عاشت تونس أول انتخابات حرة ونزيهة بعد نجاح ثورة شعبها ضد الاستبداد والفساد. وقد ساد جوّ الانتخابات حماس فياض وكانت الكلمة الفصل الى الشعب. في قراءة للنتائج وبالاعتماد على ما عشته شخصيا اثناء الحملة الانتخابية حيث كنت رئيس قائمة مستقلة بدائرة سليانة وقفت على حقيقة ان عددا كبيرا من الناخبين يطلبون المال مقابل التصويت في حين هناك عدد آخر منهم لا يبالي وهذا دليل على درجة التهميش التي وصل اليها في حين هناك آخرون يشتكون من كثرة الاحزاب ويتساءلون اين كان هؤلاء قبل 14 جانفي 2011. واني أرى ان هذه الشريحة الاخيرة كانت فاعلة في الانتخابات. ففي قراءة للأحزاب الفائزة نجد ثلاثة منهم لقوا قبولا عند الناخبين وهم حركة النهضة راعى الناخبون ما تعرض له مناضلوها من قمع وقد كان يتردد اسم الحركة على مسامع الناس كل يوم اكثر من مرة قبل 14 جانفي 2011. ثم حزب المؤتمر من اجل الجمهورية حيث لم يصوت الناخبون لأعضاء القائمات بالدوائر بقدر ما كان تصويتهم للمنصف المرزوقي، ذلك ان منصف المرزوقي عندما كان بالمهجر. شوهد عدة مرات عبر عدة قنوات منها الجزيرة وهو يدلي بآراء استساغها الناخبون. أما الثالث وهو التكتل من اجل العمل والحريات فقد جلب تعاطف الناخبين معه منذ رفض السيد مصطفى بن جعفر لوزارة الصحة بعد هروب بن علي. لمست ذلك عند اتصالي مباشرة بالناخبين كما عبر لي عدد كبير من منهم عن دعمهم لي، اي ليس فقط بالتصويت لفائدة القائمة التي كنت أترأسها بل وبالدعاية لها كل في محيطه الأسري واصدقائه وزملائه بالشغل بعد ان بينت لهم اني لم اظهر بعد 14 جانفي بل كان لي رصيد نضالي قبل ذلك التاريخ من ضمنه موضوع الفساد بالشركة الوطنية للسكك الحديدية التونسية حيث كنت اشتغل والذي أثرته سنة 2004 وعلى اثره تم طردي من العمل ثم رفعت في شأني قضية جزائية اتهمني فيها ادارة الشركة بنشر اخبار زائفة وتم استدعائي من قِبَلِ النيابة العمومية وحرر محضر دونت به معطيات حول الفساد بالشركة لكن القضاء لم ينظر في هذه القضية، وفي سنة 2006 دعوت القضاء عبر الجرائد إلى محاكمتي ان كنت قد نشرت أخبارا زائفة أو محاكمة ناهبي أموال الشعب لكن دون جدوى والى يومنا هذا لا يزال المحضر حيث هو. ثم بينت لهؤلاء الناخبين ما كنت قد نشرته ايضا سنة 2009 حول المعطلين عن العمل حيث اشرت الى ضرورة تمثيلهم في المفاوضات الاجتماعية لينالوا حقهم من عائدات خيرات البلاد وعائدات الضرائب وايضا بينت لهؤلاء الناخبين ما كنت نشرته بجريدة الشعب يوم 15 جانفي 2011 تحت عنوان »الضريبة التصاعدية هي الحل الفوري لمشكل البطالة«. ان هذا الرصيد النضالي هو الذي مكنني من الفوز بالمرتبة السابعة بدائرة سليانة لكن دون الحصول على مقعد بالمجلس الوطني التأسيسي وكان ذلك رغم التقشف في المصاريف لأن من بين اعضاء القائمة خمسة معطلين عن العمل. ان هذا ان دل على شيء فانما يدل على ان هناك شريحة لا يستهان بها تصوت لمن قدم لهذا الشعب ليس الا وكل ناخب من هؤلاء اذا تم الاتصال به يصوت حسب قراءته لما قدم هذا المترشح أو ذاك. لكن ماذا بعد هذه الانتخابات؟ ان الشعب التونسي يتميز بالتفرد وذلك ما أطال في عمر الاستبداد والفساد فكل مناضل تحرك في فترة بن علي الا ودفع الثمن بمفرده فلا مناصر ولا مؤازر له وذلك مما وسعه من دائرة الخوف والاستكانة لدى المواطن لكن فجأة بعد 17 ديسمبر 2010 توحد الشعب في مواجهة الاستبداد والفساد وفجأة هرب بن علي وكأني بالشعب التونسي تذكر يوم 17 ديسمبر 2010 الآية الكريمة »ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض«. لقد عم الفساد عند استكانة الشعب ولما توحد في مواجهة الفساد كانت النتيجة فاتحاده ووقفته تلك عجلت بهروب الطاغية بن علي وهي الخطوة الاولى لوضع حد للاستبداد والفساد. لكن الى اي مدى سيتواصل هذا الاتحاد بين افراد الشعب؟ إن المتتبع للمشهد السياسي والانتخابي يقف على حقيقة تتناقض مع الوحدة. فبعد هروب بن علي، عاد التفرد أدراجه رويدا رويدا ولعل اكبر دليل على ذلك تشبث القوميين واليساريين بتشتتهم فنتج عن ذلك ضعف تمثيلهم بالمجلس الوطني التأسيسي فاذا كانت الاحزاب السياسية لها قيادات واعية قد تتدارك ذلك لاحقا فتتوحد الا ان عودة المواطن العادي الى التفرد هو الذي يثير المخاوف لدى النخبة قالمواطن العادي اذا عاد بتفكيره الى التفرد فسيلجأ الى الاستكانة والخوف من الحزب الأقوى وايضا التقرب منه خوفا وطمعا عسى ان يحظى بشغل أو أي حق من الحقوق يتوهم انه صعب المنال وهكذا تعود الانتهازية والوصولية وقد نعود حينها الى الحزب الواحد وان عدنا الى ذلك تكون الكارثة. فهذه الشريحة من المواطنين حيث لم تكن قادرة في زمن بن علي لفت انظار السلطات الادارية والسياسية الى نواقص ومظالم وتجاوزات بالبلاد فهل ستصبح اليوم قادرة على لفت انظار اصحاب المعالي الجدد الى النواقص والمظالم والتجاوزات؟ لا أظن ذلك لأن الخوف ساكن بداخلها وبالتالي قد يعم الفساد مجددا. إن عامة الناس بقدر ما يشدهم مشاهدة برنامج الاتجاه المعاكس بقناة الجزيرة لما يثيره من كشف لتجاوزات السلط الحاكمة بالعالم العربي وما قد يدفع هذه السلط الحاكمة الى اجراء اصلاحات ولو طفيفة الا ان عامة الناس يغيب عنها ضرورة دعم وجود اطراف قوية قادرة على اثارة النواقص والتجاوزات والمظالم للحكام المنبثقة عن الحزب الواحد ان عندنا اليه وعليه وجب عامة الناس بضرورة العمل على ايجاد المشهد السياسي المنشود وفي نظري هو تعددية سياسية قوية ومسؤولة داخل المؤسسة التشريعية ليتواصل هناك الصراع من اجل الاصلاح والا عدنا الى زمن الاستبداد والفساد.