعون. الى درجة ان البعض من أهلنا في قلاع النضال مثل تالة وفوسانة وجبنيانة والرقاب يصدحون كلما أتيحت لهم الفرصة بأن يفرحوا بالثورة ولم يفرحوا بعد بخراجها والخوف أن يتواصل هذا الخوف بعد 23 اكتوبر في ظل ما يتراءى لهم من خلال هذا اللغط الانتخابي وما سبقه من أصداء عن أموال ومقدرات مهدورة تكفي البنك الدولي مؤونة النظر الينا ! قلت فرح أهلونا في المناطق المذكورة أعلاه وغيرها من أنحاء الوطن وبسرعة ما انطفأت جذوة ألسنة هذا الوهج بعد فوات عام الا الربع على الاندلاع... وبعد ان تغيرت الامور في أماكن كثيرة ولكن نحو الاسوإ... في البال... وفي القلب من هذه المناطق اخترنا دوز من ولاية ڤبلي لتكون قبلة لتحقيقنا على خلفية الاحداث التي جدت بها أخيرا (منطقة القلعة)، تلك الاحداث التي أسالت حبرا كثيرا... حبرا في أحيان كثيرة كريه الرائحة لأن المرازيڤ وعطرهم وعبقهم وأدبهم أطيب من كل رحيق الارض. فما بالك لو أضيفت الى هذه الشمائل رائحة المسك المنبعثة من قطرات دم الشهيد الاستاذ الدكتور حاتم بن الطاهر الذي أردته رصاصة قناص مجرم قتيلا عشية 14 جانفي دون ذنب اقترفه ولا جرم جناه أمام أنظار الاهالي المنتظرين من السماء لأي شيء سوى الرصاص... الرصاصة الوقحة هذه الرصاصة التي اخترقت جسد الدكتور حاتم ومزقته كانت عطشا وبها ظمأ لم يطفئه دم الشهيد لتتجاوزه وتصيب شابا آخر (نفس الرصاصة) كان موجودا بالصدفة خلف الشهيد وتستقر في قلبه أي في قلب الشاب المدعو علي بن محمد العيدودي الدلال (20 سنة)... هذا زرناه لنجده رفقة والده في حالة من الخوف والوجوم من هذا الكائن الغريب الذي استقر بجسمه وتحديدا في أعلى عضلة القلب ألا وهو رصاصة »شطاير« التي استعصى انتزاعها طبيا حيث ان كل محاولة لذلك قد تصيب الشرايين والأوردة الرئيسية باعتبار الموقع الذي اتخذته الرصاصة الملعونة والتي نصّت تقارير طب الاختصاص التي نتوفر على نسخة منها على خطورة مضاعفات انتزاعها في المدى المنظور... وفي هذا السياق أفادنا مصدر طبي بأن الحل المتوفر حاليا هو بقاؤها هناك الى اجل غير مسمى خاصة اذا لم تَبْدُ أعراضا لخلل ما على غرار حدوث ارتعاش في اليد اليسرى الذي يوحي »كلينيكيا« بأن في الامر خطرا مطلقا يستوجب »استعمال القوة« وهي الجراحة غير مضمونة النتائج... ظروف ... وتداعيات بعد الحديث عن الراهن الطبي عاد بنا والد الشاب علي السيد محمد العيدودي الدلال الى الوقائع والظروف التي أحاطت بالحادثة ليذكر ان صبيحة 13 جانفي كانت محطة مهمة في تاريخ البلدة. يومها تجمع نفر من المواطنين في الساحة المقابلة لمقر المعتمدية (ساحة الشهداء حاليا) على مسافة مائتي متر تقريبا من مركز الشرطة وهو ما استرعى انتباه ابني العائد من السوق ليتوقف قليلا وفي ذات اللحظة سقط امامه الدكتور حاتم بن الطاهر متخبّطا في دمائه فحاول مع الآخرين بذل ما يمكن لمساعدة الشهيد وكانت المفاجأة أن صاح بعض الحاضرين في وجه ولدي وأنت »ماذا بك«؟ عندما رأوا الدماء تكسوه وعندها أخذه أحدهم على متن دراجة الى مستشفى دوز ليقع نقله فيما بعد الى مستشفى قبلي ومنه الى مستشفى سهلول بسوسة. على هامش المصيبة... السيد امحمّد الدلاّل كان جدّ متأثر عند سماع التقرير الطبي ولكنه كان جدّ مقتنع بإرادة الخالق خاصة انه تعرض منذ سنة الى مصاب أخر وهو اصابة ولديه أيمن وثامر بحروق بليغة في حادثة انفجارات النفط المهرب وهو ما ضاعف معاناته بعد اصابة علي الذي لن يَقْوَى على أي عمل ما دامت الرصاصة تسكن جسده مضافا الى ذلك بطالة شقيقائه وأشقائه! وهنا يطرح تساؤلا كبيرا عن مصير علي وعائلته الفاقدة للسند والحيلة... فماذا لو تقع الاحاطة اكثر بهذه الحالة اجتماعيا وكذلك صحيا خاصة بالنسبة الى علي الذي قد تستوجب حالته علاجا خاصا خارج الوطن لتجنب الخطر المحدق والموت المترصد.